النهر
….. الى سليمان البكري
لا تقف هكذا
لا تقل : قد تأخر الوقت
لا تقل : قد ضاع من عمري عشرةٌ وعشرةٌ وعشرةٌ وخمسة !
لا تقل : شاخ قلبي.
أشياء كثيرةٌ تستطيعُ فعلها:
قد تصلحُ غليونكَ القديم
أو تعلم حفيدك المشي
دون أن تخشى عليه من عريفٍ فظ
يصيح به غداً : إيسْ أمْ!
…
قد تخيط ثوباً مضحكاً
لدميةِ صغيرتك
وتتلقى منها التوبيخ
كما يفعل طفلٌ حكيمٌ بشيخٍ أخرق!
أو قد تعيدُ قراءة بلزاك وهمنغوي وحنا بطاطو
…
وحين تخنقك الكآبة
حين تحس بالضياع
قد تدسّ يديك في معطفك
وتمضي ساهماً
من شارع المتنبي
حتى منتصف جسر الأحرار
هناك تتوقف
تلتفت يميناً فلا تجد "شريف وحداد"
وتنظر يساراً فلا تجد "جبهة النهر" (1)
ستنظر إذن في النهر
وتهمس له مثل صلاةٍ حميمة:
"يا نهرُ يا نهرْ
بائسٌ أنا وحزين
قد أضاعوا من عمري
عشراً وعشراً وعشراً وخمسا
يا نهرُ قد وددتُ أنْ لم أكنْ
و لا كنتَ ..
أو كانت البلاد .."
ساعتها يضحك النهر
ضحكته ذات الرائحة القديمة
رائحة الغريَنِ وقشور البطيخ
وخشبِ المراكب العَطِن
وتتلقى منه التوبيخ
كما يفعل شيخٌ حكيمٌ بصبّيٍ أخرق
ساعتها سيهمس في أذنيك
رُقيتَهٌ الأبدية
ويربت على مؤخرتك
ويدفعك في رفقٍ صوبَ بيتك
…
في الطريقِ ستبكي بصمت
ورويداً رويداً
تعيدُ اكتشافَ كلَّ شيء!
27/12/2003
..
(1) "شريف وحداد" و "جبهة النهر" مقصفان كانا قائمين على يمين ويسار جسر الأحرار من جهة الرصافة قبل أن تطالهما معاول "الحملة الإيمانية" !
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق