الربّان والبحر

الى ألفريد سمعان


ووحيـــداً …

عادَ الربــانُ الـى الميـناءِ المهجـــورْ .

مُنكَســـِراً ، مخــذولا….

قد سـرَقَ المـــوجُ قصيدتـه الحُبلــى

واغتــالَ الإعصــارُ الأهـوجُ كـلَّ أمانيــهِ

فحطــَّمَ أكـؤُســهُ

ورمــى للبحــرِ بقيثــارتهِ

وطــوى أشــرعةَ العُــمرِ وعــادْ ..

وحــيداً …. مخـذولا .

…. ….

يجتــازُ الســور الخشـــبيَّ المتــداعيَ

حــولَ حـديقــتهِ المنســيّةِ

يدخــلُ غـرفتــهُ المرميــّةَ عنــد تخــومِ البحـــرِ

فيــملؤهُ حـزنٌ وحشـيٌّ

وبقـايا عطـرٍ تركَـتْـهُ هنــا …

في ألـواحِ الجُـدرانْ

يتطــَلَّـعُ :

بضــعُ شـموعٍ مُطفـأةٍ

بــاقةُ آسٍ ذابــلةٌ فـوقَ كتـابٍ

نسِـيَتْ أن تطــويه :

’’ حبيــبي مـدََّ يـدَيْـهِ من الشــبّاكِ

فـأَنـَّتْ أحشـائي.

قُـمتُ لأَفتــحَ لحبيـبي فتقَطـَّرَ مِنْ يَـدِيَ

العِطـرُ علــى الأَقـفـالْ.

حيـنَ فَتَحْـتُ البـابَ تحـوَّلَ عنــي

ومضــى.

خرَجَــتْ نفســي إثــرَ حبيبــي.

صِحْـتُ علــيهِ .. فمـا كـلّمَنـي ’’ *


…. ….. …...

عينـاهُ تجـوبانِ زوايـا الغرفةِ والجـدرانْ

يتـوقّفُ عِنـدَ تصـاويرٍ مسـحَتْ أيـدي السـنواتِ ملامحَهـا

إلاّ مِن وجـهٍ تغمـُرُهُ الطـيبـةُ

كـانَ ملاذاً يأويـهِ إذا أتـعَبَـهُ التـرحالُ

ونجـماً يهـديهِ إذا ضـيَّعهُ البحــرُ… وكــانْ ..

…. ….

مرتعشـاً ، محمــوماً ..

يترنـَّحُ في مشــيتهِ نحــوَ سـريرٍ غادرَهُ الـدفءُ

فينهــارُ عليـهِ ويبكــي ..

يبكــي .. يبكــي

حتــى يغلــبُهُ النــومْ..

فتحــملهُ آلــهةُ الفجــرِ

إلى أرضِ الأحـلام :

لسـواحلَ يغمُـرُها الضــوءُ السـاطعُ

وأُسـودٍ يـافعـةٍ تتقلبُ في كســلٍ

فـوقَ ســهولٍ لا حـدَّ لهـا

تســبحَ في مملكــةِ الخُـضرةِ

يســتـلقي عُـرياناً في الـرملِ السـاخنِ

والبحــرُ السـاجي يبســطُ زُرقَتـَهُ

ويصـيخُ الســمعَ

فيُسـكِرُهُ هـذا الصـمتُ

ويُرجِـعُه نشـوانـاً .. لطفـولتِهِ

يمـنَحُـهُ الـدِفءَ ويمســحُ دمعَـتَهُ

ويواســيهِ ….

يغسِــلُ صــدأَ الأيـامْ

ينهــمرُ الضــوءُ من الشــباكِ

كشــلاّلٍ مِن بِـلَّـوْرٍ

يسـقطُ فـوقَ العينـينِ ويـوقِظُـهُ :

يجلــسُ منتصـِباً

يســتذكرُ رؤيـاهُ فتـزحَفُ فـوقَ الشفَتَيـْنِ

ظِـلالُ البســمَةِ في وجــلٍ

….. ….. …..

يخـرجُ للشـمسِ

فيدهِشــهُ أنَّ وروداً حمــراءَ

تَـراقَصُ في شـرفات حديـقتهِ

يتســاءلُ عمـَّنْ يـرعاها

فتُجـاوبُـهُ ضحكـاتٌ صــغارٍ

يقتحمــونَ المـركبَ في صخَبٍ

ويغـنّون أناشــيدَ البحــرِ الأبديــّةَ

يسـتوقفهُ وجـهُ صبـيٍ ليسَ كباقـي الصِبْـيَةِ

مقـداماً يمســكُ بالصـاري ويغنـي :

’’ هيـلا .. هيـلا..

شُـدوا أيديكـُم..

هيلا ..هيلا.

لــن يهـوي المـركبْ

هيلا .. هيلا ..

في البحــرِ الغــاضبْ ’’

….. ….. ..

يتأمـّلهمْ ، يضحــكُ ملء القـلبِ وينســى شيخـوختـَهُ

يتـقـدَّمُ

يمسـكُ أيديـهمْ

ويعلـمهُمْ ..

أولَ درسٍ في الإبحـارْ :

- لا تهجــُر جـزَعاً مركـبةً لم تغـرقْ بـعدُ

ولا ترمِ إلى الأسماكِ قلائـدكَ المسحـورةَ

لا تهـرب ‍!

قد يتحطــمُ صـدرُ البحّـارِ ولكــنْ

لـنْ يهـزمَهُ ..

لا..

لن يهزمه ..

مـوجٌ أو إعصـــارْ !


* نشـيد الأنشــاد. الأصحــاح الخـامس.


ليست هناك تعليقات:

بحث هذه المدونة الإلكترونية