النهار الأخير .. مجموعة شعرية.



النهار الأخير
شعر
د. ماجد الحيدر


مقدمـة

أنتَ إذن سليمـانٌ جـديد
تكلِّمُ النملَ والطير

تحدّثُ الكلابَ الشاردة تحت المطـرْ

وتحاور العشـب الذي نمــا

بين أحجـار الطرقات

لكنك حيـنَ تختلي بنفسـك أخيـــرا

حين ترنو اليهــا

باحـثاٌ عمّـا تواسيها به

تفر منك الكلمـات

وتضيع اللغة

لا ….

لا لغـــــــة !




النهــار الأخير

نهـارٌ أخـيرٌ ..

وتُسـدلُ هـذي السـتارةْ

وقبـل الرحـيلِ

سيسـخرُ منّـي الزمـانُ

ويلطـمني فـي عيـوني

ويجـدعُ أنفـي

لأنـي سـأرحلُ صـِفرَ اليـدينِ

لأنـي سـأرحلُ .. لاسـعفـةٌ أو إشـارة

إلى الأرض يا صـاحِبَـيَّ نعـود

إلى الطـينِ والمـاءِ والغَبَـشِ السـرمدي

فهـل سـنفكـرُ في أغنيـاتٍ جـديدة

أم سـوفَ نقعـي .. وننعـى الـزمان

أيـا صـاحبي .. حـانَ وقـتُ الـرحيلِ

فخـذ نفسـاً من دخـانكَ

خـذ نفسـاً ..

مـن هـوائكَ هـذا المـدججِّ بالعهــرِ وامـضِ ..

فقـد لـوَّحتْ فـي البـروقِ البشـارةْ !



قصـيدة الغـروب

نهـارٌ طـويلٌ يمـرُّ وأنتِ بعيـدة

مثل الطـفولةِ والذكـرياتِ القديمـةِ .. أنتِ بعيـدة

وانتِ قريـبةْ .. قريـبةْ

كَـهَمـّي ، كـأُغنيـتي الشاجِـنِة .

حلـمتُ بكِ اللـيلةَ البـارحة :

وحيـدَينِ كـنّا ..

وكـانَ المسـاءُ يلَـملِـمُ أنجـمَهُ الشـاردات

دعـوتُكِ للـرقصِ / أعـرفُ أنـي نسـيتُ خطـايَ

ولكـنني آنـذاكْ

أردتُ ذراعـيَّ أن تحتَـويكِ

أردتـُكِ قـربي

تنـامينَ في رئتـي .. لصـقَ قـلبي

لـم تسـتَجيـبي ..

شـاحبةً كـنتِ فـي الحُـلمِ

لـم تـرفضـي ، ولـم تسـتجيبي .

قُـلتِ :

صـديقُكَ قـد أخـرجوهُ من القـبوِ.. ثم ضـحكتِ !

وكـانَ لضحكـتكِ الغـامضة

صـدىً مـوجِعاً .. كالأنـينْ

هـل كـنتِ تبكـينَ .. أم تضحكـينْ ؟

تمـزَّقتُ / أيقظـني صـوتُ غـولُ السـماءِ

فقـلتُ لنفسـي : الشـتاءُ ابتـدا !

وأنصـتُّ :

زقـزقـةٌ .. وأنيـنُ انفجـارٍ بعيـدْ !

أتدرينَ سـيدة الإنتظـار

لقـد كـنتُ أهـربُ للحُـلمِ

حيـن يعـودُ المسـاءُ البلـيدُ

ولكـنني الآنَ تُهـت

فصـحوي ، ونـومي عـذابٌ .. ومـوتٌ

ورعشـةُ خـوفٍ ، وأشـلاءُ ضــوءْ !

…….

……

الشـتاءُ ابتـدا بـاكـراً

وغـروبٌ بلـون الدمـاء الصـريخةِ

يطـوي المـدى والأغـاني القتـيلةَ والأمـنيات

هلـمّـي إذن وتعـالَي .. تعـالي

أقـاسمْكِ مـائدتـي والبكـاءَ ..

وشمـعتيَ الـراجفــة !




شــــــعراء

فــي غُـرَفٍ باردةٍ ، معتمةٍ

تحــتَ الأرضْ

نقـراُ في صـوتٍ مكتـومٍ

أشعـارَ أحبَّـتِـنا الرحــلوا

وننـقِّحُ دونَ حمـاسٍ..

ثانـيةً .. ثالثــةً .. ألفــا

بعـضَ قصـائدِنا المخبـوءةَ في كهفِ الذكــرى

ونرتِّــبُها ..

نحـلمُ أن نُخـرجَـها يوماً للنـورْ.

نتــثاءبُ / نصحــو

نـرجِعُهـا لصــناديقِ الأجــدادِ ونُقـفِلـُها

نخـرجُ للشــارعِ مرتبكــينَ حيــارى

نلبَــسُ أقنــعةَ الذِلـــةِ

ونمـثِّـلُ أدوارَ الحمقــى

نخشــى أنْ يكتشــفوا ….

أنــّا شعـــراءْ …‍‍‍‍‍‍‍!‍ ‍‍




قطـار الجنـود

الرصـيفُ انتهـى ..

واختفـى شـبحٌ للمديـنةِ ظـلَّ يطـاردني في العشـايا

وابتـدا القفـرُ ..

وانفتحـتْ في الصـدور قفـارُ التذكـّر مشـرعةً…

ثمـِلٌ راحَ يبكـي

وجنـودٌ يغنـوّنَ أغنيـةً عـن حبيـبٍ طـريدْ :

" ولَكْ يا ريـل لا تصـرَخْ "

" ولَك يا ريـل لا تصـرَخْ !! "

….

إبتـدا القفـرُ فيـنا ..

أذعَنَـتْ صـُحبَتـي لعـواءِ الكـآبةِ

ثـمّ بكـى صـاحبي إذْ رأى الـدربَ

ثـمّ ارعـوى ..

ثـمَّ أغفـى كـما الطـفلُ فـوقَ ذراعـي …

…… ……

إنـهُ الفجـرُ يا صـاحبي .. هـل تنـامْ؟!

والقطـارُ يمـارسُ لعبتـهُ الـدائريـةَ :

يُسكــرنا .. ثـم ينكـاُ منـا الجـراحَ القديمـةَ

يمسـحُ دمعتـنا … ثم يُصـعِدُ زفـرتهُ في الدجـى

ويفـزّزُ قلبـاً غفـا …واستَكـانْ .

