في عزلتي (قصائد هايكو)

(1)

ألفُ قصيدةٍ

لامرأةٍ واحدة.

ألفُ امرأةٍ... من أجل قصيدة!

(2)

الزُرقة تعكرت ، بأكاسيد عجيبة

الوردة تختنق

أيها الشاعر .. فلتنَمْ إن استطعت!

(3)

أتخلصُ من ثيابي فتنثالُ القصائدُ

أرتدي أيامي

وأمضي للنهار الغبي

(4)

خيطٌ من الدم أتبعه

حين ينقطع

أحزُّ وريدي .. كي لا أتوقف!

(5)

نصفُ ساعةٍ من سعادة

دقيقتان من أمل

يومٌ طويلٌ طويل.. من الشقاء!

(6)

دُسْ على الوردة - لن تموتَ في الحال

ستنوسُ ساعة ثم تهوي

كما الجريحُ في الحرب

(7)

يا عاري يا عاري!

إنك تتعجب

لأنك ما زلت حيّا!

(8)

كان أبي يبكي ، وأنا أحلق ذقنه

كان أبي صامتاً

قد سرق السرطان حنجرته

(9)

سكارى

افترشنا العشب الندي

لم ندرِ ما ستأتي به الأيام

(10)

يلهثُ الحصان في البرد

يتصاعدُ البخار من منخريه

أبكي .. من الوحدة

(11)

هيا..!

(سوطٌ في ظهري)

هيا.. الوطنُ يناديك!

(12)

أنظر إليكِ فيرتجفُ قلبي

الموت لصٌ خبير

ألن يسرقك مني ؟

2006


هكذا تكلَّمَ عمرو بن بحر !

لكلِّ مقامٍ مقال..

لكلِّ وقتٍ من الليلِ والنهار

لكلِّ حالٍ من الصحوِ والثمالة

لكلِّ صديقٍ تراهُ

لكلِّ صديقٍ تدفنهُ

لكلِّ امرأةٍ تعشقها

ولكلِّ امرأةٍ أنجبتكَ .. أنجبتكَ المرةَ تلوَ المرّة

...

للموتِ مقالٌ

للموتِ طبعاً ... أكثرُ من مقال !

"حمداً للّه" تقولُ خالةُ القتيل

"قد عثرنا على جثته.. قد دفنّاه في الأقل... وصلَّينا عليه !"

...

لكلِّ أكذوبةٍ مقال :

الوطنُ مثلاً ... كتب الجغرافيا...

وخُطبُ المنابر !

..

لكلِّ حزنٍ مقال

مصبوغٌ بتدرّجات السواد :

أسودٌ قاتمٌ ..

أسودٌ قانٍ ...

أسودٌ أسود !

..

للخمرِ مقتولةً بالقَراح

للخمرِ مدفونةً في المآقي

للخمرِ مثخنةً بالذكريات .. مقال!

....

للساحاتِ العامةِ الخاوية

لحفلاتِ العرسِ الصامتة

للحظةِ موتي ... مقال !

2006


الهؤلاء

من هذا الواقفُ قُبالتي

يُحكِمُ نظارتيه معي

ويشرد معي

ويزاحمني في خيمتي.. في هذا العراء

...

من هذا الجالس في أريكتي

يختلسُ من كأسي

ويفلسف لي كل هذي الدبابيس التي بصدري

...

من هذا الواضع رأسه على وسادتي

الذي يسبقني الى الشخير والحلم واختلاق المعاذير

...

من كل هؤلاء الذين

يشاطرونني ظلي وقمصاني ورفقتي؟

...

من ذلك الذي أخذ مكاني في بطاقة التجنيد

وسرق مني أسماء تلاميذ الصف السادس "أ" في مدرسة صلاح الدين الابتدائية للبنين؟

....

من استعار مني أبي وأمي ولم يعدهما إلي ؟

....

من تسلل الى تابوتي

في الطريق بين المقبرةِ والبيت؟

...

أيكون توأمي

أم غريمي

أم أفعواناً متحولاً

أرسله شيطانٌ مازحٌ ضجر

ليعلمني الدرس الذي ما تعلمته قط:

" لستَ شيئاً لولاي .. لستَ شيئاً لولاي

آهٍ.. لستَ شيئاً لولاي ! "

2005

هجاءٌ لهذا العالم

هجاءٌ لهذا العالم

للجوقِ الذي يُديرهُ

لموسيقاهِ المُمِلَّة

وهوّاتِهِ المتربصات

لراقصاته البدينات

وتحليقهِ المتعثِّر

لحذلقاتهِ الخرقاء

ونكاتهِ السمجة

...

هجاء له

هجاء لأغنياته التي نضَبَتْ

هجاء لشيخوختهِ الداعِرة

لفضيحته الأبديةِ : تكرارَهُ المُمِلّ!

