The Baptist

The Baptist

Majid Alhydar




Come to the realms of insanity!
Come to me to wash away
The filth of wisdom!
You won't find anyone better than me
For Baptist and godfather;
John is dead, as you all know,
And all the others are infected
With eternal sapience.
You won't find anyone better!
I am the only one who loads
His guns with kisses
In times of random bullets
And death for blasphemy.
I am the only one who cries "I am afraid!"
When I am afraid,
I am shaking!
When fever takes me suddenly.
I am choking!
When I do suffocate
By the exhalations of those kind gentlemen
Who loathe insanity,
You won't find anyone!

The Internationale of Al-Qa‘ida


The Internationale of Al-Qa‘ida



From Bali to Tizi Ouzou

From Kandahar to New York

From Madrid to Hai-il'amil[1

The anthem is blooming:

"kill, kill, kill

kill, kill, kill"

**

Take care of no details

"kill, kill, kill"

Time shall make you

More dexterous, more skilled

**

At your age I was

When I sow them

"kill, Kill, kill"

With a grand saw Beheading

A base infant

From a sect of unbelievers.

I got enthusiastic

And praised Allah three times!

**

Firmly hold the feet

"kill, kill, kill"

I shall hold the hands.

Let us sway him a little

Before we through him down

From the towering balcony

"kill, kill, kill"

For whole two weeks

Ants shall eat

From the scattered brain matter

Of the brainless old man!

**

Don't be confused my son;

Beheading is not so hard to learn

"kill, kill, kill"

Your dreams shall calm down

And soon you will get used

To the warm redness

And the lovely rhythm:

"kill, kill, kill"




[1] Hai-il'amil "The district of the worker", a large poor district in Baghdad bombed by several terrorist attacks.

نشيد ال ذاكرة العالم


نشيد الى ذاكرة العالم




كم دفترٍ سكنت فيه

أحلامُ شعراءٍ

من القرون والقارات ؟

كم لحنٍ

وأغنيةٍ

ومفارقةٍ

وشهقةٍ

وشهيدٍ

ضاعت برأس هذا العجوز

كثير النسيان

لكنه ، بين النوم واليقظة،

في قيلولاته الطوال،

يهذي بها ..

فيبكينا .. نحن الصِبيةَ الأبديين

الذين لا يكفون عن التصديق

والموت

والحلمِ

والغناء؟!

...

أيتها السفينة الذهبية

يا ذات الشراع الأبيض المخملي

لماذا لا ترسين

لماذا تظلين هنالك

قريباً، أبداً قريباً

من الأفق الذي لا يُنال ؟!

...

غلطةُ مَن هذه ؟!

10-12-2009

أغنية شارع المتنبي


أغنية شارع المتنبي

ماجد الحيدر




مثل كلبٍ شريد بمقلتين دامعتين

اقبض بأسناني على كتابي
وأركض من شارع لشارع
يلاحقني الرفاق
والغوغاء
والإئمة المزيفون
والسماسرة
والذباب.
وكالكلب ألهث .. لا أحمل شيئاً
غير هذا الكتاب اللعين.
-إززززز !
رصاصة فوق رأسي
وأخرى بين ساقيَّ
(أين الخرابة المهجورة
لماذا ظللت اليها الطريق؟)
-إزززز !
رصاصة بين ساقيَّ
وأخرى في جبهتي
وثالثة في الكتاب !



حكاية العرانيس -قصة قصيرة

حكاية العرانيس

ماجد الحيدر

تغتسلُ عرانيسُ الذرةِ المكتنزةِ في شمسِ الصباحِ الحانية، وتنفضُ عن أجسادِها الغضةِ قطراتِ الندى التي خلّفها الفجر. ثمةَ نسيماتٌ وسنى تهبُّ من هناك، من الجبالِ الغارقةِ في الغمام..فترقصُ في غُنجٍ يثيرُ رغبةً عارمةً في الحياة .


" كنا نرقصُ لكلِّ خبرٍ جميل، ولو جاءنا من أقاصي الدنيا.. من جزائرَ مجهولةٍ يلفُّها السحرُ والغموض. كنا نعرفُ كيفَ نفرحُ حدَّ البكاء. كنا نقرأُ في كتبِ البراءةِ والحب. كنـا نفغرُ أفواهنا بدهشةِ الطفلِ الذي يكتشفُ العالم.

يومَها…كنا قد بدأنا الحياة."


يجيئون من قُراهم. تنهمرُ أهازيجُ الحصادِ كشلالاتٍ من فرحٍ ونور. يتراكضُ الصبيةُ في الحقلِ الفسيح. يقرأُ الكبارُ اسمَ اللـه. وبأيديهمِ المعروقةِ الخشنة يقطفونَ العرانيسَ المباركةَ الصفراء. تمتلئُ العرباتُ وتتهادى …نحوَ المدينةِ القريبة.


"هناكَ..في أولِ المنعطفات، رأيتُ ذئباً. وهنا..على قارعةِ الطريقِ الترابيِّ العريض تعثّرَت خُطانا بأولِ الأحجار. وأَفَـقنا :ليستِ الحياةُ إذَن كتاباً، وحلماً، وأغنيةً؟

ها قد بدأنا بالنضج . شكراً لحرارةِ التجربة!"


العرانيسُ البضّةُ المشتهاةُ تتعرّى من ثيابها. إنها تُطلقُ تأوهاتِ اللذةِ إذ تتقلبُ فوقَ نارِها الهادئة. ها هيَ ذي تتتشربُ لونها البرونزيِّ المثيرِ ويفوحُ منها عبقُ الأنوثةِ العارمةِ.



” لم نعرف كيفَ حدثَ الأمر. لقد ازدادت "حرارةُ التجربةِ" فاستحالت إلى نارٍ متوقدةٍ حامية. أحرقتنا وذَرَتنا رماداً "



العرانيسُ تئنُّ، تتوسلُ، تلعنُ ساعةَ ميلادِها، تتفجرُ، تتفحمُ، تستسلمُ ليد القدرِ الغاشمة.



" يا الهــي ! هل احترقنا إلى الأبد؟…."


1980




أخضر .. بلون المطر _ شعر

أخضر .. بلونِ المطر
شعر: ماجد الحيدر

(1)
أظنني سعيداً
مثل آدم البريء
بيتي دافئٌ
وأنا ثمل
آلامي سكنت
حوائي تضحك
وأطفالي آمنون
وفي فمي.. حبة عنب
أيتها الآلهة
أيّا كان اسمها
لماذا خلقتِ شيئاً
اسمه الزمان ؟!



(2)
الحياة..
مثل جوربٍ ثخين
قديمٌ .. لكنه وثير
لا
أريد
أن
أنزعه..
الثلج على الأبواب !

(3)
دع ذلك الملتحي
رضيع الضباع
القادم من الغبار الأصفر
يفجر نفسه
ويذهب حيث شاء
أما أنا
فسوف أفجر بين شفتيك
حبة رمان
ريانة مثل غيمة
وأسدُّ فاك
بقبلة !

(4)
أخضر .. بلون المطر
ينفذ الى صدري
مثل خبزٍ ساخن وحزمة من ريحان
والتينة الفتية في حديقتي
تعري حلماتها
حلماتها الألف الصغيرات
وتغتسل..
تحت الوابل المقدس !



نشيدٌ الى صديقي التعيس 13

نشيدٌ الى صديقي التعيس 13

ماجد الحيدر


تحتَ الأنوار

يقفُ الواحدُ منتفخاً :

"أنا الواحدُ الأوحدُ الأحدُ

أنا المنفردُ الذي لم يسبقني سوى اللاشيء

أنا الأوّلُ ..."

وينبري الاثنانُ مطمَئِـنّـا

"أنا الشيءُ ونقيضُهُ

أنا الليلُ والنهارُ

أنا الثَـقَـلانِ والنَـيِّران

أنا الإنسانُ وظِلُّهُ

أنا الغادةُ وصورتُها في المرآة

أنا الطفلُ وحقيبتُهُ .."

وضحكَ الثلاثةُ حينَ تذكَّرَ المَثَلَ

"أنا ثالثةُ الأثافي

وأوَّلُ الأشكالِ الهندسيةِ

وأدنى الصُحبةِ

والثلاثةُ الأقانيمُ ..."

"رويدَكم" قالَ الأربعةُ

"أنا الكمالُ والاعتدالُ

أنا الأربعةُ الجهاتُ

والأربعةُ الآفاقُ والأركانُ والرياحُ والفصول .."

وتحدَّثَ الخمسةُ الفيلسوفُ

"أنا دورةُ الأشياءِ

لا بدايةَ لي ولا نهاية .. "

...

"ستةَ أيامٍ تعملون وتستريحون في السابع .."

صاحَ الستةُ وغابَ في الزحام !

وتضوَّعَ البخورُ

قد جاءَ السبعةُ... السبعةُ المقدَّسُ :

"أنا الساحرُ الغامضُ

"مباركٌ أنا بين الأعدادِ

مباركٌ أنا في الشعوبِ"

...

وحتى الأحدَ عشر:

"ألستُ أولُ التوائمِ

ألم أكُنْ أنا .. من رآني يوسفُ في منامِهِ ؟"

...

وصَدَحتِ الموسيقى "هوَ ذا الملكُ "

وانحنى الجميعُ لربيبِ الآلهةِ

وسَيِّدِ التقاويمِ والساعات

القادمِ من أرضِ بابلَ

"مباركٌ أنتَ .. مقدَّسٌ بينَ الأرقام !

...

...

وأُطفِئتِ الأنوارُ

أُسدِلَ السِجفُ

وفي ظلامِ المسرحِ المُترِبِ

جاء "كوازيمودو"

يجرجرُ أقدامَهُ الشوهاءَ

ويحدِّثُ الكراسيَ النائمة

"أنا الأحدبُ الذي وُلِدَ بعدَ الأميرِ الأشقر

أنا سيّءُ الطالعِ المحكومُ بالشؤم

لا أُذكَرُ إلا بوجهٍ كالِحٍ

ولا أكتَبُ إلا بالصدفةِ

في مسألةٍ مدرسيّة عويصةٍ.

ذلك لأنني .. لا أقبلُ القسمةَ على شيءٍ

ولا يقسمونَ عليَّ شيئا ..

وليسَ فِيَّ رائحةٌ من قَداسةٍ

لا يتذكرني أحدٌ

إلا إذا خطَرَ

لكهلٍ في الخامسةِ والستين

أن يقسِمَ سِنيَّهُ خمسةَ أخماسٍ

ويروحُ يندبها

أو يلعنها ...

واحداً اثرَ آخر !! "

20-9-2009

الملاك الألثغ الصغير


الملاك الألثغ الصغير علق معطفه في مسمار خلف الباب فتحرر على الفور جناحان غضّان بلون الثلج كانا مختنقين تحت معطفه.. أعني معطفي الثقيل الذي أعرته إياه منذ سقط على سطح بيتي قبل خمسة أيام.. جريحاً.. شبه متجمد...

أوصد الباب وسلم كما يفترض بملاك رقيق وجلس جواري.. لصق المدفأة القديمة ومضى يحدثني وهو يفرك راحتيه أمام النار:

- "بَغد .. بَغدٌ شديدٌ في الخاغج! هنالك حيث ينام المشغدون والعشاق والفقغاء والسكاغى والمطغودون من فغاديس السماء والأغض! أشعغ بالحزن الشديد.. لماذا يوغِّطهم غَبّي بهذا الشكل؟.... منذ أن نزلت هنا كدت أنسى مهمتي التي جئت من أجلها.. الحزن أذهلني .. بل يدفعني أحيانا الى التفكيغ بالتمغد!"

أنا من جانبي لم أقل شيئاً. صببت له كأساً مخففة مرتين وناولته إياها في صمت وقربت منه صحن الزيتون الأسود. ارتشفها سريعا مثل كل مبتدئ يدفعه الحزن للسكر وواصل الحديث وكأنه يكلم نفسه:

- "أين هذا من نزولي قبل عامين الى بلاد الجزائغ السبع.. هناك أيضا كدت أنسى سبب مجيئي.. أعني إغسالي.. ولكن ذلك كان من شدة السغوغ.. يا للجمال.. يا للجمال الباهغ.. والطمأنينة والدعة! كأني لم أغادغ الجنة قط!"

وخرجت عن صمتي بتعليقٍ محايد.. بارد:

- "يبدو أنهم "هناك" يرسلونك كثيراً في مهمات الى الأرض"

- "نعم ... أوه لا .. ليس كثيغاً... الحقيقة .. لا أعلم ... لقد كان الأمغ هكذا على الدوام منذ وجدتُ نفسي في الجنة...بالمناسبة.. لقد نسيت أن أقول لك أنهم يعاملونني هناك معاملة خاصة.. مدلل بعض الشيء.. كأنهم يأخذون بنظغ الاعتباغ وجودي الأغضي كصبي مدلل قادته قسمته الى ميتةٍ بشعة.. بشعة ولكن بطولية لفتى في مثل عمغي... غبما وصل الى أسماعك شيء من تلك الأخباغ التي هزت الصحافة في شمال أوغبا شهوغا طويلة.. ولهذا عينني الغّبّ على الفوغ ملاكاً فوق العادة، ومنحني بعض الاستثناءات.. إنهم هناك يحبونني كثيغاً ولا يخضعوني لكل تلك الواجبات اليومية والاستجوابات المملة والمهمات الثقيلة..."

- "وهل تسنى لك رؤية الجحيم؟ أعني من باب الفضول"

- "الجحيم؟ لا لا. لا أغيد أن أغاه! يتحدثون عن أموغٍ فظيعة تجغي هناك! قلبي لا يتحمل غؤية ذلك؟"

- "ولكن ماذا لو أمروك بذلك؟" سألته وأنا منهمك في تقليب رغيف الخبز الذي لا أحبه الا محمصاً، وهو ما لقي إعجابه على ما يبدو "أعني لو وكلوا اليك مثلا مهمة تعذيب أحد المغضوب عليهم أو الضالين؟ هل ستفعل؟"

- "لو أمغوني؟ شكراً... أف.. أفففف" قال وهو يقلب قطعة الخبز الكاوية من يد ليد وينفخ عليها "لو أمغوني.. سأطيع طبعاً. وهل يمكنني سوى ذلك؟! آه الآن تذكغت! الآن فهمت!"

- " ماذا فهمت ؟"

- "قبل أيام من نزولي كنت أسيغ في إحدى القاعات هناك، أنت تدغي، هناك" وأشار الى السماء "حين سمعت بالصدفة احد الملائكة وهو يتحدث مع زميل قائلا انه يتفق مع الغأي القائل بضغوغة إغسالـ"ـه" الى أماكن أغضية تتمتع بظغوف مشابهه للجحيم لغغض التدغيب قبل ان توكل اليه مهمات أكثغ قسوة وجدية في الجانب الآخغ من ملكوت السماء. الآن عرفت لماذا قطعوا حديثهم عندما أبصغوني.. لا بد أن الشخص المقصود هو أنا"

وأخرج من مكان في الهواء قطعة من الحلوى الصلبة وراح يلعقها بلسانه وهو يهمهم غارقاً في التفكير.. وتأملته.. ما الذي جاء بهذا الطفل الى هنا؟!

