ما بين ديالى ودهـوك جسر من الحلم أعبره كل مساء


ماجد الحيدر:

ما بين ديالى ودهـوك جسر من الحلم أعبره كل مساء


لقاء أجراه ضياء كامل الدلفي


هجم الجراد الزرقاوي على مدينته فأحتطب كل شيء فيها الإنسان والبستان وكان نصيبه ان سلبوا بيته واحرقوا مكتبته ، تلك التي كانت ملاذه في سنوات الطغيان والتجهيل الزيتوني ، تلك المكتبة التي نهل منها معارفه وثقافته، وليس هذا فقط بل فقد كل ما بناه طيلة ربع قرن من العطاء البيت والعمل والأصدقاء حيث استحال كل شيء في عينيه رمادياً بلون الرماد الذي احرق كل أشيائه الجميلة مفارقاً البساتين والدروب وتلك الليالي التي لا تشبه إلا الأحلام بعد ان حمل لقب(مهجر قسراً) وأصبح يعيش المنفى في بلاده لكنه لم ييأس فهو الآن يسكن فوق قمة جبل في كردستان منتظراً الأمل الذي يعيده الى داره فهو يحاول ترميم حياته ليقف على قدميه من جديد..

ضياء كامل الدلفي
 يكتب قليلاً ويقرأ كثيراً ويتأمل ما حل بهذا الوطن من دمار وعينيه على الغد ترنو منتظراً خبر صدور آخر كتابين له ومنشغلاً بوضع اللمسات الأخيرة على العدد الأول من أول مجلة أطفال كردستانية باللغة العربية تصدر عن (دار سبيريز) في دهوك وتخاطب الطفل العراقي ، فما بين طب الأسنان والشعر والقصة والمقال والترجمة وفن الكاريكاتير يتنقل كنسر فوق هذه القمم دون كلل او ملل ليرمم الحياة التي احرقتها الحروب وهدمتها ، صدر له ( النهار الأخير مجموعة شعرية) و(مزامير راكوم الدهماء مجموعة شعرية)و( في ظل ليمونة مجموعة قصصية) و(ماذا يأكل الأغنياء مجموعة قصصية) وترجم ( نشيد الحرية وقصائد أخرى لبرسي بيش شللي) ، مؤسس وسكرتير منتدى شهربان الثقافي، عضو الإتحاد العام للأدباء الكتاب في العراق هو الشاعر والقاص الدكتور ماجد الحيدر. إلتقيناه قلبياً فكان لنا معه هذا الحوار.

* الجراد الملتحي الذي اجتاح مدينتك ولم تسلم حتى كتبك الشخصية من شره كيف تعايشت مع هذه المحنة القاسية؟

-لقد تعودنا نحن العراقيون على موجات الجراد التي تغزو أرضنا بين الحين والحين لتدمّر ما كدحت عقول وسواعد بنيها وبناتها في زرعه وجنيه من ثمار الحضارة والثقافة والفكر والإبداع. هذا هو شأننا منذ بداية التاريخ المعروف لبلاد الرافدين، وليس عبثاً أن الصديق الكبير محي الدين زنكنه أطلق اسم "الجراد" على إحدى مسرحياته المبكرة في سبعينيات القرن الماضي في إشارة الى موجة جراد الفاشية البعثية التي غزت العراق منذ عام 1963. لكنني أقول أننا اعتدنا أيضاً أن يكون الجراد الذي يغزونا من فصيلةٍ محدّدةٍ في كل مرة على العكس مما يحدث الآن، إذ تعددت ألوانه وفصائله وتسمياته؛ فبعد الجراد الزيتوني الذي كان ينشد "وصايا القائد الضرورة" وهو يلتهم أعمارنا وخبزنا وحريتنا صارت هناك –والحمد لله- وفرة في الأنواع والاختصاصات ، فهناك الجراد الملتحي الذي تفضلت بالإشارة اليه، والجراد الصحراوي والجراد المعمم والجراد الأمريكاني والجراد الصدامي والجراد الزرقاوي والجراد الاسطمبولي الخ، ناهيك عن الأنواع الكثيرة الأخرى التي يرسلها الينا على الدوام "أشقاؤنا" و "أصدقاؤنا" و "جيراننا" الطيبون!

