أوراق من كتاب تدبير المحبين للحسين بن معين :

(1)

حدثني الشمراخ

عن شيخنا عن عروة بن نون :

وحين ضاق العاشق المسكين

بالجوع والترحال والصداع

أرسل سطرين الى الحبيبة الحسناء

يحلها من عهدها فقال :

" لا تحزني حبيبتي ، لست سوى حمار

أضاعه صاحبه الخاسر رأس ماله في شارع التجار

ثم مضى مستترا

من حارةٍ ضيقةٍ لحارةٍ

خوفاً من الدائنِ والشرطي والسمسار

لا تسألي حبيبتي

عن عاشقٍ لا يملك الرغيف

وأنصتي لأمك الحكيمة العجوز

فإنها تعلم كل العلم أن العار

أن تتبعي فؤادك الغرير

وتهجري من يمسك الدينار !

(2)

حدثني مزاحم بن ساهم الوراق

عن صاحب يجول في الأفاق :

لما اشترى الحاكم باسم الله

سربا من الإماء والعبيد

ليخدموا المحظية الرومية الحبلى بنور الدين

أبصر فيه كاعبا كَرجيةً صهباء

تجيد ضرب العود والنبال

من عينها الساحرة النجلاء

فشفه غرامها وحار فيه الأهل والطبيب

….

واعكتف الإمام / ظل اللـه

في المخدع الحصين

حتى إذا أتمت المحظية الرومية الحبلى بنور الدين

شهورها . وقرت العيون

بالخلف الصالح والأمين

شوهدت المليكة الحسناء

مذبوحة في الباحة الخلفية المهجورة

وشوهدت سيدة الحسان

الكاعب الكرجية النجلاء

في المخدع الحصين !

ومر عام ثم مر عام

وانكشف الغمام

عن أمة الإسلام

بموت ذاك المارق اللعين ( سيدنا القديم )

على يد الهمام نور الدين

وشوهدت في الباحة الخلفية المهجورة

العاهر الكرجية الشمطاء

مذبوحة .. غارقة في بركة الدماء !

وحدث ابن ساهم الوراق

عن جده وجد جد جده

عن يافث عن شالخ عن نوح :

أن فناء الباحة الخلفية المهجور

لما يزل – من زمن الطوفان –

يفيض بالجدائل الصفراء والسوداء

تشحط في جداول الدماء !

(3)

وأنشدنا عمرو بن زبيد لنفسه :

وسألت "مسرورا"[1] فقلت مداعبا: هل تستطيب تغزلي وصفاتي

للغيد والبيض الحسان وخرّد مثل البدور فقال لي: هيهات

إني أنا الخصي الموكل بالطلى والنطع والأسياف والفتكات

لم أعرف الشوق المبرح والهوى إلا الى الخبطات والشحطات

لا تسقني ماء الغرام فإنني كفنت قلبي وأشتريت حياتي

(4)

وعن أبي العباس يزيد بن نعمان عن شيخه أبي زكريا الأعشى قال :

بينا نحن ببادية السماوة نغذ السير الى الكوفة سنة كذا وكذا - قال أبو العباس وأنسيتها - إذا بواحة غناء تعرض لنا وسط هذه البيداء وإذا بأفياء حسنة وماء جار ونعمة دافقة وجوار حسان يخطرن في السندس والديباج حتى ظننا والله أننا في جنة من جنان النعيم . قال فما لبثنا إلا وعجوز حسنة الهيئة تبرز لنا وسمعنا إحدى الجواري تناديها ياعمتنا أم عمرو فانبرى صاحب لنا اسمه محمد بن أبي صيدا فأنشد:

ما أغطوطش الليل بذات الحجر إلا دعينا من بنات فهر

لشــربة تعفي كلوم الوتر ومتعة حتى نشور الفجر

ماذا قرانا اليــوم أم عمرو زقاق خمر أم جراب تمر؟

قال فما أنتهى من انشاده حتى خرجت علينا من ناحية الغرب غمامة حمراء فدنت من الأرض حتى لفتنا ونحن نسمع لها عزيفا وعويلا فغشيتنا ساعة فلما انكشفت أقبلت علينا العجوز وقد برز لها من تحت عقالها قرنان كقرني التيس وهي تجرجر ذيلا يضرب الحصى فتقدح شررا فأيقنا أننا في حضرة الشيخ ابليس فسلمنا تسليم دخيل خائف فضحك حتى برزت أنيابه وقال من القوم ومن أين والى أين فقلنا جماعة من أهل صناعة الأدب قدمنا الكوفة وبيننا هذا الغلام الشاعر وأشرنا الى فتى من عذرة وهو سقيم قد أمضه العشق وقد أبا ولي من أحب تزويجها إلا بألف من الدنانير فقدم معنا عسى أن يصيبه شيء من عطاء الأمير فيعود الى أهله بالبشر والغنيمة . قال ما أظنه يفعل فوالله أني في هذه الأرض منذ ما لا أحصي من الأعوام ولم أر من جمع الشعر والعشق الى المال والراحة . ثم التفت اللعين الى شيخنا وقال هل سألتموني القرى قال نعم فأنشد:

قراكم اليوم خبيص الفكر ومرقة النثر وخبز الشعر

لا رقة الجيد ولين الخصر ولا قيان كـتمام البـدر

ولا نبيذ من نقـيع التمـر أو قهوة تفـرج هم الصدر

بل كدر يصحبكــم للقبر لا يشتكي من فرقة وهجر


[1] مسرور : خادم الرشيد وسيافه الأمين

ليست هناك تعليقات:

بحث هذه المدونة الإلكترونية