الولد الذي سأل عن الأول من أيار
قصة قصيرة جدا
 
 



مرة قبل سنوات طوال (ولا حاجة للقول بأنني كنتُ يومها مجرد فتىً غرٍّ كثير السؤال) كنت جالسا في مقهى الحي، لابساً دشداشتي المقلّمة، أتفرج على التلفزيون الذي اقتعدَ بجلال رفّاً خشبياً مزوّقاً بأعلام الوطن المثلثة الورقية، وهو ينقل لنا صورا من احتفالات عيد العمال في أنحاء العالم.
- أشو ماكو خبر عن عيد العمال من السعودية؟
فكرتُ بصوت عال دون أن أنتبه لمن حولي من أصدقاء، فانهالت علي العفطات وأحجار الدومينو وضحكات السخرية.
ليلة أمس أخرجَتْ هذه الذكرى البعيدة المنسية رأسها من خزانة الذكريات، وأدركتُ أنني لم أزل، رغم شيخوختي وانحناء ظهري، ذلك الفتى الغر الذي يسهل توريطه.
حدث هذا عندما راودني الشيطان ودفعني الى أن أسأل السؤال ذاته عن بلادي ومدينتي. لكنني كنت أكثر ذكاء هذه المرة فلم أرفع صوتي، ثم إنني، والحق يقال، سارعتُ الى تأنيبهِ (أعني الشيطان) وعدتُ واستدركتُ ورجوتُهُ بكل أدب أن يستر عليَّ ولا يضع على لساني ولا في قلبي مثل هذه الأسئلة البليدة.
صحيحٌ أنني لم أكن جالسا في المقهى، بل نصف مضطجع ، ولوحدي تماما، في أريكتي الوثيرة، أقلب بالريموت كونترول قناةً فضائية بعد أخرى في صالة شقتي على بعد مئات الأميال عن تلك البلاد وتلك المدينة التي أتذكر بالكاد ملامحها، لكن حمىً لا تفسير لها انتابتني وظللت أرتعش وأتحسس موضعَ النحرِ من رقبتي الليلَ بطوله !

ليست هناك تعليقات:

بحث هذه المدونة الإلكترونية