النصيب الأكبر لهذه المدينة الوادعة التي عشت فيها ربع قرن من حياتي كان للجراد الملتحي، وهو كما تعرفون الأكثر قبحاً وفتكاً وساديةً وغباءً من بين سائر الأنواع، وعندما أتى على كتبي ذهلت من الحزن ووقع الفجيعة التي فاقت فجيعة فقداني بيتي وعملي وأحلامي فكتبت اثنتين من المقالات الحزينة الغاضبة (ماذا فعلتم بكتبي أيها..؟) و (وا ابن رشداه، قد أحرقوا كتبي!). لكنني قررت في النهاية أن أسخر من أولئك الهوج بتأسيس مكتبةٍ جديدة _مكتبة رقمية هذه المرة، يسهل حفظها أو إهداؤها الى أحبتي وتكون في مأمن من أية موجة من الموجات القادمة!

* كيف ترى الواقع الثقافي في ديالى بعد إغلاق أبواب اتحاد الأدباء بسبب الإرهاب واستشهاد وتهجير العشرات من أعضائه؟

-الواقع الثقافي في ديالى واقع "افتراضي" كما تقول لغة الكومبيوتر! بمعنى أن هناك نشاطاً ثقافياً واضحاً ومستمراً لأدباء ديالى ولكن خارج ديالى: في صحف ودوريات العاصمة أو المهجر الداخلي والخارجي وأيضا وبشكل أكبر على صفحات الانترنت.. فما زال محي الدين زنكنه ذلك العاشق المترهب في محراب المسرح وما زال صباح الأنباري يتابع كل جديد من مهجره وما زال سعد محمد رحيم يكتب القصة والدراسة النقدية بأسلوبه الهادئ العميق وما زال صلاح زنكنه ذلك المشاغب النشيط وما زال محمد الصيداوي يتفجر شعراً مضمخاً باللوعة وآلام الثكل وما زال ابراهيم البهرزي يكتب بسخريةٍ عذبة أليمة وما زال ابراهيم الخياط يكتب ويمارس دوره المؤثر من مقر الاتحاد وما زال حسين التميمي ومحمد الأحمد وكليزار أنور وعلي فرحان ود. فاضل التميمي وأحمد خالص الشعلان ومهند الشهرباني وشيماء المقدادي وجاسم درويش وحسين رشيد وجاسم عطا والكثير غيرهم من الأعزاء الذين لا يتسع المجال لذكر أسماءهم الكريمة.. وحتى من آثر الصمت حزناً أو احتجاجاً مثل أستاذنا الكبير سليمان البكري، ما زلت تشعر بوجوده القوي بيننا.. أما أبواب الاتحاد فلن ينقضي زمن طويل حتى تراها مفتوحةً لتحتضن الحياة الثقافية العامرة في هذه المحافظة الصامدة الصابرة.

* المثقف العراقي يعاني التهميش والإقصاء بسبب الصراعات السياسية والطائفية، كيف تنظرون لمستقبل الثقافة العراقية في ظل هذه الأجواء؟

-الثقافة العراقية ذات جذور قوية وراسخة، وهي قادرة على الخروج من أتون الحروب والصراعات والأزمات، فمثل هذه الأمور قد تعيق النشاطات الثقافية أو تتسبب في إغلاق المسارح ودور السينما والمطابع لفترةٍ قد تطول أو تقصر، لكنها لا تشكل خطراً حقيقياً على مستقبل الثقافة. الخطر الأكبر في رأيي المتواضع يكمن في التهميش المتعمد الذي تمارسه بعض القيادات والتيارات المتنفذة ضد الثقافة والمثقف. إنهم أما جهلة بأهمية الثقافة ودورها في المجتمع، أو لاهين باغتنام المكاسب والصراع على النفوذ والسلطة ويعتقدون –وهم على حق- بأن هذا المثقف الأعزل المفلس المتفلسف الحالم لا يشكل رقماً إضافياً في رصيدهم وترسانتهم، أو إنهم ببساطة يطالبون المثقف بأن يكون بوقاً مدفوع الأجر أو أن يخرس الى الأبد! أبلغ مثال على ذلك مسألة اختيار وزير للثقافة؛ إذ كانت في قعر أولويات معظم القوى السياسية الحاكمة لكن هذا لم يُعفها من التجاذبات الطائفية الكريهة التي أدت الى هذا الفشل المخزي للمؤسسة الثقافية الرسمية. لكن الأمر في نهاية الأمر بيد المثقفين أنفسهم، فهل يستسلمون ويفترشون المقاهي بانتظار "التفاتةٍ كريمة" من هذا المسؤول أو ذاك، أم يبادرون الى تفعيل دورهم ومواصلة الإبداع والتطور مستفيدين من جو الحرية النسبية وازداد المؤسسات والتجمعات الثقافية غير الحكومية التي يمارس بعضها –دون ذكر الأسماء- دوراً مشرفاً في الحفاظ على تألق الثقافة العراقية وتواصلها..

* مابين طب الأسنان والشعر والقصة والمقال والترجمة والفن التشكيلي، أين تجد نفسك؟

- قد أتنقل هنا وهناك وأجرب المغامرة في مختلف موانئ الثقافة والأدب لكنني أعود دائماً الى مينائي الأول ألا وهو الشعر، ففي الشعر أجد نفسي، ولقب الشاعر هو الأحب الى قلبي، أما طب الأسنان فهو مهنة، مهنة مثل كل المهن، أكلت من عمري ربع قرن لكنها أعانتني على ضراوة الحياة وحمتني من الوقوع في شرك التملق أو التكسب الرخيص وسأفارقها ذات يوم بعامود فقري مشوّه وحفنة من الأمراض المزمنة ورصيدٍ خالٍ إلا من عرفان بعض الذين خففت من آلامهم ذات يوم!

* هناك البعض من شعراء العامود بدأوا يقلدون شكل قصيدة النثر كيف تقرأ هذا التحول؟

- أغلب ما يُكتَب من قصائد كلاسيكية لم يعد قادراً على الإبهار أو انتزاع إعجاب الجمهور كما كان الحال في السابق، فالشعر العمودي آخذ من زمن طويل بالتقهقر والانزواء في كتب تاريخ الأدب ماعدا بعض الاستثناءات. ربما كان تغير إيقاع العصر، ربما بسبب حاجة القصيدة الكلاسيكية الى قارئ يتمتع بمواصفات لغوية وثقافية وسماعية خاصة لا يتوفر عليها القارئ العادي هذه الأيام، ربما كان ضيقاً بالأطر التقليدية، وربما كان إعراضاً من الجمهور لكثرة ما كان يسمع من شعر عمودي مبتذل ورخيص مكرس لتمجيد الطاغية، وربما كان مجرد افتقار بعض الشعراء الى الأدوات الفنية واللغوية التي تتيح لهم إنتاج قصيدة عمودية ناجحة. وعموماً فقد قيل الكثير عن هذا الموضوع لكن ذلك لايمنع التذكير بثلاثة أمور: أولاً: إن لدينا تراثاً ضخماً ورائعاً من الشعر الكلاسيكي لا ينبغي إدارة ظهورنا إليه بل يتحتم على كل من يريد الولوج الى عالم الشعر بكل أشكاله ومدارسه أن يرتوي منه مليّاً. ثانياً: ما زالت العربية تقدم باستمرار عدداً لا بأس به -وإن كان متناقصاً- من الشعراء العموديين المجيدين وسيبقى الأمر كذلك حتى زمنٍ أطول بكثير مما يتوقعه البعض. وأخيراً بينما نجد أن بعضاً من شعراء قصيدة النثر قد جربوا حظهم في كتابة القصيدة العمودية ثم/ أو قصيدة التفعيلة قبل أن ينتهوا الى قصيدة النثر لكنهم أخفقوا في هذا التحول رغم ما قد يتبادر الى الأذهان من سهولة كتابة القصيدة النثرية فإننا نجد البعض الآخر أبدع ونجح في ذلك مستفيداً بالتأكيد من الخزين اللغوي والبلاغي الثر والإحساس العالي بالموسيقى اللذين يرافقان ممارسة القصيدة الكلاسيكية.

* بعد القرار المجحف من قبل اتحاد الأدباء العرب في تعليق عضوية اتحاد الأدباء العراقي هل تعتقد ان المثقف العراقي بحاجة الى ان يأخذ مشروعيته منه؟

- المثقف العراقي واتحاده لا يحتاجان الى أخذ المشروعية من هؤلاء بل ربما كان العكس هو الصحيح، وهؤلاء الذين أصروا على تعليق عضوية اتحادنا بحججهم السخيفة إنما فعلوا ذلك إما عرفاناً بالهبات التي كان يرميها إليهم الطاغية، وإما –إذا افترضنا حسن النية- انطلاقاً من قراءة سطحية وساذجة للمشهد العراقي المعقد عموماً وواقع وتاريخ الثقافة العراقية خصوصاً، وهم في ذلك لا يمثلون رأي المثقف العربي بقدر ما يمثلون آراء "القيادات السياسية الحكيمة" في بلدانهم التي ما إن تتغير حتى تتغير مواقفهم بدورهم 180 درجة!