- "بووووووم!"

ودوى انفجار قريب هز المكان فانتفض قافزا وقد فرد جناحيه القطنيين الفزعين ثم نزل الى الأرض بهدوء طاويا إياهما.

- "يا الهي.. سبحانك وبحمدك! ماذا يجغي؟ ما هذا الدوي؟"

- "لا شيء" قلت له وأنا انهض لأقفل الشباك الذي انفتح على مصراعيه من قوة العصف. "يبدو أن وجبة جديدة من الملائكة في طريقها الى الأعالي. دعهم "هم" يحدثونك هناك بما يجري. ستتعرف عليهم بسهولة من عيونهم الغائرة الحزينة. كن رفيقا بهم.. حاول ان تنسيهم بعض همومهم. آه نسيت أن أخبرك: ثمة واحد على الأقل ممن صعد للتو الى هنالك سيجد طريقه على الفور الى الهاوية المظلمة. اذا ما صدق توقع زميليك وأوكلت اليك مهمة ما هنالك.. في النار التي وقودها الناس والحجارة.. لا داعي لأن أوصيك به وبرفاقه.. لا تمنحهم ثانية من سكينة! هل سمعت؟ لا ترحمهم أبداً!"

- "هل هم من يفعل ذلك؟ أعني كل هذه الأموغ ؟"

- "ومن غيرهم يا صديقي؟"

- "وكيف سأتعغف عليهم هناك؟" بدا متحمسا للفكرة كطفل منحوه بندقية وأمروه بحراسة حقل على وشك الحصاد.

- "ستعرفهم على الفور من الرائحة العفنة التي تفوح منهم!"

- "هِممم.. فهمتُ.. الغائحة.. الغائحة!"

وحل بيننا صمت طويل كانت تتخلله بين الفينة والأخرى أصوات انفجارات وطلقات وعويل وعربات إسعاف. وكسرت الساعة الجدارية الصمت فنظر كلانا اليها وكأننا نكتشف شيئاً غريباً:

- "آه، هو ذا يومي الخامس ينتهي. أتعلم؟ أنا لن أعود الى هناك إلا بعد يومين لكنني بدأت منذ الآن أشعغ بأنني سأفتقد كثيغا هذه البلاد.. إنها لبلاد عجيبة.. جميلة وقبيحة في الوقت نفسه.. تملؤها المزابل والمقابغ لكنك تشعغ بأنك في إحدى حدائق السماء.. أهلها غغباء الأطواغ.. يضحكون وهم يتمزقون ويبكون وهم يغنون... بلاد عجيبة بلادكم هذي.. عجيبة حقاً!"

ابتسمتُ وخرجت من صدري آهة طويلة مثل زفرة حارقة.

- "لماذا تبتسم من فضلك؟"

- "لا شيء.. تذكرتُ بيتا من الشعر كنا حفظناه في المدرسة وكدت أنساه"

- "بيت من الشعغ؟ واو! الله كم احب الشعغ! هلا قغأته لي من فضلك!"

- "أحقاً تحب الشعر؟ حسنا. انه بيت للشاعر... آه لقد نسيت اسمه.. لكنه على أية حال يقول:

وطني لو شغلت بالخلد عنهُ نازعتني اليه في الخلدِ نفسي

- "وطني لو شغلتُ.."وأعاد البيت مرة واثنتين "جميل جميل جداً.. سأنقله الى أصدقائي حين أعود الى هناك.. أحقا تحبون أوطانكم الى هذا الحد؟"

- "ربما.. "أجبته بصوت مختنق وأنا أشيح وجهي عنه كي لا يراني أمسح الدمعة التي انحدرت على خدي".. ربما.. ربما" والتفتت اليهِ باسماً وأنا أمد له كأساً أخرى "هالك. إشغب ... إشغب .. لا تكثر التفكيغ ... أنت في بغداد ... كلنا هنا عشاقٌ مشغدون!"

29/7/२००९


لوحة بعنوان ملاك شارد الذهن للفنان العراقي الكبير ستار كاووش


في كلِّ مساءٍ-شعر


في كل مساء

د. ماجد الحيدر


في كلِّ مساءٍ

بعدَ الكأسِ الأولِ

تتسللُ هذي اللغةُ الشمطاءُ

من الناووسِ الحجريِّ المختومِ

وتملأُ جوَّ الغرفةِ بالزرنيخِ

تنيخُ على صدري

وتمارسُ ضدي

لعبةَ هرٍّ ساديٍّ مخبولٍ

بجريذِيٍّ أعمى ...

وأقول إذن : في كل مساء

تلبسُ هذي اللغة الشمطاء

ثيابَ عروسٍ ميتةٍ

تخطفها من كرّاساتِ الشعراءِ الطاوينَ

تكحِّلُ عينيها بمدادِ هزائمهم

في الحبِّ ، وفي الحربِ ،

وفي غرفِ التعذيبِ المفتوحةِ أبداً

رغم تبدّلِ وجهِ السجّانِ

وصورةِ مولانا في ظهرِ الكرسيِّ الدوارْ

....

