مرحباً بكم في الموقع الشخصي لماجد الحيدر.. يمكنكم الاطلاع على معظم الأعمال المنشورة للكاتب.. يسرنا استلام تعليقاتكم ورسائلكم The Personal Blog of Poet, Story Teller and Literary Translator Majid Alhydar
سلسلة الكتب المترجمة
بيرسي بيش شللي
نشيد الحرية
وقصائد أخرى
اختارها وترجمها
د. ماجد الحيدر
الطبعة الاولى-بغداد-2004
المحتويات
- بيرسي بيش شللي ، حياته وأعماله ……………………………..… 2
1. الى …………………………………………………………… 10
2. فلسفة الحب ………………………………………………….. 10
3. سيرينادة هندية ………………………………………………. 11
4. الى الليل ……………………………………………………. 11
5. أغنية للقمر ………………………………….……………… 13
6. فرار الحب ………………………………………………….. 13
7. كلمة واحدة …………………………………………………. 14
8. الى قبرة ……………………………………………………. 15
9. القمر العليل ………………………………………………… 19
10. الموت ……………………………………………………… 19
11. الحرية ……………………………………………………… 20
12. تشبيـه …………………………………………………… 21
13. سـوناته ………………………………………………….. 21
14. جوابو العالم ………………………………………………. 22
15. أبيـات …………………………………………………… 23
16. الى رجال إنكلترا ………………………………………….. 23
17. ليلة طيبة …………………………………………………. 24
18. ترنيمة جنائزية للسنة ……………………………………... 24
19. الزمــن …………………………………………………. 25
20. سوناتة : إنكلترا 1819……………………………………. 26
21. أبيات قيلت في حكم كاسلري ………………………………. 26
22. موسـيقى ……………………………………………….. 27
23. نشيد الى الريح الغربية …………………………………… 28
24. المرأة المغناطيسية ومريضها …………………………….. 31
25. حارس الغاب والعندليب ………………………………….. 32
26. مـراث …………………………………………………… 35
27. حين يخبو رقيق النغم ……………………………………. 35
28. لحـن جنائزي …………………………………………… 35
29. أوزيماندياس المصري ……………………………………. 36
30. أبيات كتبت في ساعة حزن قرب نابولي …………………… 37
31. حلم الشاعر ……………………………………………… 38
32. الروحــان …………………………………………….. 38
33. نشــيد الحـرية ………………………………………. 40
34. أبيات بين التلال اليوجينية ……………………………... 54
35. قلعة الجوع …………………………………………….. 67
36. الى جين : ثاقبات النجوم كانت تلالى ……………………. 69
37. سوناته الى بايرون …………………………………….. 69
38. نصيحـة ………………………………………………. 70
39. ترنيمة لجمال العقل ……………………………………. 72
40. المــاضي ……………………………………………. 75
41. التقلــب …………………………………………….. 75
42. الى عيـّاب ……………………………………………. 76
43. قناع الفوضى ………………………………………….. 77
44. الى صـوفيا …………………………………………… 84
45. الى وردزورث …………………………………………. 85
رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق ببغداد 221 لسنة 2004
طبع في مطابع دار الشؤون الثقافية العامة
وزارة الثقافة
بيرســـي بيـش شـــــللي
" حياته وأعماله "
د. ماجد الحيدر
يعد بيرسي بيش شللي (Percy Bysshe Shelley ) في نظر الكثير من دارسي الشعر الإنكليزي ونقاده واحدا من أكثر قادة الحركة الرومانسية تأثيرا. وقد جرى تصنيف العديد من قصائده ضمن أعظم الأعمال الشعرية في تاريخ الأدب الانكليزي برمته. وتكمن عظمته بشكل خاص في قدرته العفوية الفذة على الجمع بين الرومانسية والنزعة العقلانية في قصائد ومسرحيات شعرية تفيض بالعذوبة والجمال وعمق الأفكار ونبل الغايات تعيد الى الأذهان حكمة أنبل الشعراء/الفلاسفة الإغريق - أفلاطون.
كانت حياة شللي التي لم تبلغ الثلاثين عاماً أنموذجا حقيقيا لحياة شاعر :
ولد في الرابع من آب سنة 1792 في "فيلد بليس" في مقاطعة "سوسكس" بإنكلترا في عائلة ميسورة الحال . وكان جده رجلا متسلطا قوي الشكيمة أما والده فكان شخصا تقليديا ضعيف الشخصية . كان العالم الغربي، وإنكلترا على وجه الخصوص يخوضان عندها في عصر جديد من الأفكار والمشاعر؛ وكانت روح الثورة العقلية والسياسية التي انطلقت من فرنسا ، وروح يقظة الحس والخيال التي حملت لواءها كل من إنكلترا وألمانيا العنصرين الأساسيين في تلك الحركة.
إمتاز هذا الصبي الأشقر المتمرد ذو العينين الزرقاوين الجموحتين بذكاءٍ خارق وصدق وسرعة أيمان وحماس متقد لكل ما يرى فيه خير البشرية وخلاصها من محنها وآلامها. تأثر في أول شبابه بأحد أول أشكال الرومانسية وأكثرها فجاجة ألا وهو قصص الرعب التي كانت تلقى رواجا كبيرا في ذلك العصر، وجرب حظه في هذا المجال فكتب ونشر بين عامي1810 و 1811اثنتين من روايات الرعب على الطراز القوطي ومجموعتين من قصائد الصبا ولكنه سرعان ما نبذها جميعا رغم اعترافه لاحقا بأهميتها في صقل مواهبه الأدبية.
في خريف عام 1810 يلتحق بجامعة اوكسفورد لكنه ما يلبث أن يطرد منها في آذار من السنة التالية هو وأحد زملائه (توماس هوك) لرفضهما الاعتراف بمسؤولية شللي عن كتابة وتوزيع أحد الكتيبات التي عدت تمردا فظيعا على التقاليد والأعراف الدينية أنذاك. يرفض شللي كل الضغوط وبدلا من الاعتذار لعائلته كما فعل زميله نراه في آب 1811يفر مع هارييت ويستبروك إبنة صاحب مقهى لندني ويتزوجها محطما كل خطط الهيمنة والتجويع التي رسمها جده وأبوه.
لم يكن شللي منذ البداية رجلا يكتفي بالأحاديث الثورية عن التغيير والإصلاح بل نجده يذهب في أوائل عام 1812 برفقة زوجته وشقيقتها الى ايرلندا ، حيث النضال المحتدم العنيف ضد الهيمنة البريطانية. ويستقر في دبلن فيكتب ويوزع المنشورات المناصرة للحقوق السياسية للكاثوليك الايرلنديين والمنادية بالحكم الذاتي ومثل الفكر الحر. ويعرج الفتى بعد شهور على ويلز ، وهناك يفتح قلبه وعينيه على الطبيعة الخلابة فإذا بشعره المتحمس الثائر يظهر على استحياء بوادر عشق الطبيعة والاندماج بها والتغني بمفاتنها وهو الأمر الذي ظل الى أواخر حياته القصيرة ملازما له. ويدفعه الإفلاس أخيرا للعودة الى لندن (حيث مقرضو النقود ) وهناك يتعرف على الفيلسوف البريطاني "وليم غودوين" وتجمعه به صداقة عميقة يتأثر من خلالها شيللي بالفكر الإشتراكي المتحرر للفيلسوف. وكان لهذه الصداقة الحميمة أن تؤتي ثمارها فكان من نتاجها "مليكة الجن" “Queen Mab” (1813) وهو أول الأعمال الشعرية الهامة لشللي: تتألف القصيدة من تسعة أناشيد من الشعر الغنائي المقفى وغير المقفى وفيها يهاجم شرور الماضي والحاضر (التجارة ، الحروب ، الكنيسة ، الملكية ، الزواج ..الخ) لكنه ينهيها باستعادة الأمال المشرقة للبشرية حين تتخلص من هذه الشرور.
في حزيران 1813 تلد هرييت شللي أبنتهما الأولى "لانثي" غير أن نتيجة أخرى للصداقة الحميمة مع الفيلسوف تبدأ بالظهور : علاقة حب عنيف متهور يجمعه و"ماري" أبنة غودوين، رغم استنكار الجميع. ويفر الحبيبان في تموز 1814الى فرنسا ويصحبان معهما – كما فعل شللي مع حبيبته الأولى- أختا غير شقيقة لماري هي "جين –أو كلير- كليرمونت" وهي التي كتب لها فيما بعد أن ترتبط بعلاقة حب مع الشاعر الانكليزي العظيم "بايرون". ويسيح الفريق في فرنسا ، ثم في سويسرا وألمانيا ويقفل عائدا في العام نفسه الى انكلترا حيث تواجهه عاصفة النقد والعداء وملاحقات السماسرة والدائنين . وتلد زوجته في أواخر العام نفسه ابنهما "جارلز" ويموت جده في العام التالي ولكنه لا ينسى حفيده رغم كل شيء فيوصي بأن تدفع كل ديونه وبأن يخصص له دخل سنوي ثابت. ويستقر الشاعر قليلا ريثما يسترد أنفاسه وسط أحضان الطبيعة قرب متنزهات وندسور العظيمة حيث يعكف برفقة صديقه ونصيره القديم "هوك" على دراسة منجزات الأدب الكلاسيكي، وهناك أيضا يكتب قصيدته الشهيرة 0"ألاستر: أو روح العزلة" “Alastor : or The spirit of Solitude” وينشرها مع قصائد أخر عام 1816. وفي هذه القصيدة يحذر شللي المثاليين (من أمثاله هو) من مغبة إتّراك "الحب الانساني اللذيذ" والارتقاء الاجتماعي في سبيل الجري العابث وراء أحلام سريعة التبخر.
في أيار 1816 يهرع شيللي وماري وكلير الى جنيف للقاء بايرون في سويسرا وهناك خلال ذلك الصيف الذي لا ينسى يكتب شللي عددا من أشهر قصائده : " تسبيحة للجمال العقلي" “Hymn to Intellectual Beauty” و"الجبل الأبيض"[1] “Mont Blanc” وتشرع ماري في كتابة روايتها الشهيرة "فرانكشتاين" . ويعود الثلاثة الى إنكلترا، وفي أواخر العام يعثر على جثة هارييت شللي في إحدى البحيرات في متنزه بلندن حيث ألقت الزوجة اليائسة نفسها فيما يبدو ، وبعد ثلاثة أسابيع يتزوج شللي بماري، غير أن حكما قضائيا يعلن عدم صلاحية شللي لتربية طفليه من هارييت فينتزعان منه ليربيا على نفقته.
في عام 1817 يكتب شللي ملحمته الرومانسية "لون وسثنا" “Laon and Cythna” أو ثورة المدينة الذهبية لكن الناشر يمنع توزيعها خشية أن تكون القصة المثالية (التي تتحدث عن ثورة سلمية تقمعها بوحشية عصبة تتكون من الملك وكهنته) أنتهاكا للقوانين الصارمة ضد التجديف . ولكنها تنشر في العام التالي ، بعد عدد من التعديلات ، تحت عنوان جديد هو "ثورة الإسلام" “The Revolt of Islam”.
في ربيع 1818 يغادر شللي انكلترا الى غير رجعة ويتوجه الى إيطاليا – حيث يقيم بايرون- ويدور فيها من مدينة الى مدينة. وفي صيف ذاك العام يترجم كتاب أفلاطون "المأدبة" “Symposium” ويكتب مقالته "عن الحب" “On Love” ويكمل قصيدة متوسطة المستوى هي "روسالند وهيلين" “Rosalind and Helen” يتنبأ فيها بمصيره في مصير بطلها الشاعر-المصلح "ليونيل" الذي يموت شابا بعد خروجه من السجن الذي يودع فيه بسبب أفكاره الراديكالية.
حتى هذا الحين يغلب على أعمال شللي التوجه السياسي الواضح.؛ فـ "مليكة الجن" ، وأشعاره المبكرة التي لم تنشر إلا عام 1964 ، ولون وسثنا" ، وأغلب أعماله النثرية كانت موجهة نحو إصلاح المجتمع . وحتى "ألاستر" و"روسالند وهيلين" والأشعار الغنائية الشخصية كنت تحس فيها هموم مصلح مثالي يخذله ويلاحقه مجتمع معادٍ متخلف. بيد أن الأمر سيختلف في إيطاليا؛ إذ أن شللي –بعيدا عن المؤثرات اليومية للسياسة الإنكليزية- يعمق فهمه للفن والأدب ، وحين يفشل في تغيير العالم ليوائم رؤيته يركز على "تضمين" أفكاره ومثله في أشعاره ، وتصير غايته ، كما يكتب في "نشيد الى الريح الغربية" هي أن تنطلق كلماته مثل "الرماد والشرر" الذي يلفظه "أتون لا ينطفئ" وتغيّر الأجيال القادمة، ومن خلالها، العالم بأسره. وفيما بعد ، عندما يتسرب شيء من الجفاء الى علاقته بزوجته "ماري" ، نراه يصور الحب نفسه بلغة "الإلهام " وليس "الإنجاز" :
حنين الفراشة للنجوم
وتوق الليل للصباح
والإخلاص لشيءٍ بعيد .. بعيد
عن نطاق حزننا
في خريف العام نفسه تمرض صغيرته "كلارا" ، المولودة عام 1817وتموت. ويصف شللي في "أبيات قيلت بين التلال اليوجينية" كيف أن الرؤى التى نهضت من جلال الطبيعة وروعتها بين تلك التلال أخرجته من اليأس الى الأمل فأحالت المشهد الى "جزيرة خضراء .. في بحر الشقاء الواسع العميق".
في عام 1819 يحط الرحال في روما حيث يشرع في كتابة إثنتين من أشهر مسرحياته الشعرية " آل جنجي" “The Cenci” و "برومثيوس طليقا" “Prometheus Unbound”. يكمل العمل الأول في صيف السنة رغم رحيل طفلهما الثاني "وليم" ،المولود عام 1816 ، إثر إصابته بالملاريا . ويصف شللي نفسه هذا العمل بأنه "حقيقة مرة" مقارنة بما سبقه من " رؤى .. الجمال والعدل" .يقوم هذا العمل ذو الفصول الخمسة على واقعة حقيقية جرت في روما في القرن السادس عشر وملخصها أن "فرانشيسكو جنجي" وهو نبيل شرير واسع الثراء يحبس ابنته "بياتريس" وزوجته الثانية "لوكريزيا" في قلعة نائية حصينة ويعاملهما بقسوة ووحشية وتجد الفتاة بعض الخلاص في علاقة تجمعها بحارس القلعة . وأخيرا وبعد محاولات فاشلة للفرار تخطط الإمرأتان بمعونة الحارس واثنين من إخوة "بياتريس" لقتل الأب الشرير .ويتم ذلك بالفعل ثم تلقى الجثة من إحدى الشرفات لإخفاء الجريمة، لكن الخطة تنهار حين تتوالى الإعترافات ويأمر البابا رغم كل طلبات الرحمة بإعدام الجناة ومصادرة أموال العائلة (التي قيل أنها كانت وراء إصرار البابا على تنفيذ العقوبة!) [2].
أما "برومثيوس طليقا" التي أتمها في خريف 1819 فهي واحدة من أروع إنجازات شللي الشعرية. وفيها يقوم بقلب حبكة المسرحية المفقودة الشهيرة لأسخيلوس “Aeschylus”:
ففي الفصل الأول يقوم "برومثيوس" (الذي يعذَّب بناء على أوامر جوبيتر بسبب منحه البشرية نعمة الحرية المعنوية) بسحب اللعنة الأولى التي ألقاها على "جويتر" ثم يسامحه (لا أريد لأي شيء حي أن يقاسي الألم) ، ويفلح برومثيوس (الذي يجسد الإرادة الأخلاقية)، عن طريق تحاشي الإنتقام، في الإتحاد بحبيبته "آسيا" (المثال الروحي للتسامي الإنساني)، ويمنعه حبها من أن يتحول الى طاغية ثانٍ حين يطاح بـ "جوبيتر" على يد قوة غامضة تدعى "ديموغورغون".
أما الفصل الثاني فيتابع يقظة "آسيا" ورحلتها صوب "برومثيوس" بادئا بنزولها الى أعماق الطبيعة لمواجهة واستجواب "ديموغورغون".
ويصف الفصل الثالث الإطاحة بجوبيتر واتحاد "آسيا" بـ "برومثيوس" الذي يترك عرش "جوبيتر" شاغرا وينسحب الى كهف يقوم منه بالتأثير على العالم من خلال مثل مجسدة في الفنون الخلاقة. وتصف نهاية الفصل بعث كل من المجتمع البشري والعالم الطبيعي.
ويفتتح الفصل الرابع بأغانِ مرحة تؤديها الأرواح التي تصف التحول الخيّر الذي حدث للضمير الإنساني وتعقبها أرواح أخر تترنم بالغبطة التي تعيشها البشرية والطبيعة في هذا العصر الجديد السعيد. وأخيرا يدخل "ديموغورغون" ليخبرالمخلوقات بأنه إذا ما تحطمت هذه الحال من نعمة الفضيلة الهشة فإن بمقدروها جميعا أن تستعيد حريتها المعنوية من خلال هذه التعاويذ :
أن نقاسي الآلام التي يحسبها "الأمل" نفسه لا نهائية
أن نغفر الخطايا الأكثر ظلمة من "الموت" و"الليل"
أن نتحدى القوى التي نظنها كلية الجبروت
أن نحب ، أن نثبت ، أن نأمل حتى يخلق "الأمل"
من حطامه الشيء الذي يتأمله …
كتب شللي "برومثيوس طليقا" بعد أن بدأ "الواقع المرير" بتحديه بشكل سافر ولكن قبل أن يبدأ شللي بالشعور بالخوف من فشله في الوصول الى من يستمع اليه ( نشرت هذه المسرحية قرابة عام 1820 في مجلد يجمعها وعدد من أفضل قصائده وأكثرها تفاؤلا ومنها "النشيد الى الريح الغربية" و "الغيمة" و"نشيد الى الحرية" و "الى قبرة") .
أثناء إكماله لهاتين المسرحيتين يتفاعل شللي مع الأنباء التي وردت من بلاده عن مذبحة "بيترلو"[3] فيكتب قصيدته الهجائية المريرة "قناع الفوضى"”The Mask of Anarchy” التي لم تنشر حتى عام 1832، والعديد من الأناشيد الراديكالية التي يأمل عن طريقها في أيقاظ الشعب البريطاني ودفعه الى الاحتجاج السلمي الفعال . ويرسل الى الوطن قصيدته الساخرة "بيتر بيل الثالث" التي يهاجم فيها فساد المجتمع البريطاني، ثم يكمل مسودة كتابه "نظرة فلسفية الى الأصلاح" وهو أطول أعماله النثرية (رغم أنه لم يكتمل قط ولم ينشر حتى عام 1920) وفيه يدعو الى الإصلاح التدريجي (وهو نمط بريطاني بخاصة) بغية تجنب ثورة دموية قد تؤدي الى طغيان جديد.
في عام 1820 يبدأ شللي (مدفوعا بالمقالات العدائية التي صدرت ضده) بتعميق أتجاهه نحو الميثولوجيا ، ويأخذ تعبيره عن آرائه المثالية طابعا أقل مباشرة ، ويكشف شللي من خلال نبرة السخرية الذاتية المهذبة التي رأيناها في "بيتر بيل الثالث" عن إدراكه بأن مثله السامية قد تبدو في غاية السذاجة في نظر البعض. وفي أواخر هذا العام تظهر في المكتبات –دون ذكر المؤلف- مسرحيته الساخرة "أوديب الطاغية" أو "الطاغية "منفوخ القدم "" “Swellfoot the Tyrant” التي تدور حول محاكمة "كارولين" زوجة الملك جورج الرابع" بتهمة الزنى ولكنها تمنع في لمح البصر.غير أن شللي يؤكد في عام 1821 مثاليته التي لا تهادن ، فيكتب "إبيبسايجديون" “Epipsychidion” التي يصور فيها في شكل أسطوري على طراز خرافات دانتي افتتانه بـ "تيريزا فيفياني" إحدى معجباته الشابات ويبين فيها كيف أن الرغبات الإنسانية يمكن تحقيقها من خلال الفن. ويصر في مقالته "دفاع عن الشعر" “A defence of Poetry” على إن الشاعر هو الذي يخلق القيم الإنسانية ويتخيل الأوضاع التي تشكل النظام الإجتماعي ، وأن "الشعراء هم المشرعون غير المعلنون لهذا العالم". وفي مرثيته التي أسماها "أدونيس" “Adonais” يحتفل بذكرى رحيل الشاعر "جون كيتس" “John Keats” بأن يعلن أنه بينما نحن "نتفسخ .. مثل جثث في القبور " فإن الروح الخلاقة لأدونيس ، برغم موته الجسدي "تحلق متعالية على ظلال ليلنا"
الواحد يبقى … والعديد يمضي ويتغير
أضواء السماء تشرق أبدا وظلال الأرض تولي
والحياة ، كقبة من زجاج ملون
تلطخ الألق الناصع للخلود
حتى يحيلها الموت هشيما.
ثم يكتب شللي مسرحيته الشعرية "هيلاس" “Hellas” التي يحتفل فيها بثورة اليونان ضد الحكم التركي ويؤكد من جديد الرسالة السياسية التي جاء بها في "لون وسثنا" – إن الكفاح في سبيل حرية الإنسان لا يمكن أن يهزم كليا ولا أن ينتصر كليا ، لأن المثل تظل على الدوام أعظم من تجسدها الأرضي.
في أوائل عام 1822 يشرع بكتابة مسرحية "تشارلز الأول" لكنه سرعان ما يهجرها، ثم يبدأ كتابة قصيدته السوداوية "إنتصار الحياة" “The Triumph of Life” التي ينهمك فيها الى أن يبحر الى "ليغ هورن" لاستقبال صديقه "لي هونت" “Leigh Hunt” الذي قدم لإعداد مجلة دورية تدعى "الأحرار" “The Liberal”.
ويأبى الشاعر إلا أن يكون شاعرا حتى في موته؛ في الثامن من تموز 1822 تواجهه وأحد رفاقه في رحلة الإياب عاصفة هوجاء من تلكم التي يصفها في العديد من قصائده ، ويترنح القارب الوحيد ويهوي في الخليج المجنون .. ويرحل بيرسي بيش شيللي ..
يومها كان الشعر قد قاد هذا الفتى الى أبعد التخوم .. الى إحساس دافئ حي بسرّ هذا العالم .. إحساس ملأ عنده الفراغ الذي تركته المعتقدات البالية التي نبذها عقله الرومانسي الثائر ..
" ما هي الحياة !؟" صرخ في وجه العاصفة .. ولم ينتظر الجواب !
والآن ، وبعد مائة وثمانين عاما ، ماذا تبقى من شللي ؟ بل لنقل : ماذا تبقى من الرومانسية؟ لكني أنا الآخر لن أنتظر الجواب. فهذه الباقة المنتقاة من قصائد شللي التي أقدمها بين يدي القارئ الكريم أبلغ من كل حديث.
كلمة أخيرة : كنت في كل مرة أترنم فيها بهذه الأشعار في لغتها الأصلية وأحس عذوبتها تلامس شغاف القلب وأهم بترجمة البعض منها يلوح لي فوق الصفحات البيض وجه الشيخ البصري الساخر ذي العينين الجاحظتين وهو يحذر كل ذي لب من الإقدام على ترجمة الشعر - وإفساده بالضرورة. ثم أن كلمات "روبرت فروست" “Robert Frost” كانت تتأرجح أمامي مثل لافتة تحذيرية هائلة تتضمن حقيقة علمية لا جدال فيها : " الشعر هو ما يضيع بالترجمة ! " .
غير أن حكمة الشاعر والمترجم الانكليزي "جون دنهام" “Sir John Denham” كانت تعيد الثقة الى نفسي فأحاول أن أتمسك بوصاياه الى مترجمي الشعر : ليست مهمة مترجم الشعر نقل لغة الى أخرى، بل نقل شعرٍ الى شعر، و … الشعر ليس إلا روحا رقيقة أثيرية سرعان ما تتبخر عند سكبها من وعاء الى آخر فتغدو جثة هامدة لا حياة فيها إلا إذا – وهذا بيت القصيد – سُكِب فيها روح جديد … ثم أزداد إقداما حين أتمثل ما قاله "جون درايدن" “John Dryden” سيد الشعراء والنقاد والمترجمين الإنكليز من أن ترجمة الشعر هي قبل كل شيء "فعل من أفعال التعاطف " مع الشاعر الأصلي.
وها أنا أقدم هذه الأكؤس البلورية الصافية (من شاعر رقيق عبقري أحب الشعر العربي وسعى في حياته الى استلهامه في بعض قصائده) الى قراء العربية بعد أن بذلت في صقلها الجهد والعناء وسكبتُ فيها – دون تردد –الكثير الكثير من الحب والروح والتعاطف .. وعذرا للتقصير ..
د. ماجد الحيدر
إنه لا يسمعني
آهٍ .. لا
فالملوك لا يسمعون !
(شللي ، قصيدة الحرب)
عبثٌ كلُّ القبلات
والموتُ والميلاد
عبثٌ أرائكُ اللذة
وأسِرَّةُ الترابِ الأبدية
عبثٌ… آهٍ
عبثٌ مرير
لأني ما حظيتُ ساعةً بعناقك
أيتها العذراءُ المقصوصةُ القدمين
المحلِّـقةُ أبدا
بعيداً عن سماء راكوم !
(المترجم ، من مزامير راكوم الدهماء)
نشيد الحرية
وقصـــائد أخـــرى
مختارات من شعر
ب. ب. شللي
ترجمة وتقديم
د. ماجد الحيدر
(1) الى….
لكَم أخشى قبلاتكِ هذي ..أيتها الخَودُ الناعمة
ولكنْ ليس عليكِ أن تخشي قبلاتي
فروحي مثقلةً لأعماق قَصية
حتى لا يعود الى إيذائكِ من سبيل
أنا أخشى محيّاكِ ، أخشى نبراتكِ ، وكلَّ حركةٍ تأتينها
وليس عليكِ أن تخشي ذاكَ مني
فبريء إخلاصُ قلبي الذي .. بهِ أقدّسُ ذاتك .
(2) فلسفة الحب
[1]
هي ذي الينابيعُ تذوبُ في النهر
والأنهار تسرع الى اليم
هاهي الرياح تتزاوج في الأعالي أبدا
في عذوبةٍ ورقة حس
ما من شيء يظل وحيدا في هذا العالم
فكل ما في الكون
يتمازج في ناموس سماوي
فلماذا لا نكون كذلك .. أنا وأنتِ ؟
[2]
أنظري للجبال الشم تقبّل السماوات العلية
وللأمواج التي تتصافح
ما من زهرة شقيقة تُمنَحُ الغفرانَ
إنْ ازدرتْ شقيقتها
وأنظري لضياء الشمس الذي يعانق أديم الأرض
ولضوءِ القمر الذي يقبّل وجه البحر
ما كل تلك القبلات .. ما تساوي ؟
إن أنتِ لم تقبّليني ؟
(3) سيرينادةٌ [4] هندية
قد أفقتُ من أحلامي بكِ
في أول سويعاتِ الكرى اللذيذ
حين تتنفسُ النسائمُ رخاءً
وتلمعُ النجيماتُ في بهاء
قد أفقتُ من أحلامي ولا أدري
كيف قادني روح خفيٌّ حلّ في أقدامي
صوبكِ … صوب شباككِ يا حلوتي !
**
ترخي النسائمُ التي أنضاها السفر أجنحتها
فوق الجدول الساكن المعتم
وتخبو روائح أزهارِ الشمبَق[5] الصفر
كخواطر لذيذة تطوف في الأحلام
وتموت شكوى العندليب فوق خافقه
كما محتم عليّ أن أموت
فوق صدرك يا حلوتي .. يا من أحبك .. كما أحبك !
**
آهٍ ، ارفعيني .. من فوق هذا العشب !
فأنا أخبو ! أموت ! أبهت !
خلّي حبكِ ينهال قبلا كالمطر
على شفاهي وأجفاني الشاحبات
وا أسفا ! إن وجنتيّ لباردتين شاحبتين
وقلبي ليخفق صاخبا سريعا
آهٍِ ! فلتضميه الساعة من جديد .. الى قلبك ..
الى حيث يتحطم في خاتمة المطاف
(4) الى الليل
سرْ سريعا فوق صفحة البحر الغربي
يا روح الليل !
وأنت تغادر الكهف الشرقي ، الغارقِ في الضباب
حيث تحوك من ضوء النهار الطويل الوحيد
أحلام البهجة والخوف
الجاعلاتك بغيضا وحبيبا معا..
ألا رشيقا فليكن .. تحليقك ذاك !
**
غطِّ صورتك
بعباءةٍ رماديةٍ ، مطرّزةٍ بالنجوم
واطفئ بجدائلك الفاحمات عين غادةِ النهارِ
قبّلها حتى يعتادُها البلى
امض متسكعا فوق البحرِ والبرِّ والمدائن
وإلمسها جميعا بصولجانك السحري
هلمَّ … هلمَّ .. يا من طال انتظارك !
**
ساعةَ أفقتُ .. وأبصرت الفجر
تحسرتُ عليك !
ولمّا ساق الضياء خيله للأعالي
وغادر الندى
وناءت الظهيرة بكلكلها .. على الزهر والشجر
حين انكفأ النهار المعنّى .. قاصدا سرير راحته
مترنحا .. مثلَ ضيفٍ ثقيل
يقدّم الخطوَ ويعيد
تحسرتُ عليك !
**
شقيقكَ " الموتُ " دنا وصاح : هل تريدني !؟
وانبرت طفلتك الحلوة " النوم "
دمدمت كنحلةٍ في عنفوانها :
هل آوي إليك !؟ هل تريدني ؟
فأجبتُ : لا … لستِ أنت !؟
**
"الموت" لا بد آتٍ .. ساعة ترحلُ يا ليل
وذاك قريبٌ ، قريب
و "النوم" آتٍ حين ترحل أنت
فعلامَ أسألهما منةً
سأسألك أنت .. أيها الليل الحبيب
فطر سريعا .. وادنُ مني
وهلمّ .. هلم اليّ !
(5) أغنية للقمر[6]
أمِنْ عروجك للسماء العليّةِ
من طول تحديقك في الأرض الفانية
عراك شحوب الضجر ؟
أم من هيامك على وجهك .. دونما رفيق
بين النجوم الغريبات
ومن تبدلٍ لا يريم
مثل عينٍ كئيبة .. لم تجد مما ترنو اليه
ما يستحق الولاء المستديم ؟!
(6) فرار الحب
حين يتهشم المصباح
يهوي الضياء ميتا .. معفرا بالتراب
وحين يتبعثر الغمام
تغدو هباءً .. أمجادُ قوس قزح
حين يبلى العود
يُنسى شجيّ الألحان
وحين تكون الشفاه قد نطقت
ما أسرع غياب النبرات الحبيبة !
**
يموت السنا والنغم
في اثر العود والمصباح
كذاك ساعةَ تصمت الروح
لا يُرجِعُ القلب من صدى
غير ترانيم الموت الكئيبة
ترانيم كالريح المعولة
في الدمن المقفرات
أو كأمواج باكيات
تدق أجراس نعيٍ … لبحّارٍ غريق .
**
فور امتزاج القلوب
يترك "الحب" عشه الحصين
ويمضي .. وحيدا ، ضعيفا ، أعزل
يتعذب مما أمتلكه ذات مرة !
آه يا حب ، يا من يندب
هشاشة الأشياء
لم اخترت أكثرها هشاشة
بيتا لك ، ومهدا ، وتابوتا
جاهلا أن عواطفه ستهزك هزا
كما تطوّح الأعاصير
بالغربان الفاحمة في الأعالي
وسيسخر منك نيّر العقول
كما الشمس من سماء الشتاء المكفهرة
وستبلى كل عارضة من خشب
رفعْتها لسقفك
ويغادرك عش نسورك
عاريا .. مثار سخريةٍ
حين تسّاقطُ الأوراقُ ..ويحل الزمهرير !
(7) كلمة واحدة
إن كلمة واحدة لغارقة في المهانة
حتى لا يعود بمقدوري أن أزيدها هوانا
وإحساس واحد يزدرى به كذبا
حتى لا يعود بمقدوركِ ازدراءه
إن أملا وحيدا ليشبه اليأس
حتى لا يعود التعقل قادرا على إخماده
والعطف منكِ أعز على قلبي وأغلى
من عطف غيرك
**
ليس في يدي أن أمنحك ما يدعوه الرجال حبا
ولكن ، هل يمكن أن ترفضي
التقديس الذي يرفعه القلب
وهل للسماء أن تنكر
حنين الفراشة للنجوم
وتوق الليل للصباح
والإخلاص لشيءٍ بعيد .. بعيد
عن نطاق حزننا ؟
(8) الى قبرة
سلاما ، أيها الروح السعيد
ما كنتَ يوما محض طير
أنت يا مَن مِن السماء ، أو من تخومها
تُسيل قلبك الجياش
في ألحان غزيرةٍ .. من فنٍّ عفوي
**
عاليا عاليا تثب
مودعا وجه الأرض
كغمامة من نار
تشق طريقها في الزرقة العميقة
أبدا تحلق إذ تغني … أبدا تغني إذ تحلق
**
في الغسق الذهبي للشمس الغارقة
الفوقها تبرق الغيوم
تعوم أنت وتجري
كسعادة لا جسد لها .. بدأت للتو سباقها
**
المساء الشاحب الأرجواني
يذوب حول تحليقك
كنجمة في ضوء نهار فسيح
لستَ بالمرئي ولكن
ها أنا أسمع نشوتك الصارخة
**
ثاقبة كسهام تلك الكرة الفضية
التي يتلاشى مصباحها الوهاج رويدا رويدا
في الفجر الأبيض الوضيئ
حتى لا نعود نراها غير أننا
نحس بوجودها
**
الأرض كلها والهواء
يضجان بصادح النغم
كما - حين يعرى الليل من شارد الغمام -
يمطر البدر سناه
حتى تفيض به السماء
**
ما أنت ؟ إنا لنجهل ما أنت
ما أشبهُ الأشياء بك ؟
من حضورك تتنزل شآبيب من ألحان
لا تجود بها غمائم حبلى
وشحتها أقواس قزح
**
كشاعر يتوارى في ضياء الفكر
ينشد طوعا ترانيم لم يُسألها
حتى يضج الكون .. برقيق العواطف
ولا يبالي .. بالخوف والآمال
**
كعذراء نبيلة .. في برج قصرها
تداوي في ساعة سرية
روحها الجريح بالعشق
بموسيقى عذبة كالحب … تغمر مخدعها
**
كسراج ليلٍ[7] ذهبي
بوادٍ غارقٍ بالندى
ينثر في خفاءٍ .. ضياءه الأثيري
بين زهر وعشب
يحجبانه عن الناظرين
**
كوردة تغفو في كأسها الأخضر
يوقظها تنفس الريح الدافئ
حتى ليجعل ما تبذل من أريج
تلك اللصوص الثقال الأجنحة
تترنح سكرى بالجمال
**
من وقع غيث الربيع
على العشب المتلألئ
من زهور أيقظها المطر
من كل رخصٍ بهيج
موسيقاك أعذب وأحلى
**
علّمنا – طيراً كنت أم روحاً
أي عذب من الخواطر تملك
ما سمعتُ يوما مديحا للحب أو للراح
نابضا بفيضٍ من هكذا نشوةٍ قدسية
**
أغنياتُ العرس .. أناشيدُ الظفر
إزاءك ليست .. غير تبجحٍ فارغ
غير شيءٍ نحس فيه
بنقصانٍ خفي
**
أي شيءٍ ينابيع لحنك السعيد ؟
أية حقول ؟ أية أمواج ؟ أية جبال ؟
أية صورٍ للسموات أو للأرض ؟
أي عشقٍ من جنسك أنت ؟
أي جهلٍ بالألــم !؟
**
ليس من محل للتراخي
في فرحك العارم البريء
وظلال الانزعاج منك ما دنت
عاشق أنت ولكن
ما عانيتَ شبَع الحب
**
نائما كنتَ أم يقظانا
ترى في الموت أشياء أصدق وأعمق
منا معشر الفانين
وإلا فخبرني كيف لألحانك أن تسيل
في هكذا جدولٍ من بلّور ؟
**
ننظر في أمسنا والغد
ونتوق لما لن يكون
أصدق ضحكاتنا تعج
بشيء من ألم
وأعذب أغنياتنا تروي أمرّ الأحزان
**
ولو كان في يدنا
أن نزدري الحزن والخوف والتيه
لو كنا أشياء ولدت كي لا تذرف الدموع
ليت شعري كيف كنا سندنو من سرورك ؟
**
لَشعرُك الذي ترتجل
يا من تزدري الأرض
أحلى من كل لحن بهيج
وأثمن من كل كنزٍ
يرقد في أدراج الكتب !
**
ألا فلتعلمني نصف السعادة التي
لا بد يعرفها عقلك
لَيفيضن عندها من شفاهي
من نغمٍ مجنون
ما يرغم العالم على الإنصات .. كما أنصت الساعةَ إليك !
(9) القمر العليل
وكمثل سيدةٍ محتَضَرة
هزيلةٍ شاحبة
تلفها غلائل شفيفة
تدب مترنحةً ، خارجة من حجرتها
تقودها الأباطيل الواهنة المجنونة
لعقلها الذي يذوي
هكذا يطلع القمر .. من ضباب الشرق المعتم
مثل كتلة بيضاء .. لا شكل لها ..
(10) الموت
[1]
الموت هنا .. والموت هناك
الموت منهمك في كل مكان
من كل الأرجاء يطوقنا ، من تحت ، ومن بين اليدين
ومن فوقنا ثمة الموت
ونحن … نحن الموت
[2]
بطغرائه قد ختم الموت
على وجودنا وعلى الأحاسيس
وعلى كل ما نعرف ، على كل ما نخشى
[3]
تموت رغائبنا أولا
ثم آمالنا والمخاوف
ساعتها تُستحَقُ الديون
ساعتها يطالب التراب بالتراب … ساعتها نموت
[4]
وكل أثير حبيب
لا بد مرتحل زائل مثلنا
وإلا فسيفعل الحب
تلك قسمتنا .. قسمة الفانين الضيزى
(11) الحرية
[1]
حين يُنفَخ صور الأعاصير
تتجاوب هائجات الجبال
ومن مكان الى مكان يتردد صدى رعودها
فتوقظ عاصفات البحار بعضها بعضا
وتهتز جبال الجليد حول عرش الشتاء
[2]
يومض البرق من غيمة وحيدة
لكن ألف جزيرةٍ تضيء من حولها
تحيل الزلزلة مدينة وحيدة الى رماد
لكن مائة غيرها تترنح ، وترتجف
وتصّاعدُ الدمدمةُ من تحت الأرض
[3]
لكنك أمضى من سنا البروق
وخطوك أسرع من وقع الزلازل
نداؤك يصمُّ هوج البحار
وثاقب نظراتك يعمي البراكين
وما مصباح الشمس الوهاج أمامك إلا
كنار مستنقع كابية
[4]
من متلاطم البحار .. من الجبال .. من زفير البراكين
يشق الضوء دربه … خلال الدخان والضباب والرعود
ومن روحٍ الى روح .. من أمة لأخرى … من مدينة الى دسكرة
يبزغ فجرك
بينا الطغاة والعبيد كظلال ليلٍ تتهاوى
أمام طلائع صبحك الزاحفات
(12) تشبيه
[1]
بوّابة كأنها صنعت من حجر الأدمنت المكفهر
تنتصب متثائبة .. على سكة الحياة العريضة التي
فوقها ندب جميعا
مثل كهفٍ هائلٍ كئيب
يحتدم حوله كفاحٌ سرمدي
لظلالٍ كأنها غيومٌ تتململ
في شعاب جبلٍ متصدع
يعلو شامخاً .. في زوابع السموات العلى
[2]
ما أكثر من يجتازها
في خطو لا مبال
جاهلا أن …. مبهما [8] يتعقب كل مسافرٍ
حتى الى حيث ينتظر الأموات في سلام
قدوم رفاقهم الجدد
لكن آخرين ، يقودهم مزاجٌ الفضول
يقفون هنيهةً كي يتأملوا….
أولئك قلةٌ بين البشر
لكن حسبهم هنالك أن يتعلموا شيئا وحيدا :-
أن الظلال ستبقى .. تتبعهم أيان حلّـوا …
(13) سوناته
صوب الموتى تحثين الخطى ، فعمّ تبحثين هناك
أيتها الأفكار التي لا تني
أيتها المرامي المتشابكة لبطّال العقول
يا من تأتزرين بإزار الدنيا ؟
آهٍ يا فؤادا نزقا ، لاهثاً خلف ما يلفق "الأمل" الواهن
من كاذب الجمال.
إيه يا عقلا عبثا يسوقه الفضول ليحزر من أين جاء
والى أين محتم عليه الرحيل
ويود لو كشف غياهب كل مجهول
آه .. الى أين تمضين ؟
وتطئين بهكذا خطى عاجلات .. سبيل الحياة الأخضر البهي ؟
لائذاتٍ من السعد والشقاء على السواء
بكهف المنية الكالح ؟
إيه يا قلب ، يا عقل ، يا فِكَر
ماذا ترتجين هناك
تحت … في ظلمة الأجداث ؟
(14) جوابو العالم
[1]
أخبريني ، أيتها النجمة التي بأجنحةٍ من سنا
تحلقين كشهابٍ من نار
في أي كهف ليليّ تطبقين الساعة قوادمك ؟
[2]
أخبرني ، أيها القمر الرمادي الشاحب
يا سائحا في معارج السماء الشريدة
في أية أعماق من ليلٍ أو نهار
تفتش عن ملاذ للرقاد ؟
[3]
ويا أيتها الريح المضناة
يا من تتسكعين .. كضيفٍ صدَّ عنه الأرضون
أما زال عندك ثمة عشٍ سريّ
بين طيات الغمام … أو فوق الشجر ؟
(15) أبيات
[1]
بُعدا ، بُعدا ، يا طيور الذكرى
فتشي عن عشٍّ بعيد
أهدأ من هذا الصدر المخذول
لا تحملي لشتاء قلبي
حكايا ربيعك الموهوم
عبثا ، عبثا ترجعين
وقد رحلتِ أول مرة.
[2]
ويا نسورا بنت وكناتها
عالياً فوق قلاع الغد
هي ذي الآمال الذاوية التفترش الآمال
وما قضى من أفراحٍ غصَّ بها الميتون
تمنح الفرائس الوفيرة لمناقيرك
أياما طوالا !
(16) الى رجال إنكلترا
[1]
رجالَ إنكلترا ، لمَ تحرثون !؟
أمن أجل السادة الذين يمسحون الأرض بكم ؟
وعلام تنسجون بكـدٍّ واعتناء
ثمين المطارف التي … يتدثـّر بها الطغاة ؟
[2]
فيم تطعمون ، فيم تكسون وتحفظون
من المهد الى اللحد
تلك الذكور من النحل التي
تمتص عرقكم ، وتشرب أنخاب دمائكم ؟
[3]
علامَ ، يا نحل إنكلترا تصنعون
وفير القيود والسياط والسلاح ؟
أ لكي تفسد ذكور النحل
ثمار كدكم المرغَمة ؟
[4]
أنلتم شيئاً .. من دعةٍ أو راحةٍ أو هدوء
من مأوى ، من طعامٍ ، من بلسم حبٍ رقيق ؟
وإلاّ فما ذاك الذي
تشترونه بغالي الثمن !؟
(17) ليلة طيبة !
[1]
ليلةٌ طيبة ؟ آهٍ ، لا !
سقيمة هي الساعة التي تفرق
من ينبغي لها أن تجمع
فلنيقَ معا في سكونٍ ، وعندها
ستكون حقاً … ليلةً طيبة
[2]
كيف أدعو ليل التوحد طيبا
ولو طار بأجنحةِ آمالكِ العذاب ؟
دعينا نفكر بها ، ندركها ، وعندها ستكون حقا
ليلةً طيبة .
[3]
طيبات هن الليالي .. للقلوب التي تتدانى
من أول الليل حتى ضياء الصباح
لأنها يا حبيبتي لا تقول :
ليلةً طيبة !
(18) ترنيمة جنائزية للسنة
[1]
أيتها الساعات اليتيمة ، هلمي واجهشي
تعالي وانتحبي ، فقد ماتت السنة !
ولكن يا ساعات الفرح ابتسمي
فالسنة نائمة لا غير !
أنظري ، إنها تتبسم في رقادها
ساخرةً من عويلك العجول !
[2]
كما تهز الزلازل جثثا
ترقد في توابيت من طين الأرض
يهز الشتاء الأشهب ( ذاك الطبيب الفظ )
السنةَ التي يلفها برد الموت .
أعولي يا ساعات القنوط
ها أمكِ قد لفها الكفن !
[3]
كما طلق الرياح تؤرجح وتُميل
مهد طفل تدلى بين أغصان الشجر
كذاك أنفاس هذي الأيام القاسيات
تهدهد السنة : فلتهدئي ، ولتصمتي أيتها الساعات الراجفات
إنها ستقوم ، وفي عيونها بريق حبٍّ جديد .
[4]
كانون الأشيب ههنا
واقفٌ على قبرها مثل كاهن
وشباطٌ يشيل النعش
آذار يولول ، ويهذي في أسى
ونيسان يبكي ، ولكن آه يا ساعات
كوني في الأعقاب
مع زهور أيار الرائعة !
(19) الزمـن
أيها اليم الذي لايسبر غوره
يا من أمواجه السنون
يا أوقيانوس الزمن ، يا من أمواهه التي من أسى عميق
آجنات من دموع البشر المالحات.
أنت ، يا طوفانا لا يحده ساحل
يا من في مدك وجزرك تصافح تخوم الفناء
متخما بالفرائس ، صارخا هل من مزيد
لافظا ضحاياك التعساء على شاطئك الكاره للضيفان
يا غادرا حين تسمو ، بغيضا حين تعصف
من ذا يسمق عليك ، أيها البحر الذي لا يسبر غوره ؟
(20) سوناتة : إنكلترا 1819
ملكٌ عجوز ، مخبولٌ ، أعمى ، محتقرٌ محتضر
أمراء - حثالاتُ سلالةٍ بليدة
يمضون عبر ازدراء الرعية
كوحول تتدفق من نبعٍ آسن
ولاةٌ لا يبصرون ، لا يشعرون ، لا يجيدون إلا التصاقا كالعلق
الى جسد الوطن الشاحب العليل
فيترنحون ، يسقطون دونما ضربةٍ
وقد أعماهم النجيع.
شعب يتضور ، محتجز في حقول ما حرثت
جيش للقمع والدمار
كسيف ذي شفرتين ، في يد السائسين
شرائع من ذهبٍ ودم ، للغواية ، للذبح
دين بلا مسيح ، بلا إله ، كتابُ مختوم.
مجلسٌ للشيوخ – أسوأ شرائع الأزمان
أنها – كلها – لَقبور
علَّ منها يتفجر شبحٌ ماجد
يضيء نهارنا العاصف المكفهر
(21) أبيات قيلت في حكم كاسلرَي [9]
[1]
باردات جثث القبور
خرس أحجار الطريق
الأجنة ميتات في الأرحام
والأمهات شاحبات ، كالساحل الذي لفه بياض الموت
لإنكلترا … إنكلترا التي لم تعد حرة
[2]
أولادها كحجارة الطريق
كتل من طين لا روح له ، توطأ بالأقدام ولا تُنحّى
والجهيض الذي عنه تمخضت
هو الحرية .. الحرية التي ضربت حتى الموت
[3]
فلتطأ بأقدامك ، ولترقص أيها الجبار
مطلولة ضحيتك
وأنت السيد المطاع ، والمالك الأوحد
لجثثها ، لطينها ، ولصغارها المجهضين
إنهم يعبّدون .. درب قبرك !
[4]
أنصت الى الضجيج
ضجيج مهرجان الموت والخراب والخطيئة
أتسمع الثروة تصرخ من وراء السجوف :
دماراً .. دمارا .. دمار !
ذاك نصر العربدة الذي أخرس صوت الحقيقة
ذاك نشيد عرسك
[5]
بلى ، إبنِ بعرسك الشنعاء
ذرِ الخوف ، والقلق ، والصراع
يسوون مخدعك في حجرة الحياة
تزوج بالخراب أيها العاتي
وليكن الجحيم دليلك .. الى سرير الزفاف !
(22) موســـيقى
[1]
لهفي على الموسيقى المقدسة
إن فؤادي لصادٍ كزهرةٍ محتضرة
صبَّ لي الألحان كراحٍ مسحورة
أرخِ النغمات في شآبيب من فضة
فأنا أذوي وألهث
كفلاةٍ تتوق الى رقيق المطر
[2]
دعني أعبَّ من خمرة الصوت الشجي
مزيداً ! .. آهِ ، مزيدا فما ارتويت
إنها لترخي الأفعوان الذي ألصقه القلق
على فؤادي ليخمده.
واللحن الذي تلاشى .. ينساب الى رأسي وقلبي
من كلّ عرق نابض
[3]
وكعطر بنفسجةٍ ذاوية
نَمَت في تخوم بركة فضية
حين جاءت الظهيرة اللاهبة
واستنزفت كأسها الندية
ساعة لم يعد من ضباب يبل غليلها
فارتمت ميتةً خلا عطرها الذي
حملته أجنحة الريح … فوق زرقة الأمواج
[4]
وكمن يعب بكاسٍ مسحورة
من خمرٍ تزبد وتبرق
أترعتها ساحرة جبارة
تراود عشاقها
بقبلات سماوية …… [10]
(23) نشيد الى الريح الغربية
[1]
يا ريح الغرب الوحشية
أنتِ يا تنفس الخريف
أنتِ يا من وجودك اللامرئي
تساق أوراق الشجر ، كأشباحٍ تفرّ من ساحرٍ ما
صفراء ، سوداء ، باهتة ، حمراء محمومة ، حشودا يضربها الطاعون
آه يا من في مراكب مسرعات
تسوقين حبات القمح المهيضات الى سريرها الشتوي المظلم
الى حيث تنام .. باردةً .. واهنة كأجداث ضمتها القبور
حتى تنفخ أختك اللازوردية ، الربيع
في بوقها على الأرض الحالمة
لتملأ التل والسهل
(سائقة البراعم الحسناء كقطعان ترعى في طلق الهواء)
بألوان وروائح حية
أيتها الروح الجَموح ، يا من تتحرك في كل صوب
يا مدمرة ويا حافظة
أنصتي ! آهٍ ، أنصتي !
[2]
أنتِ ، يا من في تيارك الجارف
وسط اضطراب السماء الشاهقة
تتساقط قزع الغمام .. كأوراقٍ أرضيةٍ ذابلة
حين تنفضها الأغصان المتشابكة
للسماء والبحر .. ملاكي المطر والبرق
وهناك ثمة انسدلت في استواء
من تخوم الأفق المبهمة الى ارتفاع السمت
جدائل العاصفة المقبلة
فوق الأديم الأزرق لاصطخابك الأثيري
كأكليل شعرٍ ناري
رفعته مينادةٌ هائجة [11]
أنتِ يا لحنا جنائزيا للسنة المحتضرة التي من أجلها
سيمسي هذا الليل المطبق
قبة قبرٍ عظيمة
معقودةٍ بحجارةٍ من جبروت ملتز
لأبخرتك التي من هوائها المرصوص
ينفجر المطر الأسود ، والنار ، والبَرَد
آهٍ … أنصتي !
[3]
أنتِ يا من أيقظتِ المتوسط الأزرق من أحلامه الصيفية
لما استلقى وقد هدهده اضطراب التيارات البللورية
على أقدام جزيرة بركانية ، هناك عند خليج "بايي" [12]
ليرى فيما يرى النائمون :
قصورا وأبراجا تهتز في عنفوان الموج
زحفت عليها زهور وطحالب لازوردية
في روعة تشل ريشة الأحاسيس
أنتِ يا من كي تشقي طريقك
تفلق آلهة الأطلسي المتينة أجسادها وتتصدع.
وهناك .. في الأعماق الفضية
تعرفت صوتَك زهورُ البحر
التي اكتست أوراق المحيط الشاحبات
فشابت من هول رعبك
وارتجفت وتعرت … آه ، أنصتي !
[4]
ليتني من يابس الورق الذي تسوقين
ليتني غيمة مسرعة فأطيرَ معك
أو موجة تلهث تحت سطوتك ، وتشاطرك نبض جبروتك
غير أني ، واحسرتاه ، لست حرا كما أنت .. يا مطلقة العنان
بل ليتني أعود للصبا
فأكون رفيق تهيامك عبر السماء
كما في تلكم الأيام ، حين كان سبقي إياك
بالكاد يبدو حلما
لو كان الى ذاك من سبيل
لما جاهدت معك ، وأنا في مسيس حاجتي ، بصلاة يقيمها القلب
آه ، إرفعيني كمثل موجةٍ ، كمثل ورقة ، أو غمامة
فأنا أهوي على أشواك الحياة وأنزف
وعلى قلبي ينيخ حمل من الساعات يذلني
أنا ، شبيهك ، السريع ، الفخور ، العصي على الترويض.
[5]
إجعليني – كما الغابة - قيثارة في يديك
وما عليّ إذا مثلها تساقطت أوراقي
فهدير لحنك الجبار ينزع من كلينا
أنغام خريف عميقة ، جميلة برغم حزنها
كوني أيتها الروح الغضبى روحي
كوني أنا ، أيتها المقدامة الجَسور
واكنسي ميت أفكاري ، مثل أوراق يابسة
لتعجلي في ولادة جديدة
ولتطلقي ، بوحيٍ من رقى هذي القصيدة ، كلماتي بين البشر
كما يثور الرماد والشرر من أتون لا ينطفي
كوني على شفاهي مزمار نبوءة
يوقظ الأرض من غفوتها
آه يا ريح .. إذا حل الشتاء .. هيهات أن يتأخر الربيع !
(24) المرأة المغناطيسية ومريضها
[1]
نم ، نم ، وأنس آلامك
فيدي فوق جبينك ، وروحي فوق عقلك
وعطفي فوق قلبك ، أي صديقي المسكين
ومن رقيق أناملي تتدفق قوى الحياة
كعلامات سحرية تحجب عنك ساعات نحسك
وتضمك تحت جناحيها
لكنها فيك لا تذوب
[2]
نم ، نم ، لا لستُ مغرمة بك ، غير أني
حين أفكر أن ذاك الرجل الذي
غمر طريقي ويغمره بالورود
- كما طريقك مغمورة بالأشواك -
ربما ضاع مثلك .
وأن يدا ربما رقته ساعتها من مبرح الألم
كما أصنع الآن بآلام غيره
عندها ينزف لأجلك قلبي
[3]
نم ، نم ، وفي هجوع الموتى والذين ما ولدوا
إنس حبك ودنياك ، وأنس للأبد … أن عليك النهوض
إنس العالم الثقيل ، وانس العافية التي ولّت
ورقيق المشاعر التي ماتت … في رأد الشبيبة التي لم تطل
وانسني أنا الأخرى ، فمحال أن أكون لك
[4]
كديمة حبلى بغيث الربيع
تساقط روحي الباكية مطراً مشافيا
عليك ، يا زهرة ذاوية
وتسكب من أنفاسها فوق إغفائك
موسيقى صامتة تخدر عقلك بعطورها
ويمتد نورها في صدرك المظلم … كشباب متجدد ….
نم ، فوجودك كله .. مستسلم لوجودي
[5]
قد فرغت من تعويذتي ، فكيف أنت الآن ؟
ومن ذا الذي سيمدك بالعون ، في آلام صحوك ؟
ما الذي سيداوي رأسك وجنبك ؟
ما يداويني هو الذي سيقتلني يا "جين"
ولأن عليّ أن أحيا على الأرض برهة أخرى
لا تحاولي الساعة إغرائي .. بتحطيم سلاسلي .
(25) حارس الغاب والعندليب
حارس شكس ، بقلب فظ ما عرف الطيبة
أزعجه أن ينصت ، تحت النجوم ، أو في ضياء البدر
الى عندليب بغابة
يشبع جوع الظلام بعذب ألحانه .
…..
كواد يغمره السيل ، أو كما يصارع القمر الظلام
حتى يملأ السماء الفسيحة
أو كأزاهير نرجس في وهدة هندية
يتدلى عطرها فوقها كالغمام
كانت الألحان تسري في جوف السكون
من الغسق الذهبي حتى انطفاء النجيمات
فتنصت الورود التي غفت في تويجاتها
والبنفسج الشاحب في نومه
وقبة السماء بكل كواكبها
وأذن الأرض الثقيلة النائمة في مهد الظلام
ووحشة المياه في المحيط
وكل عالمٍ ، كل زهرة وشعاع
وكل غيمة ، كل موجة ، كل نسمة من هواء أبكم
وكل وحش تمطى بكهفه المتجهم
كل طير غفا على الأغصان المطحلبة
كل فراشة فضية غادرت للتو قبرها ومهدها
( وما فتئت – كعاشق متيم – تتطلع للعلى ، للبعيد
وتتوق الى الفناء .. في الوهج الأصفى لنجمة ساكنة لا تطال
فتحسبها شعلة من ضياء أرضي
جاهلة – كعشاق من بني البشر –
ضآلة قدرها ، والعلو الذي لا يدانيه علو
للسماء التي تريد الفناء فيها )
وكل صورة تعبدت في معبد اللليل
تملكتها رهبة الجذل ، وطوقها الحسن كزنار هائل عظيم
ومضى الطائر الحبيب ، بألحان كأنها عاصفة من الأصوات
ينفض من أحلامهم حجب النسيان الغلاظ
وشيئا فشيئا ، صارت الألحان عشقا في كل قلب وروح
إلا روحا واحدة.
…
وأقفل الحارس في المساء ، حاملا منشاره وفأسه
قد فرغ من اغتيال باسقات الشجر
تلك التي أرواحها - في شرع الطبيعة الرقيق –
أرواح حور تديم خضرة الآجام - بأرضها وسقوفها-
وتهدهد الرياح بأغانيها ، هناك في ذرى الأشجار
كم رسمت من أوراق الشجر زخارف مشتبكة
ينفذ منها شعاع الشمس القادم من السماء الرائقة الزرقاء
كم بكت مرسلة نحو صدر أمها الناعم الرقيق
شآبيب مسرعات من قطرات كالأثير
دموعا للطبيعة التي ما عرفت طعم المرار
كم امتدت في فتنة الأوراق العراض
وأحاطت مهود الطيور العالية
وتدلت فوق الأزاهير الشاحبات مثل غمامات ندية
كم صنعت – حيث تتبادل الأغصان الشواهق القبلات-
من فسحة خضراء بين العرازيل الهادئة
كصروح جليلة ، ترفع فيها التراتيل
تحيطها أعمدة .. وأبراج زاخرة بنقوش كالأغصان
وكم تقلبت بين وجوم واحتدام
تلكم الطوائف الصامتات من الألحان والعطور والومضات الخابية
التي تهيجها قيثارة الروح الأعمى لتفجر الرياح
فأيقظت الأمواج والأوراق
من قبل أن تذوب في توافق قصير الأجل
وكأنها نغمة لا تتكرر ألقت على العقل
لحنا عصيا على الإحتفاظ
….
هي ذي الدنيا تعج بحراس غاب
يطردون حور الحب اللطاف من مساكن الحياة
ويناكدون العنادل … في كل واد !
(26) مراث
أيها العالم ، أيتها الحياة ، أيها الزمن !
يا من أقف الآن على عتباتك الأخيرة
مترنحاً حيثما كنت منتصباً من قبل
متى يرجع مجد عنفوانك ؟
أبداً ، آه ، أبداً لن يعود !
***
من يد النهار والليل
قد حلّق السرور مبتعداً
وهذا الربيع ذو الطراء ، والصيف ،
والشتاء الأشهب
يهيجون بالأحزان قلبي العليل
وأما بالسرور فلا ..
أبداً ، آه ، أبداً !!
(27) حين يخبو رقيق النغم
وحين يخبو رقيق النغم
تظل الموسيقى .. تهتز في البال والذاكرة
وحين يذوي البنفسج
يظل شذاه حيا
في الأحاسيس التي أيقظها
وحين تموت الورود
تتكوم أوراقها فوق فراش الحبيب
كذلك أنتِ .. حين ترحلين
سيهجع الحب نفسه .. على سرير أفكارك
(28) لحن جنائزي
يا ريحاً هوجاء
تندب عالياً
حزناً أشد إيلاما من أن يغّنى
يا ريحا جموحاً ، حين يجثم مكفهر الغمام
الليل بأسره
يا عاصفة حزينةً عبثٌ دمعها
يا غاباتٍ جرداءَ تصبغ بأغصانها
برّا موحشاً ، وكهوفاً لا يسبر غورها
ألا فلتندبن جميعاً
خطيئة هذا العالم !
(29) أوزيماندياس المصري [13]
مسافرٌ من بلادٍ عتيقة
قص لي يوم التقيته :
في القفر الممتد انتصبت
ساقان من حجر لا جذع يعلوهما
وعلى الأرض ارتمى ، منغرساً في الرمال
وجه متصدع
كانت التقطيبة التكسوه
والشفاه المتغضنات
ومسحة السخرية الأمّارة الباردة
تخبر جميعاً أن نحاته أجاد قراءة تلكم العواطف
التي للآن تحيي فوق الحجر الجامد
اليدَ التي سخرت منها
والقلبَ الذي غذاها
وعلى القاعدة نقشت هذه الكلمات :
" إسمي أوزيماندياس ، ملك الملوك
يا أيها العظيم
انظر الى ما صنعتُ ، وليصبك اليأس !"
….
لا شيء في الجوار
وحول الأطلال
ثمة رمال مستوية ، عزلاء جرداء
تمتد وتمتد في المدى البعيد .
(30) أبيات كتبت في ساعة حزن ، قرب نابولي
دافئة هي الشمس ، صافية هي السماء
تتراقص الأمواج في خفةٍ وألق
ترتدي الجزائر الزرق والجبال المكللة بالثلج
الجبروت الشفاف للظهيرة الأرجوانية
خفيف تنفس الأرض الندية إذ يحفّ البراعم الغافيات
رقيقاً يأتيني ضجيج المدينة
كصوت العزلة ، كأصوات كثيرة لفرحة واحدة :
كصوت الرياح ، كسجع الحمام ، كهدير البحر
***
أتأمل الأعماق التي ما وطئت
المكسوة بأعشاب البحر الخضراء والأرجوانية
أتأمل الأمواج التي ترتمي على الشاطئ
كأنها نور مذاب في رذاذٍ من نجوم
وحيداً أجلس فوق الرمل ومن حولي
يتوهج بريق البحر في الظهيرة
ومن حراكه الموزون يصّاعد النغم
ما أعذب هذا لو أن قلباً شاطرني الساعة عاطفتي
وا حسرتاه !
لا أملك العافية ولا الرجاء
لا الهدوء من حولي ، ولا السلام في داخلي
ولا القناعة التي تبزّ الغنى
تلك التي جناها الحكيم من طول التأمل
فراح متوجاً بأمجاد الروح ،
لا الشهرة ، لا القوة ، لا الحب ، لا الراحة
التي تحيط غيري ممن أراهم باسمين
يسمون الحياة دار المسرات
أما أنا فقد هوى نجمي على غير ما أشتهي
بيد أن اليأس نفسه لطيف هذه الساعة
وهادئ كما الماء والنسيم
فالآن أقدر أن أضطجع كطفل متعب
وأغسل بالبكاء حياة الأكدار التي حملتها
وعلي أن أحملها
حتى يسرقني الموت كما النوم
وأحس رغم دافئات الأنسام
بالبرد يغزو عارضيّ
وأسمع البحر يتنفس آخر أنغامه الرتيبة
فوق عقلي الذي يحتضر.
(31) حلم الشاعر
على شفاه الشاعر قد غفوتُ
وفي صوت أنفاسه أقمت
حالماً مثل عاشق خبير .
إنه لا يبحث عن جنان فانيات لا يجدها
لكنه يقتات على قبلات من أثيرٍ
لأشباح تسكن براري الأفكار
ومن الفجر حتى العتمة يرقب الشمس
المعكوسة على وجه البحيرة
إذ تنير النحلات الزرق وأزهار اللبلاب
إنه لا يرى ولا يبالي بماهيتها
لكنه يخلق منها صورا
أكثر صدقاً من أحياء البشر
ترضع من ثدي الخلود !
(32) الروحان
الروح الأولى : أنتِ يا من تعومين فوق الأرض
بقوادم من رغبة عارمة
حذارِ حذار
إن خيالاً يتعقب تحليقك المحموم …
الليل قادم !
مضيئةٌ أرجاء الأثير
مبهج أن تحلقي هناك
بين الرياح والأضواء …..
الليل قادم !
الروح الثانية :
في الأعالي تلمع النجوم الخالدات
وماذا لو اجتزتُ بظلال الليل
إن في صدري لمصباحاً من العشق
وذاك هو النهار !
الروح الأولى:
ماذا إذا أيقظتْ زوابعُ الظلام
البرقَ والبَرَدَ وعاصفَ المطر ..
الليل قادم !
غيوم الأعاصير القرمزية
لحقت بالشمس الآفلة
قعقعة البَرَد تمسح السهل مسحا ..
الليل قادم !
الروح الثانية :
إني أرى الضياء .. وأسمع الأصداء
ولسوف أبحر فوق طوفان العاصفة السوداء
بالهدوء الذي بقلبي .. بالنور الذي من حولي
وذاك يحيل الليل نهارا.
وأنتِ .. حين يعبس الظلام ويقوى
انظري وأنت في قيود الكرى
من أرضك المعتمة
فلربما أبصرت تحليقي كما البدر
بعيداً .. بعيداً في الأعالي
..
قالوا إن هوةً .. بين جبال الألب
على شفيرها انتصبت صنوبرة عظيمة
جامدة تنتظر الهلاك
فوق أكوام من ثلج ، ووهادٍ من جليد
قالوا إن العاصفة المضناة
التي تتعقب تلكم الأشكال المجنحة
أبداً تطير حول الأغصان البيضاء
أبداً تجدد ينابيعها الأثيرية.
قالوا : حين تصفو الليالي وتصحو
وترقد أنداء الموت على السِباخ
يسمع العابر همساً رقيقاً
يحيل الليل نهارا.
ويمر شبح فضي مثل حبيبة قديمة
ترفعه في الهواء خصلات شعر ثائرة مبرقة
وحين يستفيق على العشب الفواح
يجد الليل .. قد استحال نهارا !
(33) نشيد الحرية
وللآن أيها الحرية ، للآن لما يزل لواؤك
الخافق رغم تمزقه
يموج كعصف الرعود بوجه الريح
(بايرون)
[1]
شعبٌ مجيد يهز من جديد
ضياء الشعوب : الحرية
من قلب لقلب ، من قلعة لقلعة ، أبرقت فوق إسبانيا
لتملأ السماء بالشرر
ولتزدري روحي أغلال خوفها
وتلف نفسها بأجنحة الأغاني الدافقات
جليلة ، قوية
مثل نسرٍ فتي يحلق في غمام الصباح
وينقض هاويا على الفريسة المعتادة
حتى لفتها زوابع الروح الآتية
من مواطنها في سماء المجد
وثار من خلفها الضياء القادم
من أبعد نجم يضطرم بنار الحياة
كما يتقاذف الزبد من مركبة تشق العباب …..
عندها جاء صوت من الأعماق
وها أنا أسطره كما سمعته
[2]
اندفعت الشمس والقمر الجليل
وسيقت أنجم الجحيم اللاهبات
الى أعماق السماوات
والأرض ذات البدائع ، تلك الجزيرة العائمة
في أوقيانوس الكون
تدلت في غمامتها التي تحمل كل شيء
غير أن الكون الإلهي لم يكن بعد
غير لعنة واختلاط وعدم
لأنكِ لما تولدي بعد.
….
ولأن سلطان الشر لا يلد إلا الشر
اضطرمت أرواح الوحوش ، والطيور
وكل مخلوقات البحار
وشبت الحرب بينها ، واليأس في أعماقها
دون هدنةٍ أو أجل.
وأنّ صدر الحاضنة المعذبة وهي ترنو
لوحوش تقاتل وحوشا وديدانا تحارب ديدانا
وبشرا يقتلون بشرا
وفي كل قلب جحيم من الأعاصير.
[3]
وضاعف الانسان ، أسمى الكائنات ، ذريته
تحت سرادق عرش الشمس
وصار القصر والهرم ، والمعبد والسجن
لمتلاطم الملايين
كما كانت الكهوف الجرداء لذئاب الجبال.
متوحشاً كان حشد البشر
خادعا ، فظاً وأعمى
لأنك ما وجدتِ بعدُ.
وما كان سوى الطغيان
يتدلى فوق القفر المزدحم
كغيمة وحيدة متوحشة .. فوق مدى من الأمواج
وتربعت مؤلهةًً من تحت ..الآفةُ الشقيقةُ .. جمّاعةُ العبيد.
وتحت أفياء أجنحتها العراض
كان الملوك والرهبان
أولئك الذين بالدم ارتووا وبالذهب
حتى اصطبغت أعماقهم باللونين
يسوقون القطعان الذاهلة من كل صوب.