* النشر عبر الانترنت هل أتاح الفرصة للمثقف العراقي في الانتشار عالميا بعيداً عن مزاجية وديكتاتورية محرري الصفحات الثقافية في الصحف اليومية؟

- نعم لقد فتح الانترنت آفاقاً رحبة أمام المثقف العراقي قارئاً وكاتباً وباحثاً لا نتيجة التخلص مما تفضلت بتسميته بالدكتاتورية التي يمارسها فعلاً العديد من المحررين وحسب، بل أيضاً نتيجة تخلصه من كثير من التابوات والخطوط الحمراء السياسية والاجتماعية والفكرية ناهيك عن الكلفة الزهيدة والسهولة الفائقة لاستخدام الانترنت. لكن ذلك لم ولن يكون الوصفة السحرية نحو العالمية، فالعالمية لها شروطها الإبداعية وظروفها الخاصة التي بُحثت في أكثر من مناسبة، ولا تنس أحد الجوانب السلبية في الموضوع وهو تفاقم حرمان المبدع العراقي من حقوق الملكية الفكرية المحروم منها أصلاً بسبب عمليات السرقة والسطو والانتحال والنشر غير القانوني.

* في ظل ليمونة كتاب ضم العشرات من نتاجات أدباء المقدادية هذا المشروع الرائع أين أصبح وهل من جديد ؟

- في ظل ليمونة، المجموعة القصصية المشتركة التي أصدرناها عام 2001 كانت مغامرة لذيذة من حيث الجهد الذي رافقها وطريقة طباعتها ومضمونها الجريء وكيف إفلاته من الرقابة بمساعدة أحد الأصدقاء. وكنا ننوي إصدار المزيد من المجاميع الشعرية والقصصية ثم توجهنا بعد تأسيس منتدى شهربان الثقافي نحو إصدار مجلة دورية متخصصة وأكملنا بالفعل تهيئة العدد الأول منها لكن انعدام التمويل وفتور حماس بعض زملائنا وتردي الوضع الأمني أجلت هذا المشروع الى زمنٍ قد يطول أو يقصر وعموماً ما زالت النسخة اليتيمة من تلك المجلة قابعة في دواليب الاتحاد العام للأدباء الذي وعدنا منذ أكثر من عامين بالمساعدة في إصدارها!

* منتدى شهربان الثقافي خطوة ثقافية لمت شمل أدباء المقدادية هلا حدثتنا عنه وكيف تأسس ولماذا شهربان وهل كان خطوة نحو فيدرالية الادب ؟

- كنّا مجموعة صغيرة من أدباء المدينة نجتمع قبل سقوط النظام السابق في مقهى صغير لا يزيد على بضعة أمتار مربعة، نتبادل الأحاديث والنتاجات وآخر أخبار الثقافة والأدب. ومن هذا المقهى اطلقت فكرة مجموعة في ظل ليمونة ثم فكرة تأسيس منتدى ثقافي تابع لفرع الاتحاد في المحافظة أسوة بعدد من المنتديات المشابهة التي ظهرت في بعض المدن العراقية، وكتبت فعلاً طلباً بهذا الخصوص. لكن ملاحظة مهمة من بعض الأصدقاء نبهتنا الى أننا سنكون في ورطة لا نُحسد عليها عند التعامل مع ممثلي السلطة والحزب الحاكم واحتفالاتهم الغبية بما كان يسمى بالمناسبات الوطنية والقومية مثل أعياد ميلاد "القائد حفظه الله" فآثرنا إهمال هذه الفكرة والاكتفاء بالاجتماع في هذا المقهى أو عيادتي الخاصة أو في بساتين الأصدقاء عندما نقيم جلسات أو احتفالات أكبر. بعد سقوط النظام بادرنا بالدعوة الى تأسيس المنتدى دون أن ننتظر موافقة أو دعماً من أية جهةٍ، وأعلنا بعد فترة عن تأسيس منتدى شهربان الثقافي وضعنا نظامه الداخلي وبيان تأسيسه واتفقنا على الهيئة الإدارية. لكن بقيت مشكلة المقر، فقد ماطلت الجهات الرسمية في تخصيص بنايةٍ متواضعةٍ ما من عشرات البنايات الحزبية أو العسكرية المهجورة آنذاك واعتذرنا من جهتنا عن قبول دعوات الاستضافة التي جاءتنا من بعض الأحزاب السياسية لحرصنا على استقلالية المنتدى ورفضنا كذلك أي دعمٍ من سلطات التحالف، ثم إن اتحاد الأدباء بمركزه الرئيسي أو بفرعه في المحافظة كان في وضعٍ مادي صعب فلم يكن أمامي إلا أن أتقدم بفكرة تحويل جزء من عيادتي الخاصة الى مقر صغير للمنتدى نجتمع فيه كل مساء، ثم نجحنا –في عملية طريفة استخدمنا فيها كل "براعتنا الهندسية" وبالاستعانة بنجّارٍ مبتدئ "شلع" قلوبنا ببلادته- في تنفيذ جدران خشبية متحركة تتيح لنا في أيام الجمع والمناسبات أن نحصل على قاعةٍ لا بأس بها تسع (40-50) مدعواً أقمنا فيها نشاطاتنا الى أن امتدت اليه يد اللصوصية والإرهاب التي أشعلت فيه النيران بعد أن نهبت محتوياته البسيطة.

إنني إذ استذكر هذه التفاصيل الجميلة أشعر بالفخر والاعتزاز الشديدين بأننا استطعنا -في ظل الظروف الأمنية التي كانت تتدهور بشكل متسارع وتحت أصوات الرشاشات والهاونات ونداءات التخندق الطائفي البغيض التي كانت تتصلعد من هذه المنارة أو تلك- أن نقيم واحةً صغيرة للثقافة والتسامح والمحبة والإبداع لم يكن غيرنا يجرؤ على مجرد التفكير بها. فهنا، في هذه الصالة المتواضعة أقمنا عشرات الأمسيات (نعم الأمسيات وليس الأصبوحات) في الشعر والقصة والنقد والتاريخ والقانون والموسيقى والترجمة واللغات والفنون. وإني أنتهز هذه المناسبة لأحيي كل أصدقائنا وزملائنا الذين شاركونا هذا العناء اللذيذ وأنحني احتراماً لذكرى أعضاء المنتدى الذين غيبهم رصاص الإرهاب الهمجي أو ماتوا قهراً وغمّاً على مآل هذه المدينة الوادعة الجميلة أمثال الشهيد خليل علي شكر والشهيد ضياء إبراهيم العزاوي والمناضل الفقيد غانم نوري وأتطلع الى اليوم الذي أنظف فيه بيدي أرض وجدران المنتدى من جديد وأوقد فيه البخور ترحيباً بكل أولئك الأصدقاء والزملاء الرائعين.

* كأوراق الخريف تساقط العشرات من الادباء العراقيون الكبار هل سيستطيع اخرون ملء اماكنهم؟

- نعم لقد سقط العشرات من الأدباء الكبار منفيين أو منسيين أو مهملين أو مقهورين أو جياعاً وهم من يستحق كل منهم أكثر من تمثال ومتحف وهذه سنّة الحياة. لكن الخريف ليس إلا جزءً واحداً من دورة الفصول.. وسرعان ما نرى هذا البستان الكريم العريق وهو يزهو بعشرات غيرهم وربما أعظم منهم موهبةً وإبداعاً وعطاءً.. فنحن في العراق.. وهذا لوحده يحمل أكثر من مغزى!

* اين انت الان وماهو جديدك؟

-غادرت المدينة مع من غادروا، وحملتُ كمئات الألوف من غيري لقب "المهجر قسرياً" لكنني ما زلت في وطني وفي كردستان الحبيبة بالتحديد.. أحاول أن أرمم حياتي وأقف على قدمي من جديد.. أكتب قليلاً وأقرأ كثيراً وأتأمل ما حل بهذا الوطن من دمار وعيني على الغد.. أنتظر أن أتلقى خبر صدور آخر كتابين لي ما زالا قابعين من عامين عند الناشرين في بغداد كما أضع اللمسات الأخيرة على العدد الأول من من أول مجلة أطفال كردستانية باللغة العربية تصدر عن دار سبيريز في دهوك وتخاطب الطفل العراقي أينما كان لأحقق بذلك حلماً ومغامرة طفولية ظلت تراودني منذ قرابة الأربعين عاماً في تحرير مجلةٍ للصغار... مجلةٍ للصغار يحررها شاعر يرفض أن يكبر!

ليست هناك تعليقات:

بحث هذه المدونة الإلكترونية