تنيسون - تحطّم، تحطّم







تحطَّمْ .. تحطَّمْ..تحطَّمْ
ألفرد لورد تنيسون
تحطَّمْ .. تحطّمْ .. تحطّمْ
آهِ يا بحرُ .. على صخورك الرمادية الباردة.

أما أنا فليتَ لساني ينفثُ
ما يَصّاعدُ في روحي .. من خواطرِ الفِكَر
**
آهٍ .. كم جميلٌ لصبيِّ الصيادِ
أن يصيحَ مُلاعِباً أختَهُ !
آهٍ .. كم جميلٌ لغلامِ البحّارِ
أن يغنّيَ في قاربِهِ .. على الخليج !
**
وتمضي السفائنُ المهيباتُ
لمرافئها تحتَ أعطافِ التلالِ.
لكنْ .. آهٍ لِلَمسةِ يدٍ تتلاشى
وصدى صوتٍ قد سكن !
**
تحطَّمْ .. تحطّمْ .. تحطّمْ
آهِ يا بحرُ .. على أقدامِ صخوركَ
بيدَ أنّ النعمةَ الرقيقةَ ليومٍ قد احتضرَ ...
أبداً .. أبداً لن ترجعَ لي !


عن البطل العاري وبندقيتيه






عن البطل العاري وبندقيتيه!
قراءة في رواية عبد الكريم يحيى (شابٌ عارٍ يحمل بندقيتين)



في روايته الجديدة (شاب عار يحمل بندقيتين) يتناول عبد الكريم يحيى بشكل رئيس مفهوم البطولة: بجوانبها النفسية والاجتماعية والتاريخية. وهو إذ يفعل هذا يتجنب الأسلوب التمجيدي الخطابي الذي قد يتورط فيه البعض. إنه يجرد البطولة من طابعها الخارق ويعرض البطل كما هو

: إنساناً وجد نفسه بطلاً بين ليلة وضحاها دون أن يفكر بذلك أو يضعه نصب عينيه! إنه البطل بالمصادفة ، البطل بسبب اليأس، البطل لأسباب بعضها خارج عن إرادته: الحرمان من الحبيبة .. جافشين!
البطولة هنا هروب (أو رفض) من واقع اجتماعي مرير. والبطل إذ يقرر الانضمام الى الثوار وتوجيه بندقيته الى العدو الخارجي فإنه يعد قراره قبل كل شيء رفضا لإذلال ولظلم داخلي متراكمين. ولهذا لا نجد البطل يتحدث كثيرا في "السياسة" أو "الايديولوجية" أو "القومية".. إنه يعرف شيئا واحدا .. إنه مظلوم، مسلوب من حقه في الحياة والحب والكرامة!
في النسخة التي قرأتها وعشت ولادتها قبل أن تدفع للطباعة، والتي حذفت منها أجزاء لأسباب لا أعرفها، كانت الرواية تبدأ في زمن مستقبل. مستقبل لا يشي بكثير من الأمل رغم التغيرات المظهرية؛ فالسارد يعود الى مدينته من بلاد الغربة ليجدها (بعلاقاتها الاجتماعية ومنظومتها القيمية) كما تركها قبل سنوات طوال باستثناء أنها قد تحولت الى قرية متضخمة حديثة المظهر ما زالت سلالة الآغا تتحكم فيها متلاعبة بسلطة القانون المدنية،  حتى أننا نرى أحد أفراد عائلة الآغا وهو يصول ويجول ويروغ من عقوبة على جريمة قتلٍ طائشة بفضل نفوذه العشائري تماما مثلما يفعل أحد أسلافه عندما يحصل بفضل نفوذ ابيه وماله على عفو خاص باعتباره يساريا ملاحقا من العهد الملكي رغم أنه يحكم بالإعدام غيابياً  بسبب قتله فلاحا شيوعيا تجرأ على تحدي سلطة أبيه!
 

وفي رحلة السارد في مدينته يبحث عن سر هذا التمثال المنتصب في وسطها: تمثال لشاب نصف عارٍ يحمل بدقيتين، فيأخذنا مستخدما تقنيات الفلاش باك وتداخل الأصوات والنبش في أوراق من مذكرات البطل الرئيسي، يأخذنا في رحلة مثيرة مليئة بعشرات التفاصيل (هل تحسب كثرتها له أم عليه؟) في أجواء القرية الكردية عبر قرن من الزمان: تفاصيل عن الحب، الزواج، الطفولة وألعابها، الثأر، سطوة الحكام المحليين، العلاقات الاجتماعية، تحولات الوعي السياسي والديني والطبقي، جمال الطبيعة وقسوتها.. الخ.
ودلير، الشاب البيشمركة الذي كان يغتسل عاريا في نبع الماء وقد لطخ جسده بالطين بدلا عن الصابون، يفاجأ بجنديين من العدو جاءا لحمل الماء فيقرر بسرعة خاطفة أن يهاجمهما قبل أن يهاجماه، فيجرح أحدهما ويغنم بندقيته ثم يشرع بالفرار عاريا وهو يحمل بندقيته علاوة على البندقية المغنومة، فيما يبدأ جنود الفوج المرابط قريباً من النبع، الخائفون الذين لا يعرفون ما الذي جاء بهم الى هذه البيئة الغريبة المعادية، بإطلاق نارٍ عشوائي كثيف يغطي على رعبهم. وتنتشر الحكاية، وتأخذ أبعاداً واسعة: تتحول في حكايات الثوار التي تتوارثها الأجيال الى هجوم بطولي من دلير يقتل فيه ثلاثة جنود ويجرح الرابع ويسقط فوجاً كاملاً ويشعل فتيل انتفاضة تجبر العدو على الفرار من المنطقة، وتتحول عند الجيش النظامي الى (هجوم لأكثر من مئة مسلح من العصاة من جهة.. ومجموعة أخرى بعدد مماثل من جهة أخرى.. خسائرنا جندي جريح.. خسائرهم عشرة قتلى.. قمنا بانسحاب تكتيكي!)
أعتقد بأن عنوان الرواية نفسه يحمل الكثير من المدلولات؛ إنه شاب عارٍ إلا من طيبته وأحزانه، وهو يحمل بندقيتين ربما في إشارة الى إنه يحارب على جبهتين: داخلية-نفسية-اجتماعية وأخرى مع عدوٍ خارجي يحاول إركاع شعبه! ومأساة دلير المتهور، الحالم، العاشق، الذي يقتحم الموت، المتمرد الذي يسجن لمخالفته الأوامر العسكرية لقيادة الثورة، مأساته أنه لا يستطيع الذوبان. إنه يريد أن يغرد بأغنيته الشخصية البسيطة في عالم تصم فيه الآذان أصوات الرصاص وأنين القرى المقصوفة وضربات السياط. إنه في النهاية (لا يريد شيئاً سوى جافشين) وهو رغم بطولاته الشخصية التي صارت كالأساطير لا ينسى إنسانيته وحبه للسلام وتجرده من الأحقاد، فيكتب في مذكراته أن "الحرب أقدم الحلول وأغباها وأكثرها بدائية وتكلفة وعقما. لا أحد يحبها ولكن إذا اقترب شبحها ستخوض غمارها سواء بحريتك أو مجبرا للدفاع عن نفسك.. الحرب استمرار للسياسة بوسائل أكثر غباءً وعنفاً ودموية"
ربما لن يفاجأ القارئ بأن البطل المقابل antagonist  في هذه الرواية (والذي يكاد يحتل مساحة موازية لمساحة دلير) ليس سوى الآغا (الجد والإبن والحفيد وابن الحفيد الخ) إنه، منذ أجيال وأجيال، الجامع لكل السلطات، الذي يتحالف أحيانا مع رجل الدين ولكن من منطلق العلاقة الشرقية القديمة بين العالِم والحاكِم. ويتحالف على الدوام مع أصحاب النفوذ في الموصل وبغداد والانكليز الخ مهما تغيروا وتبدلت مسمياتهم وشعاراتهم. إنه يتحكم (بسلطة الطاغية الأبوي) بأدق تفاصيل الحياة الشخصية لأتباعه-رعاياه، ويفرض همينته على آغوات القرى المجاورة وهم من أقربائه الأقل منه بطشاً وله القدرة أيضا على التكيف مع تحولات السلطة والتحايل على القوانين بل وحتى التحالف مع الثورة الناهضة واحتلال مواقع مهمة فيها.( في إحدى الالتقاطات المهمة وذات المغزى العميق يكتشف الشباب الهاربون من ظلم الأغا أن ابنه يستلم منصبا قياديا في صفوف الثوار!)
والعجيب أن صور الحفيد والابن والجد تختلط في النهاية في الذهن وتغيب الحدود بينها؛ فالبطش والقسوة هما السمتان الغالبتان على تصرفاتهم، وتهديد سلطتهم ونفوذهم هو الخط الأحمر الذي يمكنهم أن يرتكبوا دونه أية جريمة. وهم إذ يقدمون على القتل بدم بارد يفلسفون جرائمهم (رغم اختلاف مستويات ذكائهم) مرددين دون وعي ما يلجأ اليه الطغاة من مبررات على مدى التاريخ: أقتل كي لا تقتل. الحزم حليف الظفر. كن ميت القلب. الله يريدهم فقراء الخ
في روايته الثانية هذه (بعد روايته أغنيات الطريق الى حلبجه – 2014) يريد عبد الكريم يحيى، القادم بقوة وثقة من عالم النقد الأدبي الى عالم الرواية، أن يقول الكثير من الأشياء في صفحات قليلة، وأن يسرد الكثير من الأحداث ويرسم صوراً قلمية للعديد من أبطاله، وهذه بالطبع، غواية يصعب التملص منها دون الإمعان في التكثيف والتتابع السريع للفصول والمشاهد المتداخلة، رغم أن الكاتب-السارد (ربما بسبب خلفيته النقدية  وقراءاته النهمة) لا يستطيع امساك نفسه في بعض الأحيان عن الاسترسال في عرض أحكامه ووجهات نظره الشخصية في بعض الأحداث والتحولات. وأنا شخصياً أتأمل منه أن يصل هذا الجزء بأجزاء أخرى.

صدرت الرواية مؤخراً في 172  صفحة من القطع المتوسط عن دار سبيريز للطباعة والنشر في دهوك وصمم غلافها الفنان نجم الدين بيري. لوحة الغلاف من جريدة أخبار لندن المصورة في 9 تشرين الثاني 1895 .

(نشرت في جريدة الزمان البغدادية)

الكتاب الالكتروني إحدى السمات البارزة لعصرنا








الكاتب والمترجم د. ماجد الحيدر:

الكتاب الالكتروني إحدى السمات البارزة لعصرنا
حوار أجراه : حسين رشيد
نشر في مجلة تواصل الصادرة عن هيئة الاعلام والاتصالات العراقية، العدد 55، آذار  
2013





حتى فترة قريبة نسبيا كانت حياتنا تسير بوتيرة تقليدية، مجالات الحياة وصناعاتها معلومة، الوقت مقسم بين العمل والراحة ومزاولة اي هواية، لكن بعد حين تغير الأمر، وأخذت الحياة تقفز بشكل سريع ورهيب، وتغيرت الكثير من الأمور وتبدلت الكثير من الأشياء التقليدية، التلفزيون الراديو الهاتف الأرضي، الكومبيوتر الذي يعتبر آخر التكنولوجيات. دخلت منظومة الاتصال المعلوماتية الى حياتنا كزائر غريب في البدء، الا انه ما لبثت حتى تحولت الى احد افراد العائلة. ولم تكتف بذلك بل انجبت اختراعات وابتكارات مذهلة، ارتبط بعضها بالبعض، عبر تطور متسلسل، فالتطور الهائل في الشبكة المعلوماتية اوجد لنا مجالات كثيرة وفتح ابواب المعرفة والثقافة على مصرعيها امام الفضول المعرفي الانساني. وما يهمنا هنا هو الكتاب الالكتروني، ذلك الوليد الذي كبر ونما بشكل سريع، ودخل كل الأوساط والمعارف والفنون، وأخذ يشاكس الكتاب الورقي التقليدي في بادء الأمر، الا انه ما لبث أن أصبح منافسا شرسا له، في سوق القراءة والانتشار. عن مفهوم، وآليات، وشروط، وصناعة الكتاب الالكتروني، كان لمجلة تواصل هذا الحوار مع احد المهتمين الأوائل بالكتاب الالكتروني في العراق، الكاتب والمترجم د. ماجد الحيدر.

*الكتاب الالكتروني يوفر للقارئ خيارات هائلة في الوصول الى المصادر أو البحث الموضوعي و"المفرداتي" فيها والتنقل بينها والإبحار غير المقيد في عالم المعرفة.

*قد يعمل الاستخدام المكثف للروبوتات والذكاء الاصطناعي وتقنيات الاتصالات الحديثة على تقليل ثوري في ساعات العمل أو بقاء الأم والأب داخل المنزل وإنجاز أعمالهم من هناك.

*ليس من الصعب على وزارة الثقافة أن تقوم بتعيين عشرات من بناتنا وأبنائنا وتخصيص مكان صغير وعدد مناسب من الأجهزة البسيطة ليقوموا بتصوير ورفع الآلاف المؤلفة من الكتب والمخطوطات التي شحت نسخها أو يتهددها الضياع والتلف.

  • كيف يمكن توصيل فكرة الكتاب الالكتروني لغير المختصين، ومتى ظهر الى الوجود؟

-           يعرِّف قاموس أوكسفورد الكتاب الالكتروني (e-book) بأنه "نسخة الكترونية من كتاب مطبوع يمكن قراءتها بواسطة الكومبيوتر أو جهاز محمول خاص" ، ويتفق أغلب المؤرخين على أن الأمريكي "مايكل هارت" هو الذي اخترع الكتاب الالكتروني عام 1971 عندما فكر في تحويل إعلان الاستقلال الأمريكي الى نص الكتروني يمكن نقله وتوزيعه الى عدد كبير من مستخدمي الحاسبات، ثم طور فكرته ليحولها الى مشروع لأول مكتبة الكترونية في التاريخ سماها مكتبة "غوتنبرغ" تيمناً بالألماني الذي اخترع الطباعة الحديثة. وقد كانت فكرته هذه في ذلك الوقت (الذي سبق وجود الحاسبات الشخصية، وشبكة الانترنت العالمية، وعندما كانت الحاسبات نفسها آلات نفيسة معقدة باهظة الثمن لا يستطيع اقتناءها وتشغيلها غير الحكومات والشركات الكبيرة) ضرباً من الأحلام الثورية التي أثارت استغراب (بل وسخرية) الكثيرين. إلا أن عبقرية هذا الرجل وشخصيته المكافحة المتجردة من الأطماع (ضمن عوامل أخرى) قد جعلت من الكتاب الالكتروني في النهاية حقيقة واقعة وإحدى السمات البارزة  لعصرنا.

  • صناعة الكتاب الالكتروني، ونشره تعتبر لغزا حتى اليوم باعتبار أن هذه الصناعة جديدة على البشرية، ماذا تقول في ذلك؟

-          هناك طرق مختلفة لصناعة الكتاب الالكتروني. صناعة أول الكتب الالكترونية (مثل تلك التي صنعها هارت) كانت عملية صعبة تحتاج الى خبير مختص بالحاسبات ليقوم برقمنة الكتاب، أي تحويل النص المطبوع الى نص الكتروني وإدخاله الى الحاسبة (تخيل مثلاً أن الحاسبات الأكثر تطورا في ذلك الوقت – والمعروضة في المتاحف حاليا- كانت تستخدم نظام البطاقات المثقوبة ولغات إدخال في غاية التعقيد). ومع تطور الحاسبات وانخفاض أثمانها وظهور لغات البرمجة الأكثر سهولة، ثم أنظمة التشغيل الحديثة مثل الدوس والوندوز، وكذلك برامج معالجة النصوص (مثل حزمة برامج الأوفس) أصبحت عملية تحويل الكتاب المطبوع الى كتاب الكتروني (رقمي) أكثر سهولة. غير أنها ظلت تعتمد على إعادة طباعة الكتاب على الحاسوب حرفاً بعد حرف لإنتاج ملف نصي (وهي عملية شاقة ومجهدة وتحتمل الكثير من الأخطاء الطباعية). ثم كان لانتشار أجهزة المسح الضوئي (السكانر) أثر عظيم في تسهيل عملية صناعة الكتاب الالكتروني، إذ صار من الممكن تصوير الكتاب الأصلي صفحة بصفحة ثم جمع الصور وتحويلها مثلاً الى صيغة PDF لتصبح كتابا الكترونيا طبق الأصل من النسخة الورقية، وهي عملية يمكن أن يقوم بها أي هاوٍ يمتلك بعض الإمكانيات والخبرات البسيطة. ومن ناحية أخرى كان لانتشار الانترنت دور ثوري في صناعة الكتاب الالكتروني ناهيك عن تداوله؛ فلو عدنا الى مايكل هارت ومشروع مكتبة غوتنبرغ سنجد أنه لم ينجح خلال 16 عاماً من بدء مشروعه إلا في إنتاج 313 كتاباً رقمياً، غير أن عام 1987 (وبسبب انتشار الانترنت) شهد الخطوة الكبرى التالية: فقد تمكن هارت من تجنيد عدد من المتطوعين في أرجاء العالم لإرساء الأسس للبنية التحتية للمواقع العاكسة mirror sites والقوائم البريدية mailing lists الأمر الذي أحدث ثورة في مشروعه الذي نما بعدها بسرعة عظيمة حتى بلغ مجموع ما نشرته تلك المكتبة لوحدها حتى الآن عشرات الآلاف من العناوين، مع إضافة ما معدله خمسون كتابا جديدا كل أسبوع. وتوجد الآن في أنحاء العالم الآلاف من المواقع والمنتديات والمكتبات الرقمية التي تتعاون، أفراداً ومجاميع، في صناعة وتطوير وتبويب وفهرسة وتبادل ونشر الملايين من الكتب الالكترونية بمختلف اللغات وكل ذلك لم يكن ليحدث بالطبع لولا الانترنت. علاوة على ذلك فإن الكثير من المؤلفين ودور النشر تتجه شيئاً فشيئاً الى إصدار الكتب (والمجلات والجرائد) بصيغها الالكترونية من الأصل (بالتزامن مع النسخة الورقية المطبوعة أحياناً، وبإهمال تلك النسخة في أحيان أخرى) ثم عرضها على الجمهور الراغب في اقتنائها وتحميلها من شركات بيع الكتب الالكترونية المنتشرة على الإنترنت. كما نجد أن الكثير من الكتب الورقية والدوريات المطبوعة تنزل الى الأسواق مصحوبة بقرص يحتوي على نسخة الكترونية من الكتاب (كثيرا ما تكون موسعة وتضم ألعابا أو ملفات صورية أو صوتية أو فديوية أو إضافية)، كما تلجأ بعض الشركات أو المؤسسات العامة والخاصة أو المكتبات أو الجمعيات أو النقابات الى إصدار موسوعات ومكتبات الكترونية بعضها يعتمد على تصوير الكتب الورقية أو على جمع كتب الكترونية سبق أن أصدرتها (كما تفعل المؤسسة العامة للثقافة والفنون والآداب في الكويت أو الهيئة السورية العامة للكتاب أو مكتبة الإسكندرية بمصر أو مشروع كتاب في جريدة الذي ترعاه اليونسكو). غير أن البعض منها تعد مشاريع كبيرة تحتاج الى تضافر جهود كبيرة ترعاها الدولة كما في مشاريع الموسوعات الالكترونية العامة والمتخصصة ومنها على سبيل المثال مشروع موسوعة الشعر العربي الذي صدرت منه عدة طبعات بدعم من حكومة الإمارات العربية المتحدة ويضم الملايين من أبيات الشعر وأمهات الكتب والمراجع التراثية واللغوية العربية.

  • وماذا عن الجوانب القانونية لعملية صناعة ونشر الكتاب الالكتروني؟

-          يتمتع الكتاب الالكتروني والنشر عبر الانترنت بكل صوره: الكتاب والمقالة والصورة والأغنية.. الخ (شأنه شأن الورقي) بكل حقوق الملكية الفكرية والإبداعية التي يكفلها القانون (خصوصاً في البلدان المتقدمة)، فتحرص المكتبات الالكترونية الشهيرة في العالم مثلا (كمشروع غوغل ومشروع غوتنبرغ) على سلامة الجانب القانوني لعملها عن طريق الاقتصار على إصدار الكتب التي سقطت عنها حقوق الملكية الفكرية نتيجة لتقادمها أو تنازل أصحابها عنها بشكل رسمي موثق، أو عن طريق شراء تلك الحقوق. تتيح بعض المؤسسات الحكومية والأهلية ما تنشره من كتب ودوريات لإطلاع الجمهور عليها وتحميلها مجاناً، كما إن كثيرا من الكتاب في بلادنا، وأنا واحد منهم، لا يمانعون في نشر وتداول مؤلفاتهم بصيغها الرقمية على الانترنت أو عبر وسائل النقل والتخزين الأخرى شريطة عدم استغلالها لأغراض ربحية. غير أن نسبة لا يستهان بها (لا يمكن التأكد منها إحصائيا) من الكتب المنشورة على شبكة الانترنت وفي المنتديات ومواقع تحميل الكتب المعروفة (على صعيد العالم العربي) يقوم بتصويرها وإعدادها ورفعها الى الشبكة مجاميع وأفراد (بعضهم تحت أسماء مجهولة) من الهواة الذين ينفقون من وقتهم وجهدهم ونقودهم الشيء الكثير من أجل نشر وتوفير أكبر عدد من الكتب وإيصالها الى القراء في أنحاء العالم، دون أن يفكروا في أجر أو مردود غير بعض كلمات الثناء التي يتلقونها أحياناً. وأنا أشبههم في عملهم هذا بـ "روبن هود" أو "عروة بن الورد" .. فهم من ناحية مدفوعون بقصد نبيل وإنساني هو نشر المعرفة والأدب والفن، لكنهم من ناحية أخرى يمارسون عملا غير قانوني "ولو من الناحية النظرية" وفي هذا ضرب من تناقض أعده جميلا رغم كل شيء. ولا يفوتني أن أذكر (بهذه المناسبة) أن هذا الوضع لا يقتصر علينا، فثمة معركة قانونية وأخلاقية كبرى تدور رحاها في الغرب منذ سنوات من أجل تخفيف القيود القانونية على النشر الالكتروني وجعل الكتاب الالكتروني متاحاً للجميع بأرخص الأثمان ومجاناً ما أمكن الى ذلك السبيل.

  • ما الفرق بين الكتاب المخزن على شكل ملف PDF والكتاب المخزن على شكل ملف وورد، وأيهما الأفضل ولماذا؟

-          ظهر مصطلح PDF في التسعينات من القرن الماضي، وهو اختصار لـ (Portable Document Format)  ويعني تنسيق أو صيغة الوثيقة القابلة للنقل، وهو نوع من الملفات أو صيغها يتيح التقاط (وإرسال) نسخ صورية للملفات مطابقة للتنسيق المطلوب. أما ملفات "الورد" فهي ملفات نصية أي تتعامل مع النص باعتباره كلمات وأحرفا وسطورا يمكن عن طريق إدخالها ومسحها ولصقها ناهيك عن عشرات من الميزات الأخرى مثل إضافة الرسوم البيانية والصور والإطارات والجداول والمخططات والأصوات الخ، يمكن أن ننتج ملفات ذات تنسيق غني ومتميز. إلا أنها تبقى بشكل أساسي ملفات نصية، مقارنة بملفات البي دي أف الصورية من حيث المبدأ. ولكل من النوعين ميزاته ومزاياه ومجالات استعماله، فالبي دي أف يعطيك انطباعا بأنك ما زلت تحمل الكتاب بيدك اذ ينقل لك صفحات الكتاب الأصلي مصورةً صفحة بصفحة، كما هو منشور ورقيا، وهذا بالطبع مهم من الناحية البحثية أو الأكاديمية التي تستوجب التسجيل الدقيق لعنوان الكتاب وجهة إصداره وتاريخه ورقم الصفحات التي يرجع اليها الكاتب او يحيل اليها. ملف الورد يتيح بالمقابل سهولة اقتصاص أو استنساخ أي جزء من الكتاب الأصلي وتضمينه في النص الذي تقوم بكتابته أو ترجمته أو إعداده. ورغم أن النسخ الأحدث من برامج التعامل مع ملفات البي دي أف تتيح التعرف على النص و"قراءة" المطبوع أي تحليله وتحويله من صورة الى صيغة نصية يمكن التعامل معها ضمن ملفات الورد وبرامج التعامل مع النصوص مثل نسخ النص أو اقتصاصة (مع اشتراط وضوح الصورة) إلا أن أغلب البرامج الحالية لا تتيح مستوى مقبولا من هذا التعرف عند التعامل مع اللغة العربية. كما إن بعض ملفات بي دي أف محمية بشفرات سرية تمنع عمليات النسخ والاقتصاص هذه بحيث يبقى الملف صالحاً للإطلاع والقراءة فقط. يمكن بالطبع تحويل الملفات الصورية أو الملفات النصية من نوع "ورد" الى ملفات "وثائقية" من نوع "بي دي أف" والعكس بالعكس باستخدام العديد من برامج تحويل وصناعة الملفات الشائعة رغم اختلافها في الكفاءة وسهولة الاستخدام والتعرف على الخطوط. بل وصل الأمر الى إمكانية التعرف على الخط اليدوي أو الصوت البشري وتحويله الى ملفات نصية أو وثائقية صالحة للقراءة والطباعة.

  • هل هناك أنواع أخرى من ملفات الخزن والحفظ، من غير أن يتم التلاعب بالمحتوى او سرقته او الاقتباس منه، وما ميزة كل ملف؟

-          إذا كان المقصود هو الكتب الالكترونية فإن هناك بالطبع أنواع أخرى لكنها أقل انتشاراً في منطقتنا من البي دي أف أو الورد. فبعض الكتب يتم نشرها على شكل ملفات HTML وهي كما هو معروف الصيغة أو اللغة التي تنشر بها صفحات الانترنت أي أن الكتاب ينشر ويجري تصفحه كما لو كان صفحة (أو صفحات مترابطة) على الانترنت ويتم فتحه باستخدام إحدى برامج التصفح مثل الانترنت إكسبلورر أو الفايرفوكس أو الغوغل كروم الخ. بعض الكتب تنشر بصيغة أو امتداد text وهي صيغة للملفات النصية ذات التنسيق المبسط (مقارنة بصيغة doc ذات التنسيق الغني كملفات الورد) وهذه يمكن فتحها بواسطة برامج بسيطة مثل (Notepad or WordPad). وهناك بعض الصيغ الخاصة بأجهزة القارئ اللوحي أو القارئ الكفي مثل (Amazon Kindle or Kindle Fire)  أو تلك التي يمكن تحميلها وقراءتها بأجهزة الموبايل أو الآيفون. كما يقوم البعض بإعداد أو تأليف كتابه على شكل عرض تقديمي (Power Point) وهو مناسب غالبا للكتب الصغيرة الحجم أو التعليمية أو كتب الأطفال. وهناك بالطبع العديد من الصيغ الأخرى التي لم أجئ على ذكرها، غير أن لكل نوع من الملفات خصائصه وميزاته، من حيث الحجم والتنسيق والدقة وقابلية إرفاق الصور والملفات الصوتية والفديوية. من ناحية البحث على سبيل المثال، يمكن بسهولة أن نبحث عن مفردة أو عبارة ضمن الكتاب إذا كان بصيغة (Word) أو (HTML) لكن هذا الأمر غير متاح في الغالب مع ملفات البي دي أف خصوصاً مع الكتب العربية بسبب عدم التطور الكافي لخاصية التعرف على النص أو تعريف الخطوط العربية فيها، أو بسبب رداءة التصوير أحياناً أخرى. أما من ناحية الاستنساخ فإن بعض الملفات لا يمكن (بطبيعتها) استنساخ محتوياتها أي إنها مخصصة للقراءة فقط والبعض الآخر يتيح ذلك دون عوائق أو قد يضع من يقوم بإنشائها شفرات تمنع ذلك أو تحد منه كما تطرقنا في الإجابة عن السؤال السابق. هذا من ناحية المحتويات، أما من ناحية الملف أو الكتاب ككل فهناك الكتب التي يمكن تحميلها مجاناً (بشكل قانوني أحياناً وغير قانوني أحياناً أخرى) وهناك الكتب التي يجب أن تدفع ثمنها قبل تحميلها من مخازن الكتب الالكترونية، وهناك بعض الشركات والمؤسسات التي تسمح لك بالإطلاع على خلاصة للكتاب أو عرض له أو على عدد محدود من صفحاته قبل دفع ثمنه وشرائه. كما تسمح بعض تلك المؤسسات بـ "إستعارة" النسخة الالكترونية لفترة محدودة مجاناً أو مقابل أجور مخفضة، وهي في كل الأحوال تحاول أن تحمي منتجاتها هذه من التداول أو الاستنساخ غير الشرعيين عن طريق مختلف الضوابط والعوائق القانونية والتكنولوجية المتاحة.




  • اهمية الكتاب الالكتروني في الوقت الحاضر، وكيف ترى هذه الأهمية مستقبلا؟ وما هو أفق الكتاب الورقي ضمن حضارتنا البشرية؟

-          تزداد أهمية الكتاب الالكتروني على حساب الكتاب الورقي يوما بعد يوم، وهذا أمرٌ موثقٌ بالإحصاءات: فقد أعلنت مثلاً شركة أمازون الرائدة في تجارة الكتب أنها مقابل كل 100 كتاب ورقي باعته في أواسط عام 2010 قد باعت 180 كتاباً الكترونيا! وهذا بالنسبة لشركة تجارية واحدة فما بالك بالآلاف المؤلفة من الشركات والمواقع التي توزع هذه الكتب. وهذا أمر مرشح للزيادة في المستقبل بالنظر الى المزايا الكبيرة للكتاب الالكتروني مثل الصغر اللامتناهي للحجم، وانعدام الحاجة الى المنشآت والبنايات الكبيرة ووسائل إدامة وخزن الكتاب التقليدي، وحرية الانتقال وتخطي الحواجز الرقابية السياسية والاجتماعية والدينية (فمصطلحات مثل كتاب ممنوع او مشبوه على سبيل المثال أصبحت في ذمة التاريخ!)، وسهولة الانتشار والوصول خلال ثوان الى ابعد نقطة من العالم، ناهيك عن شمول الكتاب الالكتروني بمبدأ "أفضل، أرخص، أصغر" الذي يتحكم بالسباق الدائر في عالم التكنلوجيا الرقمية والذكاء الصناعي. ولو عدنا مثلاً الى الحديث عن أمازون سنجد أن واحدا من أجهزتها الكفية الحديثة مثل Kindle Fire لا يزيد سعره عن 199 دولارا يتيح لك قراءة مئات الآلاف وربما الملايين من العناوين أو البحث فيها، لقاء أجور لا يمكن مقارنتها بأسعار الكتاب الورقي. ويشهد عالمنا باستمرار توقف صحف ومجلات ورقية كبرى ذات تاريخ عريق عن الصدور أو تحولها الى صحفٍ الكترونية كما حدث لمجلتي لايف ونيوزويك الأمريكيتين، كما يعلن العديد من الكتاب العالميين أنهم سيتوقفون عن نشر مؤلفاتهم في طبعات ورقية. بل إن واحداً من أشهر الرموز المعرفية للعصر الحديث وأعني به دائرة المعارف البريطانية قد قررت إيقاف إصدار نسختها الورقية المشهورة المؤلفة من 32 جزءا بعد 244 عاما من أول إصدار لها وذلك بعد أن أصبحت الشركة، التي اعتادت بيع وإيصال موسوعاتها إلى البيوت، تحقق 85% من دخلها من المبيعات على الانترنت. أما عن مستقبل الكتاب الورقي فقد اختلفت الآراء حول التساؤل عن إمكانية اختفائه نهائيا وكيف ومتى يحدث ذلك، إذ يقول البعض إن المستقبل سيكون للكتاب الإلكتروني وحده، فيما يؤكد البعض الآخر أن الكتاب المطبوع سيبقى صامداً الى زمن أبعد مما يتصور البعض الأول. لكنها أسئلة في ذمة المستقبل. وليس من المستبعد أن يأتي اختراع جديد ليطيح بالخيارين معا! فغلبة الثقافة البصرية والسمعية (عالم الملتيميديا) قد تجعل الكتاب الالكتروني نفسه شيئا قديما في وقت قريب. إنها في رأيي أسئلة كبرى لا تتعلق بالكتاب الالكتروني لوحده بل يتعلق بعضها بمستقبل الثقافة والعلم والمعلوماتية والطريقة التي سوف تتكيف بها المجتمعات البشرية مع الثورة العلمية التكنلوجية وثورة الاتصالات والثورة المعلوماتية. يذهب بي الخيال أحياناً الى تصور عالم مستقبلي يعود فيه غالبية البشر أميين (بالمفهوم التقليدي للأمية أي عدم معرفة القراءة والكتابة) ولكنهم سيتمتعون في الوقت نفسه بمستويات عظيمة من العلم والثقافة. أي أن أجيالاً جديدة قد تنشأ وقد تثقفت بثقافة عالية جدا لكنها لا تجيد القراءة والكتابة بسبب انتفاء الحاجة الى تعلم القراءة والكتابة أصلا من قبل المواطن العادي. حيث يتم الاستعاضة عنها بأنظمة جديدة من وسائل التعليم والتثقيف وتبادل المعرفة تقوم على التقنيات البصرية والسمعية والتفاعلية والذكاء الصناعي وأجهزة القراءة والكتابة الآلية أو "الحقن" أو "الإرضاع" المعلوماتي البيولوجي أو الآلي أو غيرها من وسائل "التعليم" المنزلية أو المحمولة أو حتى المغروسة تحت جلودهم! مما يؤمن على الأقل أحد جوانب العملية التربوية وهو الجانب المتعلق باكتساب المعارف والعلوم باعتبارها معلومات متراكمة (مقارنة بالجانب الثاني المتعلق باكتساب القيم والخبرات والحكمة والمهارات الاجتماعية والتكوين النفسي والبدني الصحي). ولن يعود الأطفال مرغمين على إهدار أجمل سنوات طفولتهم وهم يجرجرون حقائبهم المثقلة بالكتب والسندويشات للذهاب الى المدارس لتعلم الكتابة والقراءة وحشو أدمغتهم الغضة بقواعد الإملاء والنحو الجافة أو حفظ الرموز الكيميائية أو حل المعادلات الرياضية. سيستعيضون عن ذلك ربما بالنزول الى الحديقة القريبة كي يلعبوا ويتنفسوا الهواء النقي. أما الجامعات فقد تختفي هي الأخرى أو تتحول الى مراكز أبحاث تتكامل مع بنية النسيج الاجتماعي والاقتصادي. وقد يعمل الاستخدام المكثف للروبوتات والذكاء الاصطناعي وتقنيات الاتصالات الحديثة على تقليل ثوري في ساعات العمل أو بقاء الأم والأب داخل المنزل وإنجاز أعمالهم من هناك حيث ستختفي الصورة التقليدية للوالدين الغائبين في العمل مما قد يعود بنا الى أجواء الألفة والتلاحم الأسري اللذين تأثرا بشدة منذ أن قضت الثورة الصناعية على الإنتاج المنزلي. وقد يقلل هذا من الحاجة الى الانتقال المكثف من وإلى أماكن العمل ويغير من طريقة تخطيطنا لمدن المستقبل ويقلل الى حد كبير من مخاطر التلوث. من جهة أخرى يمكن تخيل سيناريوهات متشائمة عن سيطرة نخبة مختارة من الانتلجنسيا التي (تعرف القراءة والكتابة) وتمسك بمفاتيح العلم والمعرفة، وبالتالي مفاتيح العالم برمته.. إنها الفكرة المرعبة لأفلام الخيال العلمي عن عصابات من العلماء الأشرار الذين يتحكمون بكل شيء ويديرون حروبا آلية. وحيث تقوم الروبوتات بكل شيء وتسوق المليارات من العاطلين عن الخيال والتفكير والابتداع كما تشاء.

-          هناك من يقول ان المتعة والجانب المادي مفقودان في الكتاب الالكتروني، اضافة الى الطقوس الاخرى الخاصة بالكتاب الورقي، من توقيع او إهداء؟

-          نعم هذا صحيح بالنسبة لمن اعتاد على الكتاب الورقي أو أدمن عليه: متعة الطواف في مخازن الكتب أو الجلوس ساعات طوال في المكتبات الهادئة ذات الأجواء التي تشعرك بالسمو والرُقي، متعة اصطحاب الكتاب كرفيق سفر (تحدثنا كتب التاريخ عن شخصيات مولعة بالكتب كانت تحمل في تنقلاتها قوافل من الجمال المحملة بالكتب والمجلدات). متعة البحث عن كتاب نادر وثمين ثم الظفر به، متعة تبادل الكتب وإهدائها أو تزيينها بتوقيع من كاتب شهير، بل إن ترتيب المكتبة أو حتى مجرد تأملها هو نفسه ضرب من المتعة. بينما يوفر الكتاب الالكتروني للقارئ خيارات هائلة في الوصول الى المصادر أو البحث الموضوعي و"المفرداتي" فيها والتنقل بينها والإبحار غير المقيد في عالم المعرفة. كما يقدم له الكثير من المتع البصرية والسمعية التي يمكن أن ترافقه. ناهيك عما يتيحه له من قدرة التحكم بحجم الخط ونوعه ولونه وسطوعه أو تطوع الحاسبة بقراءة الكتاب (وهو أمر مهم بصفة كبيرة للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة الذين يعانون من الإعاقة أو مشاكل النظر مثلاً). علاوة على ذلك يوفر الانترنت فرصة التفاعل الثنائي الجانب ما بين القارئ والكاتب أو الناقد والكاتب أو بين مجموعات كبيرة من القراء، وحتى الرائحة التي أشرت اليها قبل قليل قد يجدون لها حلاً في المستقبل! أما الكتب الورقية بصفوفها وأغلفتها الجلدية الجميلة فقد تتحول الى تحف جميلة أو هواية محببة نرجع اليها كلما شعرنا بالحنين اليها. والمهم هو المضمون أو المتعة أو الرسالة التي يوصلها الكتاب. أما الطقوس فمسألة زمن واعتياد. من المرجح أن الكثير قد قيل لدى اختراع القطار والسيارة عن افتقار هذه الآلات الحديدية الضاجة المجعجعة للجمال والمتعة والطقوس التي رافقت ركوب الخيل منذ آلاف السنين. لا أحد ينكر ذلك بالطبع ولكن ما من إنسان عادي (ولا أقول سويّ) في عصرنا يمكن أن يفكر في رحلة عمل أو دراسة من بغداد الى برلين أو شنغهاي على ظهور الخيل (إلا إذا استثنينا حالات البحث عن المغامرات أو محاكاة الأجداد أو البحث العلمي أو ما شابه) لا بد أن مثل تلك الاعتراضات قد سمعت من كهنة المعابد الذين ظلوا يحنون طويلاً الى ألواح الطين وطقوس إعدادها والكتابة عليها وحفظها. ومثل هذا قيل أيضا عن مايكل هارت الذي سخر منه أحدهم واصفاً إياه بالمجنون الذي يريد أن يحشر شكسبير في صندوق آلةٍ حاسبة!

  • دائما ما نحن الى الماضي بكل شيء، ترى هل سيأتي اليوم الذي تتحول فيه المكتبة التي تأخذ ركنا او جدارا او غرفة في البيت وتختزل برف صغير أو حقيبة، تجمع فيها الأقراص؟

-          لقد حدث هذا فعلا، ومنذ زمن طويل نسبياً: في التسعينات من القرن الماضي سمعت من إذاعة لندن أن  مكتبة هونغ كونغ الكبيرة (وكانت ما تزال تحت الإدارة البريطانية) قد تبرعت لفيتنام بجميع كتبها بعد أن فرغت من تحويلها الى كتب الكترونية. وقبل هذا، في الثمانينات، كنا ننظر بحسد الى صورة الرجل الغربي المبتسم في المجلة العلمية وهو يمسك باسطوانة بحجم اسطوانات الغرامافون القديمة وتحتها خبر عن اختراع جديد سيهز العالم اسمه القرص المضغوط (السي دي) يمكن للواحد منه أن يضم عشرين كتابا، وكان هذا خبراً يدير رؤوسنا ويجعلنا حائرين بين التصديق والتكذيب. أما الآن فإن "شيئاً" صغيراً بطول الإصبع نسمية "الفلاش" أو رقاقة سوداء أصغر من أظفر طفلٍ ندعوها "الرام" يمكن أن تضم المئات والآلاف (والملايين في المستقبل القريب) من الكتب. وحتى هذه الوسائل البالغة الصغر يمكن الاستعاضة عنها بخزن الكتب في ما يسمى بالغيمة الالكترونية.. شبكة الانترنت المهولة التي تسع كل شيء: أغنياتنا وأفلامنا وصورنا ومذكراتنا ووثائقنا وحساباتنا وتاريخنا وأبحاثنا العلمية وسجلاتنا الطبية.. وكتبنا بالطبع، ولكن، لا بأس بالاحتفاظ بالحقيبة أو الرف، أو حتى المكتبة نفسها، فالناس يميلون دائما الى الاحتفاظ بكل جميل وعزيز ومشحون بالذكريات من مقتنياتهم، حتى لو لم يعودوا يستعملونها، فهي تاريخنا وذكرياتنا الجميلة.

  • قطع الكثير من دول العالم أشواطا كبيرة في مجال الكتاب الالكتروني والقراءة الالكترونية، الا ان الحال في الدول العربية غير ذلك، الى ماذا تعزو الأمر؟

-          وما هي المجالات التي لا تتقدم بها دول العالم وتسبق الدول العربية بعصور وأحقاب، عدا فتاوى الكراهية والتخلف بالطبع؟. نحن ومهما بلغ بعضنا من غنى شكلي نظل فقراء مدقعين حين يأتي الحديث الى العلم والابتكار والتفكير العلمي نفسه. إننا دول تبيع النفط وتستورد التكنلوجيا والأسلحة والبضائع الاستهلاكية. فلا قوانين ملكية فكرية مطبقة على أرض الواقع، ولا مردود مادي معتبر من الإبداع أو الكتابة، لا تشجيع على القراءة، والفقر والتخلف والتعصب والسطحية تضرب أطنابها في هذه البلدان. فلا عجب إذن أن تتخلف في هذا المجال.

  • ربما نجد بعض الدول العربية قد وضعت قدما في هذا المجال مثل السعودية التي تمتلك اكبر مكتبة رقمية في العالم العربي، لكن في العراق لانزال نفتقد الى ثقافة الكتاب الالكتروني والقراءة الالكترونية على مستوى الافراد والمؤسسات. كما إن المؤسسة التعليمية في العراق سواء كانت الأولية اي الابتدائية والثانوية، وحتى الوصول الى الدراسة الختامية لو صح القول والتخرج اي الدراسة الجامعية، اضافة الى المؤسسة الثقافية والادبية والفنية، ما يزالون مفتقدين الى الثقافة الالكترونية، ما تاثير ذلك على مستقبل الكتاب الالكتروني والقراءة في العراق؟

-          هذا صحيح،  فالعراق تأخر كثيراً عن دول المنطقة (لا الثرية منها مثل السعودية فحسب، بل إن دولة فقيرة مثل اليمن سبقتنا سنوات عديدة في تأسيس منظومة ممتازة للانترنت). فقد ظل الكتاب الالكتروني والصحافة الالكترونية والتدوين الالكتروني والبريد الالكتروني الخ، بل والانترنت بشكل عام خاضعين في العراق خلال العقد الأخير من القرن العشرين والسنوات الأول من القرن الحالي (وهي فترة ذهبية في انتشار هذه النِعَم في البلدان الأخرى) الى حصار مزدوج؛ الأول هو الحصار الاقتصادي والتكنلوجي الذي أعقب غزو الدكتاتور السابق للكويت، والثاني هو الحصار الأمني والفكري والإعلامي والقمع والقيود المهووسة على الحريات التي تشكل بمجملها السمة الأبرز للدولة البوليسية التي تتناقض وجودياً مع حرية الفكر وانتشار وسائل الاتصال والتلاقح المعرفي الحديثة ومن بينها الانترنت والكتاب الالكتروني. غير أن الفترة التي أعقبت سقوط الدكتاتورية شهدت كما هو معروف صعود "نخبة" حاكمة أقل ما يقال عنها هو أن الثقافة والفن والإبداع والحداثة ليست في سلم اهتماماتها أو أولياتها على الإطلاق. فقد كشفت إحدى الاستطلاعات (على سبيل المثال) فضيحةَ أن نسبة كبيرة من أعلى سلطة تشريعية في البلاد لا تجيد استخدام الكومبيوتر ولا تملك بريدا الكترونيا أو صفحات تواصل اجتماعي خاصة بها ولا تعترف او لا تهتم أصلا بمثل هذا التواصل الالكتروني مع ناخبيها، فما الحال مع بقية الناس؟ الأمية الالكترونية لا تقل في خطرها على حاضرنا ومستقبلنا عن الأمية التقليدية. ينبغي لنا قبل كل شيء أن ندرك مدى قصورنا وتخلفنا في هذا المجال، وأن نضع الخطط الكفيلة بتصحيح هذا الوضع، وأن نحدث ثورة في الاستثمارات لتأسيس البنية التحتية لشبكات الاتصالات الحديثة، وأن نزيد من الاعتماد على الكتاب الالكتروني والتعليم التفاعلي والملتيميديا في كل مؤسساتنا التعليمية والتربوية والبحثية. فوضعنا في هذا المجال مزرٍ حقاً. هل تصدق أن الطالب في بلادنا بميزانيتها الخيالية لا يستطيع العثور على نسخة الكترونية من أي كتاب منهجي (إلا ما يقوم برفعه البعض بجهود فردية) بينما يجد جميع الكتب المنهجية للمؤسسات التعليمية في السلطة الفلسطينية التي تعتمد على المعونات الخارجية منشورة، مبوبةً، ومتاحةً بالمجان على شبكة الانترنت؟. هل تعلم أن تركيا التي لا تملك شيئاً من النفط قامت بتوزيع حاسبات محمولة على كل طلبتها؟ هل تصدق أنني سمعت أحد المسؤولين التربويين في الكويت أيام التحضير لغزو العراق (قبل عشرة أعوام) يرد على أهالي التلاميذ القلقين من تأثير الحرب القادمة على دراستهم وأدائهم لامتحاناتهم ويطمئنهم بأن بإمكانهم مراجعة دروسهم وأداء امتحاناتهم والتواصل مع مدرسيهم عن طريق الانترنت في حالة حصول مكروه. بينما يضطر صغارنا حتى الآن الى خوض الأوحال والبرك الآسنة للذهاب الى مدارسهم الكئيبة الباردة المتداعية المزدحمة ليستمعوا الى ضروب من التلقين البدائي على يد معلمين يغطيهم غبار الطباشير وليشترك كل طالبين أو ثلاثة في مطالعة كتب منهجية متهرئة من كثرة الاستعمال، هذا إن وصلت في وقتها.

  • الا تعتقد ان للتعليم الالكتروني دور في تنشيط وانتشار الكتاب الالكتروني والقراءة الالكترونية ؟

-          نعم. وهذا ما أقوله؛ فتعرف الطفل على الكتاب الالكتروني والقراءة الالكترونية يجب أن يبدأ مع دخوله الى المدرسة، بل قبل ذلك إن أمكن، لكي يعتاد على استخدامه أو إعداده أو الاستفادة من مزاياه العديدة ويصبح شيئاً فشيئاً جزءا من حياته اليومية.

  • لديك تجربة مع المكتبة الالكترونية، كيف بدأت الفكرة، وكم وصل عدد الكتب في مكتبتك الالكترونية؟

-          قبل ذلك كان الكتاب عشقي الدائم وكانت مكتبتي التي حرصت على جمعها منذ الصغر تضم الآلاف من العناوين في مختلف الحقول، وإن غلب عليها الأدب والعلوم الإنسانية. وكنت أحتفظ بسجل مفهرس لمحتوياتها ألحقت به قوائم لما أعيره منها للزملاء والأصدقاء (ولا يرجع طبعاً في أغلب الأحيان). وعندما اقتنيت أول حاسب شخصي كانت الطبعة الالكترونية من الموسوعة البريطانية (التي طالما حلمت بشرائها) علاوة على عدد من الموسوعات الأدبية والفنية ومختارات الكتب أول ما اقتنيت من أقراص (سيديات). وكانت تلك النواة الأولى لمكتبتي الالكترونية التي ظلت تتعايش جنبا الى جنب مع مكتبتي "الورقية". وعندما دخل الانترنت الى بيوتنا أواخر التسعينات بدأت (برغم البطء السلحفي للخدمة والحظر الذي كانت السلطة تفرضه على عدد لا يحصى من المواقع والمواضيع وحتى الأسماء) بالدخول الى بعض المكتبات الرقمية على الانترنت وتحميل ما يتوفر فيها. وما زلت أذكر فرحي بالحصول على نسخة من الأعمال الكاملة لشكسبير باللغة الإنكليزية (كنت قد فقدت نسختها الورقية) رغم أن تحميلها (بحجمها الذي يبدو الآن في غاية الصغر-5 ميغابايت) قد استغرق ليلة كاملة واضطرني الى السهر حتى السادسة صباحاً لتشغيل "مولدة" المنزل كلما انقطعت الكهرباء لإكمال التحميل. وبعد استيلاء الإرهابيين على بيتي وتدمير مكتبتي استطعت بسرعة أن أتغلب على تلك الكارثة بالرجوع الى مكتبتي الالكترونية وإغنائها شيئاً فشيئاً بالمزيد والمزيد من الكتب والمراجع وخصوصاً مع تزايد سرعة الانترنت حتى بلغ عدد ما فيها من كتب وملفات رقماً لا أعرفه بالضبط لكنه لا يقل على 50 الف ملف وبحجم لا يقل عن 100  غيغابايت.

  • تتذكر أنواع الكتب الموجودة فيها، واي الكتب منها تفضل؟

 تتنوع الكتب الموجودة فمنها الأدبية ومنها العلمية. وقد استفدت من معلوماتي البسيطة عن علم المكتبات في تبويب محتوياتها وتوزيعها الى الأقسام التالية، الأدب العالمي وينقسم بدوره الى قسمين:الشعر، و القصة والرواية والسير والمذكرات. والأدب العربي: الشعر، الروايات والمجاميع القصصية والنصوص المسرحية، الأدب الساخر، كتب في الأدب والنقد والتراث العربي، المقالات والنصوص والقصص القصيرة. بالاضافة الى كتب التاريخ، تربية وعلم نفس، ترجمة واللغات، كتب ثقافية ونقدية وفكرية عامة، الطب والعلوم: تاريخ وفلسفة العلوم، طب وبيئة ووراثة وعلوم حياة، علوم الحاسبات، العلوم الطبيعية، علوم اللغة الإنكليزية وآدابها، علوم اللغة العربية وآدابها، علوم اللغة الكوردية وآدابها، علوم اللغة الفارسية وآدابها، الفلسفة والأديان والمعتقدات، أدب وثقافة الأطفال، قسم خاص بالكتب والمصادر الإنكليزية، الجغرافية وأدب الرحلات، العلوم الإنسانية: سياسة، اقتصاد، اجتماع، انثروبولوجي، قانون، إعلام. وكتب الفنون: تاريخ وفلسفة الفن، سينما ومسرح، التصوير الفوتوغرافي، العمارة، الموسيقى والغناء والرقص، الفن التشكيلي (ويضم عددا كبيراً من الأعمال الفنية المختارة لكبار الفنانين العراقيين والعالميين). الكاريكاتير: وقد خصصت له قسما كاملاً يضم دراسات وأعمالا لكبار الفنانين العراقيين والعالميين (الكثير منها قمت بتصويره بنفسي ونشرت البعض منها في موقع الفن العراقي ومتحف الكاريكاتير العراقي ومنها أعمال نادرة للراحل مؤيد نعمة). مع كتب الميثولوجيا والفولكلور، والموسوعات والمعاجم: ويضم عددا كبيرا من أفضل المعاجم والقواميس العالمية لمختلف اللغات، المجلات والسلاسل الثقافية.