هجاء لجغرافيته الصارمةِ الكَذوب

هجاء لتاريخهِ المَهين!

هجاء لشخيرهِ

لهواءِ جوفِه،

للشعراتِ النافراتِ من منخريه!

هجاء لشبيبتهِ

الذين أضاعوا فحولتهم

وصباياه اللائي ذهبتْ عبثاً بيضاتُهُنَّ النفيسات!

....

هجاء طويلٌ طويل ... على وقع خطواتِ الزرافات العرجاء

وأفراسِ النهرِ المتسربلات بالعار.

هجاء ... وربما شماتةٌ

لأنهُ لم يصغِ للدرسِ القديم

ونامَ تحتَ الشبّاكِ العالي....

أحرقَ آخرَ حبلٍ للنجاة

و مزَّقَ أجنحةَ ديدالوس!

2006

ناجونَ بالمصادفة

نحن الذين بلغنا من الطيش

حدَّ أن نخرج للعمل، ونسير في الأسواق

نحن الذين يسوقنا التهور

الى التأخر عن بيوتنا

الى ما بعد المغيب

نحن المجانين ، الحمقى

المصابون بخفة الأحلام

الذين ما زالوا يقرأون

كتب الشعر العقيمة، المجدفة، الملآى بالأحجيات

نعلمُ أننا لم نمتْ بعدُ

لأن السكاكين اخطأتنا

ولم نتدلَّ من المشانق

لأن التقاريرَ سهتْ عنّا

ولم نتضوّر لأننا

وجدنا بعض الخبزِ في السلال

......

ليس لأننا شجعان

ولا لأننا خارقون

لكنها قسمتنا.. والطوالع العجيبة

أولئك نحن..

ناجون .... ناجون بالمصادفة!

2006

تأخرتَ جداً

تأخرتَ جداً

وفاتَ القطارْ

وما عاد في العمرِ

بصّيصُ نارْ

وما عادَ حولٌ

ولاتَ اصطبارْ

..

مزيداً من اللغطِ الهاذرِ؟

مزيداً من الحبرِ .. والوهم .. والاعتذار!؟

...

بماذا تفسرُ هذا النعاس؟

وهذا التنملَ في الركبتين

وهذا الشرودَ .. وهذا الخواء

وهذا الجليدَ على اللمتين؟

تخليتَ عن حلمكَ الأولِ؟

أم اليأسُ ألوى بهذا الفم؟

أم القلبُ نهنههُ الإنتظار؟

تأخرتَ جداً وها إنها

حياتك فاغرةٌ ظلها

بحيثُ المساءُ البليد الثقيل

يطيح وئيدا ببقيا النهار

تأخرتَ .. آهٍ

وأينَ الفرارْ ؟

2006

في زاويةِ الشارعِ

في زاويةِ الشارعِ

عند المنعَطَفِ الأوّلِ

أبصرتُ صبيّاً .. وعجوزاً.. وامرأةً

ينتظرونَ الباصَ

على مصطبةٍ من أسمنتٍ كابٍ

سلّمتُ فردّوا.. واجتزتهموا

لكنّي أحسستُ ببردٍ في قلبي

فتلفّتُّ :

كانت جثثٌ لامرأةٍ .. وعجوزٍ .. وصبيٍّ

ترتاحُ على مصطبةٍ..

وتلوكُ الخبزَ ..

وتنظرُ نحو الأفقِ الكابي..

دونَ عيونْ !

2005


يا جدّي

الى الجواهري العظيم.. جدي.. ومؤدبي

يا جدي .. يا جدي..
يا ذا الطاقية المائلة
هل حقاً كانت الريح
تطير القصائد من يديك
وتسقطها في دجلة الهائج
في غروب الخريف
أم كنت –عمدا- تتركها لتطيح..
وكنت تدري.. تعرف كل شيء
لكنك تسكت..
كي نعيد الكَّرةَ من بعدك
يا جدي.. يا جدي..
القصائد لمّا تزل طافيات
وعيوني على أصابعك... علِّي أتعلم منها ...!
يا جدي يا جدي
العشاء البارد يكفينا
وعندي بقيةٌ من الصهباء
فلتزرني الليلةَ في الحلم
لتزيل عن صدري..
زَبَدَ الخراب
وتعيدَ تأديبي !
28/4/2006

في طريقي الى البيت

في طريقي الى البيت

...... ثمِلاً

ترنمتُ بيتين ... لكنني

نسيتهما قبل أن أنتهي ملعشاءْ

جميلين كانا

كجنيتينِ تنامانِ في دفترٍ للصغارِ

ولكنني..

نسيتهما..

هل أنا مخطئٌ.. أم هو العنفوان ؟

أم هو الكأسُ تعتعني .. أم هو الــ..

آهِ لا تلحَني !

جميلينِ كانا ...

ولكنني قد نسيت !

2005

جزيرة النسيان

جزيرةُ النسيان...

والزمانْ ..

