عشر قصائد للشاعرة الأمريكية مايا أنجلو

مايا أنجلو
Maya Angelou
(1928- )

شاعرة وكاتبة وممثلة وراقصة ومخرجة ومغنية وناشطة سياسية أمريكية. ولدت مايا أنجلو (واسمها الحقيقي مارغريت آن جونسن) في الرابع من نيسان 1928 في ولاية ميزوري . ولم تكد تبلغ الثالثة حتى شب الخلاف بين والديها فأرسلت (مشحونةً بالقطار) مع أخيها الذي يكبرها بعام الى جدتها في ولاية اركنسس لتعود الى أمها بعد سنوات قليلة وتعاني تجربةً أثرت بعمق على حياتها حيث تعرضت وهي ابنة سبع سنوات الى اعتداء جنسي من قبل صديق أمها، وحين أخبرت أخاها بذلك انتشر الخبر وحوكم المعتدي وسجن لمدة عام واحد فقط ثم وجد مقتولاً بعد خروجه من السجن -على يد أقربائها كما يبدو- الأمر الذي صدم الصغيرة وأصابها بالبكم والانطواء طيلة خمس سنوات -نتيجة إحساسها بالذنب تجاه مقتله بسبب إفشائها السر كما اعتقدت- فأعيدت الى جدتها حيث استعادت صحتها بالتدريج وأظهرت تفوقاً دراسيا واضحا واهتماما مبكراً بالمسرح والأدب الشكسبيري بوجه خاص. عملت انجلو في مطلع شبابها في الكثير من المهن –بعضها في غاية الوضاعة- وانتقلت بين المدن لتقيم أودها وأود ولدها الوحيد الذي أنجبته بُعيد إكمالها الدراسة الثانوية (أصبح شاعراً فيما بعد) وتشق طريقها من خلال التجارب والأخطاء.
بدأت أنجلو مسيرتها الفنية في مطلع الخمسينات حيث درست الرقص في نيويورك وشاركت في الرقص والتمثيل والغناء في فرق استعراضية وجابت في أواسط الخمسينات في اثنين وعشرين بلداً لتقديم عروض الأوبرا وظهرت في العديد من البرامج التلفزيونية وشاركت في تأسيس فرقة راقصة أنتجت أعمالاً ريادية مازجت فيها بين الرقص الحديث والباليه والرقص القبَلي لغرب أفريقيا ، ثم انتقلت الى نيويورك لتنضم الى جماعة هارلم الأدبية وعملت في الصحافة السياسية والكتابة والتمثيل للمسرح وتعرفت على العديد من الأدباء والفنانين والناشطين السياسيين في حركة الحقوق المدنية أمثال مارتن لوثر كنج والمناضل الأفريقي "فوزومزي ماكي" الذي عاشت معه فترة وجيزة في جنوب أفريقيا ثم انتقلت وإياه الى القاهرة حيث عملت في صحيفة "الاوبزرفر العربي" الناطقة بالإنجليزية لتنتقل بعدها الى جامعة غانا حيث حاضرت في مدرسة الموسيقى والدراما هناك، وخلال رحلاتها تلك تعلمت خمس لغاتٍ أجنبية غير لغتها الانكليزية مثل الفرنسية والاسبانية والفانتية . في عام 1966 عادت الى لوس أنجلس لتحاضر في جامعة كاليفورنيا وتنضم الى "مالكوم إكس" في تأسيس حركة حقوق مدنية جديدة، غير أنه اغتيل بعد فترة وجيدة فعادت الى التعاون مع "كنج" الذي اغتيل هو الآخر عام 1968. كل هذه الأحداث دفعتها الى كتابة الجزء الأول من سيرتها الذاتية الشهيرة الذي ظهر عام 1969وكان بعنوان "أعرف لماذا يغني الطائر الحبيس" مما أكسبها اعترافاً وإطراءً عالمياً حفزاها على كتابة خمسة أجزاء أخرى لتصبح بهذا واحدة من أشهر وأفضل كتاب السيرة الذاتية في أمريكا والعالم، نظراً لصورها المبدعة الحافلة بالحياة وأسلوبها المجدد الصريح الذي مزجت فيه بين السيرة الذاتية والخيال والرواية والشعر مما وضع أعمالها تلك في خانة السيرة الذاتية الروائية.
وأنجلو شاعرة غزيرة الإنتاج؛ فقد رشحت مجموعتها الشعرية الأولى "أعطني كأس ماءٍ باردٍ فأنا أموت" والتي ظهرت عام 1971 لنيل جائزة البولتزر؛ ثم تلتها العديد من المجموعات منها "أرجوك، جناحاي سيلائماني-1975" و "وما زلتُ أعلو-1978" و "لن اتزحزح-1990" والكثير غيرها. كما اختارها بيل كلنتون لإلقاء قصيدتها الشهيرة "على نبض الصباح" في حفل تنصيبه عام 1993 لتكون ثاني شاعر يلقي قصيدة في حفل تنصيب رئاسي منذ ظهور الشاعر العظيم روبرت فروست في حفل تنصيب كندي عام 1961.
كتبت الموسيقى التصويرية للعديد من الأفلام والمئات من القصائد والمقالات والقصص القصيرة والأغاني وسيناريوهات الأفلام والمقطوعات الموسيقية وعملت أيضا مخرجة ومنتجة وكاتبة في السينما والإذاعة والتلفزيون، وترشحت لجائزة عن دورها في المسلسل الشهير "الجذور" كما ألقت المئات من المحاضرات والخطابات ذات الأسلوب الحر الساحر ونالت العشرات من الجوائز والألقاب والدرجات الجامعية الفخرية رغم أنها لم تكمل دراستها الجامعية قط.

(1) حينَ تأتي


حين تأتي إليَّ ، دون دعوةٍ
وتغويني
الى غرف غارقة في القِدَم
حيث ترقدُ الذكريات،
وتعرِضُ عليَّ ، كما على طفلةٍ،
حُجيرةً تحت سطح البيت ،
إضمامةٍ من أيامٍ نادرة ،
حلياً رخيصة من قبلات مسترقة ،
نمنماتٍ من علائقِ حبٍّ مستعارة ،
وصناديقَ من كلماتٍ سريةٍ
عندها... أجهش بالبكاء.


(2)وحيداً

ليلةَ البارحة
رقدتُ وفكّرت
كيف
أعثر لقلبي على بيتٍ
لا يعطشُ الماءُ فيهِ
ولا يستحيلُ الرغيفُ الى حجارة.
وقرَّ ذهني .. على رأيٍ وحيدٍ
لا أظنني فيه مخطئة:
أن لا أحد
نعم لا أحد
يمكنه ، وحيدا ،
أن يدبر أمره في هذه الحياة.

وحيداً.. وحيداً تماماً
لا أحد .. نعم لا أحد
يمكن أن يدبر أمره ... في هذه الحياة.

ثمةَ أصحابُ ملايينٍ
يملكون مالا
ولا يستطيعون إنفاقه
نساؤهم يطُفنَ هنا وهناك
كأشباحٍ تنذرُ بالموت
وأطفالهم يغنون
ألحاناً تطفح بالحزن.
يمكنهم أن يحصلوا على
أغلى الأطباء أجراً
ليداووا قلوبهم الحجرية
لكن لا أحد
نعم لا أحد
يمكنه ، وحيدا ،
أن يدبر أمره في هذه الحياة.

وحيداً.. وحيداً تماماً
لا أحد .. نعم لا أحد
يمكن أن يدبر أمره في هذه الحياة.

حسناً .. لو أصختَ لي السمع
سأخبرك بما أعرف :
غيوم الأعاصير تجتمع
والريح توشك أن تهب
جنس البشر يعاني
وها أنا أسمع أنينه
ذاكَ أن لا أحد
نعم ، لا أحد
يمكنه وحيدا
أن يدبر أمره في هذه الحياة.

وحيداً.. وحيداً تماماً
لا أحد .. نعم لا أحد
يمكن أن يدبر أمره في هذه الحياة.

(3) أعرفُ لماذا يغني الطيرُ الحبيس

الطيرُ الطليق يعتلي صهوةَ الريحِ
ويعومُ مع الموجةِ
حتى آخر التيار
غامساً جناحيهِ في خيوط الشمس البرتقالية
ويجرؤُ أن يدّعي .. أنه يملكَ السماء.

غيرَ أنَ الطير الذي .. يختالُ في قفصه الصغير
قليلاً ما يرى ما خلف قضبان غيضهِ
جناحاه مقصوصان .. قدماه موثقتان
فلا يملك إلا أن
يفتح حنجرته .. ويغنّي.

الطيرُ الحبيسُ يغنّي برعشةٍ خائفة
عن أشياء لا يعرفها ... لكنه يتوق إليها
وألحانه .. تُسمَعَ في الهِضاب القَصيّة
ذاك أنّ الطيرَ الحبيس
يغنّي عن الحريّة.

الطيرُ الطليقُ يغني عن نسائم أخرى
وعن رياحٍ تمضي برفقٍ .. بين أشجارٍ تتنهدُ
وعن ديدان سِمانٍ تنتظر
على العشب اللامع في ضياء الفجر
ويسمّي السماءَ ... سمائي !

غيرَ أن الطيرَ الحبيس
يقف على قبرِ أحلامٍ يصرخُ بها ظلِّهُ
على صرخةِ كابوسٍ
جناحاه مقصوصان .. قدماه موثقتان
فلا يملك إلا أن
يفتح حنجرته .. ويغنّي.

الطيرُ الحبيسُ يغنّي برعشةٍ خائفة
عن أشياء لا يعرفها ... لكنه يتوق إليها
وألحانه .. تُسمَعَ في الهِضاب القَصيّة
ذاك أنّ الطيرَ الحبيس
يغنّي عن الحريّة.

(4) الأسرة البشرية

قد خبرتُ الفروقَ الجَليّة
في الأسرةِ البشرية
بعضنا ينتعش بالكوميديا .. وبعضنا
يأخذ الأمور بجدِّية

بعضنا يعلنُ أنه
عاش حياته بعمق .. وبعضنا
يدعي أنه يعيش حقاً
الحقيقة الحقيقية.

تدرُّجُ ألوانِ جلودنا
قد يُربِكُ أو يُذهِلُ أو يُفرِح:
بُنّيٌ ، ورديٌّ ، حنطيٌّ ، أرجواني
أسمرٌ ، أزرقٌ أو أبيض

قد مخرتُ البحار السبع
ونزلتُ في كل أرض
قد رأيتُ عجائبَ الدنيا .. لكنني
لم أرَ إنساناً "عادياً"

قد عرفتَ عشرة آلافٍ من نساء
يدعَينَ جين أوماري جين
لكنني لم أرَ اثنتين
تماماً .. وحقاً .. متشابهتين

المرءُ وتوأمه في المرآة يختلفان
رغم اتفاق الملامح.
والعاشقان الراقدان على سريرٍ واحد
كلٌّ يفكِّرُ بطريقته.

نحبُّ ونُخفِقُ في الصين
ونبكي فوق السِباخ الانكليزية
نضحك وننوحُ في غينيا
ونُزهِرُ في السواحلِ الإسبانية.

نسعى للنجاح في فنلندا
نولدُ ونموت في مَين
في صغار الأمور نختلف
في كبارها نحنُ سواء

قد لاحظتُ الفروق الجَلِيَّة
بين الطبائع والأنواع
لكن ما بيننا من شَبهٍ يا أصدقاء
أكثر مما بيننا من خِلاف

ما بيننا من شَبهٍ يا أصدقاء
أكثر مما بيننا من خِلاف

ما بيننا من شَبهٍ يا أصدقاء
أكثر مما بيننا من خِلاف

(5)الدرس

وأواصلُ الاحتضارَ:
تنهار الأوردةُ ، تنفتح
كقبضةٍ رضيعٍ غافٍ.
ذكرياتُ الأضرحةِ القديمة
والديدانُ
وتآكُلُ اللحمِِ والعظام
لا تقنعني بهجرِ التحدي.
السنونُ .. والهزيمةُ الباردة
ترقدُ عميقا .. في أخاديد وجهي
غير أنني .. أواصلُ الاحتضار
لأنني..
أعشَقُ الحياة !

(6) الرجال

عندما كنتُ صبيّةً
كنتُ أراقبُ من وراء الستائرِ
الرجالَ الذين يذرعون الطريق:
رجالٌ ثملون ...رجالٌ طاعنون ..
ورجالٌ فتيّون.. لهم حِدَّةُ الخردَلِ.
أنظر لهم .. الرجالُ على الدوام
ذاهبون الى مكانٍ ما.
كانوا يعلمون أنني هناك :
في الخامسةَ عشرةَ ... جائعةً اليهم.
فيقفون تحت شباكي
وأكتافهم .. ناتئةٌ كنهود الصبايا،
وذيول معاطفهم تصفع تلك المؤخرات.
الرجال.
يوماً ما سيمسكونكِ في راحات أيديهم
في رقةٍ .. كما لو كنتِ
آخرَ بيضةٍ نيئةٍ في العالم.
ثم يشدون قليلاً:
العَصرةُ الأولى لطيفة
عناقٌ سريعٌ
يخرق في نعومةٍ
دفاعكِ الواهي.
قليلاً بعدُ .. ويبدأُ الألم
فتنتزعين ابتسامةٌ .. تسيلُ على حواشي الخوف.
وحين يختفي الهواء
يفرقعُ ذهنك ... ينفجر
بقوة .. لوهلةٍ وجيزة ..
كرأس عود ثقاب مطبخيٍّ
ثم يتبعثر ... إنهُ عصيرُكِ
الذي يسيلُ نازلاً سيقانهم
صابغاً أحذيتهم.
وحين تعتدلُ الأرضُ من جديد
ويحاول الذوق أن يعود الى لسانكِ
سيكون جسدك قد صُفِقَ .. أُغلِقَ للأبد.
وما من مفاتيح.
عندها تنغلق الشبابيكُ على عقلك
وهناك .. خلفَ تأرجح الستائر
سيسير الرجال وهم
يعرفونَ شيئاً ما
ذاهبون الى مكانٍ ما
غير أنني في هذه المرة
سأكتفي بالوقوف والفُرجة ..
ربما..

(7) المُؤَرَّقة

ثمةَ ليالٍ
يلعب معي النومُ
لعبةَ الحَياءِ .. والتحفُّظِ .. والازدراء.
وإذا بكل الخُدَعِ التي ألجأُ اليها
لأكسبه الى جانبي
بلا جدوى .. مثلَ كبرياءٍ جريحة
بل .. أكثرُ منها ألماً !

(8) أيها الواعظ ، لا ترسلني الى..

أيها الواعظ ، لا ترسلني حينَ أموتُ
الى إحدى الغيتوات الكبيرة
في ملكوت السماء
حيث الجرذانُ
تفترسُ قططاً من فصيلة النمور
ووجبات ظهيرة الآحاد
جَريشٌ ونخالة.

تلكم الجرذان أعرفها
قد رأيتها وهي تَقتُُلُ.
والجريش الذي أكلتُهُ
يصنعُ تَلاًّ أو ربما جبلاً.
لذا فما أحتاجهُ
منكَ في الآحاد
عقيدةٌ مختلفة.

أيها الواعظ
أرجوكَ ألاّ تعدني
بشوارع من ذهبٍ
ولبنٍ بالمجّان
فقد فُطِمتُ عن كل لبنٍ
حين بلغتُ الرابعة
والذهبُ لا أحتاجهُ
بعد أن أموت.

سأدعو المكان
جنةً خالصة
حيثُ الأهلُ أوفياء
والأصدقاء لطفاء
والجاز هي الموسيقى
والفصل هو الخريف ..
فعِدني بذلك
أو لا تعدني بشيء !

(9) على نبض الصباح

(ألقتها في حفل تنصيب بيل كلنتون عام 1993)

صخرةٌ ونهرٌ وشجرة
استضافوا في زمانٍ سحيق
أجناساً بادت ومضت
وأصغوا الى الماستادون والديناصورات
التي خلّفت ذكريات يابسة
عن مكوثها هنا
على أرضية كوكبنا هذا ،
وقد ضاع في عتمة الأحقاب والغبار
كل إنذارٍ صريحٍ ... عن هلاكها الوشيك.

لكن الصخرةً تنادينا اليوم
بقوةٍ .. بجلاء:
تعالوا .. لكم أن تقفوا فوق ظهري
وتجابهوا مصيركم البعيد.
لكن لا تبحثوا عن ملاذٍ في ظِلّي
فلن أمنحكم تحتي .. مكاناً للاختباء.

أنتم يا من خُلِقتُم دونَ الملائكة بقليل
أقعيتم طويلاً في الظلمة الجارحة
ورقدتم مديداً ووجوهكم
ممرغة في الجهالة
وأفواهكم تنثر كلماتٍ .. تسلحت للقتل.
الصخرة تصرخ بنا اليوم:
قفوا فوقي ولكن لا تخبئوا وجوهكم.

عبرَ سورِ العالم
ثمةَ نهرٌ ينشدُ أغنيةً جميلة :
تعالوا استريحوا الى جانبي.
كلٌّ منكم قُطرٌ ذو حدود
كلٌّ رقيقٌ وفخور على نحوٍ غريب
لكنه مُقحَمٌ أبداً تحت الحصار.
صراعكم المسلّحُ من أجل الربح
خلّف فوق ضفتَيَّ أطواقاً من النفايات
وأمواجاً من القمامة فوق صدري.
لكنني اليومَ أناديكم الى شاطئي
أن كففتم عن التفكير بالحرب
هلموا .. اكتسوا بالسلام كي أغنّي
الأغنيات التي أعطانيها الخالق
عندما كنتُ أنا والشجرة والصخرة .. شيئاً واحداً.
يومَ لم تكن السخرية قد أصبحت
ندباً دامياً على الجبين
يوم كنتَ .. ما زلتَ تعرفُ ..
أنك ما زلتَ .. لا تعرفُ شيئاً.
ويمضي النهر في الغناء.

"ثمةَ توقٌ صادقٌ للاستجابة
لغناء النهر والصخرة الحكيمة"
هكذا يقول الآسيويون ، والهسبانيون ، واليهود
والأفارقة ، والأمريكيون الأصليون ، وهنود داكوتا الحمر
والكاثوليك ، والمسلمون ، والفرنسيون ، والإغريق
والإيرلنديون ، والأحبار ، والقساوسة ، والشيوخ
والشاذون ، والمستقيمون ، والواعظون
وأصحاب الامتيازات ، والمشردون ، والمعلمون ..
كلهم يسمعون .. حديث الشجرة.
يسمعون أول الأشجار وآخر الأشجار
تتحدث اليومَ الى جنس البشر.
تعالوا عندي ، هنا بجوار النهر.
وازرعوا أنفسكم قربي ، هنا بجوارِ النهر.
كلُّ فردٍ منكم ، سليلُ مسافرٍ غابر
وقد تلقى أجره.
أنتم يا من منحتموني أول أسمائي
أنتم الباوني والأباتشي والسينيكا
أنتم يا شعبَ الجيروكي الذين مكثوا معي
ثم أُرغِموا على الرحيل عني بأقدامٍ مدماة
ليعملوا لدى باحثٍ يائسٍ عن الثراء
جائعٍٍ للذهب.
أنتم الترك والعرب والسويديون والألمان
والإسكيمو والاسكتلنديون.
أنتم الأشانتي واليوروبا والكرو
المُساقون ، المُباعون ، المسروقون
القادمون على ظهرِ الكوابيس
المُصَلّونَ من أجلِ حلم.
هلموا .. أنبتوا جذوركم قربي.
أنا ، الشجرة المزروعة جوار النهر
أنا التي لن يزحزحني أحد.
أنا الصخرة ، أنا النهر ، أنا الشجرة.
أنا ملك يمينكم
سفرتكم مدفوعةُ الأجر
فارفعوا وجوهكم .. إنكم في حاجةٍ مؤلمة
لهذا الصباح البهي الذي يشرق من أجلكم.
والتاريخ ، برغم آلامه القاسية،
لا يمكن ألاّ يُعاشَ ، ولكن
لو جوبه بالشجاعة
لن نُرغَمَ على عيشهِ من جديد.

ارفعوا أعينكم على هذا النهار
الذي ينشقُّ من أجلكم
لِدوا الحلمَ من جديد.
وخذوه ، أيها الرجال والنساء والصغار
خذوه في راحات أكفِّكم
شكِّلوه بأيديكم
على صورةِ أخصِّ حاجاتكم
انحتوه على شكل أكثر نفوسكم محبة
ارفعوا قلوبكم فكل ساعةٍ
تحمل فرصاً جديدةً لبداياتٍ جديدة
لا توثقوا أنفسكم الى خوفٍ دائمٍ
لا تشدوا أرواحك تحت نير الفظاظة.
الأفق ينحني للأمام ، يعرضُ عليكم
فسحةً لخطواتِ جديدة.
وهنا ، على نبضِ هذا النهار الرائق
قد تملكون الشجاعة
كي تلتفتوا إلي .. وتعتبروا بي .. وتبحثوا عنّي ..
أنا الصخرةُ والنهرُ والشجرةُ .. وبلادكم.
لا يقل في هذا .. متسولٌ عن ميداس
أو أنتَ .. عن ذلك الماستادون.

هنا ، على نبض هذا النهار الجديد
قد تملك نعمة أن تطلَّ على أختك
أن ترعاها .. أن تنظر في عيونها
وفي وجه أخيك .. في وجه بلادك
وتقول بأملٍ ... ببساطةٍ
بأشدِّ البساطة :
صباحُ الخير !

(10) من ابنٍ الى أمّه

أنا لا أشنُّ حروباً
لا أمطر سموماً على الكاتدرائيات
وأذيب نجمات داود
لأصنع منها حنفياتٍ ذهبية
تضيئها مصابيحٌ
تظللها جلودُ الآدميين.

أنا لا أقيمُ مخازنَ
في أراضٍ غريبةٍ
لا أرسل البعثات خارجَ حدودي
لأنهبَ الأسرار
وأقايض الأرواح.

هم
يقولون أنكِ سلبتِني رجولتي
يا أماه.
فتعالي الى أحضاني
وأخبريني بما تريدين أن أقول لهم
قبل أن أمحق جهالتهم.

ليست هناك تعليقات:

بحث هذه المدونة الإلكترونية