سبع قصص قصيرة جداً عن نهايات السفر

(1)
حطت الفراشة على كفه وارتعشت قليلاً، ثم رقدت جثةً هامدة...هكذا .. دون سبب معلوم.. ماتت..
- "ربما كانت تعبى.."
حدّث الرجل نفسه
-"ربما كانت عجوزاً..وربما أصابها، مثلي.. سقمٌ لا تفهمه..."

(2)
- "ليتهم.."
قال الرجل العجوز وهو ينظر الى الألعاب الكثيرة في مدينة الملاهي التي اصطحب اليها حفيديه
- "ليتهم صنعوا لعبة واحدة للشيوخ من أمثالي"
- "وكيف سيكون شكلها؟"
سأل الحفيد الصغير.
- "مثل أم.. مثل أم كبيرة.. مصنوعة من شيء دافئ وناعم وصقيل.. تجلس على الأرض وقد شبكت يديها ورفعتهما نحو صدرها"
- "وماذا تفعل بها؟"
سأل الحفيد الكبير.
- "أنام بين ذراعيها .. وتهزني .. تهزني.. تهزني..."
ومسح دمعتين تعلقتا خلف جفنيه.

(3)
اقتطع غصناً طويلاً مستقيماً من الشجرة اليابسة ودخل ورشته الصغيرة وراح يشذبه بصبر ليصنع منه عصا يتكئ عليها..
- "لونها كئيب هكذا.. سأصبغها بالأحمر"
بعد قليل غير رأيه وراح يصبغها بالأبيض، لكنه غير رأيه من جديد.. وأخيراً قال بعزم:
- "سأصبغها بالأخضر.. نعم.. الأخضر هو اللون المناسب"
وسمع من الغصن اليابس.. صوت حسرةٍ مكتومة..

(4)
خرج الى رأس الشارع فرأى موكباً يضج بالنواح واللطم والطبول فعاد الى بيته مثقل الخطى.
خرج ثانية فرأى جموعا تتشابك بالأيدي والهراوات والسكاكين فعاد الى بيته وقد شحب وجهه.
خرج مرة ثالثة فرأى حشدا يهوي بالفؤوس على أشجار الحديقة العامة الصغيرة...فعاد الى بيته..محموماً.
أقفل الباب من الداخل وهو يهز رأسه ويتمتم:
-"عجباً أين ذهب الناس؟!"

(5)
أمهله قابض الأرواح خمس دقائق فهرول الى خزانته الفولاذية المتخمة وفتحها بيد مرتعشة فتهاوت حزم النقود على الأرض. جلس يعدها وهو يهذي:
-"ألف.. ألفان.. تسعون ألف.. خمسمائة وسبعون ألف.. ثلاثة ملايين... سبعة ونصف... ثمانون مليون... أربعمائة واثنان وعشرون مليون وخمسمائة ألف و....."

(6)
وعاد قابض الأرواح الى بيت مجاور.. كان الرجل المحني الظهر جالساً ينظر الى صورته حين كان شاباً ويده في يد حبيبته.. امرأته التي رحلت منذ سنوات طويلة.. قال له قابض الأرواح:
-"أمامك خمس دقائق"
فقام بهدوء.. رتب خصلات شعره.. رفع مقصاً من فوق المنضدة.. خرج الى الحديقة.. انتقى وردة بيضاء.. قطعها وراح يزيل الأشواك عنها وهو يتمتم ضاحكاً:
-"أنا قادم إليك يا عزيزتي.. أنا قاد..."

(7)
أبصر صديقه القديم وهو خارج من ذلك المحفل وقد امتلأ رأسه بصمغٍ أسود كثيف.. وتساءل مع نفسه: ما كان إذن نفع كل تلك الكتب.. كل تلك التأملات والأحاديث الطوال.. وأيام العذاب والتشرد .. إذا كنت ستلتحق أخيراً.. بالقطيع؟

ليست هناك تعليقات:

بحث هذه المدونة الإلكترونية