[4]
صخور السواحل الشامخات لأرض اليونان ،
وجزائرها الزرقاء
ومتلاطم الأمواج وجبالها التي كالغمام
تتقلب في نعيم مجدها ، تحت ابتسامات عراض
لسماء عطوف حانية.
ومن كهوفها المسحورة كانت أصداء النبوءات تترى
وتنثر أنغامها الغامضة.
وعلى البراري المطمئنات كانت الكروم ،
وعرانيس الذرة وطّيب الزيتون
تتمايل طليقة ، عصية على ترويض بني البشر
وكمثل براعم تغفو تحت صفحة اليم
كمثل أفكار معتمة في عقل طفل رضيع
كمثل اللاشيء الذي يلف ما سوف يجيء
اضطجعت رؤى الفن الخوالد
خلف خمار العروق المتشابكة
للصخور البارية[14]
وتمتم الشعر ، ذاك الرضيع الصامت بعد
وشخصت الفلسفة إليك
بعينيها اللتين لا جفن يكسوهما
وهناك ثمة فوق البر الإيجي….
[5]
نهضت أثينا ، مدينة كالرؤى ،
شيدت من صخور أرجوانية ، وأبراجٍ فضيةٍ
صنعتها غمائم مثل قلاع ذات فروج
وكأنها تهزأ بما يبتني عظام الملوك.
قرار اليم بلاطها ، وسماء العشايا سرادقها
أبوابها مسكونة برياح تتحزم بالرعود
وكل رأس يطلع من بين أجنحتها الغارقة في الغمام
مكلل بلهيب الشمس
أصنعة إلهية أثينا !؟ بل أكثر !
حين تومضين بتاجك المصنوع من أعمدةٍ
رفعتها إرادة الانسان
كما فوق جبل من اللآلئ.
لأنك كنتِ
ولأن براعتك الخلاقة قد ملأت
بتصاوير تسخر بخلود الرخام من أبدية الموت
ذاك التل الذي كان عرشك الأول ومهبط وحيك الأخير.
[6]
على صفحة نهر الزمان العجول
تستلقي صورتها المتغضنة ، كما استلقت آنذاك
راسخة في قلقها .. ترتعش أبدا ، وما من سبيل للزوال !
أصوات المغنين والحكماء
تهدر عبر كهوف الزمان
بدويٍّ يوقظ الأرض
( فيستر الدين عينيه ، وينكمش الظلم مذعوراً )
صوت مجنحٍ للفرح ، والحب ، والدهشة
يحلق حيث لم يجرؤ الأمل على التحليق
ممزِقاً حجب الزمان والمكان.
بحر واحد يطعم الغيم والجدول والندى.
شمس وحيدة تنير السموات.
روح وحيدة فسيحة بالحياة والحب
أبدا تجدد الهيولى
كما ببهجتك … تجدد أثينا العالمَ .
[7]
ثم كانت روما
ومن أعماق صدرك الجميل انتزعت حليب العظمة
كما تمتص جراء ذئاب أثداء مينادة كادمية [15]
رغم أنك أيتها الحبيبة لم تفطمي بعد
عن طعامك الفردوسي.
وعلى اسم حبك العذب تقدس الكثير
من فعال رهيبة في استقامتها.
وفي نعيم ابتسامك ، وتحت ظلك
عاش كاميليوس الورع [16] ومات أتيليوس الصارم [17]
لكن حين صبغت الدموع ثوبك الطاهر البياض
ودنس الذهب عرشك الكابيتولي[18]
اتخذت الروح جناحاً وهجرت مجالس شيوخ الطغاة
حين انكفئوا غرقى ، عبيداً لطاغيةٍ أوحد
وفي ألم ردد بالاتينوس[19]
الأصداء الخفيضة لأغنيةٍ أيونية[20]
فلبثت قليلاً .. وأصغيتِ .. وفي حسرةٍ تبرأتِ منها
[8]
من أي وادٍ منسي صغير في أرض هركانيا[21]
من أية تلة ثلجية ، من أي رعن [22] صنوبري لأرضٍ قطبية
من أية جزائر قصية عصماء
جلست تندبين خرائب سلطانك ؟
وتلقنين الغابات والأمواج وصخور الفيافي
وكل جرة باردة لرماد حوريات بحر ميتات
كيف تحكي بأصداء حزينة عبوس
عن تلكم الحكمة السامية التي
تجرأ الإنسان على نسيانها ؟
لأنك ما عدت ترعين القطعان المسحورة
لشعراء أرض الشمال[23]
ولا تزورين في الكرى
كهان أرض الغال [24].
ماذا لو أن الدموع التي قطرت من جدائلك المنثورة
جفت سريعا؟
ذاك لأنك اكتفيت بالأنين ، ولم تنتحبي
حين تقدم زاحفا من بحر الهلاك
ذلك الثعبان الجليلي ، ليقتل ويدمر
ويحيل دنياك ركاماً تنكره العيون.
[9]
ألف عام صرخت الأرض : أين أنتِ ؟
حتى سقطت ظلال مقدمك
على جبين ألفريد[25] المطوق بأغصان الزيتون
ونهضت قلاع كثار ، مأهولة بالمحاربين
كصخور تقذفها الحمم من الأعماق
في أرض إيطاليا المقدسة
عابسة بوجه البحر العاصف
للملوك ، والرهبان ، والجلال المتوج بالأبراج
واندفعت الفوضى المتلاطمة
وتفجرت على أسوارهم مثل زبد جفاء
بينا تصاعد من أعمق أعماق الروح البشرية
نغم عجيب أخرس بالحب والرهبة تلكم الجيوش المتنافرة
وبعصاه السحرية التي تزخرف مقامنا الأرضي
وهب الفن رؤى الخيال التي تعبّد قبة السماء الأبدية.
[10]
أيتها الصيادة الأسرع من القمر !
يا رعباً يطارد ذئاب الدنيا !
يا من تحملين كنانة
تشق أسهمها اللاهبة
قلب الخطيئة المجنحة بالأعاصير
كما يشق الضياء الغيوم حين تتفرق
في أصقاع ساكنة لنهار شرقي !
قد أبصر لوثر [26] ايماضك الذي أيقظ البشر ، وبدد
- مثل برق يعكسه رمحه الفضي -
رؤى الغيبوبة التي غرقت فيها الأمم كما في القبور.
أنبياء إنكلترا هتفوا ونادوا بك مليكةً
في أغان أبداً تتدفق ، لكن لا تنقضي
وما أغفلتك روح ملتون[27] العبقرية
ساعة عبرت بوجه عبوس ذاك المشهد الذي
كان يبصر ما سيعقب ليله الحزين.
[11]
الساعات التائقات والسنون المرحبات
وقفت كأنها فوق جبل مضاء بنور الفجر.
وانبرت النقمة للرحمة
إذ سحقتا الآمال والمخاوف الصارخات
وسدت حشود كل واحدة
ضياء النهار بوجه الأخرى
لتصيح من كهفها : حرية !
وشحب الموت في قبره
وعوى الخراب مناديا رسل الدمار : النجدة النجدة !
عندها ، وكشمس السموات المطوقة بزفيرٍ من ضيائها المجيد
نهضت أنتِ وطاردتِ كالأشباح
أعاديكِ من أمة لأمة
وكما يشق النهار في الليل الحالم
صفحة السماء فوق البحر الغربي
وثب الرجال سكارى بالفرح المباغت
تحت بريق عينيك الغريبتين.
[12]
ويا جنة الأرض ! أية رقى تقدر أن
تلفك في كسوفٍ مشؤوم ؟
ألفٌ من الأعوام تناسـلـَتْ
في الحمأ الآسن لوكر الطغيان العميق.
وصبغت ضياءك الصافي بالدم والدموع
حتى غسلت نجومُك الحبيبات
بنحيبها تلكم الأقذاء.
كم مثل معربدات يرقصن للدماء [28]
كان عبيد الدمار الماسكين بالصولجان
وذرية الحمق ذوي التيجان
يقفون حول فرنسا ، تلك الكرمة العليلة
حين نهض رجلٌ
مثلهم كان ولكن .. أكثر منهم جبروتاً [29]
فوضويا من رحم قواك المتحيرة [30]
فاختلطت الجيوش في صفوف مبهمة
كما يحتدم الغيم بالغيم
فيُظلِم العرازيل المقدسة للسماء الرائقة [31]
إنه الآن –إ ذ يطارده الماضي-
يرقد مع الساعات التي .. لا تُنسى برغم موتها
تلك التي تطارد أشباحُها الملوك الظافرين
في قلاعهم الموروثة.
[13]
إنكلترا للآن نائمة .. ألم تنفض سبات الماضي ؟
هي ذي إسبانيا الساعةَ تناديها
كما يوقظ فيزوف إيتنا برعده الهادر[32]
فتجيب الصخور الثلجية الباردة
حتى تتقطع أوصالها.
وكل جزيرة أيولية[33]
من بيثيكوساالى بيلوروس[34]
تعوي ، وتثب ، وتنظر شزرا
من فوق الأمواج المتقدة
وتصرخ مثل جوق من المنشدين
"ألا انكفئي ، يا أنوار السماء المدلاة على هاماتنا !"
أغلالها خويطات من ذهب
تذوب بابتسامة منها
لكن أغلال إسبانيا كانت أساور من حديد
قبل أن تهوي الى التراب
بمبرد الفضيلة الذي لا يخيب
فيا توأمين لمصير واحد
توسلا للسنين الخوالد
الشاخصات بتيجانها في هذا الغرب المعتم.
زحزحانا من ختمٍ ما جرؤ الزمان على محوه :
من كل ما فعلتما أو اعتقدتما !
[14]
ويا قبر أرمينيوس [35]
ردَّ مَيْـتـَك الراقدَ فيك
حتى ترفرف روحه فوق رؤوس الطغاة
كلواء يخفق فوق منائر الأحراس
واجعلي نصرك نقش ضريحه
أيتها الضارية المعربدة بخمر الحقيقة الملغز
يا ألمانيا المخدوعة بالملوك
فروحه بين خافقيك .. حية لا تموت.
علام نخاف ؟ وماذا نأمل ؟ وقد نلتِ الخلاص !
وأنتِ يا فردوساً مضاعاً لهذا العالم الملكوتي المجيد !
أيتها البرية المزهرة !
أنتِ يا جزيرة الأبدية !
أنتِ يا ضريحاً مقدساً حيث الكآبة
-وقد تنكرت بثياب الملاحة-
تتعبد لما كنتهِ فيما مضى !
أيْ إيطاليا !
لملمي دِماكِ في فؤادك
واسحقي الوحوش التي
بنت أوجارها .. في قصورك القدسية!
[15]
آه لو أن أحرار البشر
دمغوا كلمة "الملك" الفاجرة
ومرغوها في التراب .. أو كتبوها على الثرى !
حتى تستحيل هذي الوصمة التي
تشين رقيم المجد
أثراً كمجاز الثعابين
يمحوه رقيق النسائم
وتمسحه أيدي الرمال !
قد سمعتِ نبوءة الوحي
فارفعي سيف الظفر اللامع
واقطعي العقدة الأفعوانية
لهذه الكلمة العصية الكريهة[36]
تلك التي برغم هشاشتها
ربما تجمعت في حزم صلاب ،
فؤوساً وعصياً تعذب البشر.
إن في صداها لسمّاً زعافا
إنها النطفة التي تحيل الحياة
كريهة ، متقرحة مقيتة
لا تأنفي إذن ، في يومك الموعود
من أن تدوسي بأعقابك الشاكية السلاح
على دودة الأرض العنيدة !
[16]
آه لو أن الحكماء .. أوقدوا من نيرات العقول
مصابيح تتقد في هذا الكون الأظلم
وتسوق اسم "الكاهن" الشاحب
كيما يتضاءل ويصغر
نحو جحيمٍ خرجت منه أول وهلةٍ
فيغدو أضحوكة لفَخارٍ نجسٍ من رفاقٍ أنجاس
حتى لا تركع أفكار بني الدنيا
إلا أمام عرش قضاءٍ
يرفعه الجبروت المجهول
أو أرواحهم التي نفضت الخوف!
آه لو أن الكلمات التي تُعمي بالغموض
ما أنجبها من فِكَر
-كما تلطخ غمائم من ندى متلألئ
خارجة من بحيرة بيضاء
لوحةَ السماء الزرقاء-
قد انتُزِعتْ من أقنعتها الشفيفة ، وشتى الأصباغ،
والعبوسِ ، والابتساماتِ ، وما سرقَتْه من سناء ،
حتى تقف امام سيدها ، في عراء الصدق والكذب
لتلقى ما تستحق!
[17]
ذاك الذي علّم الإنسانَ
أن يقهرَ كلَّما بين مهده والقبر
توّجَهُ سلطانا على الحياة.
وآهٍ .. يا للمسعى العقيم
حين يغدو عبدا مطيعاً
فيرفعُ بمحض إرادته السامية
عرشَ الطغاةِ والطغيان !
وماذا لو أن الأرضَ أشبعت وكسَتْ
وافرَ الملايين
وغدتْ قوةُ الفكرِ
كشجيرةٍ ترقدُ في رحمِ بذرةٍ.
آهٍ لو أن الفنَ .. ذاك الشفيع الغيور
الطائر بأجنحة من لهيب .. نحو عرش الطبيعة
قطع الطريق على الأم العظيمة
ثم عانقها وصاح : امنحيني ، أنا ابن بطنك
سطوةً على كل الأعماق والأعالي ؟
ماذا لو أن الحياة ألقَحَتْ حاجاتٍ جديدةٍ
وانتزعت الثروةُ التي يصنعها الكادحون المعذبون
ألفَ ضعفٍ وضعف
من كل عطيةٍ منكِ أو من الحياة !
[18]
هلمي إذن ، ولتقودي من أعمق كهفٍ لدواخل النفس البشرية
-كما تجر نجمة الصبح قرص الشمس من بحر الفجر-
الحكمةَ التي أكاد أسمعُ خفق أعلامها
المرفوعة فوق مركبها المحلِّـق
كسحابة تسافر في عربة من لهب
أ فلن تجيئا .. يا حاكمتي الفكر الأبدي
لتقاضيا بالحق الجليل
قسمةَ الحياة الضيزى ، الحبَ الأعمى ، والعدلَ المقيم ،
ومجدَ ما قد مضى ، ورجاءَ ما يأتي.
آه يا حرية !
لو كذاك صار اسمُك
هل كنتِ فارقتِهم أو فارقوك ؟
لو ملكتِ أنت أو ملكوا
تلك الكنوز المشتراة بالدم والدموع
هل كان الحكماء أو الأحرار
قد ذرفوا دما كالدموع.. أو دمعا كالدماء ؟
[19]
وتوقف اللحن المهيب
وأقفلت روح تلكم الأغنية العظيمة
عائذة فجأة بهوتها.
عندها ، وكمثل تمٍّ [37] في البراري
يصفق جناحيه في جلالٍ
صوب ضباب الفجر الملبد بالرعود
ثم يهوي ناكساً في ضياء الأثير المذهب
على السهل ذي الرنين الثقيل
حين يشق رأسَه سهمٌ ماضٍ.
وكما ينقشع غمام صيف لم يُلقِ حمله
وكما يبهت خيطُ نورٍ بعيدٍ إذ ينقضي الليل
وكما تموت فراشةٌ قصيرةُ عمرٍ إذ يموت النهار
هوت أغنيتي
وقد سُلِبت أجنحتُها من كل حول
وأطبقت فوقها الأصداءُ القصية
لذلك الصوت الذي مضى طائراً
كأمواجٍ فتحت درب فتى غريق
ثم هسهست حول رأسه
وهي تختم مسرحيتَها العاصفة.[38]
(34) أبيات بين التلال اليوجينية
كم من جزيرة .. خضراء يانعة
ينبغي أن تكون .. في بحر الشقاء الفسيح
وإلا فكيف للبحار المتعَب السقيم
أن يواصل الليل بالنهار
ويشق طريقه المخيف
ساعة يسد الظلام الكثيف
درب سفينته
وتتدلى من فوقها سماء كالحة ثقيلة
حبلى بمكفهر الغيوم
ومن خلفها تسرع العاصفة الرشيقة
بخطى من بروق
لتمزق الشراع ، والحبل ، والألواح
حتى لتكاد تعب كأس المنون
الطافحة من الأعماق
وتغطس .. تغطس .. مثل كرى
يتخبط فيه الحالمون في بحر الأبدية
ومن أمامه يتضاءل الخيط الخفيض المعتم
للساحل المظلم البعيد
التائق ، الممزق بالرغائب
دون أن يسطيع نأياً ولا اقترابا
فينساق أبداً فوق موجٍ لا يني
نحو مرفأ القبر
**
وماذا لو لم يجد هناك من صديقٍ يرحب
وماذا لو لم يجد قلبا يلاقي قلبه
بخفقات حب لاهفات
هل كان ليحلم أمام يوم كذاك
في حله وترحاله
بملاذ من الأحزان
في ابتسامة صديق ، في عناق حبيب ؟
عندها سواء عليه الوجدان والعدم
فلن ينزل به .. غير حزن طفيف.
فباردة ، حمقاء هي القلوب التي
تحجب رقيق الحب
ويابسة ، فاترة هي الشرايين التي
يملؤها نبض الألم
وكل عصب حي ضئيل
استدار حول شفاه وجباه معذبة
منحرفا عن موجعات الكلِم
لهو كمثل وريقة يابسة
تجمدت فوق أغصانٍ ديسمبرية.
**
على ساحل بحر شماليٍ
تهزه العواصف منذ الأزل
ترقد كومةٌ منزوية
-كما استلقى بائس مرة كي ينام-
: جمجمة بيضاء وحيدة ، وسبعة أعظم يابسات
جوار شواهد حجرية
حيث تنتصب أسَلات بلون الرماد[39]
حدوداً بين البر والبحر.