أغنيةٌ ليس لها عينان

تدور .. تمضي .. في المدى الأزرق

والضياع...

...

نوارسٌ تخفقُ صامتات

أشرعةٌ يلفّها النسيانْ

فتنحني

تذبل في الرملِ الذي

استسلمَ للذهولْ....

يغمرني الوجومْ

تعبثُ بي هدهدةُ الأمواجْ

وتعتريني صفرةُ الدوارْ

...

لا شيءَ في المدى سوى المياه

وغيمةٌ ساذجةٌ أضاعت الطريقَ

لمّا رابها السكون

وساقها الفضول

فأبطأت لتبصرَ المشهدَ

حتى اجتازها القطيع..

....

لا شيء في المدى سوى المياه

ترددُ السؤال:

من أنتِ..

أين أنتِ يا جنيةَ البحار ؟

يا غادةَ الآفاق

وربة الآذيِّ والقرار

وأينَ .. أينَ شاطيءِ النجاة

وهل له ، أختاهُ ، من سبيل؟

أم إنه الترحال ..

يسوقه.. يردفه الترحالُ

حتى ساعة الفناء؟

شكسبير


راقداً على أرائك الغمام

أتلمسُ عناقيدَ الحكمة الدانيات

أرشفُ العسلِ من حباتها

وأطلُّ في رثاء

على العالمِ الخرب

هناك في القاع البعيد

فيشجيني المشهدُ الغبي

والفوضى القديمة

والموسيقى .. آهٍ من تلكم الألحان الناشزة

....

حنينٌ قديم يغمرني

أنزلُ مغالباً غثياني، وخفقَ قلبي الوجل

أسأل عن السيد ها هنا

فيجيبُ ألفٌ من القائمين : أنا هو!

أبحث عمن سطّر الملهاة الساذجة

فيشيرون للمدى، للهواء الذي في الأعالي

ويربتون أكتافي:

لا تتعبْ ناظريك. هو شيء لا يُرى !

...

اهبط السلالم المتربة

الى حيث النظارة اللاغطين

المنهمكين في شد الأحذية

وتبادل أعواد الثقاب

ونزع السراويل

والمشي على الرؤوس..

فتتقاذفني الأكف :

اطردوا الغريب

اطردوا الغريب

..

وعلى الرصيفِ الموحل

ينحني عليَّ عجوزٌ ثمل

ينفحني نصف ما بجيبه

من تبغ ودراهم

ويهمس في اذني

أنا وانت غريبان ها هنا

لقد جُنَّ الجميع

لقد جنَّ الجميع

أصيح وراءه .. أناديه فلا يلتفت

ويمضي

مترنحا.. باكيا.. ضاحكا..

وتردد الجدران:

لقد جُنَّ الجميع

لقد جُنَّ الجميع

(2005)

يا عمر الخيام

يا عمر الخيام

لماذا يثمل الدرويش ؟

لماذا يتفلسف السكران ؟

ألأنهما رفسا القيود ،

وحلّقا .. حلّقا .. حلّقا

وراء جُدُر السراب ؟

ألأنهما نفضا النعاس الفاسد

في أسرّة التعقل الرديء

ألأنهما غادرا حجرات الذهب

وخرجا للمطر والشمس .. وتململ السماء ؟

أو تكورا مختبئين ..

بين ثديين دافئين ؟

ألأنهما ساذجان .. وسلسان ؟

ألأن دموعهما أليفة ..

وفي مائها ملح حقيقي وعطر ؟

أم لأنهما متورطان

في الضوء الذي يسيل

مثل حليب مباغت ؟

يا عمر الخيام

أيها الفيلسوف الثمل

أيها الدرويش السكران

تعال إلى ظل كرمتي

نضع ورد "البزرنكوش"

في لممنا التي أثلجت قبل أوانها

ونندب العالم

أو نسخر منه

قبل تعطل الفصول.

2004

نصائح إلى هاملت !

وماذا لو صرت جداً

أو خبزَتْـكَ شاحنةٌ بليدة

قبل أن تبلغَ العشرين ؟

ماذا لو كنتَ لصّاً

أو شهيداً منسيّاً

ماذا لو ركضت .. ركضت.. ركضت..

أو اقتعدتَ الرصيف ؟

….

لا تصدِّقْ كلّ شيء ..

تكفيكَ رَكعَتان

أو قدحٌ من الجِنّ

كي تنالَ السلام

وتستوي الأشياء !

….

لا تبالِ بالضماداتِ

وقناني الأوكسجين

لا تبالِ بالمطَهـِّر

أو ما بين المنزلتين

….

لا تنسحِب قبل الأوان

حاول أن تسمع الأغنية

إلى آخرِ ارتعاشةٍ واهنة

تضيء وتخبو ..

تضيء وتخبو ..

تضيء وتخبـ …….

2003

بحث هذه المدونة الإلكترونية