عمداً تتعابثُ / تسفحُ كأسي كل مساءٍ

وتُبَلِّلُ كسوةَ منضدتي

المثقوبةَ مثلَ خرائطِ ذاكرتي /

تنشرُ لمَّتَها: هذي المكروهةَ للشَمِّ وللتقبيلِ

وتكشفُ عن فَخذيها العجفاوينِ

وعن أثداءٍ شائكةٍ لا عدَّ لها

وتنادي : يا ابنَ اللخناءِ تعالَ الى أحضاني

واسكبْ أسراركَ

أو فاكتم في جوفك

حتى يتفجرَ قيحاً ودما !

أولستُ أنا أولَ من أوجدَ قاموسَ الإذلالْ :

أخنى يُخني ... أذعنَ يُذعِنُ .. خانَ يخونْ !؟

أولستُ أنا أعظمَ بحرٍٍ للخوفِ وللجبروت ؟

فكبف تريد نجاةً ... يا للحمقى !

في كل مساءٍ تنذرني آخر إنذارٍ

فأكابرُ .. أرفضُ .. تسلخ ظهري :

- ألفٌ.

- آهٍ !

- باءٌ.

- ويلي !

- تاءٌ ، ثاءٌ ، جيمٌ .....

- إني أستسلمُ يا سيدتي الحسناءْ !

في كل مساءٍ

بعد الكأسِ الأولِ

تمسكني من رأسي

تضربُ بي الجدرانَ الستةَ

تمضغني حتى آخرةِ الليلِ

وتلفظني أشلاءْ !





عروسٌ .. أَم نمر ؟- قصة فرانك ستوكتن-ترجمة ماجد الحيدر




عروسٌ .. أَم نمر ؟


قصة: فرانك ستوكتن

ترجمة: د: ماجد الحيدر


تقديم:

فرانك ستوكتن (1834-1902) كاتب أمريكي عرف بكتاباته الفكاهية وقصصه وحكايته الخرافية للأطفال ذات الحس المرح البعيد عن الأسلوب الوعظي والتي لاقت انتشاراً كبيراً في أواخر القرن التاسع عشر. أثارت هذه القصة ذات النهاية المفتوحة الغريبة الكثير من الاهتمام وصارت حديث الأوساط الاجتماعية والتربوية ومصدر إزعاج للكاتب الذي كانت تنهال عليه الأسئلة أينما حل عن النهاية "الحقيقية" للقصة. تلك النهاية التي ظل يرفض الكشف عنها حتى رحيله.


عزيزي القارئ. لقد خطر لي عند قراءتي للقصة أن أقوم باستطلاع بسيط لأراء فتيات صغيرات أو في سن الشباب إذ كنت أروي لهم القصة وأسالهن أن يخبرنني بكل حرية عما سيفعلنه لو كنَّ في مكان بطلة القصة وكان الجواب في أغلب –إن لم يكن جميع- الحالات صادماً ومخيبا للآمال على أقل تقدير! سأتركك الآن لتستمتع بالحكاية العجيبة وأطلب منك أن تقوم بعدها باستطلاع بسيط مثل الذي أجريتُه.. عسى أن تحصل على نتيجةٍ مغايرة!

المترجم



عروسٌ .. أَم نمر ؟


في زمانٍ موغلٍ في القدم عاش ملكٌ نصف بربري، رجلٌ ذو أهواء لا تحدها حدود، وسلطانٍ بلغ من قوته أن كل ما يخطر في باله يتحول في الحال الى حقيقةٍ واقعة. وكان أيضاً مغرماً بمشاورة نفسه، وعندما يتفق مع نفسه على شيء فإنه يجد سبيله الى التنفيذ فوراً.

عندما تسير الأمور على ما يرام تراهُ لطيفا ودودا كريماً، لكنه حين يواجَه بعقدةٍ ما ... يغدو أكثر كرما ولطفاً، ذلك لأنه لا يُسعَدُ بشيء في الدنيا مثل سعادته بتقويم ما يراه معوَجّاً، وتسوية الأماكن غير السوية بالأرض.

وكان ميدان القتال العمومي واحدا من نزواته التي استعارها من جيرانه "المتحضرين". إذ وجد فيه المكان الذي يهذب ويطهر عقول العامة حين تُعرض أمامهم ضروب الشجاعة الآدمية والحيوانية. لكن هذا الخيال البربري الذي لا تحده حدود أبى إلا أن يؤكد نفسه ها هنا أيضا؛ فهذا الملعب الكبير بأروقته الدائرية وقبوه الغامض وممراته الخفية كان موضوعاً لعدالةٍ شاعرية يتم على يديها معاقبة الجريمة ومكافأة الفضيلة في أحكام تصدر عن الصدفة العادلة العمياء. فعندما يتهم شخصٌ ما بجريمةٍ تبلغ من الأهمية حد أن تثير اهتمام الملك يُعلَن على الملأ أن مصير المتهم سيتقرر في هذه الحلبة. وإذ يجتمع الناس في الأروقة، ويجلس الملك على عرشه العالي وقد أحاطت به حاشيته يعطي إشارته فيُفتحُ بابٌ أسفل موضع العرش ليخطو المتهم الى الحلبة ويجد قبالته تماماً، في الجانب الآخر من الحلبة المسوَّرة، بابين متجاورين متشابهين تماماً. وهنا سيكون من واجب المتهم، ومن امتيازاته أيضاً، أن يتقدم نحو واحد من البابين ويفتحه. نعم، كان من حقه أن يفتح أيّا منهما، دونما مؤثر خارجي أو دليلٍ يقوده سوى المصادفة العادلة العمياء التي ذكرناها. فإذا فتح واحدا منهما خرج اليه نمرٌ جائع، من أكثر النمور ضراوةً ووحشية، ليثب عليه في الحال ويمزقه إربا إربا، عقابا له على جريمته. وفي اللحظة التي يتقرر فيها مصير المتهم بهذه الصورة الشنيعة ترنُّ الأجراس الحديدية الحزينة، ويتعالى صراخ النادبات الأجيرات اللاتي اصطففنَ خلف سياج الحلبة. أما أفراد الجمهور المحتشد فيمضون الى بيوتهم، برؤوسٍ منكسة وقلوبٍ تقطر ألماً لأن رجلاً في ريعان الشباب والجمال أو شيخاً وقوراً مسِنّاً قد لاقى مثل هذه الميتة البشعة.

أما إذا فتح المتهم الباب الآخر فستخرج اليه امرأة! امرأة يختارها صاحب الجلالة من أكثر النساء ملائمة لعمر المتهم ومركزه بين جميع رعاياه. ويتم في الحال تزويجه منها مكافأة له على براءته. ولا يهم بالطبع كون الرجل متزوجاً بالفعل أو أن قلبه يميل صوب امرأة أخرى؛ فالملك لا يسمح لترتيباتٍ مغايرةٍ كهذه بأن تعرقل منظومته العظيمة للثواب والعقاب. ولسوف تجري مراسيم الزواج في الحال، وفي نفس الحلبة؛ إذ ينفتح بابٌ آخر تحت عرش الملك، ليخرج منه كاهنٌ تتبعه ثلة من المنشدين والراقصات ويتقدمون وهم يطلقون أنغام الفرح من أبواق ذهبية الى حيث يقف الزوجان جنباً الى جنب، ثم تتم المراسيم السعيدة في عجالةٍ، فتدق الأجراس النحاسية الطروب وترتفع صيحات الفرح من الحاضرين، ويمضي الرجل الذي بُرِئت ساحته، يتقدمه صغارٌ ينثرون الورد في طريقه، ليقود عروسه الى بيته.




تلك كانت طريقة الملك نصف البربرية لتطبيق العدالة، وعدالتها المطلقة واضحة بالطبع للعيان. فالمجرم لن يفلح في معرفة الباب الذي يؤدي الى العروس، إنه يفتح أي باب يشاء دون أن يملك أدنى فكرة إن كان سيتزوج أو يُفتَرس في اللحظة التالية. ربما خرج اليه النمر.. وربما خرجت اليه العروس. وليست القرارات عادلة وحسب، لكنها قاطعة حاسمة؛ فالمتهم يعاقَب في الحال إذا وجد نفسه مذنباً أو يجازى من فوره، شاء ذلك أو أبى، فلا فرار مما يصدر عن حلبة الملك من أحكام.

كانت هذه المناسبات تحظى بشعبية كبيرة، فحين يجتمع الناس في يوم من أيامها المشهودة لا يعرفون إن كانوا سيشهدون مذبحة دموية أم عرساً بهيجاً، وعنصر الغموض وانعدام اليقين هو الذي يضفي على الحدث سمة الترقب والتشويق التي تجذب اليه الناس الذين كانوا يحصلون على المتعة والتسلية. أضف الى ذلك أن صفوة المجتمع لن تستطيع اتهام هذه الترتيبات بالابتعاد عن الإنصاف : ألم يكن تقرير الأمر بيد المتهم نفسه؟!

وكان لهذا الملك نصف البربري ابنة في ريعان شبابها ونضارتها وكأنها واحدة من نزواته الوردية ولها روح متقدة ومستبدة مثل روحه هو. وكانت، كما هو معتاد في هذه الحالات، قرّة عينه وأحب الناس الى قلبه. وكانت حاشيته تضم فيما تضم شاباً له من رفعة الأصل وضآلة المركز الوظيفي ما اعتدنا عليه عند أبطال القصص الرومانسية التقليدية الذين يعشقون أميراتهم.

وكانت هذه الأميرة راضية بحبيبها، فقد كان وسيماً وشجاعاً الى حد غير مسبوق في كل أرجاء المملكة، وكانت بدورها تحبه بحرارةٍ فيها من البربرية ما يحيلها الى عشق ملتهبٍ عنيف. مضت العلاقة بينهما بشكل سعيد طوال شهورٍ عديدة، حتى جاء اليوم الذي اكتشفها الملك، فلم يتردد أو يتوانى إزاء واجباته التي ذكرناها في البداية. زُج الفتى في السجن على الفور، وحُدد موعدُ محاكمته في حلبة الملك. كان هذا، بالطبع، حدثاً ذا أهميةٍ استثنائية، وكان جلالته، ومعه الناس كلهم، منشغلين بتفاصيل المحاكمة وتطوراتها. فلم تقع حالة مثل هذه من قبل، ولم يحدث قبل ذاك أن تجرأ فرد عادي على أن يعشق ابنةَ ملكٍ ما. لقد أصبحت حالات كهذه أموراً طبيعية في اللاحق من الأعوام، لكنها كانت في وقتها غريبة ومريعة الى حدٍ بعيد.

بحثوا في أقفاص النمور في المملكة عن أكثر الوحوش قسوة وضراوة كي يختاروا لحلبة الملك من بينها أكثرها شراسة. وقام قضاة أكفاء بمعاينة دقيقة لصفوف الصبايا والحسناوات من كل أنحاء المملكة لينتقوا للفتى عروساً مناسبة إذا ما رسم له القدر مصيراً مختلفاً. كان الجميع يعرفون أن الفعل الذي رمي به المتهم قد حدث وانتهى. لقد عشق الأميرة، ولم يفكر، لا هو ولا هي ولا أي إنسان آخر في إنكار الحقيقة. لكن الملك لم يكن ليسمح لأية حقيقة من هذا القبيل بأن تعرقل إجراءات المحاكمة التي شارك فيها بسرورٍ واقتناع عظيمين. سيتم التخلص من الفتى بغض النظر عما ستؤول اليه القضية، وسيتمتع الملك بنشوةٍ أخلاقية في مراقبة سير الأحداث التي ستقرر إن كان الفتى قد أخطأ أم لا عندما سمح لنفسه بالوقوع في حب الأميرة.

حل اليوم الموعود. وتجمع القاصي والداني، وغصت بهم شرفات الحلبة العظيمة، والتصق الجمهور الذي لم يتح له الدخول بجدران الملعب الخارجية. واتخذ الملك وحاشيته أماكنهم قبالة البابين التوأمين، تلكما البوابتين المصيريتين، الرهيبتين في التشابه بينهما.

كان الجميع على أهبة الاستعداد. وأعطيت الإشارة فانفتح باب تحت الحضرة الملكية، وتقدم عاشق الأميرة الى الحلبة. كان طويلاً، جميلاً، وسيماً، فقوبل ظهوره بهمهمةٍ خافتة من الإعجاب والقلق. لم يكن نصف الجمهور يعرف أن شاباً بهذه الروعة يعيش بين ظهرانيهم. لا عجب إذن في أن تحبه الأميرة! ويا لمقتله من أمرٍ فظيع!

عندما توسط الفتى حلبة الميدان استدار، كما تقضي التقاليد، كي ينحني للملك، لكنه لم يكن يفكر بالحضرة الملكية؛ كانت عيناه مثبتتان على الأميرة التي جلست على يمين أبيها. كان من المحتمل ألا تكون حاضرةً في المكان لولا العرق البربري الذي يسري في طباعها، فروحها المتقدة الشديدة لم تكن لتسمح لها أن تغيب عن مناسبة تهمها بهذا القدر الرهيب. ومنذ اللحظة التي صدرت فيها الإرادة الملكية بأن يقرر حبيبها مصيره في حلبة الملك، لم تفكر بشيء، في الليل أو في النهار، غير هذا الحدث العظيم وكل الأشخاص الذين لهم صلةً به. ولأنها تملك من السلطة والنفوذ وقوة الشخصية ما لم يملكه قبلاً أي ممن اهتموا بقضية مثل هذه فقد فعلت ما لم يفعله أحد قبلها: لقد عرفت سر البابين، عرفت في أي من الحجرتين القابعتين وراءهما ينتصب قفص النمر بواجهته المفتوحة، وفي أيهما تنتظر العروس.

كان من المستحيل أن يخرج من خلف البابين السميكين، المبطنين من الداخل بستائر جلدية ثخينة، أي صوت أو إشارة للشخص الذي يفترض به أن يتقدم ويرفع مزلاج واحدٍ منهما. لكن الذهب، وقوة إرادة النساء جاءا بالسر الى الأميرة. فلم تعرف فقط في أية حجرة تقف العروس المتألقة المتوردة من الخجل وقد استعدت للخروج حالما ينفتح بابها، بل عرفت أيضا من تكون. إنها واحدة من أجمل وأحب آنسات البلاط، تلك التي اختيرت لتكون جائزة الفتى إذا بانت براءته من جريمة التطلع الى امرأةٍ بهذا العلو عن مقامه. كانت الأميرة تكره تلك المخلوقة الحسناء، فلطالما رأتها، أو خيل لها أنها رأتها وهي ترمي بنظرات الإعجاب على شخص حبيبها، بل شكّت أحيانا بأن الفتى قد لاحظ تلك النظرات أو حتى قابلها بالمثل. كانت تراهما بين الآونة والأخرى وهما يتبادلان الحديث، ولكن للحظة أو اثنتين. غير أن الكثير يمكن أن يقال في فسحة صغيرة. ربما كان حديثا في أمورٍ شديد التفاهة، ولكن ما أدراها؟ كانت فتاة محبوبة، لكنها تجرأت على رفع ناظريها الى حبيب الأميرة، ولذلك فإنها -وبكل ضراوة الدماء الهمجية التي انتقلت إليها عبر سلالة طويلة من أسلافها البرابرة المقدسين- حقدت على الفتاة التي كانت ترتعش وتحمر خجلاً وراء ذلك الباب الصامت.

عندما استدار حبيبها ونظر اليها، والتقت عيناه بعينيها، وهي تجلس هناك، أكثر شحوباً واصفراراً من كل ذلك البحر المتلاطم من الوجوه القلقة المتطلعة من حولها، أدرك بنفاذ البصيرة الذي لا يملكه إلا من وحّد الحب أرواحهم، أدرك أنها تعلم علم اليقين أي البابين يجثم خلفه النمر وأيهما تقف خلفه الفتاة. كان يتوقع منها أن تعرف ذلك. فقد كان يفهم طباعها، وكانت روحه مطمئِّنة الى أنها لن تهدأ حتى تتفتح أمامها مغاليق السر الذي حُجب عن الجميع، وبضمنهم الملك نفسه. كان الأمل الوحيد الذي يحمل قدراً من التأكيد يعتمد على نجاح الأميرة في اكتشاف السر، ولقد أدرك منذ اللحظة التي أبصرها فيها أنها نجحت، كما يعرف في قرارة قلبه.

ثم جاءت تلك النظرة القلقة العجلى التي ألقت السؤال "أيهما؟"

السؤال الذي وضح أمامها وكأن الفتى صرخ به من حيث يقف. لم يكن ثمة وقتٍ لإضاعته؛ لقد ألقي السؤال في لمحة بصر ويجب الرد عليه في لمحة أخرى.

كانت ذراعها اليمنى ترتاح على حاجز الشرفة الوثير أمامها. رفعت يدها وأرسلت إشارة طفيفة خاطفة نحو اليمين. لم يرها أحد سوى حبيبها، فكل العيون سوى عينيه كانت مسمّرة على الرجل الذي في الحلبة.

استدار الفتى وعبر المسافة الخالية بخطوات واثقة سريعة. وتوقفت كل القلوب، وحُبست الأنفاس، وتسمرت كل العيون عليه. ودون أدنى تردد مضى نحو الباب الأيمن وفتحه.

والآن، فإن النقطة الأساسية في حكايتنا هي: هل خرج النمر من الباب؟ أم خرجت العروس؟

كلما تفكرنا في السؤال كلما تعسرت الإجابة عليه. فهي تتضمن دراسة القلب الإنساني الذي يقودنا خلال متاهات العاطفة الملتوية التي يصعب علينا إيجاد مخارجها. فكر في ذلك أيها القارئ المنصف، ليس كما لو كان القرار قرارك، بل قرار تلك الأميرة شبه البربرية، حامية الطباع، التي تتقلب روحها الهائجة بين نار اليأس ونار الغيرة. لقد خسرته الى الأبد، ولكن من الذي سيأخذه منها؟

كم مرة، في ساعات يقظتها أو في طيات أحلامها، أجفلت وقد جرفها رعب وحشي، ثم غطت وجهها بيديها وهي تفكر بحبيبها وهو يفتح الباب الذي تنتظر وراءه مخالب النمر التي لا تعرف الرحمة!

وكم وكم مرة رأته عند الباب الآخر!

كم، في أحلام يقظتها الأليمة الموجعة، صرّت على أسنانها ومزقت شعرها وهي تراه يثب في فرح عظيم إذ يفتح باب العروس! كم تلظت روحها وهي تراه يندفع لملاقاة تلك المرأة الأخرى، بخدودها المتوردة وعينيها اللتين تقدحان بفرحة النصر. وهي تراه يقودها خارجا وقد توهج كيانه بفرحة العودة الى الحياة. وهي تسمع صيحات الفرح التي تطلقها الجماهير، وضربات النواقيس المجلجلة السعيدة. وهي ترى الكاهن، وفي أثره أتباعه المبتهجين، يتقدم نحوهما ليعلن زواجهما أمام ناظريهما. ثم وهي تراهما يمضيان معاً فوق الطريق المفروش بالزهور، تحف بهما صيحات الحشود الصاخبة الجذلى التي تضيع وتغرق فيها صرختها اليائسة الوحيدة!

أليس من الأفضل له أن يموت من فوره، ليكون في انتظارها في أقاليم الحياة الأخرى شبه البربرية؟

ولكن ماذا عن ذلك النمر المخيف، تلك الصرخات، وتلك الدماء!

لقد بيَّنتْ جوابها في لحظة خاطفة، لكنه كان حصيلة أيام وليالٍ من التفكير المبرِّح. كانت تعلم أنها سوف تُسأل، ولقد قررت نوع إجابتها، وأشارت بيدها دون بصيص من التردد .... نحو اليمين!

إن قرارها ليس بالمسألة التي يجوز الاستخفاف بها، ولستُ أنا من يتجرأ على وضع نفسي موضع القادر على الإجابة. لذلك سأترك السؤال في عهدتكم:

من خرج من الباب المفتوح ... العروس ، أم النمر ؟


بحث هذه المدونة الإلكترونية