لا شيء يُسمع ها هنا
غير عويل النوارس
تبحر فوق كتل من هوج الرياح
أو زوابع تصعد وتنزل
تعوي ، كمدينة ذبيحة
يخطر فيها ملك يلفه المجد
في خُيلاءٍ شادها مِن ذبح أشقائه.
تلكم الأعظم البارزات هناك
إنْ هي أصوات حِداد
وذاك الذي كسا مرة بالفكر والحياة
ما أضحى اليوم ساكناً صامتاً
ما وجد من يرثيه
كبخار معتم لم يعرف الشمس.
**
آهٍ .. كثيرة هي الجزر المزدهرة الراقدة
في مياه الألم الفسيحة
الى واحدة منها مضت سفينتي هذا الصباح
تقودها رقاق الأنسام
فوقفتُ بين الجبال اليوجينية [40]
لأصغي الى أنشودة العرفان التي
حيت بها فيالق الغداف [41]
مَشرِق الشمس الجليل
إذ تجمعت بأجنحة شائبة
وحلقت في الضباب الندي .. كظلال رمادية
حتى تفجرت السماء الشرقية.
عندها ، ومثل غيومٍ متشابهات
تلطخت بالنار واللازورد
راقدات في سماء لا قرار لها
التمعت قوادمها القرمزية
المرصعة بقطيرات من غيثٍ مذهب
فوق غابات مضاءة بنور الشمس
وحلقت في الضباب الممزق
كمثل حشود صامتة
على نوبات من ريح صباح متقطعة
لتتبعها الأبخرة المنفلعة اللامعة
وتتدفق نازلة عبر المنحدر الأظلم
حتى صار كل شيء حول التل المنعزل
مضيئاً ، رائقاً، ساكناً
**
وامتد من تحت ، مثل بحر أخضر
سهل لومبارديا المستوي [42]
يحيطه الهواء الندي
تعوم به جزر من مدن حسان
وتحت عين النهار اللازوردية
رقدت فينيسيا ، رضيعة المحيط [43]
متاهةً من جدران تعج بالناس
قاعات رسمها القدر الى "أمفيترايت" [44]
يرصفها الساعةَ والدها الأشيب
بأمواجه اللامعة الزرقاء.
أنظر ! تلكم الشمس تبرز من خلفها
فسيحةً ، حمراء ، مشعشعة
تتكئ على خط راجف منبسط
رسمته الأمواه البلورية.
وفي حضرة هذه الهوة من النور
كما في أتون منير
سطعت أعمدة وأبراج
وقباب وقلاع
مثل مسلات من لهيب
تترجرج وتومئ
من مذبح البحر القاتم
الى سماء من ياقوت أزرق
كلهيب الأضحيات
يصعد من أضرحة الرخام
لتخرق قباب الذهب
حيث نطق أبولو في غابر الأيام [45]
**
أيتها المدينة المطوقة بالشمس
يا من كنتِ طفلة المحيط ، ثم مليكته
ها جاء يوم الظلام
وسرعان ما تغدين فريسته
حين تصلّي القوة التي رفعتك
على سرير موتك المائي.
عندها سوف يكون خرابك أقل وحشة
مما هو الآن
-إذ جبينك الموسوم بالخضوع
ينحني ، عبداً للعبيد
من عرشك الذي فوق الماء
حين تحلق النوارس
كما حلقت من قبل
فوق جزائرك الخاويات
ويعود كل شيء كما كان
خلا أن أبواب قصور كثيرة
غمرتها أزهار المحيط
كصخرة من صخوره
ستطوح فوق البحر المهجور
إذ يتقلب الموج في وجوم.
وحين يجوز بك الصياد
متسكعا في الغسق
سينشر الشراع للرياح
ويشد على المجداف
حتى يتخطى ساحلك الكئيب
خائفا من أن يهب موتاك من رقادهم
خلال ضوء النجوم العميق
ويجرجروا فوق أمواج دربه
عباءة الموت العجلى. [46]
**
أولاك الذين سيبصرون وهم وحيدون
أبراجك التي تلمع في أثير الذهب
كما أراك الآن من هنا
لن يخالوا أنها كانت قبوراً
لأناس كديدان تغذو بالأرجاس
وتعلق بجثة العظمة .. المغتالة .. اليأكلها البلى.
آه لو أن الحرية استيقظت في جبروتها
وهزت من سجون الطغاة
مفتاح كل زنزانة معتمة باردة
يرقد فيها مائة من المدائن التي
تكبلت مثلك في القيد المشين
لقمتِ أنت وكل شقيقة لك في القيود
وزخرفتِ أرض الشمس هذي
وقرنتِ ذكريات أيام خلت
الى جديدٍ من فضائل أبهى.
فإن لم تستطعن ذاك ، فليصبكن الهلاك !
فيا أيتها الغيوم التي تصبغ نهار الحق الصاعد
لتعود الشمس وتذروها هباء
إن الأرض لفي غنى عنكِ
وكمثل ورود نمت في فيافي السنين والساعات
ستنهض من ترابك أمم جديدة
ببراعم أحلى وأرق.
**
فلتهلكي .. حتى لا تبقى غير ذكرى وحيدة
تعوم فوق بحرك الذي لا دفء فيه ولا مصطلى
كما تغطي سماؤك بكسائها الخالد
أديمَ هذه الأرض
ذكرى وحيدة ، أكثر بهاءً
من طيلسان الزمان الممزق الذي
ما عاد يستر طلعتك الشاحبة
كيما يجد طائر التم ، منشد أغنيات ألبيون [47]
ذاك الذي يشق العواصف
ذاك المطرود من أنهار أجداده
بسلطان الأحلام الشريرة
عشا له في رباك
ويهش له المحيط بعطف يوحد فرحيتهما
ويسيل من شفاهه مثل موسيقى
تثب من نوبة رعدٍ عظيمة
تتعقب الخوف وتعاقبه.
وماذا لو أن نهر الشعر الدافق الذي أبدا يلسع
بأمواجه الشجية خلال رياح ألبيون
قبورَ الشعراء المقدسة الكثار
ناح على آخر أطفاله الراحلين ؟
وماذا لو أنك بكل موتاك
ما استطعت وفاءً لهذا المجد
بشيء تملكيه؟
بل وقولي : ماذا لو أن خطاياك ورِقِّك الكريه
لبّدت بالغيوم روحك المشرقة ؟
كما يتشبث شبح لهوميروس
حول ينابيع سكامندر الخربة.[48]
وكما يملأ جبروت شكسبير
آفون والعالم بالضياء [49]
كالسلطان الكلي العلم الذي
رسمه وسط عالم الفناء.
وكما الحب الذي للآن يتقد
من قبر بترارك بين تلكم التلال [50]
شعلةً لا تنطفي ، في ضوئها تبصر القلوبُ
كلَّ سامٍ وعجيب.
كذا أنتِ .. أيتها الروح الجبارة
وكذا ستكون المدينة التي آوتكِ
**
عجباً ! تلكم الشمس تصعد في السماء
كحريةٍ تجنحت بالعقل
حتى كأن الضياء الجامع
يسوّي السهل والجبل.
والآن يبسط البحر ضبابه
فترقد خيوط الصبح صرعى
على أبراج فينيسيا
كما رقد المجد الذي غبر.
وفي أردان تلكم الغيمة الكالحة
تشمخ "بادوا" ذات القباب[51]
قفراً آهلاً .. في سهل يشع بالغلال
يكدّس الفلاح فيه
قمحه في أهراء عدوه
وتجر ثيرانٌ بلون الحليب
عرباتٍ ذات صرير
مثقلاتٍ بطيّبات الأعناب
لينام الغريب الفظ سكرانا
من خمرةٍ يعبها بشراهة الوحوش.
ويقبع المنجل للسيف
رغم أن سادةً كثار
-كأعشاب مسمومة الأفياء
تعلو فوق سنابل الحقول-
قد أينعت منهم حزم
آن للدمار أن يحصدها.
لا مناص للإنسان من حصاد ما بذر
وللقوة من إطلاق قوةٍ .. مثلها أو أشد
لكن البلاء كله
حين يعجز الحب والعقل
أمام غيظ الطغاة .. وانتقام العبيد.
**
بادوا .. يا من بين جدرانك
جلس ضيوف المهرجان الخرس :
الخطيئة والموت .. الأم والابن
يقامران بالنرد للفوز بإيزيلين [52]
حتى صاح الموت : قد فزتُ ، قد فزتُ !
وهاجت الخطيئة تلعن الخسارة
فانبرى الموت ، كيما يهدئها ،
واعداً أن يسعى كي تكون
حين تمضي السنون المقدرة
نائبة الإمبراطور على كل ما
بين نهر البو .. وجبال الألب الشرقية [53]
تحت ظل النمساوي الجبار.
وابتسمت الخطيئة كما لا تفعل إلا الخطيئة
ومن يومها ، من ذاك الزمان البعيد
حكم الأرض من الساحل للساحل
هذان الزوجان الزانيان
اللذان يتبعان الطغاة
كما تتبع الشمس الخطاطيف
كما تتبع الندامة الإجرام
وكما يتبع التحول الزمان.
**
أيْ بادوا !
ما عاد نبراس المعارف يضيء حجراتك.
هو ذا يلمع هنيهةً .. خادعاً .. مخدوعاً
كشهابٍ ظل منه الطريق
فوق قبر النهار.
ويوم لم يكن على هذه الأرض الباردة الظلماء
غير نزر من مواقد مضاءة
كان أبعد الأمم يأتيك
يتعبد للنار المقدسة
واليوم ألف من حرائق جديدة
تصعد من ضيائك القديم
تحت سلطان العالم الفسيح
وتلك شراراتها ترقد فيك صريعة
أخمدتها أرجل الطغاة.
كما أطفأ حطاب شمالي
في غور وادٍ صنوبري
جذوةً وحيدةً بين الآجام
بينا الغابة العظيمة تهتز هزاً
وتنشق الجذوع المهيبة
من هول نارٍ واهنة المحتد
وحين اطمأن لموت الشرارة تحت قدميه
أجفل إذ أبصر ما أشعلت من نيران
تزفر بألف ألف لسان ظافرٍ
بوجه السماء الدكناء
فينكمش مذعوراً .. هكذا أنتَ
آهِ يا طغيانُ
إذ تبصر الآن النور من حولك
وتسمع هسيس اللهيب الصاعد فيشلك الخوف.
لتركع الى الأرض
ولتعفرَ بالتراب .. فخارَك الرفيع !
**
ها هي الظهيرة تتنزل من حولي
ظهيرة من توهج الخريف
حين تملأ السماء الدافقة
غشاوةٌ ناعمة أرجوانية
كحجرٍ ضبابي كريم
أو نجمةٍ تذوب في الهواء
تمزج الضوء بالعطر
من أبعد تخم للأفق المحني
الى أعمق نقطة في السماء
ظهيرة السهول الراقدة من تحت في سكينة
والأوراقِ التي جمدت
حيث طفلة الصقيع
بأقدام مجنحة بالصباح
لم تزل آثارها الناصعة تلتمع.
وشجيراتِ الكروم الحمراء والذهبية
تشق بخطوطها المعرشة
تلكم البرية الوعرة السمراء.
والعشبِ القاتم ذي الأنصال
يمتد رغم ذاك من هذا البرج الأشيب
نحو الهواء الساكن.
والوردة التي تومض عند قدمي.
وصفِّ جبال الأبناين بأقدامها الملفوفة بالزيتون [54]
وجزائرها المصنوعة من بقع ظلماء.
وجبال الألب التي تنشر ثلوجها
بين الشمس والغمام
ظهيرة كل حي من الأحياء
وروحي التي لطالما عتّمتْ
جدول الغناء الرشيق.
تداخلت ورقدت
في بهاء السماء :
حباً كان ، ضياءً ، نغما ، عطرا ،
أو روح كل ما يسّاقط من السماء كالندى ،
أو العقل الذي يمد هذي القصيدة التي
تملأ هذا الكون المتوحد.
**
تتنزل الظهيرة ، وفي إثرها
سرعان ما يلقاني مساء الخريف
يتقدم القمرَ الوليد
وتلك النجمة الوحيدة التي تمنحه
نصف الضياء القرمزي الذي تأتي به
من ينابيع الغروب المشعة.
وأحلام الصباح الناعمة
(التي -مثل ريح مجنحة-
جلبت لتلك الجزيرة الساكنة الراقدة
بين الأحزان المستعادة
العواء الضعيف لهذا الكائن المتوحد)
تعبر ، تفر الى شقاة آخرين
ويقعد ربانها .. الألم
الى المِقوَد من جديد.
**
جزائر يانعات أخر .. ينبغي أن تكون
ببحر الحياة والشقاء
وأرواح أخر .. تعوم وتجري فوق ذاك الخليج
ربما جلست للآن طاوية الجناح
فوق صخرة ما ، يلفها الموج الهائج ،
بانتظار سفينتي ، كي تقودها
لخليج ساكن نضير.
فلربما وجدت هناك ، لي ولمن أحب
كوخا هادئاً ، بعيدا عن الآلام
والعواطف والآثام
في وادٍ بين تلال معشبة
تملؤه الشمس ، وهمهمات البحر الطليقة
وأصداء غابات عجوز
وضياءٌ وأشذاءٌ سماوية
لكل ما يتنفس ويتألق من أزهار
ولربما بلغت بنا السعادة
ما يدفع أرواح الهواء التي تغار منا
كي تغري الحشود الملوثة
لتغزو جنتنا الشافية
لكن غيرتها ستخمد
بذاك المُناخ الرائق الجميل
وبالريح التي تصب البلسمَ من جناحها
على الروح التي نهضت
وبأوراق أشجار من تحتها يتنهد البحر الوضيء .
وكل هنيهة لاهثة
تسكت فيها همساتها الشجية
ستمدها الروح الملهمة
بكل لحن يخرج من أعماقها.
والحب الذي يداوي كل نزاع
ويلف بإخائه اللطيف
كتنفس الحياة
كل شيء في ذاك المسكن اللذيذ
سيغير تلكم الأشياء .. ولا يتغير
وسرعان ما يندم كل شبح تحت ضياء القمر
على حسده العقيم
ومن جديد تعود الأرض .. فتية كما كانت.
(35) قلعة الجوع
في خراب مدينة مقفرة
كانت المهد ثم صارت
لحداً لشعبٍ منطفئ
-حتى بكى الرثاء نفسه
حطامَ أمواجِ السلوان-
ثمة انتصبت قلعة للجوع
شيدت على حجرات سجونٍ
يهذي ساكنوها ويصرخون
لأجل الرغيف ، والذهب ، والدم
ويديم الألم المشدود للخطيئة
نار ساعاتها الخابي
حتى ينقضي زيتها الحي أو يُراق.
…
هناك انتصب الصرح
قلعةً بين قلاعٍ ، وقبابٍ مقدسات.
في حضرتها يفر وينزوي
كل سقف بأضلاع من رخام
وكل معبد ببوابات من بارق النحاسٍ
وكل مقصورة منزوية للثراء
-حجرات هواء إيطاليا الفاسد
التي لا تبلغها العواصف-
حتى تعرى الأرض
…
وكأن شبحاً يلفه رعب لا هيئة له
بين رفقةٍ من سيداتٍ حسان
يلمع ويشع
حتى يغدو مرآةً لحسنهن
تمتص بكل ما فيها من شرور
ماءَ الخدود ، و نعومة الجدائل
وبريق الحياة في الأعين النجلاوات
حتى يستحلن شيئاً فشيئاً …
رخاماً قاسياً … بارداً .
(36) الى جين : ثاقبات النجوم كانت تَلالى
ثاقباتُ النجومِ كانت تَلالى
والبدر المليح يصعد بينها
أيْ جينُ الحبيبة !
وكان القيثار يرن ….
غير أن الأنغام لم تحلُ إلا
حين غنيتِها كرّةً أخرى
**
وكما يرتمي سنا البدر اللطيف
فوق ضوء النجوم الفاتر الضعيف
هكذا كان صوتك الرقيق
يمنح روحَه ميّتَ الأوتار
**
ساعةً برمتها سيتأخر القمر
الليلةَ عن ميعاد رقاده
بيد أن النجوم ستصحو
ولن تهتز وريقة من شجر
حين تتناثر البهجة
من ندي أنفاسك
**
غنّي من جديد
رغم أن اللحن يستبد بي
غني بصوتك الحبيب الذي
يتفتح عن نغمة آتيةٍ
من عالمٍ بعيدٍ بعيد
يتوحد فيه الشعور .. وسناء القمر .. ولحن الموسيقى !
(37) سوناتة الى بايرون [55]
ربما لن ترضيك هذه الأبيات ، لكن
لو أني أجللتكَ بأقل مما أفعل الآن
لكانت الغَيرةُ أودَت بالسرور
ولأسلمَتْ للحيرةِ واليأس
مسعِفاتِ الأفكار التي تملأ عقلاً
يرقبُ – كما قد تذيب دودة ضئيلة
حياتها في شيء عظيم الرفعة والسمو-
كلَّ ما تبدعُ روحُك
إذ يعلو ويعلو في جمالٍ وإحكام
كالعوالم التي نهضت
بمشيئة الإله
**
لكن إجلالي عظيم عظيم
حتى ليس لقدرتِكَ على التحليق
فوق قمم يجهد الغير في تسلّـقها
ولا للشهرةِ - ظل الساعات التي لم تولد
الذي يلقيه المستقبل الغيور
على وجه الزمان –
أن يحركا أسفاً واحداً
في قلب ذاك الاسم المغمور
الذي يجرؤ على القول :
إن دودةً تحت التراب
قد ترفع قامتها
كيما تحيي الرب !
