كل كلب ينبغي أن يحظى بإنسان-قصة مترجمة

كل كلب ينبغي أن يحظى بإنسان

كوري فورد[1]

ترجمة: د. ماجد الحيدر




كل كلب ينبغي أن يملك إنساناً خاصاً به. ليس هناك أروع من تواجد إنسانٍ لطيفٍ مهذبٍ في البيت لينشر للكلب فراشه ويجلب له عشاءه حين يعود الى المنزل ليلاً وقد هدَّهُ التعبُ كما لو كان إنساناً!

إن إنساناً حسن التدريب يمكن أن يكون خير صديقٍ للكلب. فقد حدث مثلاً أن امتلكني كلبُ صيدٍ إنكليزي متوسط الحجم عندما كان في الشهر السادس من عمره، ليواظب منذ ذلك الوقت على تدريبي بنجاحٍ كامل. فعلمني مصافحته، وجلبَ كُرَته، وتعلمت أن لا أشد بقوة على الرسن حين يصطحبني للنزهة. وأنا الآن مروَّضٌ تماماً على الحياة المنزلية، كما تمكنت من جعله رفيقاً مخلصا وحميماً.

إن السر في نجاح الكلب في التعامل مع البشر يكمن في الصبر. بعض البشر بطيئون في الاستجابة، لكن الكلب الذي يتسم بالحلم ويحاول أن يضع نفسه في مكان الإنسان سوف يفوز بصديقٍ وفي. إن كلبي مثلاً قد أفلح في ترويضي الى الدرجة التي قررت فيها أن أدوّن بعض القواعد الأساسية في معاملة البشر لتكون دليلا للكلاب الأخرى التي قد تمتلك أقراناً لي.

المشكلة الأولى هي انتقاء الإنسان المناسب، إذ يجب على الكلب أن يتوخى الكثير من الدقة عند الاختيار، طالما إنه معرض الى التعلق الشديد بإنسانه حتى لا يعود من اليسير أن يتخلص منه لاحقاً إذا لم يحز على رضاه. كل كلبٍ يرغب طبعاً بامتلاك إنسان ممتاز، لكن الخصال المرحة المهذبة أكثر أهمية من سلالة النسب المكلفة. وأنا مثلاً لم يتم تسجيلي قط، لكن كلبي يحبني كما لو كنت منحدراً من سلالة طويلة من ذوي الدم الأزرق.

إن أهم ما يجب البحث عنه هو الأسنان القوية واللثة السليمة والمعطف الجيد والسلوك الواثق. وتذكّر أن تقدير الكلب واحترامه يتأثران بالإنسان الذي يسير خلفه، لذلك عليك ألاّ تقبل بنموذج مهزول أو صغير الجسم. وقبل أن تقتني رجلاً من المستحسن أن تسير به جيئة وذهاباً عدة مرات لكي تتأكد من سلاسة حركته ومرونة أطرافه.

والأمر الثاني الذي ينبغي تقريره هو إن كان ينبغي أن يتشارك الرجل والكلب في المسكن. فبعض الكلاب يفضّل وجاراً منفصلاً لأنه أكثر نظافة، لكن كلبي قرر منذ البداية أن ينتقل من فوره معي الى المنزل. وكان لي الحق في استخدام أي كرسي أشاء عدا ذلك المقعد الوثير الكبير في غرفة المعيشة فقد كان مخصصا له وحده.

إن تدريب الإنسان يستغرق بالطبع بعض الوقت. وعلى الكلب أن يدرك أن الإنسان لا يملك ما يضاهي مواهب الكلب الطبيعية وأن الخطأ ليس خطأه حين يعجز الإنسان عن فهم رغباته. إن البشر عرضة لأن يكونوا مزاجيين ومرهفين، والكلب الذي يفقد أعصابه لن ينجح إلا في تحطيم نفسية الإنسان.

إن أحد أصدقائي، والمملوك من كلب من فصيلة "سبانيارد" قد عامله كلبه في الأيام الأولى بطريقة بالغة الفظاظة؛ فعندما لم يقدم له صديقي وجباته في وقتها، على سبيل المثال، زمجر الكلب وعضه في ساقه. وكانت النتيجة أن أصيب صاحبي بحالة من الخجل من الكلاب فصار كلما أبصر كلبه قادماً هرع الى الزحف تحت الأريكة حتى قرر الكلب في النهاية أن يتخلص منه.

إن من الخطأ الفادح استخدام القوة في ترويض الإنسان، إذ ينبغي تقليل العقاب الى الحد الأدنى وقصره على حالات العصيان المتعمد. إن نظرة توبيخ واحدة يمكن أن تفعل أكثر مما يفعله الغضب وفقدان الأعصاب. ولم يحدث أبداً أن رفع كلبي براثنه نحوي، لكنه عالجني تماماً، تقريباً، من عادة الفرار من البيت. وعندما كان يراني أحزم حقيبتي، كان يكتفي بالاستلقاء على الأرض والتحديق بي في وجوم وقد أراح حنكه على قائمته الأمامية. وكنت في العادة أنتهي الى إفراغ حقيبتي وإلغاء حجزي في القطار.

ويرتكب الكثير من الكلاب الخطأ الإضافي المتمثل بالاستعجال في ترويض الإنسان. إن دقائق معدودات من التنزه في الحديقة في كل أمسية تعد كافية، كما إن الطالب سيظل متحمساً لدرس اليوم التالي. حوّل كل درس الى لعبة، وكافئ إنسانك في كل مرة يبلي فيها بلاءً حسناً. إن كل إنسان حريص على إرضاء كلبه، وسوف يستجيب بامتنان لأية التفاتةٍ عرضية مثل هز الذيل.

