وطن

عندي وطن
هذا حق
هذا مؤكد مثل الموت
لكنني، وهنا المشكلة
لا أعرف ما أفعل به
...
أحيانا أفكر بأن أهبه
الى أول متسول يطرق بابي
أو أن أودعه في مصرف وأنساه
أحيانا أفكر في إعارته الى الأبد
الى صديق ضجر
وأفكر أحيانا أخرى
بوضعه في كيس
أشد اليه حجرا ثقيلا
وألقيه في النهر
...
لكنني في كل مرة
أنظر اليه
وهو يرفع لي عينه الزجاجية الصغيرة
ويهز ذيله الأبيض
فافتح له الباب
ليقفز في سريري
ويلعق وجهي
فأغص أنا بالضحك
وأنهره
أبتعد عني
أيها الشيطان الصغير!

26/8/2011


إنه الماضي .. أليسَ كذلك؟


في زمنٍ أوغلَ في النسيانْ

-أعني في العامِ الماضي-

كنتُ أحبُّ التوتْ

والعنبَ الأسودَ وسماعَ الأخبارْ.

كنتَ أرى –أحياناً- بعضَ الأحلامْ

وأغنّي -أحياناً أخرى- في الحمّام.

...

-ماذا ؟ ماذا قلتَ؟ : "لماذا ما عدتَ تُحـِ...؟"

....

شختُ.

أظنُّ بأنّي شختُ

وما عدتُ أريدُ التوتَ ولا .....

...

-ماذا؟ ماذا قلتَ؟ : "صبيٌّ بعدُك؟"

...

لا ...

لا يخدعْنَكَ رقمٌ

أو بقيا الخيط الأسود قبل الفجر

سنةٌ واحدةٌ تكفي

من هذا الزمنِ الخائبِ

كي تهوي في أرذلِ، أرذلِ، أرذلِ عمر!

30/4/2004


و يبكي العراقي


يبكي العراقي حين يرى صورة عائلية قديمة

ويبكى حين يرى صور الأصدقاء

ويبكي حين يرى..

صورة حافلةٍ قديمة

..

يبكي العراقي حين يسمع أغنية قديمة

ويبكي حين يرى مسرحية قديمة

وحتى خيول أفلام الكاوبوي

وصورة كاري كوبر، وشارة الشريف على صدره..

تبكيه لسبب ما..

..

يبكي العراقي حين يرى شهادة ميلاده

يبكي العراقي حين يتذكر إخوته

وحين يتذكر أمه..

وحين يتذكر أباه..

وحين يتذكر أنثاه..

وحين.. آهٍ حين يتذكر معلميه

..

يبكي العراقي في الأعراس

وحين يفوز فريقه

وحين ينجح في المدرسة

وحين يفقد عمله..

أو يده... أو إحدى عينيه

..

يبكي العراقي ويبكي

ويبث شكواه.. في معبد إينانا

وعند باب الخليفة

أو في ضريح الحسين

..

يبكي العراقي

وفي سره يتساءل:

إن كانت هناك.. في مكانٍ ما..

بلادٌ لا بكاءَ فيها..

وآلهةٌ.. أكثر رحمة ؟!

5/7/2011




مشهد مرعب-قصة قصيرة


يوجِعني قلبي حين أتذكر ما جرى، لكنني مثل كل مواطنيَّ المازوخيين، أستعيد المشهد مرة تلو مرة.. وبتفصيل دقيق..
نعم.. ألم أخبرك؟ ألم أعد على مسامعك: نحن أبشع حقل تجارب ليهوا.. أكثر الآلهة قسوة؟
ورغم هذا فإنني لا أكتفي بالتذكر، بل أوثق كل شيء.. فأكتب وأكتب.. وأنا أعلم بأن الكتابة هنا سلخ للأظافر..
لا ليس نزعها.. بل سلخها.. سلخاً بطيئاً متلذذاً.. أعني أن تبدأ بدفع أطرافها الى الأعلى حتى تمزق اللحم.. رويدا رويدا رويدا، وأنت تضحك مثل بطل المسرحية الشرير الذي يحاصر البطل الطيب بقاذفة لهبٍ في كراج منسي..
لكنك تكتشف أنك تمثل الدورين معا.. وتدهَش لأن هذه الحقيقة لم تعد تدهشك بقدر ما تنهشك..
...
وأخيراً..تصل الشرطة في اللحظة الأخيرة عندما يكون النزيف والخوف والحرارة قد أنهكوك جميعاً، فتكفر بيهوا على مرأى من الجميع وتشتمهم:
- أين كنتم يا أبناء الزوان؟ أين كنتم كل هذا الوقت؟ كيف تتركونني لوحدي مع هذا المخبول السادي (تقصد نفسك بالطبع) أين المؤلف الغبي؟ أين ابن الفاعلة المخرج؟
حسناً.. ما كان عليك أن تتورط بهذا الشكل.. لقد سمعك الجميع وأنت تجدف على يهوا، فتعاقب على كفرك بأن ترغم على أكل أظافرك.. ممزوجة ببيض مخفوق فاسد.
ليس هذا فحسب، فهناك، في الشارع، كما في القاعة، ثمة حشد من المشاهدين الغاضبين الذين يطالبون برأسك وباسترداد نقودهم.. فيقع المنتج بالحرج الشديد ويحاول مدير المسرح المجذوم أن يُنزِلَ الستارة لكن عطلاً فنياً ما يحول دون إنزالها الى آخرها..
وفي ساعة متأخرة من الليل يهدأ كل شيء.. وتنطفئ الأضواء.. لكن منصة المسرح تظل هكذا.. نصف مكشوفة ونصف مستورة.. وتفوح منها عفونةُ جثةٍ منسيةٍ.. الى أبد الآبدين!
29/6/2011


قل لي كيف تترنت أقل لك من أنت!


يقال أن مسطولاً مثقفاً أحب أن يتفيقه على زميلٍ له فقال له:
- قل لي ماذا تقرأ أقل لك من أنت.
فقال الثاني وهو غارقٌ في عالمه الماورائي:
- ماذا تقرأ؟
فما كان من الأول إلا أن يسحب نفساً عميقاً ويجيبه بكل ثقة من بين غيمة الدخان:
- من أنت!!
لا أسوق هذه النكتة لأهيئ ذهن القارئ الكريم لجواب "تحشيشي" على سؤالي المعنوِن لهذه المقالة، بل لكي أُعلمه سلفاً بمقصدي البريء الممازح وبأن "أي تشابه بين من أعرض لأحوالهم وبين هذا القارئ أو ذاك هو من قبيل المصادفة ولا أتحمل عليه ومنه أية مسؤولية قانونية أو جزائية". أو ربما كنت أسوقها كانعكاس شرطي لما أقوم به كل صباح حين أستعرض بريدي لأبحث أولاً عن أية نكات جديدة يرسلها لي الأصدقاء وأفتتح بها يومي السعيد.. الأمر الذي يدفعني لفعل هذا مع أصدقائي القراء..
وبدايةً أقول وبعد الاتكال:
إن المُتَرْنِت، يا أخوة الإيمان، كلمة أزعم أنني اخترعتها منذ بضع سنوات تزامناً مع عدد من شقيقاتها في نوبة من التمرد (سمه الطيش) اللغوي، رغم احتجاجات صديقي الشاعر و"حامي العربية الفصحى" محمد الصيداوي (وربما بقصد إثارته ومعابثته وسماع جملته الاحتجاجية التي أحن اليها كثيراً: إي.. مو هيّه بكيفك سيّد ماجد!!) فمنها: تَرْنَتُ يُتَرنِتُ ترنَتَةً أي استخدم الإنترنت، وسَتْلَتَ يُسَتْلِتُ سَتْلَتَةً أي استخدم الستلايت أو بث من خلاله ثم تلتها كلمات غَوْغَلَ يغوغِلُ غوْغَلةً (وفي لهجة قبائل نجدٍ وما جاورها قَوقلَ يقوقلُ قوقلةً) أي بحث عن الشيء في غوغل وياوَهَ يُياوِهُ يَوْهَوَةً أي بحث عنه في الياهو، وأمْيَلَ يؤَمْيِِلُ أميَلَةً وأيملةً (على غير القياس) أي أرسل رسالة بالإيميل، وفَروَدَ يُفَروِدُ فَروَدةً أي أحال رسالة من شخص الى آخر عن طريق زر (FORWARD) المبارك، وأخيراً وليس آخراً فَسْبَكَ يُفَسْبِكُ فَسْبَكَةً أي استعمل الفيسبوك وتَيتَرَ يُتَيتِرُ تيترةً .. أي استلم الحصة التموينية!! ... وقس على ذلك الكثير مما سأترك اختراعه واشتقاقه الى أحفاد سيبويهٍ والفراهيدي والأخفش (الأخيرة ليست شتيمة).
...
المترنِت (ومؤنثه مترنِتة) بكسر النون هو إذن اسم الفاعل من الفعل أعلاه ويجمع جمعاً مذكراً سالماً (سلمكم الله) على مترنتون ومترنتين ومؤنثا سالماً (سلمكن الله) على مترنتات..
المهم أن المترنتين يتزايدون في العالم وفي منطقتنا وخصوصاً في عراقنا الزاهر بسرعة صاروخية مذهلة حتى أصبح الوقت الذي يصير فيه الانترنت في متناول كل (زغيرون) ما زال ينشد بفخر واعتزاز: إحنه صف الأول أحسن الصفوف، وكل زايرة (مديورة عليك) وكل شيخ احترقت مؤخرته من الجلوس أمام دائرة التقاعد، بل وحتى أعضاء البرلمان الذين تشير إحدى الدراسات الاستراتيجية الى أن نصف أعضائه و"عضواته" لا يجيدون "استخدامه" ولا يملكون بريداً الكترونيا خاصاً بهم!
والمترنتون (بحسب علاقتهم بالثقافة والأدب) فريقان: فريق لا تربطهم بهما رابطة من قريب أو بعيد. وهؤلاء بدورهم يتوزعون الى رهطين:
رهط بريء على العموم من محبين للتسلية أو للثرثرة وإضاعة الوقت وإدامة تراث بنات وبني آدم في القيل والقال أو متابعين لأخبار الفن والفنانين وأحدث الأغنيات والأفلام والمسلسلات أو صور الغرانيق والحسناوات أو وصفات الطبخات أو موديلات السيارات أو أخبار الرياضات أو أجدد الأزياء والقصات أو ربما بحثاً عن تقرير علمي يرقعون به درجاتهم في الامتحانات. ولا بأس أحياناً في مزج هذا مع بعض الحكم والنصائح (التي نرى أمثالها على مقدمات وأعجاز اللوريات والكوسترات) والمواعظ الخلقية والدينية الموسمية والفتاوى العصرية وآخر فبركات مختبرات الإعجاز العلمي التي يعج الفضاء الترنتي بالملايين منها وكثيراً ما يجود بها عليك البعض من طيبي النية الذين يرغبون بشدة في مرافقتك لهم في الجنة (التي لا يشكّون ساعة في ذهابهم اليها)... وهم لا ينسون طبعا أن يطلبوا منك إعادة إرسال رسالتهم الخطيرة (أي فرودتها) الى أكبر عدد من الناس (أحيانا يحددون لك العدد بالضبط) ليدور عدّاد حسناتك بأسرع ما يكون..
ورهط يرفعون شعار "الترنتة في خدمة الشيطان" فمنهم من حولها الى أداة عصرية للنصب والاحتيال وتشويه سمعة الخلق وبث السموم والأحقاد والإشاعات أو اصطياد المغفلين والمغفلات أو تبادل الشتائم الطائفية والعنصرية والنكات غير البريئة أو تذكيرنا بأمجاد سيدهم صكر البيدة حفظه الله حيث كان، أو تجنيد المجاهدين القرمين الشهوانيين (القرِم هو الذي يشتهي اللحم) المستعدين لتفجير أجسادهم وبضمنها أدمغتهم النفيسة في أقرب مدرسة أو سوق شعبي نظير وجبةِ كباب ساخن مع النبي الكريم و"التمرغل" في تراب الفردوس الذهبي مع درزينة من الحوريات المربربات...
ولا حاجة لنا بالطبع الى تذكير القارئ برهط ثالث وهم الذين تقتضي طبيعة عملهم استخدام الانترنت بشكلٍ روتيني من الباحثين والعلماء والدارسين والمبرمجين والمشغلين ..الخ وهؤلاء فوق الرأس لا نتحارش بهم وسلامٌ من الله عليهم ورضوان..
أما الفريق الثاني (بحسب العلاقة بالثقافة والأدب كما أسلفنا) فهم واحد من اثنين نوع قاده الأدب الى الانترنت ونوع قاده الانترنت الى الأدب. وهذا أمر –في ذاته- واضح وجلي (بتشديد الياء) ، لكن الشيطان يكمن في التفاصيل كما يحلو القول لإخوتنا المحللين السياسيين؛ فهل يتساوى الجميع في قدرتهم على الإتيان بثمار طيبة شهية من هذا التلاقح بين الخيال المبدع والتكنلوجيا الرقمية؟
(بالطبع لا) هكذا تجيب الحسناء التي يوجعها سنها على محمد عبد الوهاب الذي يسألها إن كان الأبله الواقف أمامها هو حبيب القلب. وهكذا أجيب أنا متذكراً العشرات والمئات ممن تحولت الترنتة على أيديهم الى مزحة ثقيلة وضياع عبثي للوقت والجهد والمال. وهنا سأتوقف قليلاً لأعرّج بكم على هذه "السالفة" التي حدثت معي:

في إحدى الليالي الصيفية الرومانسية الهانئة وبعد أن تجمد جسدي من التبريد ومللت من أصوات الموسيقى العذبة القادمة الينا من مكبرات الصوت المتنافسة القريبة من رأس شارعنا، ساقني الفضول الى الدخول في إحدى غرف النقاش عبر الانترنت لحلقة من الشباب الأمريكي، وقررت في البداية أن أقرأ ما كتبوا لأعرف موضوع نقاشهم. كان موسم الانتخابات الرئاسية في بلادهم على الأبواب.. أتدرون بم كانوا يضيعون وقتهم؟ لقد كانوا يتناقشون بحماس بل وَحِدّة حول مواضيع الاحتباس الحراري وسياسة كل مرشح بخصوص قضايا البيئة والطاقة واتفاقية المكسيك (شنو هاي؟!) والإنفاق على برامج التعليم والتسلح والرعاية الصحية واستكشاف الفضاء .. أي والعباس أبو فاضل.. إشكد تافهين!! كان هذا ما يتحدثون به. أما شبابنا الوعي، رجال الغد.. بناة المستقبل (بضم الباء).. حماة الوطن (وأيضاً بضم الحاء) فقد كانت الأمور قد وصلت بينهم الى حد التراشق بالنعــ... العتيكة في نقاشاتهم الودية حول مباراة ريال مدريد وبرشلونة وهو موضوعهم الأثير الى جانب الموضوع الآخر الذي ما زلنا نتباحث فيه منذ 1400 سنة: من هو الأحق بالرئاسة.. عفواً بالخلافة بعد وفاة مؤسس الدولة العربية-الإسلامية المجيدة؟
- الله يساعدهم شباب!
طبعاً قلتها بالإنكليزية فلم يعرني أحدهم انتباها وظلت تعليقاتهم وآراؤهم تتوالى بسرعة البرق..
- إحم إحم.. مرحبا شباب!
كتبت مرة ثانية وأنا أقول مع نفسي:
- إشتعلوا أجدادكم ليش ما تجاوبون.. إحنه مو بعينكم؟
وأخيراً لاحظ أحدهم وجودي فحن عليّ بالتفاتة كريمة:
- أهلاً وسهلاً.. حضرتك جديد على هذه الغرفة؟
- نعم.
- أهلاً بك. ومن أي العمام إنته؟ (طبعا قالها بالانكليزي)
- عراقي والنعم (الما ينعم على نفسه محد ينعم عليه)
- عراقي.. oh, my gosh!! تعالوا شباب, هذا واحد عراقي ويانه!
وتخيلتهم وهم يتحلقون حولي ويفحصوني بفضول مثل حشرة استوائية نادرة.
- ما قصتكم يا أهل العراق؟ (سألني أحدهم) لماذا تتعاركون فيما بينكم؟ ما سبب الـ civil conflict عندكم؟
- لا شيء.. مجرد اختلاف تاريخي عميق، أعني سطحي طارئ بين مكونات متناحرة.. أقصد متحابة تمثل الطيف العراقي الجميل!
- وهل يستدعي هذا الاختلاف أن تذبّحوا بعضكم؟ (سألني وكأنه يقول لي بالبغدادي: علينه؟ مو ملّينه!)
- كلا بالتأكيد.
- لماذا لا تجلسون الى بعض إذن وتحلون خلافاتكم ما دامت سطحية؟
- لا .. المسألة أعقد بكثير.. يعني.. ثمة رواسب قديمة ومصالح متشابكة دولية وإقليمية.
- لماذا إذن لا تقسمون البلد فيما بينكم وتحلون المشكلة؟
سألني واحد آخر وكأنه يضربني على يافوخي (طبعاً عرفت على الفور بأنه فد واحد إمبريالي صهيوني شعوبي حاسد) لكنني أجبته بأدب محاولاً إفهامه العمق الاستراتيجي والجيوبوليتكي لطركاعتنه السوده:
- لا.. ليس الى هذه الدرجة.. المسألة أبسط بكثير.. نحن في هذا البلد أخوة وأحباء يجمعنا التاريخ والتراب والعلاقات العائلية والوطن الواحد..
لكن ملعوناً آخر قطع علي الأسطوانة:
- احترنا معكم! أما أن تتفقوا أو تتفارقوا!
ثم التفت الى زملائه (طبعاً هذا ما أحسست به من رجفة الشاشة) وكأنه يقول لهم دعوكم من هذا المهبول وكتب لهم دون احترام لمشاعري الرقيقة:
- O.k. guys, let s go back to our debate!
وتركوني وأنا أردد مخذولاً:
- المسألة أعمق بكثير.. صدقوني بليييز، لسنا مخابيل، المسألة أعمق بكثير.. المسألة أبسط بكثير..!
...
ودارت الأيام.. ومرت الأيام..
وإذا بي ذات ليلة أبيت عند صديق أديب لم أره لفترة طويلة.. طبعاً أخذنا الكلام يميناً ويساراً فسألته عن عمله الحالي فأجاب متأففاً:
- يا شغل يا بطيخ؟ هو وين الشغل؟ ما تعرف الوضع خـ...؟
ثم سألته عن آخر الكتب التي قرأها فأجابني غاضباً:
- يا كتب يا صخام؟ والله انته بطران على دينك. إنته ما تدري الوضع خـــ..؟
وأخيراً سألته عن آخر كتاباته لكنني تراجعت سريعاً وأجبت بدلاً عنه:
- يا قراءة يا كتابة؟ مو الوضع خـ...
وعندما اقتربت الساعة من منتصف الليل وقد بدأ النعاس يمسك بتلابيبي انتفض هو كالملدوغ وهرع الى "لابتوبه" وتسلّح بـ"الهيدفون و المايك" وأولج سلك الانترنت فقلت ما بالك وفيم تركض هكذا فأجاب مشكوراً:
- خــ.. بعرض الوكت شوف شلون سرقنا ونسيت "الجماعة"!
وصار يسابق الزمن بين نقر على "الكيبورد" وحديث على "المايك" مرة بالفصحى ومرة بالعراقي ومرة بالشامي ومرة بالمغربي حتى ظننته قد "تعين" سراً أمينا عاماً مساعداً للجامعة العربية، وكان من جملة ما سمعته من أحاديثه القومية:
- أوكي خل نسمع رأي فاتن بالموضوع.. زين عيني سوسو إشوكت نسمع صوتك؟ ترى فد عصفورة قالتلي صوتك كلش حلو بالغناء..هههه.. كلامك كله حكم يا نورس الصباح.. أوكي مسافر الخيال راح أحاول أتدخل وأحل مشكلتك مع حبيبتك ولو مشغول وما عندي وقت..
وسألته وأنا معجب باندفاعه وحماسه المؤثر:
- ما هذا العمل المهم الذي يشغلك في أنصاف الليالي؟ فأجاب دون أن يرفع عينه اليّ:
- مو آني مشرف (أو مدير.. لا أتذكر)
- مشرف على شنو.. محطات توليد الكهرباء؟
- دا تصنِّف حضرتك؟.. لا يابه لا.. مشرف على كروب دردشة؟
وسألته مثل "حجي راضي" حين سأل "دخو" صانع الطيارات الورقية:
- وكم مهندس جوه إيدك؟ أقصد كم عضو عندك بالكروب؟
- أووه .. هوايه: سحر وشيماء وسندس (هاي تملِّخ) ولولا وبنت الشام وشمس النهار والمغربية السمراء وعاشق الظلام ومسافر الخيال وابن الجزيرة وعذاب الحب والكوسوفي وطائر الفرات وأمير العشاق وووو...
- خخخخخخ... وارتفع صوت شخيري!
وعندما استيقظت من نومي قريب الفجر كان صاحبي ما زال منهمكاً في "عمله" الخطير:
- أهلاً وسهلاً بدخولك يا نجمة الصباح.. وين كنتي هاي المدة.. أهلين وسهلين فيكي حبيبة ألبي فدوى اللبنانية.. كيفك، منيحة.. يسلمو على الهدية المهضومة.. تقبريني!!
للعلم والإطلاع: هذا الصديق بدأ الكتابة منذ سنوات طويلة وكان يملك من الموهبة ما يمكن أن يجعله واحدا من الكتّاب المعروفين والمؤثرين على الساحة الأدبية لكنه فضل التكاسل وإضاعة الساعات والأيام والسنوات فارساً على الساحة الدردشية حتى جعلني أندم على أنني عرفته على شيء اسمه الكومبيوتر واستعماله!
وعلى العكس تماماً من صديقي هذا، يزدحم الفضاء الترنتي بالآلاف ممن يصرون "إلحاحاً" على أنهم شعراء وقصاصون تتناثر الدرر من أفواههم دون أن يكونوا قد قرءوا شيئاً يعتد به أو تعلموا أبسط قواعد النحو والإملاء والعَروض.. لا بأس في أن يجرب الهواة حظهم وأن يتمرنوا وأن يتبادلوا الأفكار والنتاجات وأن يستمعوا الى نصائح وآراء العواجيز الذين تسطحت مؤخراتهم من أثر الجلوس الى مناضد القراءة (أنا لست منهم بالطبع) ، فكل الأدباء والفنانين "المحترفين" بدءوا هواة، لكن المزعج في الأمر هو هذا الاستسهال والتعجل الذي يمارسون به الكتابة، يقابله استسهال في فتح أبواب النشر لمواقع وصحف يفترض بها أن تكون رصينة وحريصة على ما تختار للنشر..
أنظر الى هذا الفتى الذي كتب بضعة أسطر من خواطر الحب والهيام وغدر الزمان وخيانة الأصحاب والخلان التي كنا نرقع بها النشرات المدرسية فظن نفسه شاعراً يقول للمتنبي انزل وأنا بمكانك.. وتعال انظر كيف يعلق عليها صديقه بكلمات مثل رائع و كوول وفانتاستك ليجيبه الأول إنته أروع فيصر الأول على رأيه: لا والله إنته الأروع.. حتى ليخطر ببالك أن تعرض الأمر على لجنة التحكيم في الاتحاد الآسيوي للسكواش!
وانظر الى ذلك الكهل الذي لوح الشيب مفرقه واكتشف فجأة أنه شاعر مفلق فراح يمطرنا بوابل من "شعره" الذي يستحق والحق يقال أن يُحفَظ للتاريخ في موقع خاص أقترح تسميته "فقاعات" على وزن الموقع المعروف، رغم أن الكثير مما ينشر ليس إلا نسخ ولصق سيئين لأعمال الآخرين.. الغريب أن بعضاً من أولئك وهؤلاء لا يكف عن "قصفك" بروائعه ويزعل "يزعل أوي وتجيلو روح معدنية" عندما لا تعلق على ما يكتب من خاطرات وهو يتوقع منك ترك السعي وراء قوت العيال ونسيان الدور الخطير الذي تقوم به في "إعادة إعمار العراق" ورمي أكداس الكتب وعشرات المقالات والقصص والروايات ودواوين والكتب العلمية (ومنها ما يقع في صلب اختصاصك) التي تنتظر القراءة وأن تتفرغ بشكل كامل لقراءة إبداعاته ووضع علامات ال like عليها، تلك التي ينتشي بها مثل كلمات أحسنت يا شاطر التي يفرح بها الصغار عندما تكتبها المعلمة على دفاترهم المدرسية ويرونها لأهاليهم ليحصلوا على قبلة في الخد أو دينار أو كيس جبس أو سفرة لمدينة الألعاب (حسب القدرة الشرائية للأهل)..
ثم عرّج على ذلك الأديب المعروف الذي حبس نفسه بين دفات الكتب المطبوعة وراح يبرر عجزه وكسله عن تعلم مبادئ استخدام الحاسوب والترنتة البسيطة والانفتاح على هذا العالم الذي لا يحده خيال وحرمان نفسه من متابعة كل جديد والتواصل السهل السريع المريح مع زملائه ومع الصحافة الأدبية الخارجية والداخلية.. راح يبرر كل ذلك بأن التقنيات الحديثة تفقد القراءة والكتابة طقوسهما القديمة الجميلة التي توارثناها عن الفرزدق وجرير بلَّ الله تربتهما!
ويا أخوتي.. يا أعزائي.. الانترنت مثله أغلب المخترعات العلمية والتكنلوجية.. لا هو ابن حلال ولا ابن حرام.. بل العبرة في الطريقة التي نستخدمها بها ونوظفها للخير والجمال والرفاهية أو للشر والخبث وسواد الوجه! والشعوب المتحضرة "الحبّابة" هي التي تعلم أطفالها كيف يترنتون بطريقة حضارية تكسبهم الاحترام والغنى المادي والمعرفي والروحي.. وكما يقول المثل العربي القديم: الترنتة في الصغر.. ثلثين الولد عالخال!
10/8/2011