إنـهُ الفجـرُ يا صـاحبي .. لا تَنـَمْ !

وتعـالَ لنشـربَ ..

نخـبَ ترحّـلنا المسـتديم !




هـذَيـانْ

يـا أيهـا النـومُ الخبيـثُ الهـاربْ

يـا أيهـا المشـاغبْ

عُـدتَ الـى المكـرِ إذَنْ

كـدَيدَنِ العقـارب !؟

***

حـديقـةً من الأقـاحِ كـنتُ / يا للـزمنِ الفسيـح !

إذ صـدرُ أُمـي لـمْ يَـزَلْ

وخبـزُها..

ودمعـةٌ فـي خـدها تسـيحْ

يا سـيدي .. يا أيهـا المسـيحْ

آسِ جـراحَ روحي الحبيسـةْ .. وصبـريَ الكسـيحْ !

***

كـعادةِ الملـوكِ إذْ يفلسـفونَ حُـمقهـمْ

أفلسـفُ الضجـرْ

وعقـمَ نفسـي .. وخـوائي

وسكـوني .. كـالحجـرْ !

***

بـي ظمـاٌ لخفقـةٍ من فـرحٍ

بـي ظمـاٌ لصـرخةٍ تمـزّقُ الأحشـاءْ

بـي ظمـاٌ للنـومْ .. !

فلـتَرفعـوا ، يا سـادتي ، هـنيهـةً …

عـن جسـدي السـياط !




الـواحُ إنليـل
رؤيـا كاتبٌ من نفّـر


اللـوح الأول :

أتسـامرُ هذي الليلةَ مع إنليل

كـان دعاني من قَبلُ فمـا لبَّـيْت

كـنتُ كـسولاً أو خجـِلاً – لا أدري ...

الليـلةَ سـاقوني عِـبرَ سـماءٍ مقفِـرةٍ

نحـوَ المَلَكـوتِ الأسـمى

أدخلَـني مَـلَكٌ / شـرطيٌّ يحملُ فوقَ جناحَـيهِ

وسـامُ النصـرِ على " تَـيْماتَ " إلى البهـوِ الأعظـمِ

كـانَ هـناكْ ..

يجلـسُ في أقصـى القاعـةِ

فـوقَ العـرشِ الأبَنـوسيِّ الأسـودِ

أدركَ خـوفي للفـورِ

فأدنـانـي منه وهشَّ وأفرخَ من رَوعـي

فتنفَّـسْـتُ الصُـعَداءْ …


اللـوح الثـاني :

يدعـوني إنليـلُ إلى الشـطرنجِ

ويغلِبُـنـي في يُسـرٍ

أتحـدّاهُ ، فيغلـِبُني ثانيـةً

يضـحكُ منّـي مـلءَ الأشـداقِ ويغمـزني :

أوَمـا تـدري يا ولـدي

أنـي ألعـبُ منـذُ قـرونٍ

ببيـادقَ من بشـرٍ فـانٍ

ومـلوكٍ من ورقٍ

أنفـخُ فيهـم ، وأَنـَقِّـلُهُمْ أنـّى شـئتُ

لأُرغـِمَ أنفَ التعسـاءْ ؟!


اللـوح الثـالث :

..يسـألُني إنلـيلُ عن الخَـمرِ

فأنصَـحُهُ :

لا تكـثِرْ منهـا !

إنـكَ مسـؤولٌ – قد عُـلِّمْـنا – عن هـذي الأكـوانْ

إن تشـربْ لتكـن كـأسُكَ من قطـنٍ

حتـى إن أزَّتْ فيكَ حُـمـَيّاهـا

ورمَـيتَ بهـا من ضجـَرٍ صـوبَ جمـاجمنا …

ما كـَسَرَتـْهـا !


اللـوح الـرابع :

.. يسـألني عن وطـني :

كـيفَ الحـالُ بأرضِ بلادِكَ تلكَ التُـدعى ..

تُـدعى .. آهٍ .. تبـّاً للنسـيانْ !

( يهمـسُ في أذنَـيْهِ ملاكٌ ذو أدَبٍ جَـمٍّ .. )

آهِ .. تذكّـرت !

تلـكَ بـلادُ الشـعراء القـلِقـينَ

وأرضُ النخـلِ ومـأوى النـار

لـمْ أسـمعْ عنكـمْ أخباراً منـذ قـرونْ ..

أَ وَمـا زِلــتُم تبنـونَ لأجلـي الزقـورات؟!

- !! ..

يسـألُني إن كـانوا لليـوم يؤدون فـروضَ الطـاعةِ

والصـلواتِ فأكـذبُ :

- بعضـهُمُ .. كـلّهُمُ يسـتمطـرُ رحمتكـمْ….

…….. ……..

- كــذّابٌ !

( يصـرخُ رجلٌ في الستّيـن

يجلـسُ عند يميـنِ العـرشِ

ويرميـني بعيـونٍ تقـدحُ شـرّاً !!

……. …….

يسكـتُ ، أسـألهُ :

- عـذراٍ من أنتَ ؟

فلا يسـمعُني

يتحـوّلُ تمثـالاً ثم يـذوبُ كـما الشـمعِ

ولا يتـركُ أثَـرا

يقـراُ إنلـيلُ بعينـيَّ الدهشـةَ

يأمـرني أن أنسـى المشـهدَ

أرضـخُ ، أحنـي رأسـي في استخـذاءْ !


اللوح الخـامس :

إسـألْنـي شـيئاً قبل رحيـلكَ

أنتَ اللـيلةَ ضـيفي

فاسـأل ما شـئتَ بلا اسـتحياءْ

خـذْ مـالاً ، مُـلكـاً ، حـوراً

آنيـةً من ذهـبٍ ، خمـراً ..

- شكـراً يا إنليلَ الأعظـمَ

سـامِحْنـي ..

إنـي لا أطـلبُ غيـرَ جـوابٍ

لسـؤالٍ أرَّقـَنـي :

فيـمَ خلَـقتَ عبيـدَكَ ؟

فيـمَ رسـمتهمُ أَمـماً ورجـالاً ونسـاءً؟

أحـراراً وإمـاءْ ؟

فيـمَ تـذلَّ وتـرفعُ ، تعطـي ، تمنـعُ

تُـدني ، تقصـي ، تهـدمُ ، تَبنـي ؟..

إنـي أتسـاءلُ – لا بـرماً ، حاشا –

عن مغزى الأشـياء !

وتفكّـرَ إنلـيلُ طـويلاً

مسـّدَ لحيـتَـه القدسـيةَ :

يا ولـدي .. أشـجَيتَ فـؤادي

أوقـدتَ بقـلبي نـاراً

غطــَّتها الشـيخوخةُ

تحـتَ رمـادِ التكـرارْ

يا ولـدي إنكَ تسـألُ عن سـرِّ الأسـرار

عـن سـرٍّ لا يعـرفهُ آنـو ، أو أنكـي

سـرٍّ لا يعـرفهُ حتـى من تمثـلُ في

حضـرتهِ

لا يعـرفهُ إنلـيلْ !! *




الفـارسُ الضـلّيل

في اللـيلِ التشـرينيِّ الـداجنِ أسـري

مُـلتَفِعـاً قهـري..

ممتطـياً خيـل الكـلمات الثكـلى

لديـارِ الأوهـام !

القمـرُ الشـاحبُ يسـخرُ منّـي

الـريحُ تعـاكسـني

الأرض تغيّـرُ سـحنتها

ووريقـات الشـجر الصـفرِ

تَـغامَزُ من حـولي

وأنـا فـي هـذا البَـرِ أسـافرُ وحـدي

أسـألُ رهبـاناً لاذوا بالصـمتِ قـروناً

عن أسـرارِ أحـاديثَ تطـاردني

خطـَّتها عينـاكِ بصـدري

لـمْ يتلقـاها بعـدُ نبـيٌ

أو يسـمعها بـدويٌ غيـري !



أغنـيةُ الأربعـين

قـد أقبـلَ المسـاءْ

ولـم أزلْ أُجـرجِرُ الخطـى

في مـوكـبِ الفَـناءْ .

مـودَّعٌ باليُـمنِ يا صِـباي

مـودّعٌ بالآسِ والبَخـورِ والحِنّـاءْ

مـا زلـتِ تعبثـينْ

أيتهـا السـاعاتُ والأيـّامْ

مـا زلـتِ تـوغِلـينْ

في السـقمِ والخـواءِ .. في الجنـونْ

مـا زلـتِ يـا مـومِسـةً عـذراءْ

تمضـينَ ، تسـحبين في الشـوارعِ الظـلماءْ

ظـلالَكِ الثـقالْ

كـم كـنتِ تصـرخينْ

تبكـينَ .. تضـحكـينَ .. تهمسـينْ

بلعـنةِ الرحـيلْ

كـم كـنتِ تأكـلينَ من ثُـدَيـِّكِ الهـزيلْ

أرغفـةً تُـدافُ بالـدماءْ !

أيتهـا السـنونْ

يـا سـربَ خـيلٍ جـامحٍ أفلَـتَ من حظـيرةِ السـماءْ

يـا وجـهَ "ميـدوزا" ويـا شـهقةَ "عشـتَروتْ"

يـا وردةً تخنـقُ مَـن يشـمّها

يـا غيـمةً تُمطـِرُ بالثُـبور

يـا طـفلةً يُـرضـعها السـرابْ

يـا خفقـةَ النسـورِ

يـا مشـانقَ الـدُمى

ويـا … تثـاؤبَ القبـورْ !

....

صـاحبةَ الحانـةِ ، يـا عـالِمةَ الأسـرارْ

مِـن أيـنَ لـي أن أُمسـِكَ النجـومْ ؟

وكـيفَ لـي أن أعبـرَ الجحيـمْ ؟

لأقطـفَ الخلـودَ مِـن حـدائقِ الأربـابْ

وأزرعَ الكـرومَ في مدينتـي ..

وأذرعـي مبتـورةٌ .. شـوهاءْ ؟!

سـيدتي .. أتعبنـي تعـاقبُ الفصـولِ والأسـماءْ

حمـلتُ فـوقَ كـاهلي قناطـرَ الضـَياعْ

حتّـى إذا بلغـتُ أربعيـنْ

نـاديتُ يـا سـماءْ

يـا أرضُ .. يـا أنهـارُ .. يـا تخـومُ .. يـا أحجـارْ

رُدّي إلَـيَّ بعضَ مـا سـلَبتِنـي

أو أنـزلـي السـتار

عـلى فصـولِ اللعبـةِ البلهـاءْ !




محــاكمة المجنــون

وقالــوا : تكَـيَّـفْ

فهـا قَـد تكـيَّـفَ كـلُّ البـرايــا بأرضِ الحجــازْ

وقـالوا : تَـرَجَـلْ

فهـا قـد تـرجـَّلَ كـلُّ الفـوارسِ واسـتسـلموا .. للرقــادْ

وقـالوا : تَعـَقـَّلْ

وبـِعْ مثــلمـا بـاعَ غيـرُكَ قبـلاً

وتـاجـِرْ ، فسـوقُـكَ نـافـِقـةٌ

وربــحُكَ عشـرةُ أضـعافِ ما تســتبيحْ

تـرَدّدتَ قبـلاً

وأغـرَيتَ خيــرةَ شــبانِنا بالفجــورْ

نثــرْتَ وبـاءَ التمــرّدِ فيــهمْ

وحطـَّمْتَ ألـواحَ عـزّتِـنا الشـامخـاتْ

فمـاذا حصـَدْتَ

سـوى عـلقَمٍ في شـِفاهِكَ ، أو شـوكةٍ

في العيـونْ ؟

وقـالوا : نحـبُّكَ

قـالوا : نـريدُ لكَ العافيــهْ

وقـالوا : سنَمْـنَحُـكَ الآنَ فـرصـتَكَ السـانيهْ

فبـادر ولَـمْلـِمْ شـتاتـَكَ والـحـَقْ

بأقـرانَـكَ الطيـِّبيـنْ

…… …..

إلامَ المسـيرْ

وحتـامَ تمضــي وراءَ السـرابْ ؟

وتهـدرُ خَـيرَ سِـنيَّـكَ في صفـقةٍ خـاسِـره ؟

وفيـمَ تقـاومُ ، تُـتْعِـبَ رأســكَ ، تخســرُ ..

دنيـاكَ والآخــره ؟

وقـالوا : تكَـيَّفْ وإلاّ ..!

وقـالوا : تـرجـَّلْ وإلاّ ..!

وقـالوا ، وقـالوا ، وقـالوا …

مـا ازدَدْتُ إلاّ جنـوناً ..

وحُـباً بِلَـيـْلـى !




حـديـقـةُ الجنــون

حـديقةُ الآثـامِ والجنـونِ والألَـمْ

حـديقةُ النـدَمْ .

حـديقةٌ أشـجارها عجــفاءْ

حـديـقةٌ ثمـارُها أوهـامْ

تـرابُـها .. ومـاؤُها .. سـماؤُها ..أزهـارُهـا

أغصـانُهـا ….. هـبــاءْ !

……

حـديقةٌ يضـربُ فيـها ألـفُ ألـفِ مـعوَلٍ

مِـنْ أوَّلِ الفجـرِ إلى قيـامةِ الأشـياءْ

لكـنها عقـيمةٌ .. موحـِشـةٌ .. جـرداءٍ

لا نحلــةٌ تدورُ ، لا فراشـةٌ

لا شـاعرٌ يهـيمُ ، لا طيـورْ

لا عاشــقٌ ينتظـرُ اللقــاءْ !

حـديقةٌ تسـتـَمطِرُ اللعنــاتْ

حـديقةُ الطــاعونِ والآهـاتْ

حـديقةٌ سيـاجها استَســلمَ للخـرابْ

حـديقةُ الأشـباحِ واللصــوصْ

حـديقةُ الأوهـامِ والظنـونْ

حـديقةٌ نـاطـورها مجـنونْ

يـضاجـعُ العقـاربَ الصـفراءْ

حـديقـةُ الـدمـاءْ !




تـأكيــد

آهٍ يا دائرةَ " السـقفِ الزمنــيِّ "

لهـذا القـلبِ الراســفِ

في أغلالِ الحـيرةِ والأسـرارْ

كـنتِ وتبقيــنَ

إلى آخـرِ عـودِ ثقـابٍ مبتـلٍّ أورثَـنيـهِ الأجـدادْ

حـلماً ، كـابوساً

أو وعـداً كذِباً يطـرقُ أبـوابي كـلَّ مســاء

سـيدتي المـرتابةَ من قلـقي

مـاذا تقتـرحين على رجـلٍ

يحمل – مثل صـليبٍ –

أســئلةً عن جـدوى الأشــياء ؟

سيــدتي ..رفقــاً

أعرف أني عبثـاً أقطــعُ أوردتـي

وأغـادر طـوعاً أنهـارَ الخـمرِ

وأفيـاءَ جنـائنكِ الحبـلى بالســحرِ

ولكــنْ ..

مــاذا أفعــلُ لقطيــعِ الخيـلِ الهائــجِ

في رأسـي

وكــيفَ أُكـالئُ نفســي

حتـى لا أســقطَ في الوحــلِ

وهذا الســقفُ المتآكـلُ

يوشــكُ أن ينهــارَ … على رأســي!؟




الــربّــانُ والبحـــر

الى ألفريد سمعان

ووحيـــداً …

عادَ الربــانُ الـى الميـناءِ المهجـــورْ .

مُنكَســـِراً ، مخــذولا….

قد سـرَقَ المـــوجُ قصيدتـه الحُبلــى

واغتــالَ الإعصــارُ الأهـوجُ كـلَّ أمانيــهِ

فحطــَّمَ أكـؤُســهُ

ورمــى للبحــرِ بقيثــارتهِ

وطــوى أشــرعةَ العُــمرِ وعــادْ ..

وحــيداً …. مخـذولا .

…. ….

يجتــازُ الســور الخشـــبيَّ المتــداعيَ

حــولَ حـديقــتهِ المنســيّةِ

يدخــلُ غـرفتــهُ المرميــّةَ عنــد تخــومِ البحـــرِ

فيــملؤهُ حـزنٌ وحشـيٌّ

وبقـايا عطـرٍ تركَـتْـهُ هنــا …

في ألـواحِ الجُـدرانْ

يتطــَلَّـعُ :

بضــعُ شـموعٍ مُطفـأةٍ

بــاقةُ آسٍ ذابــلةٌ فـوقَ كتـابٍ

نسِـيَتْ أن تطــويه :

’’ حبيــبي مـدََّ يـدَيْـهِ من الشــبّاكِ

فـأَنـَّتْ أحشـائي.

قُـمتُ لأَفتــحَ لحبيـبي فتقَطـَّرَ مِنْ يَـدِيَ

العِطـرُ علــى الأَقـفـالْ.

حيـنَ فَتَحْـتُ البـابَ تحـوَّلَ عنــي

ومضــى.

خرَجَــتْ نفســي إثــرَ حبيبــي.

صِحْـتُ علــيهِ .. فمـا كـلّمَنـي *

…. ….. …...

عينـاهُ تجـوبانِ زوايـا الغرفةِ والجـدرانْ

يتـوقّفُ عِنـدَ تصـاويرٍ مسـحَتْ أيـدي السـنواتِ ملامحَهـا

إلاّ مِن وجـهٍ تغمـُرُهُ الطـيبـةُ

كـانَ ملاذاً يأويـهِ إذا أتـعَبَـهُ التـرحالُ

ونجـماً يهـديهِ إذا ضـيَّعهُ البحــرُ… وكــانْ ..

…. ….

مرتعشـاً ، محمــوماً ..

يترنـَّحُ في مشــيتهِ نحــوَ سـريرٍ غادرَهُ الـدفءُ

فينهــارُ عليـهِ ويبكــي ..

يبكــي .. يبكــي

حتــى يغلــبُهُ النــومْ..

فتحــملهُ آلــهةُ الفجــرِ

إلى أرضِ الأحـلام :

لسـواحلَ يغمُـرُها الضــوءُ السـاطعُ

وأُسـودٍ يـافعـةٍ تتقلبُ في كســلٍ

فـوقَ ســهولٍ لا حـدَّ لهـا

تســبحَ في مملكــةِ الخُـضرةِ

يســتـلقي عُـرياناً في الـرملِ السـاخنِ

والبحــرُ السـاجي يبســطُ زُرقَتـَهُ

ويصـيخُ الســمعَ

فيُسـكِرُهُ هـذا الصـمتُ

ويُرجِـعُه نشـوانـاً .. لطفـولتِهِ

يمـنَحُـهُ الـدِفءَ ويمســحُ دمعَـتَهُ

ويواســيهِ ….

يغسِــلُ صــدأَ الأيـامْ

ينهــمرُ الضــوءُ من الشــباكِ

كشــلاّلٍ مِن بِـلَّـوْرٍ

يسـقطُ فـوقَ العينـينِ ويـوقِظُـهُ :

يجلــسُ منتصـِباً

يســتذكرُ رؤيـاهُ فتـزحَفُ فـوقَ الشفَتَيـْنِ

ظِـلالُ البســمَةِ في وجــلٍ

….. ….. …..

يخـرجُ للشـمسِ

فيدهِشــهُ أنَّ وروداً حمــراءَ

تَـراقَصُ في شـرفات حديـقتهِ

يتســاءلُ عمـَّنْ يـرعاها

فتُجـاوبُـهُ ضحكـاتٌ صــغارٍ

يقتحمــونَ المـركبَ في صخَبٍ

ويغـنّون أناشــيدَ البحــرِ الأبديــّةَ

يسـتوقفهُ وجـهُ صبـيٍ ليسَ كباقـي الصِبْـيَةِ

مقـداماً يمســكُ بالصـاري ويغنـي :

’’ هيـلا .. هيـلا..

شُـدوا أيديكـُم..

هيلا ..هيلا.

لــن يهـوي المـركبْ

هيلا .. هيلا ..

في البحــرِ الغــاضبْ ’’

….. ….. ..

يتأمـّلهمْ ، يضحــكُ ملء القـلبِ وينســى شيخـوختـَهُ

يتـقـدَّمُ

يمسـكُ أيديـهمْ

ويعلـمهُمْ ..

أولَ درسٍ في الإبحـارْ :

- لا تهجــُر جـزَعاً مركـبةً لم تغـرقْ بـعدُ

ولا ترمِ إلى الأسماكِ قلائـدكَ المسحـورةَ

لا تهـرب ‍!

قد يتحطــمُ صـدرُ البحّـارِ ولكــنْ

لـنْ يهـزمَهُ ..

لا..

لن يهزمه ..

مـوجٌ أو إعصـــارْ !





الحصـــان

منتَحِـلاً وجـهَ حصـانٍ واجمٍ عجوزْ

يرتقبُ الإطلاقةَ / الخلاصْ

سأرتمي في مقعـدي ..

أُقـلِّبُ الجـرائدَ العِجـافْ

منتظـراً – في مللٍ –

أن أسمعَ النداءَ كي أُسـدّدَ الفاتورةَ الأخيرة

عن كلِّ ما أعارنـي – واسـتلبَ الإلـهْ !

…. ….

عمّـا قلـيلٍ تُفـتَح الأبواب

لـن أسـألَ الحراس / لا يقلقني المصيرْ

أريـدُ أن أُريـحَ هـذا القلـبَ من إسـارهِ المقـيمْ

أُريدُ أن أنـامَ دونَ خـوفْ

أوّاهْ .. !

كـمْ أتعبنـي المسـيرْ !




الجلـوس على خليج الذاكرة

آهِ صديقي ..

شاطِرني كأسَ الخيبةِ

وتعالَ لنجلسَ للنـارِ المقرورةِ

ننتظرُ الليلَ القادمَ من خلفِ أقاليمَ مشرَّدةٍ

مهراً غجرياً مذبـوحاً

أو ساحرةً ترمي بعباءتها الزرقاء

على الجسدِ المحمومِ المستسلمِ للجـنِّ .. وللديـدانْ

الليلُ الداجنُ يسـتُرُ عُريـَكَ

فاكشِـفْ دونَ حيـاءٍ

جرحكَ هذا النـازفَ مُـذْ كـنتَ ، فكـانْ

واجمع في كفيكَ الذاهـلتينِ بقـايا

من خمرِ براءتكَ المسفوحِ

على عتباتِ بلوغِكَ سـنَّ التسـليمِ بعجـزكَ

عن فكِّ طلاسـمِ هذي الألواحْ ‍!

وتَيَمـَّمْ ثانيـةً هذا الحـمأَ الأبديَّ المسنونْ

ثم انصبْ وجهَكَ للريحِ الوحشيةِ

ولتجهشْ بالأحلامْ.

النهرُ الرابعُ قد شاخَ

وسيقَ الثالثُ للبحرِ الآجن

….

النهرُ الأولُ لا أتذكرُهُ

والثاني … صارَ هبــاءْ




احتفال

في شـهرِ اللـذاتِ المحتــرقة

أنحـــرُ شــاةً ســوداءَ

سـأسرِقُـها من معبــدِ مـردوخَ

وأشـويها للشـحّاذين

على نـارٍ

من خشــبِ الأضـلاعْ ….

وسـأشـربُ خـمرَ الخـيبةِ طـافحـةً

وأعـبُّ كـؤوسَ العـارِ دِهـاقاً

صـافيةً ..

مثـلَ طقـوسِ المـوتِ

لـدى فرسـانِ السـاموراي

وسـأُطـعِمُ لحــمي لكــلابِ البَــرِّ

وأَخـرجُ في الـريحِ الهـوجاء

وأصــرخُ :

يا مـرحى..بغـرابِ الأبـديَّةِ

مـرحى..بالطــوفان ! *



أُغنيـــةُ التــمّ

في يــومٍ مـا ..

حينَ تُقيـمُ الحـرائقُ مهرجــانَها الكبيــرْ

سـأُحَـلّـقُ في الأعـالـي

وأُمتــِّعُ قلـبـيَ الهَـرِمْ

بالســنا البهيــجِ الـذي تُـقْــتُ اليـهِ طويــلاً

…. …...

وحيـنَ تنتهـي الأعيـاد

ويـزحفُ العُشـبُ مِنْ جـديـد

إلى السهــولِ الفسيحة

سـاُرخـي أجنـحَتـي المُـتْعَبــة

وأسكــبُ دمعتـين

دمعــةً منْ أسـى

وأخرى للرحــيل

وأرقـدُ علـى الأرضِ التــي…

طـهَّـرَتْهــا الحـرائـقْ ..! *



أُغنية العـام الجديد

هـوذا أخيراً ….عامٌ جـديدْ

غير أنّ الأيام لمّـا تزل ..رابضـةً في سجنهـا

ذي القضبـان الأربعة والعشرين.

لا تنظر للسماءْ !

فالأرباب نائمـة…والنواقـيسُ قد صدئت !

و "سـانتا كـروز " العجوزْ

يجـوب الشـوارعَ المقفـرةْ

في بـزّةِ جنرالٍ

يدوسُ صـدورَ الصـغار

ويسـحقُ بحذائهِ الحديدي

الجماجـمَ الطرية !

….. ……

على النــاس المسّـرةْ

على الأرضِ الســلام !