بالنسبة لي شخصياً فأنا لا أفضل نوعاً واحداً محدداً من الكتب وذلك لتنوع اهتماماتي. لكنني أولي اهتماما خاصاً للكتب الأدبية والمعاجم والترجمة والتاريخ والفولكلور. غير أنني، في سياسة انتقائي للكتب، لا أفكر باهتماماتي وميولي فقط، بل أطمح الى تنويعها حتى (اذا ما سنحت الفرصة لوضعها في متناول الآخرين) يمكن أن يستفيد منها القارئ العام بمختلف اختصاصاته وتوجهاته. وهذا الهاجس (إي إفادة الآخرين منها) يدفعني على الدوام، وكلما توفر بعض الوقت، الى إضافة المزيد من الكتب وإدخال المزيد من التحسينات على طريقة التصنيف والفهرسة وتصحيح العناوين (إذ أن الكثير من الكتب الالكترونية وخصوصاً باللغة العربية يضع لها من يقومون برفعها ونشرها أسماء ناقصة أو غير دقيقة تعرقل فهرستها بشكل علمي كإغفال اسم المؤلف أو العنوان الكامل للكتاب الخ). أطمح الى أن أقوم في وقت ما بإعداد جداول مفصلة (حسب العنوان، واسم المؤلف، أو الموضوع الخ على غرار المكتبات الورقية وبعض المكتبات الرقمية العالمية) لكن هذا يحتاج الى جهد ووقت كبيرين، وانتظارا لذلك قمت لغرض سهولة الوصول الى المراد ببعض التعديلات على طريقة التبويب مثل جمع الأعمال الكاملة أو المختارة لمؤلف في مكان واحد حتى لو تنوعت مواضيعها.



  • الم تفكر بالجانب الاخر من العمل اي طبع اعداد من كل قرص مدمج وانزاله الى السوق؟ او توزيعه ؟

-          بلى فكرت بذلك وبحثت الفكرة مع عدد من الأصدقاء. لكن تنفيذها يواجَه بعدد من الصعوبات منها التقنية الناتجة من الحجم الكبير للمكتبة مما يستدعي عددا كبيراً من الأقراص المصممة بشكل لائق لاستيعابها في حالة إخراجها على دفعات أو أجزاء. كما يحتاج الأمر الى متخصصين في إعداد الجداول وتصميم الأقراص وهو ما لم يتح لي حتى الآن. علاوة على ذلك فإن مشروعاً كهذا يحتاج الى الكثير من الوقت والتفرغ والتمويل ودراسة الجوانب التسويقية والقانونية. إذ أن قيام مكتب أو جهة تجارية مثلاً بتولي الأمر سوف ينفي عنها الطابع غير الربحي وقد يعرضها الى مساءلات قانونية. بانتظار حل تلك الصعوبات أقوم حالياً بتزويد من يرغب من الأصدقاء والزملاء بنسخ من المكتبة (في أقراص صلبة خارجية) أو أجزاء منها عبر البريد الالكتروني.

  • هل سيقتصر الأمر على المكتبة الالكترونية الخاصة بالكتاب ام سيشمل باقي الفنون الاخرى، مثل السينما والمسرح والتشكيل والموسيقى؟

-           هناك أقسام خاصة لكتب السينما والمسرح وبقية الفنون في المكتبة كما أوضحت، لكنني عملت أيضا على بناء مكتبة منفصلة للعديد من التسجيلات المسرحية والسينمائية مع التركيز على وجود قسم كبير خاص بالأفلام والسلاسل الوثائقية والتسجيلية الرصينة في مختلف الفروع المعرفية والعلمية وهو (وأعني الثقافة والتثقيف المرئيين) نشاط تتزايد أهميته يوما بعد يوم كما تعلمون. أضف الى ذلك عملي منذ سنوات على مشروع أسميته موسوعة ماجد الحيدر للموسيقى الكلاسيكية، وهو عمل يتوزع على مجلدات منفصلة لأكثر من 130 مؤلفاً كلاسيكيا عالميا يتضمن كل منها على تفاصيل عن حياته وأعماله ونماذج عديدة من التسجيلات الصوتية والفديوية لأعماله وشروح عنها مع قسم خاص بالكتب والمراجع الموسيقية بالعربية والانكليزية. وهو عمل كبير حجمه حوالي 40 غيغابايت ويضم حوالي 3000 ملف تقريبا مما يجعل نشره يواجه نفس الصعوبات التي تواجه المكتبة الرقمية التي تحدثنا عنها.

  • هل من كلمة أخيرة أو من طموحات أو أفكار مستقبلية؟

-          أود في النهاية أن أوجه التحية الى كل من بذل الكثير أو القليل من وقته وماله وجهده لنشر الكتاب الالكتروني هنا أو في أرجاء العالم. الكثير من هؤلاء جنود مجهولون يعملون في صمت وتحت أسماء مستعارة ودون أي مقابل مادي أو معنوي، بل إن ذلك الرجل العظيم الذي اخترع الكتاب الالكتروني وأعني "مايكل هارت" مات فقيراً مفضلاً إنفاق النزر اليسير مما يكسبه على تحقيق أحلامه النبيلة بدلاً من إنفاقه على شراء الأدوية لعلاج قلبه العليل، في حين كان بمقدوره، لو أراد أن يستغل عمله تجاريا، أن يصبح من أصحاب الملايين. أطمح بأن يصل الكتاب الرقمي الى كل مواطن في بلادنا، وأن أتلقى، أنا أو غيري ممن يهتمون بهذا المجال، دعماً حكوميا أو مؤسسياً لإنشاء مكتبة رقمية عراقية شاملة تقوم قبل كل شيء بتصوير كل ما يقع تحت اليد من كتب ومخطوطات في المكتبات العامة والخاصة. الشبكة العالمية فقيرة للغاية بالكتب العراقية. صحيح أن البعض يبذلون جهداً فرديا في هذا المجال (قمت مثلاً -أسوة بعدد قليل من المهتمين في بلادنا- بتصوير ورفع عدد من مؤلفات الكتاب الراحلين أو كتب بعض الزملاء بعد استئذانهم). بيد أن الجهد الفردي (مهما اتسع وأخلص النوايا) لن يستطيع النهوض بأعباء عمل كهذا، فهذا هدف يحتاج الى وعي والى جهد مؤسساتي وجماعي. ليس من الصعب على وزارة الثقافة أن تقوم بتعيين بضعة عشرات من بناتنا وأبنائنا وتخصيص مكان صغير وعدد مناسب من الأجهزة البسيطة ليقوموا بتصوير ورفع الآلاف المؤلفة من الكتب والمخطوطات التي شحت نسخها أو يتهددها الضياع والتلف وأعمال العنف التي لم تخل منها حقبة في تاريخنا! (أذكر بحسرة أنني وجهت رسالة مكتوبة الى ممثلين لليونسكو لمساعدتي على رقمنة المئات من كتب الأطفال التي كنت أحتفظ بها حتى فترة قريبة في مكان آمن قبل أن تتعرض للتلف وكانت تمثل الجزء الأكبر من إصدارات دار ثقافة الأطفال في العراق منذ تأسيسها. وأعربت عن استعدادي للتبرع بها لصالح مشروع كهذا، لكن الجواب الذي وصلني كان كما العادة: لا شيء!)، المؤلفون العراقيون (وبما انهم لا يحصلون أولاً وأخيراً على مردود مالي ذي قيمة عند نشر مؤلفاتهم) أدعوهم أو ورثتهم الى تصوير مؤلفاتهم ونشرها على الانترنت.  وزارة الثقافة الاتحادية أو الكردستانية أو أية مؤسسة رسمية تمارس نشاطات النشر والتوزيع يمكن أن تشتري من مؤلفي إصداراتها الجديدة حقوق النشر الالكتروني على شبكة الانترنت كما تفعل مثلا هيئة الكتاب السورية. الحملة الجميلة التي قامت مؤخراً تحت شعار أنا عراقي أنا أقرأ يمكن أن تقوم بتجنيد متطوعين يقومون (بعد قليل من التدريب) بتصوير الكتب النادرة أو المهمة وإعدادها بصيغة البي دي أف ونشرها على موقع خاص بها.


بحث هذه المدونة الإلكترونية