أين الديناصور يا سيادة رئيس الوزراء

يا سيادة رئيس الوزراء.. يا صاحب المعالي

قبل يوم من خروج تظاهرات الاحتجاج على الفساد والطائفية وغياب الخدمات خرجت علينا بتصريح خطير أخفتنا فيه من ديناصور مخيف سيخرج علينا من متحف التاريخ الطبيعي فينفث النار من فمه ويلتهم الناس بالآلاف ويدمر "العملية السياسية" المباركة ويهدد "الديمقراطية الوليدة" في بلادنا الحبيبة...

هذا الديناصور أسميته البعث الصدامي مرة، وفلول البعث والإرهاب مرة ثانية، والمتربصين بالعملية السياسية مرة ثالثة..

والحقيقة يا "محبوب الشعب" يا أبا إسراء.. لقد خفت خوفاً شديدا و "بكت هوه" بالعراقي الفصيح، وقفلت الأبواب والشبابيك واشتريت عشر كيلوات تمن وربطة بيبسي وبطل ديتول وكيس قطن طبي ومنعت أبنائي من الخروج.. رغم أني أعيش في مدينة هادئة نظيفة آمنة على بعد تسع ساعات بالسيارة من عاصمتنا المحروسة ببركة الأولياء.

لكن ما رأيته يا "معاليك"، منقولا بشكل مباشر أو بعد المونتاج من على شاشات الفضائيات، وبرغم المحاولات الحثيثة للرفاق سعد البزاز وحارث الضاري ومشعان الجبوري وعبد الرزاق عبد الواحد ورعد بندر وقنواتهم الجهادية الكارتونية، وما وصلني من الأهل والأصدقاء في بغداد، كان شيئاً آخر: كانوا حشوداً من الفقراء والعاطلين والجائعين والمثقفين والشيوخ والعجائز وحتى رجال الدين المسالمين الذين يحملون الورود وخارطة العراق الحمراء ويطالبون بالخدمات والحصة التموينية والتقاعد والتعيين ومحاسبة اللصوص والمفسدين. ولم نجد من بين كل تلك الألوف المؤلفة من الموصل الى البصرة مروراً بساحة التحرير من رفع صورة بطل الحفرة أو نادى بشعاراته العنترية السخيفة أو طالب بإخراجه من قبره وتنظيفه وتلميعه لإعادة تنصيبه قائداً ضرورةً أو تعويضنا عنه بالكائن الشبحي الأحمر الذي خلفه في قيادة حزبه.. أو أحد بقايا حزبه بعبارة أكثر دقة.

الديناصور الذي خفت وأخفتنا منه يا معالي رئيس الوزراء ثبت أنه مجرد "أبو بريص" حقير صغير لا يستحق ثمن الـ... الذي يُضربُ به أو لصقة السيكوتين التي تخيطه في مكانه..

شعبنا يا سيادتك، قد يكون فقيراً، وقد تكون أجياله الشابة قليلة الخبرة في أساليب التظاهر والتعبير السلمي، لكنه ليس بالغبي ولا القاصر الذي لا يعرف مصلحته.. فحاول، ومعك السادة المبجلون "أقطاب العملية السياسية" و"رؤساء الكتل" الذين فوضوك بالحديث نيابة عنهم (ومنهم كما تعرف ونعرف بعثي ابن سطعش بعثي) أن تنصتوا لهذا الشعب النبيل وتصطفوا الى جانبه وتلبوا مطالبه البسيطة المشروعة بدلاً من أن تشككوا بعقله ونضجه وتلعبوا معه لعبة التخويف والترهيب من الموتى وأشباحهم.. أما إذا كنت حريصاً عليناً من البعثيين المتربصين فعليك أن تبحث عنهم في مكان قريب منك.. في المنطقة الخضراء على سبيل المثال... أليس كذلك!؟

النهر

….. الى سليمان البكري


لا تقف هكذا

لا تقل : قد تأخر الوقت

لا تقل : قد ضاع من عمري عشرةٌ وعشرةٌ وعشرةٌ وخمسة !

لا تقل : شاخ قلبي.

أشياء كثيرةٌ تستطيعُ فعلها:

قد تصلحُ غليونكَ القديم

أو تعلم حفيدك المشي

دون أن تخشى عليه من عريفٍ فظ

يصيح به غداً : إيسْ أمْ!

قد تخيط ثوباً مضحكاً

لدميةِ صغيرتك

وتتلقى منها التوبيخ

كما يفعل طفلٌ حكيمٌ بشيخٍ أخرق!

