أنطولوجيا نهر سبون-مختارات
إدغار لي ماسترز
ترجمة وتقديم: ماجد الحيدر




Masters, Edgar Lee (1869-1950) شاعر أمريكي، عُرِف بقصائده عن الحياة في الغرب الأوسط الأمريكي. ولد في "كنساس" والتحق بجامعة نوكس ليتركها بعد عام واحد ليكمل دراسته الخارجية للقانون. كتب أولى مجاميعه الشعرية عام 1898 وأردفها بالعديد من المسرحيات قبل أن تذيع شهرته عندما نشر عام 1915 عمله المهم "أنطولوجيا سبون رفر" (Spoon River Anthology) وهو مجموعة من القصائد النثرية (تبلغ العشرات) تحكي أسرار حياة لقاطني "سبون رفر" وهي مدينة خيالية رسمها الشاعر على طراز مدينتي لويس تاون وبطرسبرغ في ولاية "ألينويز" حيث قضى فيهما الشطر الأكبر من طفولته.
في هذا العمل يقدم ماسترز كل قصيدة على لسان واحد من أبناء البلدة المدفونين في مقبرتها الواقعة على سفح إحدى التلال حيث يتحدث الموتى في كلمات نقشت على شواهد قبورهم بكل صراحة وصدق عن الأسرار التي اكتنفت حياتهم ووجهة نظرتهم إزاء الحياة التي خلفوها وراءهم. كان هذا العمل بأسلوبه الساخر المرير وتصويره الواقعي لخشونة الحياة وفظاظتها ثورة على المعايير الاجتماعية التقليدية وعلى الأسلوب الرومانسي والعاطفي الذي كان سائداً في الأدب الأمريكي في بداية القرن العشرين. تشمل أعمال ماسترز الأخرى "أغنياتٌ وأهاجٍ 1916" ، "سبون رفر الجديدة 1924"، "قصائد الشعب 1936"، "العالم الجديد 1937" وعدد من المسرحيات وكتب السيرة.

أنطولوجيا نهرِ سبون (مختارات)
إدغار لي ماسترز

(التل)

أين إلمر، وهرمان، وبيرت، وتوم، وشارلي
ضعيفُ الإرادةِ، وقويُّ الذراعينِ، والمهرّجُ، والسكّيرُ، وكثيرُ العراكِ؟
كلُّهم، كلُّهم يرقدونَ على التلّ.
**
واحدٌ قضى بالحُمّى
واحدٌ احترقَ في منجمٍ
واحدٌ قُتِلَ في شجارٍ
واحدٌ ماتَ في السجنِ
واحدٌ هوى من جسرٍ وهو يكدحُ من أجلِ الزوجةِ والصغار.
كلُّهم، كلُّهم يرقدونَ، يرقدونَ على التلّ.
**
إينَ إيلاّ، وكيت، وماغ، وليزي، وإيديث
رقيقةُ القلبِ، وساذجةُ الروحِ، والصاخبةُ، والمغرورةُ، والسعيدة؟
كلُّهنَّ، كلّهنَّ، يرقدنَ على التلّ.
**
واحدةٌ ماتت في ولادةٍ مُخزيةٍ
واحدةٌ من حبٍّ ممنوعٍ
واحدةٌ على يدِ وغدٍ في مبغى
واحدةٌ من كبرياءٍ محطَّمٍ وهي تبحثُ عن مُنيةِ القلبِ
واحدةٌ بعد دخلَتْ حياةُ باريسَ ولندنَ البعيدتينِ
الى عالَمِها الصغيرِ
على يدِ إيلا وكيت وماغ
كلّهنَّ، كلّهنَّ، راقداتٌ، راقداتٌ، راقداتٌ على التلّ.
**
إينَ العمُّ إسحق، والعمّة إيميلي
وتوني لنكيد العجوزُ، وسيفني هوتون
والميجر ووكر الذي كلَّمَ رجالَ الثورةِ الموقَّرينَ ؟
كلهم ، كلهم ، يرقدون على التلِّ
**
قد جلبوا لهم من الحربِ أبناءً صرعى
قد جلبوا لهم بناتٍ تحطّمَت حياتُهُنَّ
وصغاراً ، أيتاماً مُعوِلينَ
كلّهُم، كلهم يرقدونَ، يرقدونَ، يرقدون على التلّ
**
أين جون العابثُ العجوزُ
الذي عاش تسعينَ حَولا من حياةٍ لاهيةٍ
الذي تحدى المطرَ والبرَدَ بصدرِهِ العاري
وشربَ، وشاغبَ، ولم يعبأ بزوجةٍ أو قريبٍ
ولا بالذهبِ ، أو بالحبِّ ، أو بالسماءِ.
أنصِتْ : إنه يهذي عن ولائمَ من سمكٍ مقليٍّ
في زمانٍ بعيدٍ بعيد
وسباقات خيلٍ غابرةٍ في "كلاري غروف"
وما قاله "آب لنكولن"
مرةً في "سبرنغ فيلد"


(نولت هوهايمر)

في معركةِ "جسر ميشنري"
كنتُ أنا أولَ الثمارِ المقطوفةِ.
وحين أحسستُ الرصاصةَ تلِجُ قلبي
تمنيتُ لو أنّي بقيتُ في بلدتي ودخلتُ السجنَ
لأني سرقتُ خنانيصَ جاري
بدلاً من الهروبِ ، واللحاقِ بالجيش.
سجنُ البلدةِ أفضلُ ألفَ مرّةٍ
من الرقودِ تحتَ هذا الرسمِ ذي الجناحينِ
وهذي القاعدةِ الحجريةِ التي
تحملُ هذهِ الكلماتِ : “Pro Patria.”
ما معناها... على أيةِ حال ؟!



(وليم وأميلي)

هناكَ شيءٌ في الموتِ
يشبه الحبَّ نفسه!
لو أنكَ بعدَ سنينٍ من العيشِ
معَ مَن عرفتَ في رفقتِهِ الهوى ..
وتوهُّجَ العشقِ في الصِبا
أحسستَ معهُ بانطفاءِ النارِ
ثم خبوتما معا
في بطءٍ ويسرٍ ونعومةٍ
كما لو كنتما متعانقَينِ
تجتازانِ حجرةً مألوفةً...
تلك هي .. قوةُ اتحادِ الأرواحِ..
مثلَ الحبِّ... مثل الحبِّ نفسه!


(القاضي الجوال )

إنتبه –أيها المسافرُ- الى الثلومِ القاسيةِ
التي حفرَتْها الريحُ والأمطارُ
في شاهدِ قبري.
كأنَّ مقتاً شديداً ، أو آلهةَ انتقامٍ خفيةً
تسجِّلُ ضديّ النقطةَ تلوَ النقطةِ
لتمحقَ ذكرايَ .. لا لِتحفَظَها.
كنتُ في حياتي قاضياَ جوّالاً؛ أسجِّلُ العلاماتِ
لا أستندُ في الأحكامِ
على صوابٍ أو عدلٍ ،
بل على ما يحرزُ المحامونَ مِن نقاطٍ!
آهٍ أيتها الريحُ والأمطارُ!
أغربي عن شاهِدِ قبري.
فلا غضَبُ المظلومينَ
ولا لعناتُ المساكينِ
بِأسوأَ مِن رقادي صامتاً
مبصِراً –رغم ذاك- في رؤيةٍ جليّةٍ
أنّ "هود بات" – حتى "هود بات"
القاتلَ الذي أمرتُ بشنقهِ
أكثرُ منّي .. براءةً في الروح!


(توماس رودس )

حسناً، أيّها الليبراليونَ
والملاّحونَ في ممالكِ الفكرِ.
أيها المبحرونَ فوقَ ذُرى الخيالِ،
تتقاذفكُم أمواجُ الشذوذِ
وتتخبطونَ في شِراكِ الريحِ.
أنظروا كيفَ أدركتُم بحِكمتِكُم المغرورةِ
كم يصعبُ في الختامِ
أن تمنعوا الروحَ مِن أن تتشظى
الى ذرّاتٍ تتناهى في الصغرِ.
بينما نحنُ ، الباحثونَ عن ثرواتِ الأرضِ،
الجامعونَ الكانزونَ للذهبِ
قنوعونَ ، راضونَ ، متماسكونَ ، منسجمون ..
حتى آخرِ الشوط!


(يوجين كارما)

عبدٌ لرودس!
أبيعُ الأحذيةَ والقماشَ
والدقيقَ واللحمَ ، وثيابَ العملِ ، والأغطيةَ
النهارَ بطولِهِ .. أربعَ عشرةَ ساعةً في اليومِ ،
ثلاثمائةٍ وثلاثةَ عشرَ يوماً .. في أكثرَ من عشرينَ عاما
أرددُ وأرددُ ألفَ مرةٍ في اليومِ:
"نعم يا سيدتي".. "شكرا" .. "نعم يا سيدي" ....
من أجلِ خمسينَ دولارٍ في الشهرِ.
أعيشُ في هذه الغرفةِ النتنةِ، في مصيدةِ اللغوِ والضجيجِ
التي يدعونها "الحيَّ التجاريَّ"
مُرغَما على الذهابِ الى مدرسةِ الأحدِ
والاستماعِ الى القسِّ المبجَّلِ مائةً وأربعَ مراتٍ في العامِ
ساعةً أو أكثرَ في كلِّ مرةٍ
لأن "توماس رودس" يديرُ الكنيسةَ
كما يديرُ المصرفَ والمخزنَ.
هكذا ، ذاتَ صباحٍ.. حينَ كنتُ أشدُّ ربطةَ عنقي
أبصرتُ نفسي في المرآةِ
بشعري المشتعلِ بالشيبِ، ووجهي الشبيهِ بفطيرةٍ لم تستوِ
فلعنتُ ولعنتُ : أيها الشيءُ التافهُ العجوزُ!
أيها الكلبُ الجبانُ! أيها المفلسُ الحقيرُ!
يا عبدَ رودس!
حتى ظنَّ زميلي أنني مشتبكٌ في عراكٍ
وأطلَّ من فتحةٍ فوقَ البابِ
ورآني، تماماً في اللحظةِ التي كنتُ فيها
أتكوَّمُ على الأرضِ
ميتاً ... من وريدٍ تفجَّرَ في رأسي.

ليست هناك تعليقات:

بحث هذه المدونة الإلكترونية