مؤيد طيب---جراحك ستزيدك شعراً وطيبة


يا صديقي.. أيها الشاعر.. يوم حزمت حقائبك لتعود الى بغداد التي طاردتك وروعتك قبل ثلاثين عاماً كنت خائفاً عليك من أمرين:
الأول أن تصيبك بغداد .. (حاشا لأمّنا الجريحة الموجوعة الجائعة) .. بل أن تصيبك الذئاب التي تصول وتجول فيها بجراح في الروح أو الجسد تحرمنا وتحرم العراق وكوردستان من شاعر جميل يقطر بالرقة وحب الناس والأطفال والإنسانية..
والثاني أن تجد نفسك، وأنت المثقف والشاعر الحر المستنير، غريباً.. في مكان لا تنتمي اليه.. بين أغلبية من قساة الروح والعقل (ولا أقول أكثر) دفعت بهم لعبة المحاصصات والممارسات الانتخابية العوجاء الى مكان اسمه مجلس النواب العراقي..
أنت أيضا كنت تشعر بذلك بالتأكيد، لكنك أطعت نداء الواجب ورأيت أنك قد تنفع الناس وتفيد قضية الثقافة والتنوير بشكل أكبر في مكانك الجديد.. وهو رأي كنت أحس بصدق نواياك في اتخاذه.
أذكر أنني تمنيت عليك أن ترأس أو تكون عضواً على الأقل في إحدى لجان الثقافة والإعلام أو التربية لتفعل شيئاً (مع الأقلية التي تريد أن تفعل شيئاً) من أجل إنقاذ الثقافة والتربية والتعليم من واقعها المأساوي.. وما خيبت ظني فيك: فقد اخترت المكان الأقرب لفعل ذلك مستنكفاً عن الاشتراك في التهافت المخجل على اللجان "الدسمة" التي تسابق اليها البعض: المالية، النفط.. الخ!
أعلم أن التعالي عن المشاركة في الشؤون اليومية للناس (ومنها السياسة) ليس من شيمة المثقف الحقيقي الذي لا يرتضي الجلوس في برجه العاجي راميا سهام نقده "العبقرية" على الناس والزمان وسوء الطالع الخ. وأعلم أن تاريخنا وتاريخ العالم يسجل لنا أسماء الكثير من الشعراء والأدباء الذين انخرطوا بقوة في مجال العمل السياسي والبرلماني: نيرودا، ليوبولد سنغور، رسول حمزاتوف، الجواهري وغيرهم الكثير.. ولهذا السبب بالتحديد فقد منحتك صوتي.. فقد كنت أحلم وما أزال بوطن يحكمه ويشرّع قوانينه المثقفون والعلماء وأصحاب الكفاءات المخلصون، حتى لو كانوا من "رَبعنا" الحالمين!
غير أنهم يا صديقي الشاعر (لا أقول كلهم، ولكن أغلبيتهم المريحة كما يقول أصحاب الشأن) من طينة أخرى: إنهم بين غافٍ لا ينطق حرفاً رغم تعاقب الأيام والفصول وبين منهمك في حياكة الدسائس لخصومه وملء جيوبه وإبقاء تنوره حامياً وإذكاء الفتن والسفر وإطلاق التصريحات من عواصم الشرق والغرب دون أن يقيم وزناً لحياة المواطن ومستقبله ولقمة عيشه ناهيك عن ثقافته وتعليمه.. وأحسب أنك لو سألت أحدهم أو إحداهن عن آخر كتاب قرأه أو قلّبه بسرعة لزمَّ شفاهه سخرية وعدّك إنساناً غريباً تهدد "العملية" السياسية المصابة بالفتق المزمن! حتى أنهم نسوا أو تناسوا زميلهم الجريح الذي كاد يفقد حياته بإحدى ألعابهم النارية الحيّة وراحوا يتنافسون لا في اتهام بعضهم البعض فحسب بل في نيل شرف كونهم المستهدفين الحقيقيين في..العملية!
ما عليك يا صديقي.. ما عليك.. جراحك ستشفى.. وستعود الينا.. والى دهوك التي تعشقها.. وبغداد التي جرحتك وهي الجريحة مرتين....
وآلامك هذي ستزيدك طيبة.. وحبّاً .. ونبلاً.. وحكمة.. وشعراً قبل كل شيء!

ليست هناك تعليقات:

بحث هذه المدونة الإلكترونية