أو قد تعيدُ قراءة بلزاك وهمنغوي وحنا بطاطو

وحين تخنقك الكآبة

حين تحس بالضياع

قد تدسّ يديك في معطفك

وتمضي ساهماً

من شارع المتنبي

حتى منتصف جسر الأحرار

هناك تتوقف

تلتفت يميناً فلا تجد "شريف وحداد"

وتنظر يساراً فلا تجد "جبهة النهر" (1)

ستنظر إذن في النهر

وتهمس له مثل صلاةٍ حميمة:

"يا نهرُ يا نهرْ

بائسٌ أنا وحزين

قد أضاعوا من عمري

عشراً وعشراً وعشراً وخمسا

يا نهرُ قد وددتُ أنْ لم أكنْ

و لا كنتَ ..

أو كانت البلاد .."

ساعتها يضحك النهر

ضحكته ذات الرائحة القديمة

رائحة الغريَنِ وقشور البطيخ

وخشبِ المراكب العَطِن

وتتلقى منه التوبيخ

كما يفعل شيخٌ حكيمٌ بصبّيٍ أخرق

ساعتها سيهمس في أذنيك

رُقيتَهٌ الأبدية

ويربت على مؤخرتك

ويدفعك في رفقٍ صوبَ بيتك

في الطريقِ ستبكي بصمت

ورويداً رويداً

تعيدُ اكتشافَ كلَّ شيء!


27/12/2003

..

(1) "شريف وحداد" و "جبهة النهر" مقصفان كانا قائمين على يمين ويسار جسر الأحرار من جهة الرصافة قبل أن تطالهما معاول "الحملة الإيمانية" !

الصوت الذي... لا أسميه


هسيسُ النارِ-أمانةُ جَدّي زرادشت

دبيبُ الأقدامِ

هديرُ المعادنِ الطائرة

سعلاتُ الشيوخِ

صافراتُ الإسعافِ

دمدمةُ الرعدِ

كلـُّها

لا توقِعُ الاضطرابَ في سمفونيتي

...

اصطفاقُ الأبوابِ الغضبى

أبواقُ الشاحناتِ المسعورة

حفيفُ الأشجارِ المباغَتة

ضرباتُ المطارقِ الصارمة

بكاء المواليد الملفوظينَ من دِفء الأرحام

حشرجةُ الموتى غير المصدقين

كلها.. لا تعكر انسجام النغم

...

صوتٌ وحيدٌ

يوقِعُ الاضطراب

ويشعرني بالخجل

صوت وحيد:

لأنكَ تعرفه... لن أسميّه!

...

بَلى يا صديق

النارُ رفيقتي

والكأسُ.. كرةُ البلّورِ.. بيتُ أسراري

وأنا..

مثل كرديٍّ صغير..

لم يغسل رجليه بعد

من وَعَثِ الجبالِ..

وعينيه..

من عطر السيانيد

سأفـرُّ نحو غيمةٍ

وأطلبُ اللجوء..

الى حيث لا أسمعه..

ذلك الصوت الذي..

لا أسمّيه !

29/6/2011


أغنية ثانية.. الى صورة أخي


(الى الشهيد الخالد صباح الحيدر 1962-1980)


سأمضي اليه

سأترككم كلكم هاهنا

وأمضي اليه

وأبكي طويلاً .. طويلاً … طويلاً

على راحتيه

سأغسل وجهي بضحكته

وصدري بعطر شهادته

والعيون… بمرأى الإله..!

لم تكن غير طفلْ

يمتطي صهوة الحلم

فوق حصانٍ خشبْ

كيف يا صاحبي أنزلوك

قبل أن تكتفي باللَعِب؟!

.. وما بين مشنقةٍ من خشب

و حصان خشب.

مرَّ طيفٌ خجول..

مثل عمر الشهب!

يا لَفخرِ الخشب!

يا لَعارِ الخشب!

يا لحزنِ الخشب!

11/7/2011

الأجراس

دِن.. دانْ

دِن.. دانْ

تخذلني رجلَيّْ

تخذلني يدَيّْ

يخذلني من قبلهم صدري

وأنفاسي وأصغرَيّْ

فأنكفي متمتما: ليس على المريض من حرج !

وأفتح الشباك

فيحمل الهواء

ترنيمة واحدة

تجيء من بعيد

من مليون صدرٍ خائفٍ

كأنها دندنة الأجراس

دِن.. دانْ

دِن.. دانْ

ليس على المريض من حرج

ليس على المريض ..

ليس على المريض .. !


أغنيةٌ في الغبار الثقيل

اليوم يمتد.. بطيئاً يمتدُ

زاحفاً كحيةٍ عجوز..

غير أن السنين تجري

كأنها تفرُ .. تنهزم.. من إلهِ حربٍ

مطارِدٍ.. شديد..

..

لستُ فارساً.. لستُ راجلاً

قدماي في الهواء

ووجهي في النقع الأخرس

تتدافعني أكفال الجياد –هي الأخرى لا تعرف علامَ تجري-

أما أنا.. فقد كففتُ عن السؤال..

آهٍ.. ومن أسأل؟

الخيل؟

فرسانها؟

أم الملوك؟

..

آهٍ

ما أشد السكون!

آهٍ

ما أثقلَ الغبار!



أغنية اللاهث الأبدي

أفسح ليَ الطريق .. ودَعْني كي أمرَّ

ها أنتَ تنافسني في الماء والهواء

في الخبز والحب

في المال والعافية

...

أفسح ليَ الطريق..

من قال أن في الأرضِ منأى؟

من قال أن الخبزَ يكفينا؟

من قالَ إنك تحبني .. أو أنني لا أمقتك؟

لا.. لستُ أخاً لك:

أمّك حواء

وأبي آدم !

...

أفسح ليَ الطريق!

2007



إرحلْ الى النوم

أجِّل كلَّ شيء
القصائدَ والثرثرات
والنوايا والأمنيات
...
هنا يتسكَّعُ الفَناءُ.. والقيلولةُ المُرَّةُ الفمِ..
ودبيبُ الأيّامِ
مثلَ قطارٍ طويلٍ طويل
لا تتبدلُ فيه أوجهُ الراكبين
والحشودُ الصامتةُ التي لا تثيرُ الغبار
تهيمُ على الدروب
ترقَبُها الديدانُ الحكيمةُ المحايدة
من شرفاتِ قصورها .. ومعابدها الآجرّية
دونما اشتهاء
واثقةً من قوتِ يومها والغدِ
...
هنا.. قريبا من الأطلال
ثمةَ شاعرٌ محموم
يمزِّق قصيدَتهُ الأخيرة
ويذروها للريحْ ..
للريحِ الساكنة التي ..
استسلمتْ للرقاد...
..
إرحلْ إلى النوم
إرمِ الدفاترَ المترَبة
والأقلامَ الثِقال
سريرٌ من غَمامٍ يناديك
وأباريقُ من ماءِ الورد
إرحلَْ إلى النوم
لا تتمهّلْ في الطريق
لا تقفْ على واحةٍ أو بئر
فهناك .. هناك
ستشرب طاساً من الجعة الباردة
تغسل الملحَ الذي
أثقلَ مآقيك
....
دعهُ يسقِكَ
ترنحْ .. نُسْ .. وهوِّمْ
ستخفت الأصوات رويداً
وترتخي الأطراف
وتنحني عليك
شبابيكُ من فضّةٍ دافئة
وزخارفُ مسحورةٌ
وهمهماتُ الدوالي
وتأوّهُ العشبِ اللذيذ
...
لا تلتفتْ للوراء
ها قد أوشكتَ على الوصول ..
إرحل
إرحل إلى النوم


درس في الشعر

خُذ أوراقـاً طازجةً

ويراعاً سلسلاً

واجلس منحنيَ الأكتاف قليلاً

إخترْ منضدةً ثابتةَ الأقدامْ

وليكن الضوءُ وراءكْ

أغلقْ كل الأبواب

واستوقد للذكرى ناراً هادئةً

وتناول سكيناً

واسلخ جلدك مبتدئاً بالكفين

ولا تعمد للإبهــام !!

وصية

أغمضوا عينيّ وارموني الى أول حفرة

ودعوني يا صحابي كي أغني

لحن آلامي القديما

لا تهيلوا فوق أجفاني تراب الحسرات

فكما جئت الى الأرض وحيدا

وكما جبت فيافيها طريدا

وكما عشت بها طفلا شريدا .. سأعود

…..

غادروني يا رفاقي

وأقيموا في الدجى قداس موتي صامتين

واشربوا نخب رحيلي صامتين

لاتقضوا مضجعي بالذكريات

الشــاعر

- " هكذا لن تستقـيمَ الأغـنيـةْ " ...

ومضى الشاعرُ يتلو ، ثمَ يمحو ، ويعيــدُ

كـلَّ سطـر ٍ، كـلَّ حـرفٍ .. من جديدِ

وتلــوّى .. هاصــراً فَـودَيـهِ في يأس ٍ

وألـقى باليـراعْ...

وتمشــّى جيــئةً ثـمَ ذهـابا ..

وأصــاخَ الســمعَ للّــيلِ وللأبواب ..

للخـوفِ الذي .. ألقى على الروح إهــابا

- "آه ما أقســى العــذابا ! "

واعتــرتهُ رعشــةٌ هــزّتــهُ كالحُـمـى فغـابا

في ديـاجيـر الأسى واليأس والأوهــام

في أمسٍ مضــى .. مثـل ســرابِ

والسـنونُ الزرقُ تطــوي عمرهُ

طَــيَّ سِجِــلِّ ..

- " إيــهِ يا قلبــاً ، وكــمْ كنتُ هممــتُ

ثم لـم أفعـلْ ، وقـد كـدتُ ، ولكـني ارتجــفتُ

وهــوى سـيفي الى القاعِ زجــاجاً .......وتشــظى .."

ثم لـم يبـقَ ســوى الأفـقِ الجليــديّ

وأعشــاش طـيور .. هـاجــرت صــوبَ روابٍ

لـم يـعدْ يســمعُ عنهـا

غيـر في الأحلام ، فـي الذكـرى

وفـي صـمت الأغاني ..

آه لــو آبـتْ أغانــيه وآبــا !

آه لــو …!

لكــنها الروح التــي أمســتْ خــرابا !

نعم

نعم ، أنا العبد الذي

أغريت أفلاطون بالسكر

حتى بكى أمامي

وأنكر كل شيء : الكهف والحصان الأبيض

صورة الحصان ، وصورة البياض

وجثا على ركبتيه : أن أعدني الى صباي

أريد أن أركض حافياً

أريد أن أتسلق شجرة تين

أريد أن أسرق العسل : عسلا حقيقيا ، من أغصان سروة حقيقية ، في غابةٍ حقيقية

نعم أنا الذي صنعت لهم

أقداح الراح .. وألواح الكتابة

وخيوط القيثار

وعصير الشوكران

نعم أنا

من مزامير راكوم الدهماء

مقدمة

في خرائب مدينة " راكوم الدهماء " الأثرية عثر على هذه المجموعة من الأناشيد المكتوبة باللغة الدهمائية القديمة. ولأن هذه الأناشيد " المزامير كما سماها كاتبها " تلقي المزيد من الضوء على فترة عصيبة من تاريخ الحضارة الدهمائية فقد ارتأت نخبة من علماء التاريخ الأجلاء نشرها في ترجمة أمينة دقيقة تحقيقاً للفائدة العلمية. بقي لنا أن نشير الى أن بعض السطور التي طمست معالمها أو لم تهتد اللجنة الى قراءتها قد أشير اليها بنقاط متجاورة محصورة بين الأقواس ، فنسترعي الانتباه .

لجنة الآثار القديمة

29 / 2/ 2960

المزمور الأول

(مزمور لحب الإنسان ، لمغني راكوم الأعمى ،غناه في شرخ الشباب ، حينَ كانَ غِرّاً ، قبل أن يسملوا عينيه!)


أيها الإنسان

لَكَم أرتّلُ أناشيدَ مجدك !

أني لأُعُدُّ فضائلك فلا أحصيها

ها هي الأشجار تعلو وتعلو

لكنك الأبهى

وتلك القممُ الشامخةُ تناطحُ الغيوم

لكنّ مجدكَ يسمو فوقها

العواصفُ لكَ والغمامُ

الشمسُ لكَ وغناءُ الطيورِ

الأشعارُ الماجنةُ والوَقورُ

دوالي الكروم وأسرابُ النحلِ التي تطنُّ فوق الحقول

الألوانُ والدرجاتُ والآفاقُ

كلُّها ، نعم كلها .. لكَ وحدكَ

يا أنتَ ، يا من لا يُتعِبُني الترنُّمُ بحبِّكَ

* *

ليست انفجاراتٍ خاطفةٍ قصائدي

وغنائي ما كانَ نزوةً

ها أنتَ تحتَ قميصي وفوقَ أوتارِ قيثارتي

ولأنّي لا أنطقُ بالزورِ

سأشهدُ أني أحبُّكَ !

خلِّني إذن أنحني

لأقرأَ يديك إذ تجترحانِ الأعاجيبَ

خلِّني أنصتُ لعيونِ الحمائمِ التي تلقطُ الحبَّ منهما

دعني أجسُّ ريشَها الذي يُحسِنُ الثناءَ عليك

ثم تعالَ معي

وأنظرْ لذاكَ القارَبِ الوحيد

تقدَّمْ رويدا واسمعْ أنينَهُ الذي يتهادى

مستوحشاً صحبتَكَ البهيجة

(……. )

ويا شيخيَ الجليل

الغارقَ بين الكتبِ ( …..) والمجاهر

حين تنزعُ نظارتيك

وتداعبُ لحيتكَ البيضاء

متفكراً في قهرِ لغزٍ ما

سأخطو إليك ، وأقبِّلُ أصابعك الملطخةَ بالمداد

و جبينك العرقان !

ويا فتايَ العاشق

إن صفيرَك الحزين وأنتَ تروحُ وتجئ ..

فوقَ الرصيفِ الموحش

لَأُغنيةٌ سماويةٌ .. لا تُحسنُها غيرُ ملائكةٍ مجنحةٍ

....

لكُمْ أنحني ..

يا خرافيَ الغافلةَ

ولكم أبكي

للذئاب التي ستجيئ!

***

المزمور الثاني
(في الحنين الى العاصفة )


لمَ إذن حدث كل ذلك

لم جاءت العاصفةُ ثم ولَّتْ

وتركتني ها هنا أجترُّ من جديد

أحزانيَ البغيضةَ

وما ظننتُهُ مُخاضاً مباركاً
ما كان إلا نوبةً من جنونٍ دائريٍّ قديمٍ

فيا أيتها العاصفةُ المجيدةُ ارجعي

وأطيحي بسقفِ ضريحيَ الجليل

قد آدَني الصمتُ أودا

وليس إلا في هزيمِكِ المدوّي

في نارِ برقِكِ الساطعِ

في مائِكِ الجارفِ

الخلاصُ لروحي

سلاه!

***

المزمور الثالث

(لإمام المغنين ، يوم طردوه من المدينة)


برباطةِ جأشي أناديكم

مثلَ حقيقةٍ باردةٍ

مثلَ أغنيةٍ ملَّها مغنّيها

ومثلَ بصقةٍ أطلقُها في الهواءِ

سأسمّيكُم بأسمائِكم واحداً فواحدا..

ذاكَ أني .. ذاكَ أني.. آهٍ .. شابَ قلبي !

وأتعبني التفكُّر فيكم !

أيها ( …… ) الغارقونَ أبدا في الحمأ !

……

ألأنّي آويتُ قبَّرةً عمياءَ

في الهيكلِ المقدَّسِ ؟

ولأني سألتُ عن سرِّ تلكَ الظهورِ المقوَّسةِ

في هذه السلالةِ

أسلمتموني للعَسَسِ

وفقأتم عيوني؟

***

المزمور الرابع

( مزمورٌ ناقص )

(……..)

(……..)

إذ يساقونَ الى المسالخِ المهجورةِ

الى حيث تُنفَخُ المناطيدُ

كلٌّ بألفِ روحٍ وستينَ أغنيةٍ

يطلقها "حكيمُ راكومَ وراعيها"

رسائلَ توبيخٍ للآلهة

حينها سأحبّك أكثرَ

وسأمسكُ بكِ قوياً

وأشدُّ روحينا

بألفِ حبلٍ متينٍ

الى الشجرةِ المقدسةِ العجوز

شجرةِ العذابِ والدم

شجرة الحـ ( ……)

سِلاه..

***

المزمور الخامس
(......)

إبكِ أو اضحكْ في راكوم

فلن تخرجَ من صدرك
غير حشرجاتٍ واهنة.!
آهٍ .. عبثا تريد !

فوجهك قد شوَّهه الخوفُ المتطاول!

( ……… )

.. نساؤنا العقيمات ..

….ورجالنا المخصيون..

(………)

(………)

"نعم ، نعم.. "

خلفَ الأبوابِ الموصّدة

وأمامَ المرآة.

"نعم" في الهواء وبين طيّات الثيابِ

.. أمامَنا وخلفنا

في كل مكانٍ

لا نستطيعُ منه فرارًا

(……….)

نخافُ من صغارِنا ( ….)

بعضَ هذياننا

وعليهم نخاف.

لا تكبروا يا صغارُ، لا تكبروا

فالفؤوسُ في انتظاركم!

.......

سلاه!

***

المزمور السادس
(....)

لماذا تأخرَ الفجرُ؟

هل ماتت "اورورا" حقا؟

قد أيقظونا للصلاة

لكنهم لم يشعلوا النارَ في المواقد

لأجل خبزِ الصباح

الأبقارُ لم نسمع خوارَها

والجداءُ الجائعات

لم ترفس أبوابَ الزرائب

… ….

آه ….أينَ صوتُ الديك .!

… …

البرد يقتلنا

سلاه!

المزمور السابع

(…..)

القروياتُ الهزيلات اللائي

يذهـبنَ الـى المقـابرِ

ليضـاجـعنَ الأشــباحَ

ويلــدنَ صـغاراً بســحناتٍ مكفهــرةٍ

وعــيونٍ حـزينـةٍ ..

كــعـيون شــيوخٍ دفنــوا أولادهــم

فـي أيــامِ القحــط والحــروب

(…......)

وهذا فـمـي المُـدمــى

الـذي ضــربتهُ الـريحُ الشــرقيةُ

لــمّا يــزلْ يغــني

غــيرَ أنّ الدمـــوعَ تخــونني

ويعــروني الصــمتُ

حــين أتــذكـــرُ قـيثــارتي

وأنظــرُ في أصـابعـي المــاهراتِ

أصــابعي الحـاذقــاتِ الطوال

الــتي داســتها العجــلاتُ الحديــديـة...

سلاه!

المزمور الثامن
" خارج الأسوار، في برِّيةِ راكوم"

وأنتِ أيتهـا العقبـانُ الكـاسرات..

ما الذي يمنعكِ من افتــراسي

وأنـا الوحـيدُ .. في هذا المدى الشاسع ..

من الطـينِ والخـراب ؟

أنـا الأعــزلُ

أنـا السـائرُ في نومـي أبــدا

أنا الجثة/نصف الجثةِ المترنّحة!

المزمور التاسع
"مزمورٌ لصديقهِ القتيل"

(…..)

أعِدنــي الى بيتـي ..
قـد سئــمتُ الدمَ في الطـرقات
سلاه..

المزمور العاشر

" مزمور للأصوات"

كفــى ، أصـيح كفـى ..

يا آبـاءَ الهياكـلِ المذهــبة

فلتـوقفوا هـذا المســاء

صـلواتكم الصاخبــة

دعـوني أنصــتُ

لصـوتِ المطــرِ الساقطِ

فوق الأسقف الحزينة

المزمور الحادي عشر

" لسيد العازفين على ذوات الأوتار، سراً ، لمحظية الملك"

أيتها العاهـرةُ الصغـيرةُ

يا ابنـة راكـوم الجائعة

أما غطيتكِ بعباءتي

حـين ألقاكِ السكـارى تحتَ مصباحِ الطـريق

أما أطعمتكِ من خـبزِ المعبدِ

ومن خمرهِ المقدسةِ أما سقيتك ؟

واشتريتُ منك خطاياكِ.. بدمي وصَلاتي ؟

...

لا تشتميني يا ابنتي

لا تشتميني

مقيّـداً كنتُ

حين أخرجوكِ من بيتي

لترقصي عـاريةً

أمام الملك!

المزمور الثاني عشر
"مزمور لرثاء راكوم"

آهٍ راكومَ صبايَ الأولّ

يا بستاناً لأقاحٍ ترقص للفجر

وتغسلها حبات الطلّ المسكونة بالسحر وبالألغاز

آهٍ راكوم الطاهرة العذراء الوهبتْ خمرَ أنوثتها

بحاراً لا تعرفه

ألقاها في أول ميناءٍ ومضى

آهٍ راكومي

يا سيدةً ترفلُ في أثوابِ اللؤلؤِ والمخملِ

يا أنبلَ خاطئةٍ في الدنيا

كيف تعرّيتِ وجعتِ وأنكركِ العشاقْ؟

آهٍ يا راكومَ السفرِ الدائمِ

يا رائحةَ الخبزِ الساخنِ في أحياءِ الفقراء

كيف انكفأَ التنورُ وماتت أمي

وانطفأتْ في البيتِ الأضواءْ ؟

آهٍ راكوم المحبوبة

آهٍ راكوم المغلوبة

آهٍ يا أعظم حجرة إعدامٍ في الدنيا

آه!

المزمور الثالث عشر
"مزمور للمصير"

عبثٌا تنأى بنا العربات المولولةُ

وعبثاً تُقفل راجعةً

عبثٌ هذي المسافات

هذي الأقاليمُ ، هذي السهولُ الفسيحة والهضاب

عبثٌ هذي العقارب التي لا تكِلُّ

عبثٌ صحونا ونومنا عبث

عبثٌ سماعُ الأغاني

وهذي الثمالات عبثْ

عبثٌ كلُّ القبلات
والموتُ والميلاد

عبثٌ أرائكُ اللذةِ

وأسِرَّةُ الترابِ الأبدية

عبثٌ… آهٍ عبثٌ مرير

لأني ما حظيتُ ساعةٌ بعناقك

أيتها العذراءُ المقصوصةُ القدمين

المحلقةُ أبدا

بعيداً عن سماءِ راكوم

المزمور الرابع عشر

" مزمور للغد"

بعد خمسين سنة

سينقرض سعاة البريد

وأوراق الرسائل المعطرة

ودكاكين الخبز والخمر

بعد خمسين سنة

سيلقح أطفالنا بأمر السيد الأبدي

ضد الحب والشعر .. وحساسية الورود اللعينة

بعد خمسين سنة

سنكبر خمسين حزناً

بعد خمسين سنة

سنغلق أبواب المدينة بخمسين قفل إضافي

بعد خمسين سنة

من سيبقى من الشهود ؟

بعد خمسين

سلاه

بعد خمسين!

المزمور الخامس عشر
"مزمورٌ للحصـــاد"

حصــاداً مــريراً كان يا ابنتــي…

ذاك الذي انتظــرناه طـويلاً

تفحّــمَتِ البتَلاتُ والـسنابلُ والرئاتُ والفضاءاتُ والأحلامْ

إذ أثلجتِ الشمسُ رمادا

حين سطعت شمسُ إلــهِ راكــومَ الحجريةُ

وأقفلَ القمــرُ في زورقــهِ عائذاً بسماواتٍ أُخرْ

إذ أضاعَ المــاءُ رجولتهُ

والأرضُ شبقَهــا

فقطفنا تفاحــاً أسودَ برائحــةِ الخيــانةِ

ولبنــاً دامياً

عسـلاً من صديدٍ

وعصافيرَ مجنـونةً

خمـوراً مـالحةً

وأناجيـلَ مزيـفةً

أنبيـاءَ فاسقـينْ

وأغنياتٍ مريبــةً

وفيـالــقَ من جــرادٍ محمــوم

وحــزناً ســرمداً ، ثـابتاً ، مضـــاعَفاً ، جلــيلاً ، راسخــاً ، أبديــاً

وعمراً

سلاه

عمراً قصيراً

المزمور السادس عشر

"مزمور للأقدام"

وقلتُ سأنشد هذا النشيد لقدميك العاريتين

قدميك اللتين أضاعتا الطريق الى بوابة السور العظيم

وشردتا الى حقول الرب

قدميك / الطفلتين الراكضتين وراء الغيوم

الخائضتين في جداول البكورة

اللذيذتين كقبلات مسترقة

المغسولتين بالطين والتعب

النحيلتين كظل عجوز بوذي

الشاحبتين كفجر صيفي
العابثتين كموجة طائشة

الحكيمتين كقطرة ماء

الساخنتين كدموع ندامةٍ

الخرقاوين كخط عاشق صغير

المفضوحتين كأسرار شاعر

… …

ورفعت صوتي في قبوي

فقال الحراس قد جن

فرفعت صوتي من جديد

وأنا أسمع رنين قيودي الصدئة

وقلت سأهلل لهما

لقدميك المحلقتين

"لأنهما تسخران أبدا

من كلِّ معدنٍ آفِل"

المزمور السابع عشر

"للستائر"

آه مما يليك

لكََم خفت منه

لكم وهنت يداك وأنتَ تمدها إليه

لكم صليتَ له

لكم تخشعتَ وبكيت

لكم همتَ فيه

لكم مقتَّهُ

لكم تحرقت اليه ...

ذلك الهباء الذي

يترامى وراءك

المزمور الثامن عشر

"مزمور لطفلة"

للطفلةِ التي لم تأت بعد

سأشعل شمعة .. شمعتين

وسأحرق البخور

وأنثر ماء الورد

للطفلة التي .. لن أراها..

سأرقص حتى الصباح

وسأشرب ألف نخب

لصغيرتي .. الطالعةِ من المقابر الشاسعة

لابنتي .. لابنة أخي .. وأبي .. ومعلمي الذي ما عدت أذكره

سأغني .. في يومها الذي أنتظر

وسأبكي

لأنني لن أراها

المزمور التاسع عشر

"مزمور لها "

أيتها المجنونةُ الحكيمة العاهرة المقدسة

لكم مرَّ من تحت شباكك من شاعر

فلفظتِهِ كحبّة توتٍ فاسدة

وجلستِ هناك ..

عند شباكك المشرَع

تنتظرين..آهٍ

تنتظرين.. تنتظرين

المزمور العشرون

" مزمور للضجر"

كصورةِ قدّيسٍ ضامر

في أيقونة ترِبة

تلفُ رأسي ..

هالةٌ من ضجر

وترسل ذؤاباتها

أزواجا أزواجا

لتقمّطَ جسدي المتهالك.

كهُلامٍ مُنتِنٍ من دمٍ وطين

تكنسه ليلا

بعيدا عن أفنية المسالخ

آنساتٌ شمطاواتٌ

ينفثنَ من صدور آيلات للرحيل

دخانا برتقاليا

يعجُّ بالخفافيش

والرؤى التي لن تكون

كنطفةِ تيسٍ عقيم

كمشرطٍ صدئ

كلغةٍ خاثرة

كنومِ سلطانٍ مغتصِب

كغداةِ موتِ أمٍّ

كعرقِ زوجةٍ خائنة

كجوربِ جنديٍّ قتيل

كهذا الخواء .. الخواء .. الخواء,..

تلف رأسي ..

ســلاه ..

تلف رأسي

هالة من ضجر

المزمور الحادي والعشرون

"الى قيودي"

ويا قيودي الباردة البلهاء

ما كنتِ يوما جميلةً

ولن تكوني …

ســلاه

المزمور الثاني والعشرون

"مزمورٌ للطريق"

وبعد أربعين يوما مضاعفا

سأحِسُّ بالتعب

وسأجلسُ عند البركة السرية

وأغمرُ رأسي طويلا

في مائها الفضي الصامت

وأصطلي بالنار التي

أوقدتها لأجلي

راعيتي المقدسةُ العمياء

وأسرِّحُ ناظري

في الطريق الذي يتلوى

كأفعوانٍ نائم

الطريق الغارق في ضباب الوديان

الذي قدمت منه

ثم أسرح ناظري

في الطريق الذي اليه أمضي

في الطريق الذي يتلوى

غارقا في غمام الجبال

سلاه

المزمور الثالث والعشرون

(مزمور في ذكرى الحريق)

يوم أخبرتكم النبوءةُ ان راكوم ستحترق

كان الطريق الخارج منها يعجُّ بالعربات

أما أنا فكنت وحدي

أسير في الطريق اليها

لأسقي زيتونتي

آه ٍ..

لم يبق في راكوم من طفل سواي

أنا العجوز الأعمى

المزمور الرابع والعشرون

مزمور للقبيلة

ها أنا أحاول منذ اليوم السابع

أن أفتح تويجات وردة عنيدة

لأنام فيها أو أموت

ها أنا أزداد نفورا

حتى لتضيع ما بيننا اللغة

احلِّقُ بأجنحة السذاجة الواهيات

وتحفرين أنفاقك

بمخالب من حديد السلطان

كل صباح أستبدل كيساً من دمي

بكتاب جديد أتهجى فيه

حروفاً دافئة ناصعة

وتفتحين مغمضة العينين كتابا وحيدا

عطَّنَتهُ رطوبةُ القرون

كل مساء أفتح شبابيكي للشمس

وأبحث عما وراءها من نجوم

وتستفيئين بخيوط لزجة

تتقيؤها عناكب بضة

تحلم بالطيران

فيصيبها الدوار

أنكفئ وأقوم ، وتقومين لتنكفئي

قسمةٌ لكلينا .. عوجاء للأبد :

لكِ السيف ولي السعال

لكِ الصولجان ولي ورد الجعفري

لك اليوم والأمس والغد

ولي .. ليس لي !

…..

وكمثل دقات ساعة خفية

يطاردني التمزق

بين الجهر والكتمان

وأحمل مثل سوط مدمى

نسبي المزدرى العتيد

وأضيع بين أشباح

أبكي لها ومنها

….

قسمة لكلينا

أن يظل هناك

راقداً أبداً تحت نخلةٍ عوجاء

شهيدٌ قبلُ أخير!

المزمور الخامس والعشرون

مزمور للخراب

يا إلهي ..

أهذا إذن ... كل ما تبقى ؟!

بحث هذه المدونة الإلكترونية