إن أول ما ينبغي تعليمه للإنسان هو البقاء في أثر الكلب. ولإنجاز هذا الدرس ينبغي للكلب أن يثبت إحدى نهايتي مقودٍ جلدي طويل الى طوق رقبته ويلفّ النهاية الثانية حول رسغ الإنسان كي يمنعه من الإفلات. ابدأ بالنزول الى الشارع على مهلٍ وتوقّف عند كل عامود للهاتف الى أن يدرك الإنسان أنه تحت السيطرة. قد يبدي الإنسان بعض العناد في البداية، لكن الأمر يمكن معالجته بأن ينزلق الكلب بخفة بين ساقي الإنسان ثم يلف المقود حول عقبيه. أما إذا حاول الإنسان أن يهرب متقدماً على الكلب فيكفي أن تثبت أقدامك الأربعة وتتوقف فجأةً ليهوي الإنسان على ظهره. وبعد بضع تجارب كهذه سيكون الإنسان مروضا تماماً ولسوف يتبع كلبه طائعاً مختاراً. لكن عليك أن تتذكر أن كل هذه الجهود من أجل التدريب والانضباط ينبغي أن تعد ضرباً من الرياضة، وبعد أن ينبطح الإنسان على الرصيف فإن على الكلب أن يسرع نحوه ويلعق وجهه ليريه أن الأمر مجرد مزاح.

وهناك لعبة أخرى ينبغي تعليمها لكل إنسان ألا وهي إعادة الكرة المطاطية. ولقد كانت الطريقة التي علمني بها كلبي في غاية السهولة. فقد كان يرقد في منتصف الأرضية فيما كنت أمسك بالكرة على الطرف البعيد من الغرفة ثم أدحرجها نحوه على طول السجادة لافظا كلمة "أجلبها!" بينما يراقب الكلب الكرة باهتمام وهي تتدحرج وتجتازه للتوقف تحت الأريكة. ثم أسير الى الجهة الأخرى من الغرفة وأخرج الكرة من تحت الأريكة لأدحرجها نحوه من جديد مصدراً الأمر نفسه: أجلبها!. وكان علينا تكرار الدرس الى أن ينام الكلب. وبعد أن تعودت على استعادة الكرة في كل مرة أقول فيها "أجلبها" أبدل كلبي الكرة بأشياء أخرى لألتقطها مثل عظمة قديمة أو قطعة من الورق المشمع يعثر عليها في سلة المهملات، وبهذا لم أتعلم الحفاظ على نظافة البيت وحسب، لكن الانحناء المتكرر أثبت فائدته لخاصرتي. ومسألة اللياقة البدنية مهمة للغاية؛ فالرجل الذي لا يستقيم في مشيته أو الذي تتدلى مؤخرته المتهدلة يعكس انطباعا سيئاً عن الكلب الذي يملكه. وإن أفضل طريقة للحفاظ على مظهره هي زجه بالعمل بدون توقف وعدم منحه فرصة لالتقاط أنفاسه. إن دفعه الى التسابق جيئة وذهابا على قارعة الطريق وهو مشدود الى الرسن هو، على سبيل المثال، من الأمور التي تزيد لياقته البدنية. وإذا ما حاول الإنسان أن يرتمي في مقعدٍ وثير حال عودته فإن على الكلب أن يقفز فوراً الى ذلك الكرسي ويرغمه على الجلوس على كرسي مستقيم الظهر كي يحسِّن قوامه.

تأكد من إيقاظه ثلاث أو أربع مرات خلال الليل وإرغامه على الخروج للتنزه، خصوصاً في الجو الماطر. ولنظام التغذية أهمية مساوية. فالرجل العادي يميل الى التهام كل شيء يقع تحت ناظريه، وعلى الكلب أن يمارس تأثيراً كابحاً على شهية الإنسان وذلك عن طريق تناول كل بقايا الطعام قبل أن تتاح للإنسان فرصة ذلك.

أخيراً وليس آخراً، فإن مسؤولية اختيار الرفقة المناسبة للإنسان تقع على عاتق الكلب، فإذا لم يرق له أحد الضيوف المدعوين الى المنزل فما عليه إلا التعبير عن امتعاضه عن طريق انتزاع خرقة صغيرة من سروال الضيف كتلميح رقيق. وأنا شخصيا أتطلع الى رؤية بائع الحليب في هذه الأيام لأنه الشخص الوحيد الذي يسمح كلبي بدخوله المنزل.

وليست كل الكلاب التي تحاول تربية الإنسان ناجحة مثل كلبي، والسر يكمن في "التفهم". فعلى الكلب أن يتحلى بالصبر ولا ينتابه الغضب إذا فشل الإنسان في تعلم اصطياد الأرانب أو التسلل من تحت الأسيجة كما تفعل الكلاب.

على أية حال، وكما اعتاد كلبي أن يقول: من الصعب أن تعلّم إنساناً عجوزاً حيلاً جديدة!



[1] Corey Ford كاتب أمريكي. ولد في نيويورك عام 1902 وتوفي عام 1969وتخرج من جامعة كولومبيا. عاش عازبا مفضلاً رفقة كلابه. امتاز بإنتاجه الغزير في صحف عصره ومجلاته مطوراً أسلوبا خاصا به في الكتابة الهزلية. كتب العشرات من الكتب الهزلية والأعمال المسرحية وسيناريوهات الأفلام وخدم كولونيلاً في سلاح الجو في أثناء الحرب العالمية الأولى. من أعماله المعروفة كيف تقول كم عمرك 1950، هل رآني أحدهم مؤخراً 1959، دليل الى التفكير 1961، يوم لم يحدث شيء 1959.

ليست هناك تعليقات:

بحث هذه المدونة الإلكترونية