مرحباً بكم في الموقع الشخصي لماجد الحيدر.. يمكنكم الاطلاع على معظم الأعمال المنشورة للكاتب.. يسرنا استلام تعليقاتكم ورسائلكم
The Personal Blog of Poet, Story Teller and Literary Translator Majid Alhydar
فرانك ستوكتن (1834-1902) كاتب أمريكي عرف بكتاباته الفكاهية وقصصه وحكايته الخرافية للأطفال ذات الحس المرح البعيد عن الأسلوب الوعظي والتي لاقت انتشاراً كبيراً في أواخر القرن التاسع عشر. أثارت هذه القصة ذات النهاية المفتوحة الغريبة الكثير من الاهتمام وصارت حديث الأوساط الاجتماعية والتربوية ومصدر إزعاج للكاتب الذي كانت تنهال عليه الأسئلة أينما حل عن النهاية "الحقيقية" للقصة. تلك النهاية التي ظل يرفض الكشف عنها حتى رحيله.
عزيزي القارئ. لقد خطر لي عند قراءتي للقصة أن أقوم باستطلاع بسيط لأراء فتيات صغيرات أو في سن الشباب إذ كنت أروي لهم القصة وأسالهن أن يخبرنني بكل حرية عما سيفعلنه لو كنَّ في مكان بطلة القصة وكان الجواب في أغلب –إن لم يكن جميع- الحالات صادماً ومخيبا للآمال على أقل تقدير! سأتركك الآن لتستمتع بالحكاية العجيبة وأطلب منك أن تقوم بعدها باستطلاع بسيط مثل الذي أجريتُه.. عسى أن تحصل على نتيجةٍ مغايرة!
المترجم
عروسٌ .. أَم نمر ؟
في زمانٍ موغلٍ في القدم عاش ملكٌ نصف بربري، رجلٌ ذو أهواء لا تحدها حدود، وسلطانٍ بلغ من قوته أن كل ما يخطر في باله يتحول في الحال الى حقيقةٍ واقعة. وكان أيضاً مغرماً بمشاورة نفسه، وعندما يتفق مع نفسه على شيء فإنه يجد سبيله الى التنفيذ فوراً.
عندما تسير الأمور على ما يرام تراهُ لطيفا ودودا كريماً، لكنه حين يواجَه بعقدةٍ ما ... يغدو أكثر كرما ولطفاً، ذلك لأنه لا يُسعَدُ بشيء في الدنيا مثل سعادته بتقويم ما يراه معوَجّاً، وتسوية الأماكن غير السوية بالأرض.
وكان ميدان القتال العمومي واحدا من نزواته التي استعارها من جيرانه "المتحضرين". إذ وجد فيه المكان الذي يهذب ويطهر عقول العامة حين تُعرض أمامهم ضروب الشجاعة الآدمية والحيوانية. لكن هذا الخيال البربري الذي لا تحده حدود أبى إلا أن يؤكد نفسه ها هنا أيضا؛ فهذا الملعب الكبير بأروقته الدائرية وقبوه الغامض وممراته الخفية كان موضوعاً لعدالةٍ شاعرية يتم على يديها معاقبة الجريمة ومكافأة الفضيلة في أحكام تصدر عن الصدفة العادلة العمياء. فعندما يتهم شخصٌ ما بجريمةٍ تبلغ من الأهمية حد أن تثير اهتمام الملك يُعلَن على الملأ أن مصير المتهم سيتقرر في هذه الحلبة. وإذ يجتمع الناس في الأروقة، ويجلس الملك على عرشه العالي وقد أحاطت به حاشيته يعطي إشارته فيُفتحُ بابٌ أسفل موضع العرش ليخطو المتهم الى الحلبة ويجد قبالته تماماً، في الجانب الآخر من الحلبة المسوَّرة، بابين متجاورين متشابهين تماماً. وهنا سيكون من واجب المتهم، ومن امتيازاته أيضاً، أن يتقدم نحو واحد من البابين ويفتحه. نعم، كان من حقه أن يفتح أيّا منهما، دونما مؤثر خارجي أو دليلٍ يقوده سوى المصادفة العادلة العمياء التي ذكرناها. فإذا فتح واحدا منهما خرج اليه نمرٌ جائع، من أكثر النمور ضراوةً ووحشية، ليثب عليه في الحال ويمزقه إربا إربا، عقابا له على جريمته. وفي اللحظة التي يتقرر فيها مصير المتهم بهذه الصورة الشنيعة ترنُّ الأجراس الحديدية الحزينة، ويتعالى صراخ النادبات الأجيرات اللاتي اصطففنَ خلف سياج الحلبة. أما أفراد الجمهور المحتشد فيمضون الى بيوتهم، برؤوسٍ منكسة وقلوبٍ تقطر ألماً لأن رجلاً في ريعان الشباب والجمال أو شيخاً وقوراً مسِنّاً قد لاقى مثل هذه الميتة البشعة.
أما إذا فتح المتهم الباب الآخر فستخرج اليه امرأة! امرأة يختارها صاحب الجلالة من أكثر النساء ملائمة لعمر المتهم ومركزه بين جميع رعاياه. ويتم في الحال تزويجه منها مكافأة له على براءته. ولا يهم بالطبع كون الرجل متزوجاً بالفعل أو أن قلبه يميل صوب امرأة أخرى؛ فالملك لا يسمح لترتيباتٍ مغايرةٍ كهذه بأن تعرقل منظومته العظيمة للثواب والعقاب. ولسوف تجري مراسيم الزواج في الحال، وفي نفس الحلبة؛ إذ ينفتح بابٌ آخر تحت عرش الملك، ليخرج منه كاهنٌ تتبعه ثلة من المنشدين والراقصات ويتقدمون وهم يطلقون أنغام الفرح من أبواق ذهبية الى حيث يقف الزوجان جنباً الى جنب، ثم تتم المراسيم السعيدة في عجالةٍ، فتدق الأجراس النحاسية الطروب وترتفع صيحات الفرح من الحاضرين، ويمضي الرجل الذي بُرِئت ساحته، يتقدمه صغارٌ ينثرون الورد في طريقه، ليقود عروسه الى بيته.
تلك كانت طريقة الملك نصف البربرية لتطبيق العدالة، وعدالتها المطلقة واضحة بالطبع للعيان. فالمجرم لن يفلح في معرفة الباب الذي يؤدي الى العروس، إنه يفتح أي باب يشاء دون أن يملك أدنى فكرة إن كان سيتزوج أو يُفتَرس في اللحظة التالية. ربما خرج اليه النمر.. وربما خرجت اليه العروس. وليست القرارات عادلة وحسب، لكنها قاطعة حاسمة؛ فالمتهم يعاقَب في الحال إذا وجد نفسه مذنباً أو يجازى من فوره، شاء ذلك أو أبى، فلا فرار مما يصدر عن حلبة الملك من أحكام.
كانت هذه المناسبات تحظى بشعبية كبيرة، فحين يجتمع الناس في يوم من أيامها المشهودة لا يعرفون إن كانوا سيشهدون مذبحة دموية أم عرساً بهيجاً، وعنصر الغموض وانعدام اليقين هو الذي يضفي على الحدث سمة الترقب والتشويق التي تجذب اليه الناس الذين كانوا يحصلون على المتعة والتسلية. أضف الى ذلك أن صفوة المجتمع لن تستطيع اتهام هذه الترتيبات بالابتعاد عن الإنصاف : ألم يكن تقرير الأمر بيد المتهم نفسه؟!
وكان لهذا الملك نصف البربري ابنة في ريعان شبابها ونضارتها وكأنها واحدة من نزواته الوردية ولها روح متقدة ومستبدة مثل روحه هو. وكانت، كما هو معتاد في هذه الحالات، قرّة عينه وأحب الناس الى قلبه. وكانت حاشيته تضم فيما تضم شاباً له من رفعة الأصل وضآلة المركز الوظيفي ما اعتدنا عليه عند أبطال القصص الرومانسية التقليدية الذين يعشقون أميراتهم.
وكانت هذه الأميرة راضية بحبيبها، فقد كان وسيماً وشجاعاً الى حد غير مسبوق في كل أرجاء المملكة، وكانت بدورها تحبه بحرارةٍ فيها من البربرية ما يحيلها الى عشق ملتهبٍ عنيف. مضت العلاقة بينهما بشكل سعيد طوال شهورٍ عديدة، حتى جاء اليوم الذي اكتشفها الملك، فلم يتردد أو يتوانى إزاء واجباته التي ذكرناها في البداية. زُج الفتى في السجن على الفور، وحُدد موعدُ محاكمته في حلبة الملك. كان هذا، بالطبع، حدثاً ذا أهميةٍ استثنائية، وكان جلالته، ومعه الناس كلهم، منشغلين بتفاصيل المحاكمة وتطوراتها. فلم تقع حالة مثل هذه من قبل، ولم يحدث قبل ذاك أن تجرأ فرد عادي على أن يعشق ابنةَ ملكٍ ما. لقد أصبحت حالات كهذه أموراً طبيعية في اللاحق من الأعوام، لكنها كانت في وقتها غريبة ومريعة الى حدٍ بعيد.
بحثوا في أقفاص النمور في المملكة عن أكثر الوحوش قسوة وضراوة كي يختاروا لحلبة الملك من بينها أكثرها شراسة. وقام قضاة أكفاء بمعاينة دقيقة لصفوف الصبايا والحسناوات من كل أنحاء المملكة لينتقوا للفتى عروساً مناسبة إذا ما رسم له القدر مصيراً مختلفاً. كان الجميع يعرفون أن الفعل الذي رمي به المتهم قد حدث وانتهى. لقد عشق الأميرة، ولم يفكر، لا هو ولا هي ولا أي إنسان آخر في إنكار الحقيقة. لكن الملك لم يكن ليسمح لأية حقيقة من هذا القبيل بأن تعرقل إجراءات المحاكمة التي شارك فيها بسرورٍ واقتناع عظيمين. سيتم التخلص من الفتى بغض النظر عما ستؤول اليه القضية، وسيتمتع الملك بنشوةٍ أخلاقية في مراقبة سير الأحداث التي ستقرر إن كان الفتى قد أخطأ أم لا عندما سمح لنفسه بالوقوع في حب الأميرة.
حل اليوم الموعود. وتجمع القاصي والداني، وغصت بهم شرفات الحلبة العظيمة، والتصق الجمهور الذي لم يتح له الدخول بجدران الملعب الخارجية. واتخذ الملك وحاشيته أماكنهم قبالة البابين التوأمين، تلكما البوابتين المصيريتين، الرهيبتين في التشابه بينهما.
كان الجميع على أهبة الاستعداد. وأعطيت الإشارة فانفتح باب تحت الحضرة الملكية، وتقدم عاشق الأميرة الى الحلبة. كان طويلاً، جميلاً، وسيماً، فقوبل ظهوره بهمهمةٍ خافتة من الإعجاب والقلق. لم يكن نصف الجمهور يعرف أن شاباً بهذه الروعة يعيش بين ظهرانيهم. لا عجب إذن في أن تحبه الأميرة! ويا لمقتله من أمرٍ فظيع!
عندما توسط الفتى حلبة الميدان استدار، كما تقضي التقاليد، كي ينحني للملك، لكنه لم يكن يفكر بالحضرة الملكية؛ كانت عيناه مثبتتان على الأميرة التي جلست على يمين أبيها. كان من المحتمل ألا تكون حاضرةً في المكان لولا العرق البربري الذي يسري في طباعها، فروحها المتقدة الشديدة لم تكن لتسمح لها أن تغيب عن مناسبة تهمها بهذا القدر الرهيب. ومنذ اللحظة التي صدرت فيها الإرادة الملكية بأن يقرر حبيبها مصيره في حلبة الملك، لم تفكر بشيء، في الليل أو في النهار، غير هذا الحدث العظيم وكل الأشخاص الذين لهم صلةً به. ولأنها تملك من السلطة والنفوذ وقوة الشخصية ما لم يملكه قبلاً أي ممن اهتموا بقضية مثل هذه فقد فعلت ما لم يفعله أحد قبلها: لقد عرفت سر البابين، عرفت في أي من الحجرتين القابعتين وراءهما ينتصب قفص النمر بواجهته المفتوحة، وفي أيهما تنتظر العروس.
كان من المستحيل أن يخرج من خلف البابين السميكين، المبطنين من الداخل بستائر جلدية ثخينة، أي صوت أو إشارة للشخص الذي يفترض به أن يتقدم ويرفع مزلاج واحدٍ منهما. لكن الذهب، وقوة إرادة النساء جاءا بالسر الى الأميرة. فلم تعرف فقط في أية حجرة تقف العروس المتألقة المتوردة من الخجل وقد استعدت للخروج حالما ينفتح بابها، بل عرفت أيضا من تكون. إنها واحدة من أجمل وأحب آنسات البلاط، تلك التي اختيرت لتكون جائزة الفتى إذا بانت براءته من جريمة التطلع الى امرأةٍ بهذا العلو عن مقامه. كانت الأميرة تكره تلك المخلوقة الحسناء، فلطالما رأتها، أو خيل لها أنها رأتها وهي ترمي بنظرات الإعجاب على شخص حبيبها، بل شكّت أحيانا بأن الفتى قد لاحظ تلك النظرات أو حتى قابلها بالمثل. كانت تراهما بين الآونة والأخرى وهما يتبادلان الحديث، ولكن للحظة أو اثنتين. غير أن الكثير يمكن أن يقال في فسحة صغيرة. ربما كان حديثا في أمورٍ شديد التفاهة، ولكن ما أدراها؟ كانت فتاة محبوبة، لكنها تجرأت على رفع ناظريها الى حبيب الأميرة، ولذلك فإنها -وبكل ضراوة الدماء الهمجية التي انتقلت إليها عبر سلالة طويلة من أسلافها البرابرة المقدسين- حقدت على الفتاة التي كانت ترتعش وتحمر خجلاً وراء ذلك الباب الصامت.
عندما استدار حبيبها ونظر اليها، والتقت عيناه بعينيها، وهي تجلس هناك، أكثر شحوباً واصفراراً من كل ذلك البحر المتلاطم من الوجوه القلقة المتطلعة من حولها، أدرك بنفاذ البصيرة الذي لا يملكه إلا من وحّد الحب أرواحهم، أدرك أنها تعلم علم اليقين أي البابين يجثم خلفه النمر وأيهما تقف خلفه الفتاة. كان يتوقع منها أن تعرف ذلك. فقد كان يفهم طباعها، وكانت روحه مطمئِّنة الى أنها لن تهدأ حتى تتفتح أمامها مغاليق السر الذي حُجب عن الجميع، وبضمنهم الملك نفسه. كان الأمل الوحيد الذي يحمل قدراً من التأكيد يعتمد على نجاح الأميرة في اكتشاف السر، ولقد أدرك منذ اللحظة التي أبصرها فيها أنها نجحت، كما يعرف في قرارة قلبه.
ثم جاءت تلك النظرة القلقة العجلى التي ألقت السؤال "أيهما؟"
السؤال الذي وضح أمامها وكأن الفتى صرخ به من حيث يقف. لم يكن ثمة وقتٍ لإضاعته؛ لقد ألقي السؤال في لمحة بصر ويجب الرد عليه في لمحة أخرى.
كانت ذراعها اليمنى ترتاح على حاجز الشرفة الوثير أمامها. رفعت يدها وأرسلت إشارة طفيفة خاطفة نحو اليمين. لم يرها أحد سوى حبيبها، فكل العيون سوى عينيه كانت مسمّرة على الرجل الذي في الحلبة.
استدار الفتى وعبر المسافة الخالية بخطوات واثقة سريعة. وتوقفت كل القلوب، وحُبست الأنفاس، وتسمرت كل العيون عليه. ودون أدنى تردد مضى نحو الباب الأيمن وفتحه.
والآن، فإن النقطة الأساسية في حكايتنا هي: هل خرج النمر من الباب؟ أم خرجت العروس؟
كلما تفكرنا في السؤال كلما تعسرت الإجابة عليه. فهي تتضمن دراسة القلب الإنساني الذي يقودنا خلال متاهات العاطفة الملتوية التي يصعب علينا إيجاد مخارجها. فكر في ذلك أيها القارئ المنصف، ليس كما لو كان القرار قرارك، بل قرار تلك الأميرة شبه البربرية، حامية الطباع، التي تتقلب روحها الهائجة بين نار اليأس ونار الغيرة. لقد خسرته الى الأبد، ولكن من الذي سيأخذه منها؟
كم مرة، في ساعات يقظتها أو في طيات أحلامها، أجفلت وقد جرفها رعب وحشي، ثم غطت وجهها بيديها وهي تفكر بحبيبها وهو يفتح الباب الذي تنتظر وراءه مخالب النمر التي لا تعرف الرحمة!
وكم وكم مرة رأته عند الباب الآخر!
كم، في أحلام يقظتها الأليمة الموجعة، صرّت على أسنانها ومزقت شعرها وهي تراه يثب في فرح عظيم إذ يفتح باب العروس! كم تلظت روحها وهي تراه يندفع لملاقاة تلك المرأة الأخرى، بخدودها المتوردة وعينيها اللتين تقدحان بفرحة النصر. وهي تراه يقودها خارجا وقد توهج كيانه بفرحة العودة الى الحياة. وهي تسمع صيحات الفرح التي تطلقها الجماهير، وضربات النواقيس المجلجلة السعيدة. وهي ترى الكاهن، وفي أثره أتباعه المبتهجين، يتقدم نحوهما ليعلن زواجهما أمام ناظريهما. ثم وهي تراهما يمضيان معاً فوق الطريق المفروش بالزهور، تحف بهما صيحات الحشود الصاخبة الجذلى التي تضيع وتغرق فيها صرختها اليائسة الوحيدة!
أليس من الأفضل له أن يموت من فوره، ليكون في انتظارها في أقاليم الحياة الأخرى شبه البربرية؟
ولكن ماذا عن ذلك النمر المخيف، تلك الصرخات، وتلك الدماء!
لقد بيَّنتْ جوابها في لحظة خاطفة، لكنه كان حصيلة أيام وليالٍ من التفكير المبرِّح. كانت تعلم أنها سوف تُسأل، ولقد قررت نوع إجابتها، وأشارت بيدها دون بصيص من التردد .... نحو اليمين!
إن قرارها ليس بالمسألة التي يجوز الاستخفاف بها، ولستُ أنا من يتجرأ على وضع نفسي موضع القادر على الإجابة. لذلك سأترك السؤال في عهدتكم:
هجم الجراد الزرقاوي على مدينته فأحتطب كل شيء فيها الإنسان والبستانوكان نصيبه ان سلبوا بيته واحرقوا مكتبته ، تلك التي كانت ملاذه فيسنوات الطغيان والتجهيل الزيتوني ، تلك المكتبة التي نهل منها معارفهوثقافته، وليس هذا فقط بل فقد كل ما بناه طيلة ربع قرن من العطاء البيتوالعمل والأصدقاء حيث استحال كل شيء في عينيه رمادياً بلون الرماد الذياحرق كل أشيائه الجميلة مفارقاً البساتين والدروب وتلك الليالي التي لاتشبه إلا الأحلام بعد ان حمل لقب(مهجر قسراً) وأصبح يعيش المنفى فيبلاده لكنه لم ييأس فهو الآن يسكن فوق قمة جبل في كردستان منتظراًالأمل الذي يعيده الى داره فهو يحاول ترميم حياته ليقف على قدميه منجديد..
ضياء كامل الدلفي يكتب قليلاً ويقرأ كثيراً ويتأمل ما حل بهذا الوطن مندمار وعينيه على الغد ترنو منتظراً خبر صدور آخر كتابين له ومنشغلاًبوضع اللمسات الأخيرة على العدد الأول من أول مجلة أطفال كردستانيةباللغة العربية تصدر عن (دار سبيريز) في دهوك وتخاطب الطفل العراقي ،فما بين طب الأسنان والشعر والقصة والمقال والترجمة وفن الكاريكاتيريتنقل كنسر فوق هذه القمم دون كلل او ملل ليرمم الحياة التي احرقتهاالحروب وهدمتها ، صدر له ( النهار الأخير مجموعة شعرية) و(مزاميرراكوم الدهماء مجموعة شعرية)و( في ظل ليمونة مجموعة قصصية) و(ماذا يأكلالأغنياء مجموعة قصصية) وترجم ( نشيد الحرية وقصائد أخرى لبرسي بيششللي) ، مؤسس وسكرتير منتدى شهربان الثقافي، عضو الإتحاد العام للأدباءالكتاب في العراق هو الشاعر والقاص الدكتور ماجد الحيدر.إلتقيناهقلبياً فكان لنا معه هذا الحوار.
* الجراد الملتحي الذي اجتاح مدينتك ولم تسلم حتى كتبك الشخصية من شره كيف تعايشت مع هذه المحنة القاسية؟
-لقد تعودنا نحن العراقيون على موجات الجراد التي تغزو أرضنا بين الحين والحين لتدمّر ما كدحت عقول وسواعد بنيها وبناتها في زرعه وجنيه من ثمار الحضارة والثقافة والفكر والإبداع. هذا هو شأننا منذ بداية التاريخ المعروف لبلاد الرافدين، وليس عبثاً أن الصديق الكبير محي الدين زنكنه أطلق اسم "الجراد" على إحدى مسرحياته المبكرة في سبعينيات القرن الماضي في إشارة الى موجة جراد الفاشية البعثية التي غزت العراق منذ عام 1963. لكنني أقول أننا اعتدنا أيضاً أن يكون الجراد الذي يغزونا من فصيلةٍ محدّدةٍ في كل مرة على العكس مما يحدث الآن، إذ تعددت ألوانه وفصائله وتسمياته؛ فبعد الجراد الزيتوني الذي كان ينشد "وصايا القائد الضرورة" وهو يلتهم أعمارنا وخبزنا وحريتنا صارت هناك –والحمد لله- وفرة في الأنواع والاختصاصات ، فهناك الجراد الملتحي الذي تفضلت بالإشارة اليه، والجراد الصحراوي والجراد المعمم والجراد الأمريكاني والجراد الصدامي والجراد الزرقاوي والجراد الاسطمبولي الخ، ناهيك عن الأنواع الكثيرة الأخرى التي يرسلها الينا على الدوام "أشقاؤنا" و "أصدقاؤنا" و "جيراننا" الطيبون!
النصيب الأكبر لهذه المدينة الوادعة التي عشت فيها ربع قرن من حياتي كان للجراد الملتحي، وهو كما تعرفون الأكثر قبحاً وفتكاً وساديةً وغباءً من بين سائر الأنواع، وعندما أتى على كتبي ذهلت من الحزن ووقع الفجيعة التي فاقت فجيعة فقداني بيتي وعملي وأحلامي فكتبت اثنتين من المقالات الحزينة الغاضبة (ماذا فعلتم بكتبي أيها..؟) و (وا ابن رشداه، قد أحرقوا كتبي!). لكنني قررت في النهاية أن أسخر من أولئك الهوج بتأسيس مكتبةٍ جديدة _مكتبة رقمية هذه المرة، يسهل حفظها أو إهداؤها الى أحبتي وتكون في مأمن من أية موجة من الموجات القادمة!
* كيف ترى الواقع الثقافي في ديالى بعد إغلاق أبواب اتحاد الأدباء بسبب الإرهاب واستشهاد وتهجير العشرات من أعضائه؟
-الواقع الثقافي في ديالى واقع "افتراضي" كما تقول لغة الكومبيوتر! بمعنى أن هناك نشاطاً ثقافياً واضحاً ومستمراً لأدباء ديالى ولكن خارج ديالى: في صحف ودوريات العاصمة أو المهجر الداخلي والخارجي وأيضا وبشكل أكبر على صفحات الانترنت.. فما زال محي الدين زنكنه ذلك العاشق المترهب في محراب المسرح وما زال صباح الأنباري يتابع كل جديد من مهجره وما زال سعد محمد رحيم يكتب القصة والدراسة النقدية بأسلوبه الهادئ العميق وما زال صلاح زنكنه ذلك المشاغب النشيط وما زال محمد الصيداوي يتفجر شعراً مضمخاً باللوعة وآلام الثكل وما زال ابراهيم البهرزي يكتب بسخريةٍ عذبة أليمة وما زال ابراهيم الخياط يكتب ويمارس دوره المؤثر من مقر الاتحاد وما زال حسين التميمي ومحمد الأحمد وكليزار أنور وعلي فرحان ود. فاضل التميمي وأحمد خالص الشعلان ومهند الشهرباني وشيماء المقدادي وجاسم درويش وحسين رشيد وجاسم عطا والكثير غيرهم من الأعزاء الذين لا يتسع المجال لذكر أسماءهم الكريمة.. وحتى من آثر الصمت حزناً أو احتجاجاً مثل أستاذنا الكبير سليمان البكري، ما زلت تشعر بوجوده القوي بيننا.. أما أبواب الاتحاد فلن ينقضي زمن طويل حتى تراها مفتوحةً لتحتضن الحياة الثقافية العامرة في هذه المحافظة الصامدة الصابرة.
* المثقف العراقي يعاني التهميش والإقصاء بسبب الصراعات السياسية والطائفية، كيف تنظرون لمستقبل الثقافة العراقية في ظل هذه الأجواء؟
-الثقافة العراقية ذات جذور قوية وراسخة، وهي قادرة على الخروج من أتون الحروب والصراعات والأزمات، فمثل هذه الأمور قد تعيق النشاطات الثقافية أو تتسبب في إغلاق المسارح ودور السينما والمطابع لفترةٍ قد تطول أو تقصر، لكنها لا تشكل خطراً حقيقياً على مستقبل الثقافة. الخطر الأكبر في رأيي المتواضعيكمن في التهميش المتعمد الذي تمارسه بعض القيادات والتيارات المتنفذة ضد الثقافة والمثقف. إنهم أما جهلة بأهمية الثقافة ودورها في المجتمع، أو لاهين باغتنام المكاسب والصراع على النفوذ والسلطة ويعتقدون –وهم على حق- بأن هذا المثقف الأعزل المفلس المتفلسف الحالم لا يشكل رقماً إضافياً في رصيدهم وترسانتهم، أو إنهم ببساطة يطالبون المثقف بأن يكون بوقاً مدفوع الأجر أو أن يخرس الى الأبد! أبلغ مثال على ذلك مسألة اختيار وزير للثقافة؛ إذ كانت في قعر أولويات معظم القوى السياسية الحاكمة لكن هذا لم يُعفها من التجاذبات الطائفية الكريهة التي أدت الى هذا الفشل المخزي للمؤسسة الثقافية الرسمية. لكن الأمر في نهاية الأمر بيد المثقفين أنفسهم، فهل يستسلمون ويفترشون المقاهي بانتظار "التفاتةٍ كريمة" من هذا المسؤول أو ذاك، أم يبادرون الى تفعيل دورهم ومواصلة الإبداع والتطور مستفيدين من جو الحرية النسبية وازداد المؤسسات والتجمعات الثقافية غير الحكومية التي يمارس بعضها –دون ذكر الأسماء- دوراً مشرفاً في الحفاظ على تألق الثقافة العراقية وتواصلها..
- قد أتنقل هنا وهناك وأجرب المغامرة في مختلف موانئ الثقافة والأدب لكنني أعود دائماً الى مينائي الأول ألا وهو الشعر، ففي الشعر أجد نفسي، ولقب الشاعر هو الأحب الى قلبي، أما طب الأسنان فهو مهنة، مهنة مثل كل المهن، أكلت من عمري ربع قرن لكنها أعانتني على ضراوة الحياة وحمتني من الوقوع في شرك التملق أو التكسب الرخيص وسأفارقها ذات يوم بعامود فقري مشوّه وحفنة من الأمراض المزمنة ورصيدٍ خالٍ إلا من عرفان بعض الذين خففت من آلامهم ذات يوم!
* هناك البعض من شعراء العامود بدأوا يقلدون شكل قصيدة النثر كيف تقرأ هذا التحول؟
- أغلب ما يُكتَب من قصائد كلاسيكية لم يعد قادراً على الإبهار أو انتزاع إعجاب الجمهور كما كان الحال في السابق، فالشعر العمودي آخذ من زمن طويل بالتقهقر والانزواء في كتب تاريخ الأدب ماعدا بعض الاستثناءات. ربما كان تغير إيقاع العصر، ربما بسبب حاجة القصيدة الكلاسيكية الى قارئ يتمتع بمواصفات لغوية وثقافية وسماعية خاصة لا يتوفر عليها القارئ العادي هذه الأيام، ربما كان ضيقاً بالأطر التقليدية، وربما كان إعراضاً من الجمهور لكثرة ما كان يسمع من شعر عمودي مبتذل ورخيص مكرس لتمجيد الطاغية، وربما كان مجرد افتقار بعض الشعراء الى الأدوات الفنية واللغوية التي تتيح لهم إنتاج قصيدة عمودية ناجحة. وعموماً فقد قيل الكثير عن هذا الموضوع لكن ذلك لايمنع التذكير بثلاثة أمور: أولاً: إن لدينا تراثاً ضخماً ورائعاً من الشعر الكلاسيكي لا ينبغي إدارة ظهورنا إليه بل يتحتم على كل من يريد الولوج الى عالم الشعر بكل أشكاله ومدارسه أن يرتوي منه مليّاً. ثانياً: ما زالت العربية تقدم باستمرار عدداً لا بأس به -وإن كان متناقصاً- من الشعراء العموديين المجيدين وسيبقى الأمر كذلك حتى زمنٍ أطول بكثير مما يتوقعه البعض. وأخيراً بينما نجد أن بعضاً من شعراء قصيدة النثر قد جربوا حظهم في كتابة القصيدة العمودية ثم/ أو قصيدة التفعيلة قبل أن ينتهوا الى قصيدة النثر لكنهم أخفقوا في هذا التحول رغم ما قد يتبادر الى الأذهان من سهولة كتابة القصيدة النثرية فإننا نجد البعض الآخر أبدع ونجح في ذلك مستفيداً بالتأكيد من الخزين اللغوي والبلاغي الثر والإحساس العالي بالموسيقى اللذين يرافقان ممارسة القصيدة الكلاسيكية.
* بعد القرار المجحف من قبل اتحاد الأدباء العرب في تعليق عضوية اتحاد الأدباء العراقي هل تعتقد ان المثقف العراقي بحاجة الى ان يأخذ مشروعيته منه؟
- المثقف العراقي واتحاده لا يحتاجان الى أخذ المشروعية من هؤلاء بل ربما كان العكس هو الصحيح، وهؤلاء الذين أصروا على تعليق عضوية اتحادنا بحججهم السخيفة إنما فعلوا ذلك إما عرفاناً بالهبات التي كان يرميها إليهم الطاغية، وإما –إذا افترضنا حسن النية- انطلاقاً من قراءة سطحية وساذجة للمشهد العراقي المعقد عموماً وواقع وتاريخ الثقافة العراقية خصوصاً، وهم في ذلك لا يمثلون رأي المثقف العربي بقدر ما يمثلون آراء "القيادات السياسية الحكيمة" في بلدانهم التي ما إن تتغير حتى تتغير مواقفهم بدورهم 180 درجة!
* النشر عبر الانترنت هل أتاح الفرصة للمثقف العراقي في الانتشار عالميا بعيداً عن مزاجية وديكتاتورية محرري الصفحات الثقافية في الصحف اليومية؟
- نعم لقد فتح الانترنت آفاقاً رحبة أمام المثقف العراقي قارئاً وكاتباً وباحثاً لا نتيجة التخلص مما تفضلت بتسميته بالدكتاتورية التي يمارسها فعلاً العديد من المحررين وحسب، بل أيضاً نتيجة تخلصه من كثير من التابوات والخطوط الحمراء السياسية والاجتماعية والفكرية ناهيك عن الكلفة الزهيدة والسهولة الفائقة لاستخدام الانترنت. لكن ذلك لم ولن يكون الوصفة السحرية نحو العالمية، فالعالمية لها شروطها الإبداعية وظروفها الخاصة التي بُحثت في أكثر من مناسبة، ولا تنس أحد الجوانب السلبية في الموضوع وهو تفاقم حرمان المبدع العراقي من حقوق الملكية الفكرية المحروم منها أصلاً بسبب عمليات السرقة والسطو والانتحال والنشر غير القانوني.
* في ظل ليمونة كتاب ضم العشرات من نتاجات أدباء المقدادية هذا المشروع الرائع أين أصبح وهل من جديد ؟
- في ظل ليمونة، المجموعة القصصية المشتركة التي أصدرناها عام 2001 كانت مغامرة لذيذة من حيث الجهد الذي رافقها وطريقة طباعتها ومضمونها الجريء وكيف إفلاته من الرقابة بمساعدة أحد الأصدقاء. وكنا ننوي إصدار المزيد من المجاميع الشعرية والقصصية ثم توجهنا بعد تأسيس منتدى شهربان الثقافي نحو إصدار مجلة دورية متخصصة وأكملنا بالفعل تهيئة العدد الأول منها لكن انعدام التمويل وفتور حماس بعض زملائنا وتردي الوضع الأمني أجلت هذا المشروع الى زمنٍ قد يطول أو يقصر وعموماً ما زالت النسخة اليتيمة من تلك المجلة قابعة في دواليب الاتحاد العام للأدباء الذي وعدنا منذ أكثر من عامين بالمساعدة في إصدارها!
* منتدى شهربان الثقافي خطوة ثقافية لمت شمل أدباء المقدادية هلا حدثتنا عنه وكيف تأسس ولماذا شهربان وهل كان خطوة نحو فيدرالية الادب ؟
- كنّا مجموعة صغيرة من أدباء المدينة نجتمع قبل سقوط النظام السابق في مقهى صغير لا يزيد على بضعة أمتار مربعة، نتبادل الأحاديث والنتاجات وآخر أخبار الثقافة والأدب. ومن هذا المقهى اطلقت فكرة مجموعة في ظل ليمونة ثم فكرة تأسيس منتدى ثقافي تابع لفرع الاتحاد في المحافظة أسوة بعدد من المنتديات المشابهة التي ظهرت في بعض المدن العراقية، وكتبت فعلاً طلباً بهذا الخصوص. لكن ملاحظة مهمة من بعض الأصدقاء نبهتنا الى أننا سنكون في ورطة لا نُحسد عليها عند التعامل مع ممثلي السلطة والحزب الحاكم واحتفالاتهم الغبية بما كان يسمى بالمناسبات الوطنية والقومية مثل أعياد ميلاد "القائد حفظه الله" فآثرنا إهمال هذه الفكرة والاكتفاء بالاجتماع في هذا المقهى أو عيادتي الخاصة أو في بساتين الأصدقاء عندما نقيم جلسات أو احتفالات أكبر. بعد سقوط النظام بادرنا بالدعوة الى تأسيس المنتدى دون أن ننتظر موافقة أو دعماً من أية جهةٍ، وأعلنا بعد فترة عن تأسيس منتدى شهربان الثقافي وضعنا نظامه الداخلي وبيان تأسيسه واتفقنا على الهيئة الإدارية. لكن بقيت مشكلة المقر، فقد ماطلت الجهات الرسمية في تخصيص بنايةٍ متواضعةٍ ما من عشرات البنايات الحزبية أو العسكرية المهجورة آنذاك واعتذرنا من جهتنا عن قبول دعوات الاستضافة التي جاءتنا من بعض الأحزاب السياسية لحرصنا على استقلالية المنتدى ورفضنا كذلك أي دعمٍ من سلطات التحالف، ثم إن اتحاد الأدباء بمركزه الرئيسي أو بفرعه في المحافظة كان في وضعٍ مادي صعب فلم يكن أمامي إلا أن أتقدم بفكرة تحويل جزء من عيادتي الخاصة الى مقر صغير للمنتدى نجتمع فيه كل مساء، ثم نجحنا –في عملية طريفة استخدمنا فيها كل "براعتنا الهندسية" وبالاستعانة بنجّارٍ مبتدئ "شلع" قلوبنا ببلادته- في تنفيذ جدران خشبية متحركة تتيح لنا في أيام الجمع والمناسبات أن نحصل على قاعةٍ لا بأس بها تسع (40-50) مدعواً أقمنا فيها نشاطاتنا الى أن امتدت اليه يد اللصوصية والإرهاب التي أشعلت فيه النيران بعد أن نهبت محتوياته البسيطة.
إنني إذ استذكر هذه التفاصيل الجميلة أشعر بالفخر والاعتزاز الشديدين بأننا استطعنا -في ظل الظروف الأمنية التي كانت تتدهور بشكل متسارع وتحت أصوات الرشاشات والهاونات ونداءات التخندق الطائفي البغيض التي كانت تتصلعد من هذه المنارة أو تلك- أن نقيم واحةً صغيرة للثقافة والتسامح والمحبة والإبداع لم يكن غيرنا يجرؤ على مجرد التفكير بها. فهنا، في هذه الصالة المتواضعة أقمنا عشرات الأمسيات (نعم الأمسيات وليس الأصبوحات) في الشعر والقصة والنقد والتاريخ والقانون والموسيقى والترجمة واللغات والفنون. وإني أنتهز هذه المناسبة لأحيي كل أصدقائنا وزملائنا الذين شاركونا هذا العناء اللذيذ وأنحني احتراماً لذكرى أعضاء المنتدى الذين غيبهم رصاص الإرهاب الهمجي أو ماتوا قهراً وغمّاً على مآل هذه المدينة الوادعة الجميلة أمثال الشهيد خليل علي شكر والشهيد ضياء إبراهيم العزاوي والمناضل الفقيد غانم نوري وأتطلع الى اليوم الذي أنظف فيه بيدي أرض وجدران المنتدى من جديد وأوقد فيه البخور ترحيباً بكل أولئك الأصدقاء والزملاء الرائعين.
* كأوراق الخريف تساقط العشرات من الادباء العراقيون الكبار هل سيستطيع اخرون ملء اماكنهم؟
- نعم لقد سقط العشرات من الأدباء الكبار منفيين أو منسيين أو مهملين أو مقهورين أو جياعاً وهم من يستحق كل منهم أكثر من تمثال ومتحف وهذه سنّة الحياة. لكن الخريف ليس إلا جزءً واحداً من دورة الفصول.. وسرعان ما نرى هذا البستان الكريم العريق وهو يزهو بعشرات غيرهم وربما أعظم منهم موهبةً وإبداعاً وعطاءً.. فنحن في العراق.. وهذا لوحده يحمل أكثر من مغزى!
* اين انت الان وماهو جديدك؟
-غادرت المدينة مع من غادروا، وحملتُ كمئات الألوف من غيري لقب "المهجر قسرياً" لكنني ما زلت في وطني وفي كردستان الحبيبة بالتحديد.. أحاول أن أرمم حياتي وأقف على قدمي من جديد.. أكتب قليلاً وأقرأ كثيراً وأتأمل ما حل بهذا الوطن من دمار وعيني على الغد.. أنتظر أن أتلقى خبر صدور آخر كتابين لي ما زالا قابعين من عامين عند الناشرين في بغداد كما أضع اللمسات الأخيرة على العدد الأول من من أول مجلة أطفال كردستانية باللغة العربية تصدر عن دار سبيريز في دهوك وتخاطب الطفل العراقي أينما كان لأحقق بذلك حلماً ومغامرة طفولية ظلت تراودني منذ قرابة الأربعين عاماً في تحرير مجلةٍ للصغار... مجلةٍ للصغار يحررها شاعر يرفض أن يكبر!