(38) نصيحة
على الضوء والهواء .. تغتذي الحرابي [56]
وعلى الحب والمجد يقتات الشعراء.
لو أنهم في بحر الشقاء الفسيح هذا
نالوا ما اشتهوا
بقليل من كدٍّ وعناء
كما تفعل الحرابي
أكانوا غيروا ألوانهم
كما تغير تلكم ألوانها
لتُوائمَ كل شعاع من نور
عشرين مرة كل يوم
**
لربما كان الشعراء
فوق هذي الأرض الباردة
كالحرباء التي تختفي من ساعة الميلاد
في كهفٍ تحت الأعماق …
**
تتغير الحرباء حيثما كان الضياء
يتغير الشعراء حيثما كان الحب
أما المجد .. فليس غير حبٍّ مقنَّع
لا تعجب إذن إذا اصطف الشعراء
لو رأوا حفنة منهم
تنال شيئا من هذا أو ذاك
لكن حذارِ حذار
أن تلطخ بالمال أو السلطان
روح شاعرٍ حرةٍ سامية
فلو أن الحرابي المضيئة
التهمت غير النور والهواء
لتحولت في إغماضة عين
كائناتٍ ترابيةٍ
كأقربائها السحالي
فيا أطفال الكواكب الأكثر إشراقاً
يا أرواحا أتت من أقمارٍ بعيدة
آهِ .. لا تقبلوا العطيـة !
(39) ترنيمة لجمال العقل
[1]
الخيال الرهيب لقوةٍ مبهَمة
تطوف بيننا ولا نراها
-وتزور هذا العالم الملوّن
بجناحٍ متقلّبٍ كرياحِ صيفٍ
تزحف من زهرةٍ لزهرة-
كزخاتٍ من شعاع القمر
تهطل وراء جبلٍ صنوبريٍّ
وتلامس في لمحةٍ خاطفة
قلب كلّ امرئٍ ومحيّاه
كألوان المساء وألحانه
كغيومٍ تفرّقتْ في ضياء النجوم
كذكرى موسيقى عابرة
كالفناء الحبيب للمِنَّةِ التي يمنحها
والأحب الى القلب .. للغموض الذي يحيطه
[2]
ويا روح الجمال
يا من بألوانك تمنح التقديس
لكلما تشرق فوقه
من فِكَر البشر ووجوههم
الى أين مضيت ؟
لماذا تجتازنا وتترك مُقامَنا ،
هذا الوادي المعتم الفسيح من الدموع ،
خالياً مهجورا ؟
اسأل علامَ لا يظل ضياء النهار
ينسج للأبد أقواس قزحٍ فوق ذاك النهر الجبلي ،
علام محتم على ما أشرق مرة
أن يخبو ويذبل
وعلام يلقي الموت والميلاد ، والخوف والحلم
هذا الظلام على نهار هذي الأرض
وعلام كان للإنسان هذا المدى
من الحب والمقت .. من الرجاء والقنوط ؟
[3]
وما من صوت آت من عالمٍ أسمى
يحمل للشاعر أو الحكيم
جواباً على تلكم الأسئلة
ولذا بقيت أسماء "الشيطان" .. و"الروح" .. و"السماوات"
شواهدَ على سعيهم العقيم ، رقىً ضئيلات
لا يقوى سحر ألفاظها
أن ينزع الشك والتقلب والصدفة العمياء
عن كل ما نسمع أو نرى.
ضياؤك وحده – كضباب يغشى الجبال
كأنغام ترسلها رياح الليالي
من بين أوتار آلةٍ كتوم
أو كنور القمر .. على نهير بأنصاف الليال-
وحده يُنزل السكينة والصدق
فوق حلم الحياة المضطرب أبدا .
[4]
مثل الغمام يرحل الحب .. والأمل .. والاعتداد :
أشياء أعيرت لنا برهةً لا تبين .
لو كان الإنسان خالداً .. لو كان قديراً
لجلست أيها المنسي الخائف ، أنت وموكبك المجيد
في محل منيع .. بأعماق قلبه.
فيا رسول العواطف
يا من تعظم وتصغر في أعين المحبين
أنت يا قوتاً لعقل الانسان
كما الظلام قوت للّهب الذي يموت !
لا ترحل كما جاء خيالك
لا ترحل لئلا أصبح القبر
حقيقةً سوداء .. كالخوف والحياة.
[5]
حين كنت صبياً بحثت عن الأشباح ، وأسرعت
خلال الكهوف والخرائب ، وصالات الموسيقى ،
والغابات الغارقة في ضوء النجوم .
ولاحقتُ بخطى خائفات أمنياتٍ بأحاديث سامية
مع الموتى الراحلين .
ودعوتُ الأسماء التي سمَّمَـوا بها صِبانا …
ولم يسمعوني .. لم أرهم ..
حين كنت غارقاً
في تأمل قسمة الحياة ، في ذاك الزمان اللذيذ
حين كانت الريح تغري كل ساهرٍ من الأحياء
بأن يأتي بأخبار الطيور والبراعم …
فجأةً ، سقط ظلك عليّ
فصرختُ ، وشبكتُ كفيَّ في نشوةٍ !
[6]
قد آليتُ أن أصرف قواي
إليك ومن أجلك .. فهل بررتُ في القسَم ؟
بقلب نابضٍ وعينين جاريتين ما زلت للساعة
أنادي أشباحاً بعدت ألف ساعةٍ عن قبورها الصامتة .
وراقبتْ معي الليل الحسود
من أكواخ الأحلام
المسكونة بتوقد الحماس أو بهجة الحب .
وأيقنتْ أنّ السرور ما أضاء جبيني
إلا ولازمه الأمل بأنك أنت ستحرر هذا العالم
من ربقة عبوديته السوداء
وبأنك ، يا جمالاً رهيباً ،
ستمنح ما لا تقدر هذه الكلمات أن تقول.
[7]
حين تمضي الظهيرة
يزداد النهار جلالا ونقاء
إن في الخريف لتناغما ، والتماعا في سمائه
تلك التي في الصيف صامتةٌ خفية
كأنها لم تكن .. كأنها لم تستطع أن تكون !
فليت قوتك -التي نزلت مثل قوة الحقيقة
على شبابيَ المستسلم-
تمد بالسكينة قابلات أيامي
أنا الذي يقدسك ، أنتَ وكل شكل يحتويك ،
أنا الذي ألزمَتهُ رقاك ، أيها الروح الجميل ،
تقى النفس .. وحبَّ كل البشر .
(40) الماضي
[1]
هل تنسى الساعات الهنيئة
تلك التي دفنّاها
في عرازيل الحب الأثيرة
نكوّمُ فوق أجسادها الباردة
زهوراً وأوراقا.. لا ترابا ؟
زهوراً هي المسرات التي اسّاقطتْ
وأوراقاً .. هي الآمال التي بقيت.
[2]
هل تنسى الذي مات ؟ هل تنسى الماضي؟
آهٍ ، ستبقى رغم ذاك
أشباحٌ تثأر لها
ذكرياتٌ تحيل القلوب أجداثاً
وندمٌ ينسلّ من غمّة الروح
وينبئ في همسات شنيعة
بأن السرور حالما يرحل
ليس غير الألم .
(41) التقلب
وما نحن إلا كغيومٍ تحجب القمر.
لشدّ ما تسرع في تململٍ
لشدّ ما تومض وتهتز ، وتحفر خطوطاً من ضياء
في أديم الظلام ، ولكن ..
ما أسرع ما يلفها الليل .. فتضيع للأبد
**
أو كقيثاراتٍ منسيةٍ ، بأوتار متنافرة
تمنح أجوبة شتى .. لكل ضربةٍ جديدة
ولا يخرج من هيكلها القصيم
غير أنغام وأمزجةٍ .. لا يشبه بعضها بعضا
**
ربما استرحنا .. لكن حلماً واحداً يسمم الرقاد
ربما نهضنا .. لكن فكرةً شاردةً تلوث النهار
ربما أحسسنا ، فكرنا ، أدركنا ، ضحكنا أو بكينا
عانقنا كروبا حمقاء ، أو رمينا أحزاننا بعيداً
**
لكن الأمر سيان ! .. إن كان حزناً أو سرورا
فسبيل رحيله لمّا يزل مُشرَعاً .
وأمس المرء لن يشبه غده
ولا شيء ، لا شيء يثبت .. غير التقلب !
(42) الى عيّاب
[1]
من ذاك الذي يجمع الشهدَ من دود الحرير
أو الخزَّ من نحلةٍ صفراء ؟
إن العشب لينمو في صقيع الشتاء
قبل أن يبزغَ الكُرهُ في فؤادي !
[2]
فلتبغضِ الرجالَ الذين يتملقون
ويتوسلون .. ومثلك ينافقون .
إنهم لا يخجلون في العواطف مثلي
من رد الصاع بالصاع !
[3]
أو ابحث عن عبيد للذهب والسلطان
كي يصبحوا رفاق قلبك الأعزة.
حبك سيحرك ذاك المتعصب البارد
أسرع مما أفعل .. كراهيتَك !
[4]
عاطفة كالتي خبرتُها
لا تقبل الانقسام.
أنا أمقت افتقارك للصدق والحب
فكيف لي أن أمقتك ؟!
(43) قناع الفوضى (مقاطع)
[1]
مرة حين كنت نائماً
جاءني هاتفٌ من وراء المحيط
وبسلطانٍ قويٍّ قادني
لأسير في رؤى الشعر
[2]
قابلتُ "القتل" في الطريق
كان يرتدي قناعاً مثل كاسلرَي
ناعماً كان يبدو ، لكن متجهماً
تتبعه سبعة كلاب متعطشة للدماء
[3]
كلاب كلها سمان ، وفي أحسن حال
إذ كان يرمي لها ، مثنى وآحاد
قلوباً بشرية كي تلوكها
يخرجها من تحت جبّته العريضة
[4]
ثم جاء الدجل مرتدياً
عباءة من الفرو مثل إلدن [57]
وكانت دموعه ،وهي تجري في سخاء
تستحيل إذ تسقط الى حجارات رحى
[5]
والصبية الصغار يروحون ويجيئون ،
يلعبون عند أقدامه
حاسبين كل دمعةٍ منها جوهرةً ثمينة …
تتهشم منهم الرؤوس إذ تهوي عليهم
[6]
بعده جاء النفاق ، ممتطيا ظهر تمساح
متدثراً بالإنجيل ، كما بالضياء ،
وبظلال الليل الكالحة
تماماً مثل سدماوث [58].
[7]
أهوال أخر كثار كانت ترقص وتلعب
في هذا الموكب الشنيع
كلها متنكرة حتى العيون
بأقنعة الأساقفة .. والمحامين ..والنبلاء والجواسيس [59]
[8]
أخيراً جاء روح الفوضى
فوق حصان أبيضٍ تلطخ بالدماء
شاحباً كان حتى الشفاه
كما الموت في سفر الرؤيا[60]
[9]
متوجاً بتاج الملوك
في قبضته يلمع الصولجان
وعلى جبينه أبصرتُ هذي الكلمات :
"أنا الله .. والشرع .. والملك"
[10]
في خطى جليلات مسرعات
مرّ على أرض إنكلترا
يسحق الحشود المتعبدة
ويحيلها بركاً من نجيع.
[11]
من حوله فيلقٌ عظيم
يهز الأرض هزاً
يلوّح بسيوفٍ مدماة
في خدمة مولاها
[12]
في ظفرٍ بهيج جاسوا إنكلترا
في فخارٍ وحبور
ثمالى .. كأنما أسكرتهُم
خمرة الدمار.
[13]
من البحر الى البحر .. فوق الحقول والمدائن
مر الموكب المسرع الطليق
ممزِقاً .. ساحقاً بالأقدام
حتى بلغ البلدة اللندنية.
[14]
كل قطانها المذعورين
أمسكوا قلوبا شلها الرعب
إذ سمعوا الصرخة المدوية العاصفة
لانتصار الفوضى.
[15]
في موكب مهيب جاء القتلة المأجورون
مدججين بالدم واللهيب ..
يستقبلونه .. يرفعون العقيرة بالغناء :
"أنت الله .. والشرع .. والملك"
[16]
"ضعافاً .. مفرَدين
قد انتظرناك طويلاً .. أيها الجبار !
جيوبنا خاوية ، سيوفنا باردة ..
هلم امنحنا المجد .. والدم والذهب "
[17]
المحامون والكهان ، الحشد الخليط
أحنوا الى التراب شاحبات الجباه
ومثل صلاةٍ فاسدةٍ كانوا يهمسون :
" الشرع أنت .. الله أنت"
[18]
ثم صاحوا صيحة واحدة :
"أنت الملك .. أنت الله .. أنت المولى
يا فوضى إليك ننحني
فليتقدس الساعةَ اسمك ! "
[19]
وانحنى هيكل العظام ،
باسما يهش للجميع
وكأن الأمة أنفقت الملايين
كي تحسن تأديبه.
[20]
لم لا وهو يعرف أن القصور ،
قصور ملوكنا ، قصوره دون ريب
والتاج له ، والصولجان ، والكرة [61]
والطيلسان الذي حيك بالذهب.
[21]
هكذا أرسل عبيده أمامه
كي يطبقوا على المصرف والبرج
وكان يحث الخطى
كي يلقى برلمانه المتقاعد
[22]
حين قفزت من أمامهم
عذراء مجنونة
كان اسمها الأمل –هكذا ادعت-
لكنها أشبه باليأس ، وصاحت :
[23]
"أبي الزمان عجوز ضعيف
شاب رأسه بانتظار الغد الأحسن ،
انظروا كيف يقف كالأبله
يرتعش بيدين مشلوليتين !
[24]
قد جاءه الطفل بعد الطفل
كلهم تراكم فوقه غبار المنية
إلايَ أنا ..
أواه أواه .. يا للشقاء ! "
[25]
واستلقت على قارعة الدرب
أمام حوافر الخيل
تنتظر بعينين صابرتين
مقدم "القتل" و"الدجل" و"الفوضى"
[26]
حين اصاعد بينها وبين أعدائها
ضبابٌ ، ضياءٌ ، خيالٌ عجيب
صغيراً في البدء كان ، ضعيفاً ،
شاحباً كضباب الوديان.
[27]
وشيئاً فشيئاً مثل غيوم تكبر في العاصفة
مثل عمالقة كالقلاع توسع الخطى ،
تطير وتحملق بعيون تقدح بالبروق ،
وتحدث السماء بصوت الرعود
[28]
نما مثل شبحٍ تدثرَ بدروع
ألمع من جلود الأفاعي
تحمله أجنحةٌ أديمها
كضياءٍ من مطر شمسي
[29]
وعلى خوذته التي تُرى من البعد
ثمة كوكب مثل نجم الصباح
ينهمر الضوء منه بين ريشاتها
كمطرٍ من ندىً رمزي
[30]
ومر فوق رؤوس الرجال
في خطى ناعماتٍ كالنسيم
مسرعاتٍ ما أن أحسوا بها
وتلفتوا .. لا شيء غير الهواء.
[31]
وكما تهب الزهور تحت خطى أيار
كما ينفض الليل النجوم من جدائله المرخاة
وكأمواج تنهض ملبية نداء الرياح
وثبت الأفكار حيثما وقعت تلكم الخطى
[32]
تلك الجموع المسحوقة المضناة
تطلعت : وإذا بالأمل .. تلكم العذراء الوقور
تسير بوجهٍ هادئ رزين
وأقدامٍ تخوض في الدماء
[33]
والفوضى ، ذاك المخلوق الوضيع
يرقد : تراباً فوق تراب
وجواد الموت الحرون كما الريح
طار .. ومن خلفه حشود من المجرمين
قد سحقهم بحوافره .. وأذراهم كالغبار
[34]
ضياء مندفع من غيومٍ وبهاء
أحساسٌ موقظٌ ولكن رقيق
كان يُسمَع .. كان يُحَسّ
وحين انتهى صعدت هذه الكلمات
كلمات من خوفٍ وابتهاج
[35]
كما لو أن الأرض الناقمة التي
أنجبت أبناء انكلترا
أحست بدماهم على جبينها
وارتعدت بمخاض أم تلد
[36]
وأحالت كل قطرةٍ من دمٍ
بللت منها الوجه والجبين
نبرةً لا تقاوَم
وكأن قلبها صاح عالياً :
[37]
" رجالَ إنكلترا ، يا ورثة المجد
يا أبطال تاريخٍ لم يدوَّن
يا من رضعوا لأمٍّ عظيمةٍ واحدة
يا رجاءها .. يا رجاء بعضكم للبعض
[38]
هبوا كآسادٍ بعد الرقاد
في جموعٍ ليست تُقهر
انفضوا الأغلال كما تنفضون ندىً
تساقط عليكم في نومكم
أنتم الأكثرون .. وهم الأقلون !
(44) الى صوفيا
[1]
مليحةٌ أنتِ ، وما أندر من
يبز جمالهن حورَ الأرض أو البحار.
