النهر الذي صار مستنقعاً
شعر: مؤيد طيب
ترجمة ماجد الحيدر



ساعةَ انبثقتَ
من قلبِ ذاك الجبل الأشم
الملتحف بالثلوج
كنتَ نبعاً صغيراً
ماؤك .. أصفى من خيوط القمر
وأنقى .. من بريق النجوم.
يومها كانت الحجول.. والحمائم.. والبلابل
تقصد بابك
وتنهل من زلالك
وحينَ انحدرت من هناك
وانطلقت بمائكَ الرائق الفضي
تزيح عن طريقك شيئاً فشيئاً
كل صخرةٍ وكثيب..
وصرتَ ساقيةً
واخضرَّت ضفتاك
بالعشب والورد..
وصرتَ ملجأً
للأسود والنمور
والهاربين من الأقطار الأربع
ومضيتَ في الطريق
سريعاً كعصف الريح
لم تغمض الليالي جفنيك
لم يوهن سعير الظهيرة دفقك
لم تُذهِبِ الشمسُ سحنتك
لم يكتم الثلجُ أنفاسك
وما بللتك زخات المطر والبَرَد
وما أحفت قدميك الهضاب والصخور
قد مضيت
سريعاً كعصف الرياح
من خوفك أحنت الصخور
والسفوح هاماتها
وتنحت عن طريقك كل التلال
من حبك
أشرعت كل الوديان والأغوار صدورها
ونادتك كل الشلالات
ومضيتَ تحفر دربك العميق
في كبد هذا التراب العطِشِ الجريح
وصرت نهراً دافقاً
نهراً قوياً.. شديد العزم
وأينعت على ضفتيك القرى
وفي كل قرية
ارتفعت الأشجار والآجام
والورود والأشواك
وعَلَت.. رفعت قاماتها.
وأقبل البعض على شاطئيك
توضأوا.. وصلّوا
وأقبل آخرون
ونجسوك.. أطفأوا فيك شهواتهم
وتعكر ماؤك
وارتخت أقدامك .. أضناها المسير
تصببَ منك العرق
تعبتَ
وصارت الأمواج تهجرك
ذات اليمين وذات الشمال
وغادرتكَ السواقي
وامتدت الأيدي القبيحة
الى جراحك
وتلونت بدم حشاك الجريح
وَهَنتَ.. عراكَ الشحوب
خسرتَ حولَكَ.. وشجيَّ ألحانك
وضاع منك الصوتُ والصدى
وما عادت الصخور والسفوح
تنحني لك
ولا الحجارة تخلي لك الطريق..
أما أنت
فما عاد في وسعك أن تستدير
لتُبلغَ استغاثاتك
لكثبان الثلج ورائقات الأمواج
فنسيتَ سريعاً
صدرَ البحر الدافئ الحجري
ووقفتَ عند أعتاب المدن
وأسلمتَ الزمام
لسواقي المدينة ومجاريها
وابتلعتك أفواه المستنقعات الآسنة
وركدتَ وفسدَ ماؤك
ومن شاطئيكَ فرَّت الحمائم
وارتحلت الورود
واصفرَّ العشب
وامسكت المدن أنوفها
من ريحك النتن
ومضى الناس عطشى
يصلّون للمطر
من يومها صرتَ مأوىً للذباب
وفاسد السمَك
**
ليتكَ ظللتَ ذاك الكثيب من الثلج
في عالي الجبال
ليتكَ ظللتَ ذاك الوابل الفتي
من مطر الربيع
ليتك ظللتَ ذاك النبع
وذاك الجدول من بارد الماء
ذاك الملجأ لوحوش البراري
أو ذاك النهر
نصف الزلال .. نصف العكر..
ليتك ظللتَ ذاك المسافر العنيد
الراحل نحو بحار الجنوب
لا هذه البركة ..
من آسن الماء !!

9-8-1994

ليست هناك تعليقات:

بحث هذه المدونة الإلكترونية