هلّلا لـويا ..لويا .. هللا لويا

لكـرنفال الدم البهيـجْ !! *



أوراق

أيتها الصفحـةُ الفارغـة

أيتها الصفحـةُ الفارغـة

لـمَ لمْ تعودي فارغـة !؟

أحَـقٌ أنك لا تفهمين ؟

أم إن كلماتنا البلهـاءَ

تسـللت في صـدفةٍ عمياء

وأفترشـتْ ثـقباً منسـياً

في هـذا الضياع الشـاسع ؟

........

.........

وأنتِ أيضاً

أيتها الصفحة المُرائـية

يا داعرةً صغيرة

ألـذّة والقـلـمُ الذي

أفـترسَ ظلـهُ المتمرد

يَهـرقُ حبرَهُ المهزوم

فـوق أديمـكِ المفـتض ؟

ألا فلتـندبي مجدكِ الذي هوى

حين ودَّعـْتِ الـى الأبد

في هـذه السـاعةِ المثخـنةِ بالنهـايات

سـذاجتكِ العـذراء

وبيـاضكِ الثـمِل ‍!‍‍‍‍ ‍



رؤيـــا

كـأنّ أقدامي تنأى عنّي

لتسـيرَ نحو القلعةِ الجبليةِ الزرقاءْ

على وسـادةٍ من هــواءٍ

ينـدى بالتساؤلات

كـأني أراكـم

يا رِفقـةَ القافــلة المُتعَبيـن

طيـوفاٌ مغبـَرّة

تجـئُ وتمضـي

مثل حُـزَمٍ من ضـياءٍ فـانْ

دعـوني إذن

ألمسـكم واحـداً واحــداً

لأتيقـّنَ من موتـي ……

….

كـأن أبـي يفترش أحضـاني

طفلاً يلثـغُ بأُغنيـاتٍ منسيّـةٍ

كـأن أمسـي يعدو أمـامي

عـلى فـرسٍ خرسـاءْ

كـأني أُنصـتُ لصـدى سـعالي

القـادم من حُجُـراتٍ قَصـيّة

كـأن الشـمسَ ترمينـي

بنصـالٍ من جلـيدٍ

تذوبُ في طـريقها

إلى ظـلي الشــاحب

كـأن الإلـه الـذي نسـني طـويلا

يعـودُني

معتـذراً بضـعفِ الذاكـرة !

كـأني أُغادرُ فيـزياءَ الجسـدِ الصـارمة

كـأني أعـودُ …

الـى الحــياة …!!




يــومـَها

يـومَهـا … نعــم ..يـومـها

كــُنتُ … قـابَ قـوسَـينِ ، أو أدنــى ..

لكـنني سـقَطـتُ ........هنـاك ..

قريـباً من البـوّابـةِ المُشــرَعَةْ.

ونهَـضْـتُ .. وسـقَطـتُ مِن جَـديـد

نهـضـتُ / سـقطتّ / نهـضتُ / سـقطتُ ..

سـقطتّ …….سـقطـتّ

أيـها المســافر الغريــب

حيــنَ تمــر مِنْ هـناك ..

إرمِ وردةً بيضــاءَ

علـى كـومةِ الحجــارةِ الصغيــرة

هنـاك ..

قريــباً من البــوّابة ...

قـابَ قوســينِ ، أو أدنــى ‍!




آدم

هـا أنا ذا مغلـولَ الأيـدي

إذْ تمـرُ الأيـام عجـالا

مثـل بـرقٍ خـاطفْ

غـيرَ أنـي

يـا ضـلعيَ المنحنـي .. يـا كـلَّ أضلعـي !

ينتـابني الوجـوم

من يقيـني بأننـي حيـنَ اطـرَدُ دون ريـبْ

سـأتحسـرُ كثـيراً

مفتقـداً اللـّذات التـي

لـم أقتطـفها معـكِ بعـد ! *




المســافر

إلى ثامر عبد علـي

"قرطبة..

نائيةٌ ووحيدة

مهرةٌ سوداء ، وزيتوناتٌ في جيب خُرجي

رغم أني أعرف الدروب ..

فلـن أصلَ الـى قرطبـة ..

لــوركـا.



جبهتُـكَ الـواجمة

وشـعرك الأجـعد

أيهـا الزنجـي الجمـيل

ضحـكتكَ التي تفيض بالـدموع

وقامتـكَ الطويلة المحنيـة

رائحـة الخمـر والدخـان

غضبكَ المفـاجئ المجـنون

وحكـايات الرعـونات اللـذيذة

الغنـاء الثمِـل ، في ليالي الخريف

على سكك القطـارات المهجـورة

وكـلبكَ الحميـم العجـوز ..

آه .. يـا صـديقي ..

سـتذهبُ الـريح بكـلّ هـذا

فمحـتّـم عليكَ أن تمـوت

لكـي يفتقـدَ الهـواء

والقمـر الهـائم

والسـكك المهجـورة

قـامتك السـنديانـية .. ورئتـيكَ الجـريحتين

لأنكَ منحـوتٌ من خمـرٍ .. وقهـرٍ .. وطـين

لأنكَ طـفلٌ مُشـاع

لأن حكـمتك المجـنونة

تغـافلُ الأبـوابَ والسـقوفَ والجـماجم

لأنـكَ سـهلٌ جـداً

سـينسـاكَ رفـاقكَ العقـلاء

وتذكـرك أشـجارُ التـوت العـارية

والنهـرُ ، والغيـومُ ، والكـلابُ الحميمة

ومنـاضدُ الحـانات ..

هوررا .. للقتيـل المنتصـر !

هوررا .. لثامـرِ المُـراقِ على عتبات البيـوت !

هوررا .. للمسـافر المختبـئ في الهـواءْ !



مـوسـيقى

مـوسيقى .. مـوسيقى .. مـوسيقى

فلتهـدر في الظـلِّ المـوسيقى أبـدا ..

مـوسيقى لهـذا القلـبِ الذي يُعتَصـَرُ

مـثلَ ليمـونةٍ مخـذولة :-

أسـمِعونـي نشـيداً منفـرداً

لكـمانٍ يحتضـنهُ عـازفٌ أعمـى ..

يتشـردُ في الحـاناتِ والمقـاهي المُـتعَـبة

مـوسيقى .. مـوسيقى ..

مـوسيقى لأظـافري التـي تُقـتَلع :-

أسـمِعوني طـبولَ مواكب السـبايا

تُسـاقُ غـرباً في الفيـافي

في بـريدِ الخليـفةِ الـزاهـدْ !

…. …...

مـوسيقى .. مـوسيقى ..

مـوسيقى لرحـيلِ الشـاعر ..

أسـمِعوني رقصـاتٍ دمـويةٍ ..

لقبـائلَ وثنيّـةٍ ..

تضـجُّ بالفجـيعةِ المطـبِقة

مـوسيقى .. مـوسيقى ..

مـوسيقى للسـانيَ المبتـور :-

أسمِعوني عـويلَ جـوقٍ من ذئـابٍ حـزينةٍ

أنهكـها الجـوعُ والبرد

…..

مـوسيقى لقبـرِ أُمّـي ..

فلتـتـفجـرْ قطـراتُ المطـرِ الذبيحـةُ

فـوق شـبّاكيَ المُعـتِمْ

…. …..

مـوسيقى ..

مـوسيقى لانتفاضتي القـادمة :

أصـواتُ فؤوسٍ تهـوي ..

على جثّـةِ العـدمِ الحديـدية !



أحـلام

يـومٌ مشـرق .

حمـداً للــه ‍!

فلأنشـرْ إذنْ على سـياجِ داري الخـربةْ

أحـلاميَ العتيقـةَ التـي ..

أدركـتْها العفـونةْ !

فقـريباً سـيأتي

شـرطيُّ البلـديةِ الصـارمْ

مـاذا ؟

هـو اليـومَ في إجـازة ؟

حمـداً كـثيراً للـرب !

سـأبقيها إذنْ فـي الشـمس ..

حتـى الظـهيرة !!



هـل تذكـرين

هـلْ تذكـرين ؟

حيـنَ كـنا معـاً

فـي آخـرِ يـومٍ

من أيـامِ السـنةِ القـادمة ‍‍!

قـلتِ : قبـِّلنـي

غـيرَ أنـي

كـنتُ منشـغلاً .. بتقبيـلك ‍!

ولمـا رأيتكِ تبكـين

عـزمتُ أن أعـدَّ القبـلات

لأذكـِّركِ بهـا

حيـنَ تأتـي السـنةُ الماضـية ‍! :

واحدةٌ .. إثنتان .. واحدةٌ .. إثنتان .. واحدةٌ .. واحدةٌ .. واحدةْ !

ثـمَّ أدركـني التعـب

فقـررتُ أن أرتـاحَ ..

بقـبلةٍ أولـى ..‍!!



في الربيع القادمِ ..سآتيك

أسـرجي لي يا فتاتي

حصـانيَ الأدهـم الكـريمْ

راحـِلٌ أنا في الصـباحْ …

أُتركـي الحقيبةَ في الزاويـةْ

ولا تملئـي قربـةَ المـاءْ

فلـنْ تلزمـاني هنـاكْ ،

في البلادِ التـي

سـأُسـاقُ اليها … وراءَ الغَمـامْ

……. ……..

واتركي الشبّاكَ مفتـوحاً ..

في الربيع القـادمِ سـآتيك :

عيـنايَ صـافيتانْ

وقـامتي منتصـبةْ

وعلى صـدري … زنبقةٌ حمـراءْ

غـير أنـّي ، سأزدادُ شـحوباً

لـن تقلـق خطـايَ سكـونَ الفجـرْ

سأدخلَ بيتَ أبيـك

أتسـلل مع النسـمة

وأجلـس عند سـريرك

وأَنصـت لأنفاسـكِ العَـذارى

وأنتِ تحلمـينَ بلقـائي

وأنهضُ ، ألثـمُ شـفاهكِ الـدافئات

وأرحـلُ من جـديدْ

حتـى ربيـعٍ قـادم …



ثورة الهـم

تطـامى الهم وازدحمتْ كروبُ

وماجَ الخوفُ وارتفعَ الوجيبُ

وكلكلَ في الصدور جوىً حريق

تصدَّعُ فـرطَ حـرَّتِهِ القـلوبُ

وأسـلمتِ النفوسُ فلا حَـراكٌ

وأطـبقَ فوقها صمت مريبُ

وجالت في الفضا أشـباحُ يأس

وغربان لهن بهِ شـجيـبُ

ولفَّ الكـونَ والأرواحَ لـيـلٌ

ينوءُ بحملهِ الأفـقُ الرحـيبُ

تكـادُ العين تنكــرُ مقـلتيها

وينكـرُ خدنَهُ الخـدنُ الحبيبُ

لهـذا اليوم تـدّخرُ المـراثي

لنا، وتشقُّ –من هلع – جيوبُ

********

ألا من مبلـغ عـنّي مقـالاً

خطـيراً سـاقهُ حادٍ أريـبُ

بعـيدُ الرأيِ ، قـوّالٌ، جرئٌ

إذا ما هـيجَ عـبّاسٌ غَضوبُ

يزجّي النصحَ صَدق لا يداجي

كــما يتلوّنُ الملـق الكـَذوبُ

بأن الخطبَ صعب ذو مراس

إذا ما استسهلتْ يوماً خطوبُ

وإن الأمر جَـد حـينَ تلهـو

وقد جثمت على أرض شَعوبُ

********

ودجـّالينَ ما تركـوا مـريباً

- كما زعموا- الى مالا يريبُ

يسـُرُّكَ قيلهـُم حـتى إذا ما

تعـالى النقعُ ، جد ّلهم هروبُ

يسـوقونَ الأماني كـاذباتٍ

كـأطوال يقـادُ بها الجـنيبُ

تراهم في لحىً مسـترسلاتٍ

يضـيعُ بهنّ تضميخ وطـيبُ

وبين ضـلوعهم قـلب وبيءٌ

تجـاذبـهُ المآثـمُ والذنـوبُ

شـياه فـرقـتْ في كلّ وادٍ

تولى أمـرَها ضـبع وذيـبُ

عبيد للخـنا أحـنوا ظـهوراً

لوقع سـياطـه فيهـا دبيبُ

أجـدكَ أن يكون لهم صلاح ؟

إذا طـالَ البَلا أعيا الطـبيبُ

********

بنـي أمّـي وربَّ دم مـراق

تَنـَزَّفـَهُ فتىً حـر صـليبُ

يسيلُ علىالثرى من ألفِ حولٍ

ويصرخُ:من مغيثٌ من مجيبُ ؟

بـني أمي وأُقسـمُ بالثكـالى

وقد شـقَّ السـما هذا النحيبُ

بكــلِّ أبيـّـَةٍ بيعـتْ ببخـس

لـوغـدٍ أُثقـِلتْ منـهُ الجـيوبُ

وفتيانٍ كـزهر الروضِ لطـفاً

وقد سحقتْ عظـامهم الحروبُ:

ليَـنـبثِـقـَـنَّ بحـرٌ من نجـيع

ويطـوي الأُفقَ إعصارٌ رهيبُ

وينهـتكَ الحجابُ فذاكَ قـَزْمٌ

وذاكَ سَـمَيْدَعٌ قـَرْمٌ مَهـيبُ

********

بني أمي ولاتَ زمـانَ لهـو

إذا ولى الصـبا ودنا المشيبُ

فإن وراءكـــم يمّـاً لجـيـبـاً

وليـسَ أمامكــم إلا اللهـــيبُ

فخوضوا النارَ واقتحموا المنايا

فقد تنبو السـيوفُ وقد تصيبُ

وغذّوا السير واغتنموا الليالي

فقد يتخـرَّق الثـوبُ القشيب

وقد يتنكـرُ الزمنُ المصـافي

وقد يتكـسّر الغصنُ الرطيبُ

وما يصفو الشرابُ بكل كأس

وأمُّ الدهـر مغـناجٌ لعـوبُ

وها دنَتِ القطـوفُ لمُجتنيها

وها وضحتْ لسالكها الدروبُ



رثــاء

كـثرتْ همومُك فاعتصمْ بالكـاسِ

وذرِ الدمـوعَ فما بها من آسِ

واصرِمْ حبالَ العيشِ وامضِ ولا تقلْ

"مافي وقوفكَ ساعـةً من باسِ"

واشـربْ أفاويقَ الشـبيبةِ قبل أنْ

يغزو نهارُ الشـيبِ ليلَ الراسِ

ويكَ اسـقِني صرفاً عُقاراً تُنسِني

صرفَ الزمانِ المكفهرِّ القاسي

يامن ثوى في أضلعي من قبل أن

يغدو الثرى مثواه، لستُ بناسي

بُعـداً لدهـرٍ راعني في فقدكـم

فإذا الخطـوبُ وريبُها جلاّسي

إن الدمـوعَ تخـونني فأخـونُها

وتهيجـني فأهيجُ برقَ الكاسِ

ويلُـمُّ بي جـزعٌ فيهتفُ هـاتفٌ

ليرنَّ في أذنيّ كـالأجـراسِ

أبشـرْ فإنّك في غـدٍ مترحـلٌ

في إثر من واريتَ في الأرماسِ !



رحــــيل

إرفَعْ شراعَك رغمَ الموج والصخب ِ

وارحلْ، فليسَ كعِتقِ الروحِ مِن إرَبِ

واسخرْ وأنتَ تجوزُ البَـرّ من رِممٍ

تخافُ وهي ببطـنِ القبرِ من عطبِ!

إرحلْ وذرهم مُسـوخاً رهنَ أقـبيةٍ

عمياءَ ، هـائمةً ، موهونةَ الرُكـَبِ

إرحلْ وإن كُـنتَ لا تدري لأيِّ غدٍ

يلقيكَ نجمُكَ ، للبُؤسـى أم النَشـَبِ

يكـفيكَ أنَّ وجـوهاً شاهَ مطلعُهـا

تيبَّسـت ، فهي أصـنامٌ من الخشبِ

وأنَّ ألســِنةً معـقـودةً أبـداً

في الحق ناطـقةً بالمَـينِ والكـذِبِ

وأيـدياً قد غزاها الموتُ شاحبةً

شُّـلَّتْ من اليأس لم تأخـذ ولم تهبِ

ستسـتحيلُ هشـيماً ثم تمسحها

يدُ الـزمان ، كـفعلِ النارِ بالحطبِ !



ملاحـظــات

* الواح انليل : في ميثولوجيا بلاد الرافدين يولد انليل من اتحاد آن (السماء) مع كي (الاهة الأرض.) إنه الإله الأعلى في مجمع الآلهة السومرية ويقع معبده في مدينة نفّـر. وهو اله الهواء والعواصف وسيد مصائر البشر وهو الذي يمنح شارة الملوكية لمن يختاره من البشر وهو مانح الخير والشر الذي أرسل الطوفان. أما البابليون فقد شبهوه بإلههم مردوخ الذي يقوم في الأسطورة البابلية بتحدي تيامات (ربة المياه المالحة وأم الآلهة) في قتال مرير منفرد وينتصر عليها ويقسم جسدها الى نصفين.

· الربان والبحـر : استلهم الشاعر الإطار العام للقصيدة من رواية "الشيخ والبحر" لإيرنست همنغوي

· أغنية التم : يقال أن هذا الطائر الجميل ( الذي استلهم تشايكوفسكي من اسطورته الباليه المعروفة خطاً ببحيرة البجع) يقوم بإنشاد آخر أغنية له عندما يحس بدنو موته.

· أغنية العام الجديد : "هللا لويا" كلمة تعني سبحوا الله وترد كثيراً في الصلوات والأناشيد الكنسية.

· الساموراي : طبقة المحاربين النبلاء في اليابان وهم معروفون بطقوسهم الخاصة في القتال والحياة ومواجهة الموت.

· بوحيٍ من مذكرات آدم وحواء لمارك توين

جميع الحقوق محفوظة

المكتبة الوطنية (الفهرسة أثناء الإيداع)

رقم الإيداع القانوني في دار الكتب

والوثائق ببغداد (642) لسنة 2000

موافقة وزارة الإعلام بالرقم (784)

في 25/9/2000


هناك تعليقان (2):

غير معرف يقول...

في نهارنا الاخير ونحن نودع راكوم الدهماء كانت الافكار قد اجتمعت على ان نعلن حدادنا على حدود المدينة المنكوبة...حدادنا على ماذا ؟!! على صحونا ..على عقولنا..على اسانا ولوعتنا ..على خمرنا وسجادات صلوتنا .دفن شاعرنا مزاميره ودفنا نحن الاخرون تمائمنا وسرر اولادنا ثم تلا شيخنا ما جادت به قريحة الهم وسرنا في رعاية الانكسار ....

غير معرف يقول...

قصيدة من الشعر الحديث جميلة جدا لكني استغرب لكونك دكتور اني لم ارَ شعر مابعد الحداثة والان كما تعلم هو مفقود على الساحة العربية ومتوهج في الساحة الغربية


تحسين عباس

tahseen_as@yahoo.com

بحث هذه المدونة الإلكترونية