إنها لثيابٌ تلائم من ترتديها :
أطرافك الناعمات اللاتي لا يني حراكها
منهمراً ، متبدلاً ، وامضاً
بينما تثب الحياة في أعطافها
[2]
عيناك الغامضتان ، كوكب بوجهين
يحدق أحكمهما في الجنون
بنارٍ صافيةٍ ناعمةٍ … تذكيها أنفاسٌ
هي تلك الخواطر من رقيق الابتهاج
التي مثل أنسامٍ لطافٍ فوق أمواجٍ تتهادى
تتخذ من روحك اللطيفة وسادةً لها
[3]
كل وجه يرتسم في عينيكِ هاتين
يشحب من فرط السرور،
والأرواح الواهنة في أوج دوارها
حين تنصت الى تقاسيم قيثارتك الجموح
لا تتعجبي إذن حين تتكلمين
أن يكون قلبي .. الأضعف بين القلوب
[4]
مثل ندى تحت ريح الصباح
مثل بحر توقظه الأعاصير
مثل طيور ساعة تنذر الرعود
مثل لاشيءٍ صامت لكنه يهتز هزاً
مثل من يجس روحاً لا تُرى
قلبي حين يدنو إليه قلبك
(45) الى وردزورث[62]
يا شاعر الطبيعة
قد ذرفتَ الدموع حتى عرفتَ
إن الذي يرحل لا يعود :
الطفولة والصبا ، الصداقة وتوهج الحب الأول
كلها طارت كأحلام حلوة .. وتركتك للأسى.
هذه الأحزان العادية أعرفها
لكن لي خسارة واحدةٌ ، تدركها أنت أيضاً ،
رغم أني أحزن لها دونك.
قد كنتَ نجمةً وحيدةً يشرق ضياؤها
فوق مركبٍ متداع
غارقٍ في هدير ليل الشتاء
قد كنتَ ملاذاً من شامخات الصخور
فوق حشود متقاتلة عمياء
في فقره المجيد حاك صوتك
أغنيات كرستَها للحق والحرية ..
وإذ هجرتَ هذا كله .. فقد تركتني للأحزان
وإذ صرت هكذا .. فالأولى ألاّ تكون !
المصادر
1-“Poetical Works By Percy Bysshe Shelly”, Introduction by A. H. Koszul, In 2 Vols. Everyman’s Library, London, 1949
2- “The Golden Treasury”, Francis T. Palgrave, Macmillan & Co., London, 1955.
3-“Microsoft Encarta Encyclopedia 2000”, Microsoft Inc. U. S. A., 2000.
4-“Encyclopaedia Britannica CD”, 1999, Macromedia Inc.
5-“English Poetry for Arab Students of Translation”, Baghdad University Press, 1985.
[1] Mont Blanc منطقة جبلية ضمن جبال الألب تقع بين فرنسا وإيطاليا وتمتد حتى سويسرا.
[2] لقد أصبحت هذه الواقعة موضوعا للكثير من الأشعار والمسرحيات والروايات بضمنها رواية الكاتب الإيطالي الشهير "ألبرتو مورافيا " “Alberto Moravia وعنوانها "بياتريس جنجي" Beatrice Cenci (1958)
[3] مذبحة بيترلو “The Peterloo Massacre” : في السادس عشر من آب عام 1819 إنعقد في مانجستر تجمع سلمي ضم أكثر من ستين ألف نسمة الكثير منهم من النساء والأطفال في ساحة القديس "بيتر" وذلك احتجاجا على الضائقة الاقتصادية وارتفاع أسعار المواد الغذائية ، غير أن قوات الخيالة تدخلت بشكل وحشي لتفريق الاجتماع فقتلت (11) متظاهرا وجرحت (500) آخرين . شبهت هذه المذبحة بمعركة "واترلو" ومن هنا جاءت تسميتها بمذبحة "بيترلو".
[4] السيرينادة :serenade لحن يعزف أو يغنى ليلا في الهواء الطلق، وبخاصة من قبل عاشق تحت نافذة محبوبته.
[5] الشمبق champak شجرة أسيوية ذات أزهار برتقالية أو صفراء عطره يقدسا الهندوس والبوذيون.
[6] نشير الى أن القمر في الانكليزية اسم مؤنث بينما الشمس اسم مذكر عكس ما يحدث في العربية.
[7] سراج الليل أو الحباحب glow-worm : حشرة تضيء في الظلام.
[8] فراغ في الأصل .
[9] Castlereagh, Robert Stewart, Viscount (1769-1822): سياسي بريطاني إيرلندي المولد ، عين حاكما لايرلندا وساهم في قمع شعبها وضمها الى بريطانيا ، تولى عدة وزارات وتمتع بنفوذ كبير في أوائل القرن، كما ساهم بدور مؤثر في التحالف المناهض لنابليون ، انتحر (معانيا من الكآبة) عام 1822 (عام وفاة شللي ! )
[10] هذه واحدة من قصائد شللي الجميلة التي لم يكملها والتي نشرت بعد موته.
[11] المينادة (maenad) : امرأة تشارك في مهرجانات باخوس الإباحية .
[12] Baiae : مدينة أثرية ساحلية تقع على بعد عشرة أميال الى الغرب من نابولي بإيطاليا.
[13] معبد أوزيماندياس هو الاسم الذي أطلقه المؤرخون الإغريق على ما يعرف الآن بمعبد رمسيس الثاني في طيبه على ضفة النيل الغربية جنوبي مصر.
[14] نسبة الى جزيرة باروس (paros) في بلاد اليونان وهي مشهورة برخامها الأبيض.
[15] المينادة (maenad) هي واحدة من النساء اللاتي كن يشتركن في احتفالات باخوس (إله الخمر) الأباحية الصاخبة وتطلق الصفة على كل امرأة شديدة الهياج أو مخالطة في عقلها. أما الكادمية (cadmean) فنسبة الى كادميا (cadmea) وهي قلعة مدينة طيبه (Thebes) التي تقول الأسطورة أن الأمير كادموس (Cadmus) الفينيقي الذي بناها هو الذي أدخل الألفباء الى بلاد الإغريق.
[16] كاميليوس ( Marcus Camillus) قائد عسكري وحاكم وبطل شعبي ( 445-365 ق. م. ) دافع عن روما ضد الغزاة وأعاد بناءها . تختلط أخباره الحقيقية بالأساطير التي تصف تواضعه وبطولته.
[17] اتيليوس (Marcus Atilius) قنصل روماني وقائد عسكري هزم أسطول قرطاجة ثم غزاها في البر الأفريقي فهزم وأسر. أرسله القرطاجيون الى روما ليعرض عليها الاستسلام بعد أن قطع وعداً بالعودة الى آسريه إذا فشلت مهمته. وبدلا من أن يحث على الاستسلام دعا قادة روما الى الرفض والمقاومة وعاد الى قرطاجة ليلقى العذاب والموت حوالي 250ق. م.
[18] الكابيتول (capitol)هو المعبد الرئيسي في روما ويقع على تل بنفس الاسم وكان مقر عبادة الإله الأكبر جوبيتر.
[19] بالاتينوس (palatinus)هو أحد التلال السبعة لروما ويقال أن رومولوس بنى عليها روما القديمة.
[20] الأيونيين (Ionians) هم الشعب الذي استوطن منطقة أتيكا (وعاصمتها أثينا) منذ القرن العاشر قبل الميلاد قبل أن ينتشروا في أرجاء عديدة من حوض المتوسط مؤسسين مراكز حضارية مزدهرة.
[21] هركانيا (Hyrcania) هي مقاطعة إيرانية قديمة تقع الى الجنوب الشرقي من بحر قزوين وكانت جزءً من إمبراطوريات عديدة وعاصمتها أستراباد (كوركان الحالية).
[22] الرعن : نتوء جبلي يمتد نحو البحر.
[23] في الأصل Scalds وهم شعراء البلاط الاسكندنافيين في القرون الوسطى وقد أنتجوا الكثير من الملاحم وقصائد الحب والمديح والرثاء.
[24] في الأصل Druids وهم كهنة الديانات الكلتية القديمة قبل وصول المسيحية الى بريطانيا وأيرلندا وبلاد الغال (فرنسا)
[25] الملك ألفريد السكسوني أو ألفريد العظيم (849-899) ملك سكسونيا الغربية : واحد من ألمع الشخصيات في التاريخ الإنكليزي. نجح في توحيد إنكلترا وويلز وطرد الغزاة الدنمركيين. واشتهر برعايته للعلم والفلسفة والترجمة.
[26] مارتن لوثر Luther, Martin (1483-1546) اللاهوتي والمصلح الديني الألماني الذائع الصيت ، مؤسس المذهب البروتستانتي الذي تجاوز الدين في تأثيره حتى شمل السياسة والاقتصاد واللغة والأدب.
[27] ملتون Milton, John (1608-1674) : شاعر إنكليزي عظيم كان لشعره أبلغ الأثر على الأجيال اللاحقة من الشعراء. أما نثره فقد كرسه للدفاع عن الحريات المدنية والدينية. يعده الكثيرون أعظم الشعراء الإنكليز بعد شكسبير.
[28]في الأصل باخوسيات Bacchanals وهن النساء اللائي كن يشاركن في الاحتفالات الصاخبة المتهتكة التي تصاحب عيد الإله باخوس ، إله الخمر عند الإغريق.
[29] أفترض أن شللي يشير هنا الى نابليون بونابرت (1769-1821)
[30] ينبغي التنويه الى أن لفظتي الفوضوية (anarchy) والفوضوي (anarch) يجري استخدامهما هنا لا بالمعنى المتعارف عليه للكلمتين بل بالإشارة الى المذهب الفوضوي (anarchism) الذي لقي انتشارا كبيراً في القرن التاسع عشر وهو يدعو الى محو الدولة باعتبارها شرا مطلقا وتمتع الانسان بكامل حريته في التعبير عن إنسانيته شريطة عدم إيذاء الآخرين. ومن أشهر ممثلي هذا المذهب الكاتب الفرنسي برودون والثوري الروسي باكونين.
[31] العرازيل جمع العرزال وهو كوخ يتخذ من أغصان الشجر في الحقول أو البساتين.
[32] فيزوف (Vesuvius) جبل بركاني عظيم يقع قرب نابولي جنوبي إيطاليا. ثار ثورته المشهورة عام 79 للميلاد فدفن عدة مدن. أما إيتنا (Aetna)فهو جبل بركاني ضخم يقع في الجهة المقابلة من البحر أي شرقي صقلية. والاثنان من البراكين الفعالة التي تثور بين الآونة والأخرى.
[33] نسبة الى أيوليا (Ae·o·li·a) وهي مقاطعة تقع على الساحل الشمالي الغربي لآسيا الصغرى. سكنها الإغريق حوالي 1100 ق.م.وتطلق التسمية على الإغريق عموماً.
[34]بيثيكوسا (Pithecusa) وتعرف حاليا بإسكيا (Ischia) جزيرة تقع في خليج نابولي جنوبي إيطاليا أسس فيها الإغريق إحدى مستوطناتهم التجارية والحضارية في الألف الأول ق. م.
[35] أرمينيوس (Arminius) بالألمانية هرمان (Hermann) قائد قبلي ألماني (18ق.م –19م.) ألحق هزيمة كبرى بالجيوش الرومانية الغازية عام 9 للميلاد. صار بعض الألمان وخصوصاً في القرن التاسع عشر يعده محررا وبطلاً قوميا
[36] في الأصل الغورديانية نسبة الى عقدة غورديان (Gordian knot)وهي العقدة التي صنعها غوردياس (Gordius) وزعم أن لا أحد يحلها إلا سيد أسيا القادم ، فجاء الاسكندر المقدوني وقطعها بسيفه !
[37] التم أو الإوز العراقي (swan) طائر مائي مسالم كبير أبيض الريش يخلط بعض المترجمين بينه وبين البجع (pelican)
[38] لعل في هذه الأسطر الأخيرة نبوءة عجيبة بمصير الشاعر نفسه بعد عامين من كتابتها !
[39] الأسل (rush) نبات رقيق الأغصان تتخذ منه الكراسي والسلال.
[40] التلال اليوجينية (EUGANEAN HILLS) سلسلة من التلال شمالي إيطاليا تشرف على العديد من المدن التاريخية الشهيرة مثل فينيسيا وبادوا.
[41] الغداف طائر ضخم من فصيلة الغربان أسود الريش مع بقعة بيضاء حول منقاره .
[42] لومبارديا (Lombardy) منطقة ذات أهمية تاريخية واقتصادية كبرى في الشمال الأوسط الإيطالي.
[43] فينيسيا أو البندقية (Venice) مدينة تاريخية وميناء على البحر الأدرياتيكي تقع شمال شرقي إيطاليا وتتكون من 120 جزيرة صنعتها 177 قناة مائية ويطلق عليها لقب ملكة الأدرياتيك.
[44] أمفيترايت (Amphitrite) إلهة البحر الإغريقية ، زوجة بوسايدون إله البحر وابنة نيريوس إله البحر القديم الذي كان يسمى رجل البحر العجوز.
[45] أبولو (Apollo) إله الموسيقى وضياء الشمس والتنبؤ والشفاء . من كبار الآلهة. عبده الإغريق والرومان على حد سواء.
[46] نبذة تاريخية : في عام 1796 غزا نابليون بونابرت أراضي إيطاليا التي كانت ممزقة بين العديد من الممالك والدوقيات ، ثم أخذ يضمها شيئاً فشيئاً الى إمبراطوريته خلا فينيسيا التي صارت من حصة النمسا ، وسردينيا التي صارت من حصة أسرة البوربون الحاكمة في فرنسا قبل الثورة. بعد هزيمة نابليون عادت إيطاليا عام 1815 الى الإمبراطورية النمساوية وظل الشعب الإيطالي يكافح من أجل الاستقلال والوحدة في ثورات متعددة من أهمها ثورتا 1820 و 1848 حتى تأسيس المملكة الإيطالية عام 1861 ثم توحيدها النهائي وإعلان روما عاصمة لها وذلك عام 1871.
[47] ألبيون (Albion) الاسم القديم لإنكلترا أو الجزيرة البريطانية. تذكر الأساطير أن طائر التم (swan) يغني آخر أغنياته قبيل موته.
[48] سكامندر (Scamander) إسم نهر مؤله قرب طروادة بآسيا الوسطى يعرف الآن بكوجك مندريس.
[49] آفون (Avon) اسم لمقاطعة إنكليزية ونهر شهير تقع على ضفافه مدينة (Stratford-upon-Avon) التي ولد فيها شاعر إنكلترا الأعظم وليم شكسبير (1564-1616)
[50] بترارك (Petrarch 1304-1374) الشاعر والمفكر الإنساني الإيطالي العظيم. يعده المؤرخون أول شعراء العصر الحديث.
[51] بادوا (Padua) مدينة عظيمة في الشمال الشرقي من إيطاليا تشتهر بعمارتها الجميلة وأسواقها المسقفة وجامعتها التي تعد من أقدم جامعات العالم.
[52] أيزيلين (Ezzelin) قلعة تاريخية شهيرة في مدينة (Bassano Del Grappa)شمالي بادوا قربها ألحق نابليون الهزيمة بجيش النمسا عام 1796 وأصابها دمار شديد في الحربين العالميتين.
[53] نهر البو (Po) : أطول أنهار إيطاليا. ينبع من المرتفعات الشمالية الغربية ويصب في البحر الأدرياتيكي بعد مسيرة 650 كلم.
[54] أبناين (Apennine) سلسلة جبلية تشكل العمود الفقري لشبة الجزيرة الإيطالية.
[55] بايرون (Lord Byron 1788-1824) الشاعر الإنكليزي الفذ وأحد أعمدة الشعر الرومانسي . مات في اليونان وهو يحارب الى جانب ثوارها الداعين الى الاستقلال عن الاستعمار العثماني.
[56] الحرابي جمع حرباء (chameleon) وهي دويبة زاحفة تتلون في الشمس ألوانا ويضرب بها المثل في التقلب والتملص.
[57] إلدن (Eldon, John Scott 1751-1838) سياسي بريطاني ، تولى رئاسة مجلس اللوردات ومنصب كبير القضاة طوال الربع الأول من القرن التاسع عشر. مارس سياسة مغرقة في الرجعية ومناوأة الأفكار المتحررة . وقف بشدة ضد الثورة الفرنسية وتحرير العبيد وحرية التجارة .
[58] سدماوث (Sidmouth, Henry Addington 1757-1844) سياسي بريطاني محافظ. عمل رئيساً للوزراء 1801-1804 حيث فشل في التعامل المرن مع الحروب النابليونية. ثم تولى وزارة الداخلية 1812-1822حيث اتبع سياسة رجعية عنيفة ضد العمال والمفكرين الأحرار.
[59] ينبغي الإشارة الى أن المحامين في تلك الفترة كانوا يتمتعون بسمعة لا يحسدون عليها لوقوف أغلبهم في صف الطبقة الحاكمة ضد الجماهير الفقيرة المسحوقة .
[60] سفر الرؤيا (Apocalypse) هو الكتاب الأخير من العهد الجديد. مليء بالرمزية والغموض والصور الشعرية التي لم تزل موضع جدال وتفسيرات كثيرة.
[61] الكرة (Globe) كرة مجوفة تتخذ عادة من الذهب أو المعدن النفيس وتشكل جزءاً من طاقم العدة الملكية.
[62] وردزورث (Wordsworth, William (1770-1850) الشاعر الانجليزي العظيم وأحد أساطين الشعر الرومانسي تركت نظرياته وأساليبه الفنية أثراً كبيراً على الشعر العالمي. كتب أفضل أعماله في الشطر الأول من حياته متغنيا بالحرية والطبيعة والثورة لكنه انقلب في الشطر الثاني صوب الأفكار السياسية والاجتماعية المحافظة. والى ذلك يلمّح شللي في هذه القصيدة.
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)