تغتسلُ عرانيسُ الذرةِ المكتنزةِ في شمسِ الصباحِ الحانية، وتنفضُ عن أجسادِها الغضةِ قطراتِ الندى التي خلّفها الفجر. ثمةَ نسيماتٌ وسنى تهبُّ من هناك، من الجبالِ الغارقةِ في الغمام..فترقصُ في غُنجٍ يثيرُ رغبةً عارمةً في الحياة.
"كنا نرقصُ لكلِّ خبرٍ جميل، ولو جاءنا من أقاصي الدنيا.. من جزائرَ مجهولةٍ يلفُّها السحرُ والغموض. كنا نعرفُ كيفَ نفرحُ حدَّ البكاء. كنا نقرأُ في كتبِ البراءةِ والحب. كنـا نفغرُ أفواهنا بدهشةِ الطفلِ الذي يكتشفُ العالم.. يومَها…كنا قد بدأنا الحياة"
يجيئون من قُراهم. تنهمرُ أهازيجُ الحصادِ كشلالاتٍ من فرحٍ ونور. يتراكضُ الصبيةُ في الحقلِ الفسيح. يقرأُ الكبارُ اسمَ اللـه. وبأيديهمِ المعروقةِ الخشنة يقطفونَ العرانيسَ المباركةَ الصفراء. تمتلئُ العرباتُ وتتهادى …نحوَ المدينةِ القريبة.
"هناكَ..في أولِ المنعطفات، رأيتُ ذئباً. وهنا..على قارعةِ الطريقِ الترابيِّ العريض تعثّرَت خُطانا بأولِ الأحجار. وأَفَـقنا :ليستِ الحياةُ إذَن كتاباً، وحلماً، وأغنيةً؟ ها قد بدأنا بالنضوج . شكراً لحرارةِ التجربة!"
العرانيسُ البضّةُ المشتهاةُ تتعرّى من ثيابها. إنها تُطلقُ تأوهاتِ اللذةِ إذ تتقلبُ فوقَ نارِها الهادئة. ها هيَ ذي تتشربُ لونِها البرونزيِّ المثيرِ ويفوحُ منها عبقُ الأنوثةِ العارمةِ.
”لم نعرف كيفَ حدثَ الأمر. لقد ازدادت "حرارةُ التجربةِ" فاستحالت إلى نارٍ متوقدةٍ حامية. أحرقتنا وذَرَتنا رماداً"
العرانيسُ تئنُّ، تتوسلُ، تلعنُ ساعةَ ميلادِها، تتفجرُ، تتفحمُ، تستسلمُ ليد القدرِ الغاشمة.
"يا الهــي ! هل احترقنا إلى الأبد؟…."
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق