توابيت صغيرة للسلوى.. قصة قصيرة

توابيت صغيرة للسلوى..

أو حكاية الصبي الخشبي بينوكيو وما جرى له بعد تحوله الى إنسان

قصة: ماجد الحيدر

يوم تحول بينوكيو الى إنسان حقيقي فرح الجد كثيرا. فها هي الدمية الخشبية المشاكسة التي لم تتوقف عن إثارة المتاعب منذ أن نحتها من جذع الخشب المسحور ودبت فيها الحياة، ها هي تنعم أخيرا بالأمنية الغالية: أن تصبح إنساناً حقيقياً من لحم ودم.

الآن سيرتاح الجد من الركض وراء الحفيد الخشبي.. لن يدخل مراكز الشرطة.. لن يضطر الى بيع ثيابه لشراء كتب مدرسية جديدة بدلاً عن تلك التي كان بينوكيو يبيعها بسعر كلبٍ سرق أهله كلما أقدم على مغامرة سخيفة.

الآن لن يقلق عليه، لن يخاطر بحياته لإنقاذه من المآزق، لن يتورط في بطون الحيتان المريضة ومدن الملاهي المجنونة والكهوف المخيفة بحثاً عنه.. والأهم من ذلك انه لن يضطر الى تحمل سؤاله الذي صدع رأسه:

- "جدي يا جدي متى أصبح إنسانا؟"

نعيما يا بينوكيو وهنيئا ومباركا.. ها قد أصبحت إنسانا !!

...

وأرخى الجد العنان لخيول الأماني: شيخوخة سعيدة كسلى، موقد كبير يدفئ عظامه المقرورة، نظارات، نظارات حقيقية بعدستين اثنتين وسلسلة ذهبية بدلاً من أعقاب الكؤوس الرمادية.. لا.. لا.. سيكتفي بسلسلة من فضة، وربما من نحاس، فهو لا يريد أن يثقل على الحفيد المسكين.

والحفيد "المسكين" ليس حفيداً حقيقيا، لا أعني إنه لا يمتُّ الى الجد بيولوجيا فحسب، لكنه لا يمتُّ الى بني البشر.

أنتم تعرفون القصة: لم يكن بينوكيو سوى دميةٍ خشبية نحتها الجد ذات يوم فدبَّت فيها الحياة في معجزةٍ يصعب تصديقها.. وأنتم تعرفون بقية الحكاية: سيسميه العجوز بينوكيو وسيعتاد أهل المدينة رؤية المعجزة الصغيرة المشاغبة الظريفة بينوكيو.. حفيد النجار العجوز بيجيتو.

قلت إنكم تعرفون بقية الحكاية .. ربما رواها لكم أحدهم.. وربما قرأتموها في زمنٍ ما.. وتذكرتموها وأنتم تبتسمون. لكنني أؤكد لكم أن كل ما قرأتموه في تلك القصة قد حدث بالفعل، سواء أصدقتم أم لا.. وعاش بينوكيو حصته التي رُسِمت له من الأعوام، ثم مات مثلما اعتاد الناس أن يفعلوا ولم يبق منه غير هذه الحكاية التي سطّرها كاتبٌ جائع ما..

وأنتم تعرفون أيضا النهاية السعيدة للحكاية؛ أعني تحوله الى إنسان حقيقي من لحم ودم.. لكنكم لا تعرفون ما حصل بعد انتهاء الحكاية، أعني ما حصل "بعد" النهاية.. وهذا ما سأتطوع بكل سرور لكي أرويه لكم.

(بينوكيو يلتقي بالثعلب والقط من جديد)

تعرفون أن بينوكيو حسّن كثيراً من سلوكه في الشطر الأخير من حياته "الخشبية" فواظب مثلاً على حضور المدرسة وحشر رأسه الصلد بأكبر قدرٍ ممكن من الدروس ، ونجح شيئاً فشيئاً في الإحساس بنوعٍ من الضمير البدائي قاده في عدد من المناسبات الى مواقف كانت تسجل لحسابه يوماً بعد يوم لدى الملائكة الموكلة بمراقبته وحمايته. فكان أن توسطت له تلك الملاك الراعية عند من هو أعلى منها.. فتحققت أمنيته الغالية.. هكذا تقول الحكاية.

غير أن القطط والثعالب لا تترك المرء في حاله.. القطط والثعالب.. ما بالكم؟ ألا تتذكرون؟

وقف الثعلب الأشِر وتابعه القط الأعور المصاب بالتأتأة وارتعاش الأطراف.. وقفا عند زاوية الطريق الذي اعتاد بينوكيو سلوكه كل يوم في طريقه الى المدرسة.. ولم يكن الأمر محض مصادفةٍ بالطبع، فهذان الوغدان لا يظهران في الحكاية إلا لغايةٍ خبيثة. لكن ظهورهما في هذه المرة كان لأمرٍ خطير.. أخطر مثلاً من سرقة خمسة دنانير ذهبية أو من صفقةٍ رخيصة لبيعِ طفلٍ خشبي الى صاحبِ سيركٍ غريب الأطوار..

لم يتعرف عليهما الصبي رغم ذكائه الآدمي الطازج.. كانا متنكرين بشكلٍ جعلهما هما نفسيهما يطيلان الوقوف أمام المرآة قبل أن يخرجا من بيت سيدهما القديم/الجديد ليسألا عمن يكون هذان الناسكان الزاهدان المتشحان بالسواد!

- "السلام على أخينا ورحمة من الله تعالى وبركات!"

توقف بينوكيو والتفت حوله ليتأكد من أنهما يقصدانه، ثم لم يزد على أن قال بمرحه المعهود:

- "وعليكما!"

وانطلق في طريقه بين المشي والوثب، لكنهما أسرعا ليسبقاه ويعترضا سبيله من جديد:

- "نراكَ سعيداً أيها الأخ الفاضل!"

وتلفّت الغلام مرة أخرى، فلم يسبق أن خاطبه أحدُ بمثل هذه الكلمات الغريبة.

- "مَن .. أنا ؟ نعم أنا سعيد .. سعيد جداً"

- "أدام الله عليكم الأفراح وأيدكم بنعمة الانشراح! وفيم فرحك أيها الأخ بينوكيو؟"

- "أنا فرحان.. فرحان.. فرحان.. أتعرفان لماذا؟ (وأقترب ليُسِّرَ لهما بما يشبه الهمس) لقد صرتُ إنساناً! أي والله، أخيرا صرتُ إنساناً!"

وهمهم الوغدان وهزا رأسيهما كي يُظهرا أنهما فهما السر الخطير.

- "وما هذا الذي تحمله بيمناك يا أخونا؟"

- "أخانا" قال القط.

- "أ. أ.. أخينا..(حسم الثعلب أمره) أخينا في الله!"

- "هذا كتاب.. أنا ذاهبٌ الى المدرسة.. يقول جدي إنني إذا واظبت سأنجح وربما سأصبحُ.."

- "أها.. كتاب! (قاطعه الثعلب) دعني أرى.. (واختطفه من يد الصبي) أعوذ بالله.. أعوذ بالله.. (صاح وهو يقلب الصفحات) ماهذا؟ صور؟ صور؟ وماهذا أيضاً.. صورة بنت مكشوفة الرأس؟ أستغفر الله.. أستغفر الله"

وردد القط نصف الغافي كما لو كان يتكلم في نومه:

- "أستغفرو بالله.. أستغفرو بالله!"

ثم عطس عطسة قوية أسقطت الكوفية البيضاء التي كانت تغطي رأسه وتنسدل على نصف وجهه فلطمه الثعلب على وجهه وصاح: غبي! فإذا ببينوكيو يتعرف عليهما من فوره.

- "من؟ القط المحتال؟ (وتفرس في وجه الثعلب) والثعلب الماكر أيضاً؟ لقد شككت بكما من اللحظة الأولى. ماذا تريدان مني؟ لقد حذرني جدي من الحديث معكما. أنتما لا تسببان لي سوى الأذى والمصائب.. هل تريدان خداعي من جديد.. هل تريدان أن تسرقا نقودي أو تقحماني في ورطة جديدة؟"

- "معاذ الله" (صاح الثعلب المرتبك)

- "حاشا لله" (ردد القط بسرعة بعد ان تلقى لكزة منبهة قوية من صاحبه)

- "كان هذا في الزمان الماضي" (قال الثعلب)

- "من زمنٍ بعيد بعيييييد" (ردد القط وهو يباعد ذراعيه ليؤكد قوله)

- "قبل أن يتوب الله علينا ويدخلنا في رحمته.. نحن الآن عابدان زاهدان قانتان.. نصوم النهار ونقيم الليل بالدعاء والصلاة"

- "نعم .. نصلي حتى في النوم!"

- "إخرس (ولكزه في بطنه) إنه يقصد أننا قليلاً ما ننام"

- "ولكن النوم المبكر مفيد للصحة (قال بينوكيو بسذاجة) هذا ما يقوله جدي"

- "آه، جدك.. جدك.. دائماً جدك.. اسمع يا عزيزي، لقد سهلت علينا المهمة.. فقد جئنا إليك، قُل أرسلنا إليك، من أجل هذا بالتحديد"

- "من أجل جدي؟"

- "نعم. من أجل هذا العجوز الذي تدعوه جدّك، من ضمن أمورٍ أخرى"

وكانت هذه المرة الثانية التي يسمع فيها كلمات بدت غريبة على مسمعه، إذ لم يسبق أن سمع أحداً يسمي جده، جده الحبيب، بالعجوز الذي تدعوه جدك.. وأصاب الارتباك عقله البريء الصغير...

- "وماذا تريدان مني؟"

- "لسنا نحن من يريد.. إسمع.. هذا ليس المكان المناسب للحديث. تعال معنا أيها الأخ.. أميرنا يريد أن يتحدث إليك.."

وساقاه وهما يبتسمان في وجهه فانقاد متردداً، ثم فكر في أن يطلق ساقيه للريح.. لكنه أحس بقبضتيهما وهما يشدان على ذراعيه فاستسلم لهما...

...

أسبوعٌ مضى.. ثم أسبوعان.. ثم شهر.. وشهران.. وبينوكيو.. بينوكيو العزيز.. لا أثر له. وكاد العجوز يجن من الحزن والقلق.. بحث عنه في كل مكان يخطر على بال، ولكن دون جدوى.. وازداد ظهره انحناءً..

وفجأة.. ظهر بينوكيو، وليته لم يفعل!

ولكن، فيم العجلة؟ لنتحدث قليلا عن لقاء بينوكيو بذلك الأمير.

(في قصر الأمير)

لم يسبق لبينوكيو، برغم مغامراته الكثيرة ورحلاته العجيبة في البر والبحر، أن زار هذا القاطع من مدينته، ولم يكن ليتخيل أن بيوتاً كهذه (والتي يبدو أحقرها قصراً فخماً بالمقارنة مع الحانوت ذي القبو الصغير الذي أبصر فيه النور) يمكن أن توجد على بعد نصف ساعة من زقاقهم الضيق الملتوي؛ لذا فقد أصابه الدوار وهو يدير رأسه هنا وهناك ويتأمل هذه الحدائق الغناء والقلاع المهيبة والشوارع الفسيحة النظيفة حتى وقفوا أمام بوابة قصر عظيم. لكن الثعلب والقط –وبدلاً من أن يقرعا الباب أو يشدا الخيط المربوط الى جرس ذهبي صغير معلق فوق البوابة الداخلية للقصر، انبطحا أرضاً تحت السور الحجري على بعد خطوات قليلة من البوابة وشرعا ينبشان التراب تحت السور، فلم يتمالك الغلام نفسه من الصراخ:

- "ماذا تفعلان بحق الله؟ لماذا تحفران تحت السور؟"

- "نريد أن ندخل!"

- "ولماذا لا تدخلان من الباب؟ هل تعتزمان سرقة البيت؟"

- "سرقة البيت؟ هـئ هئ هئ.. ولماذا نسرقه؟ إنه بيت أميرنا الحبيب ونحن خدمه ونعيش في كنفه منذ دهور"

- "فلماذا لا تقرعان الجرس وتدخلان مثل الناس؟"

- "أوه.. هذا إذن ما أثار دهشتك؟" (قال الثعلب)

- "شَتُك" (قال القط)

- "ألا فلتعلم يا فتى أن هذه هي طريقتنا في دخول البيوت.. الأمير نفسه لا يدخل بيته إلا بهذه الطريقة!"

- "عجيب!"

- "والآتي أعجب!" (قال الثعلب مؤكداً وقد رسم على وجهه ابتسامة غامضة)

ولم يكذب في هذه المرة، فما أن اقتربا من البوابة الداخلية (ولم تكن أقل فخامة من سابقتها) حتى جاءتهم من الداخل أصواتٌ غريبة متداخلة: ضحكات نسائية ماجنة، لعنات، شتائم مقذعة، نغمات موسيقية ناشزة، أصوات قرع كؤوس، وقع أقدام راقصة.. فلما اقترب الثعلب من الباب وضع فمه على تعويذة على شكل حذاءٍ صغير من الخزف الأزرق المتآكل كانت مثبتة بمسمار صدئ وبدت غريبة وسط هذا الثراء الفاحش ثم تحدث منها بصوت متذلل خاشع:

- "السلام على مولانا الأمير. لقد جئناك بما أمرت!"

فسكتت الأصوات إلا من ضحكةٍ أنثوية مكتومة وصوتٍ رجاليٍ رفيع يقول:

- "كفى.. قلت لكِ كفى يا شرشوحه. كفى أيتها الفاجرة الصغيرة.. ليس الآن.. أدخلي قاعة الحريم ريثما أنتهي من ضيوفي.. أوه.. آه .. إي.. كفى يا ملعونة!"

ثم انفتح الباب ووجد بينوكيو نفسه داخل الصالة الكبيرة فتسمر في مكانه حين أبصر تلك الفتاة.. لا لم تكن فتاةً ممن يراهنَّ ويشد شعورهن في المدرسة أو الزقاق.. كلا.. لقد كانت هذه امرأة.. امرأة حقيقية.. بيضاء.. تفيض بالأنوثة.. والأهم من ذلك.. عارية.. عارية تماماً! ولن أحدثكم عما جرى لبينوكيو: لقد احمرَّ وجهه واصطكت ركبتاه وتدلى لسانه نصف شبر. أما "الملعونة، الفاجرة الصغيرة" فتظاهرت بأنها لم تلاحظ دخول بينوكيو والحيوانين فانحنت الى الأرض وراحت تجمع على مهل قطع الثياب المبعثرة ثم رفعت رأسها فأبصرت الفتى المسكين وتظاهرت ثانيةً بأنها قد تفاجأت بدخوله فسترت القليل من جسمها بإحدى تلك القطع وتوجهت وهي تتلوى في غنج نحو غرفة جانبية مفتوحة الباب، لكنها التفتت قبل أن تختفي وغمزت بينوكيو بعينها ثم ضحكت ضحكة مجلجلة فاستقبلتها من داخل الغرفة ضحكات أخرى..

كان الأمير يراقب كل ما يجري.. وكذلك كان يفعل الثعلب.. أما القط فقد افترش الأرض وانشغل بلعق قدمه كما تفعل كل القطط، وحين تأكد أن الفتى قد داخ تماماً من المشهد المعدّ سلفا صاح الأمير من كرسيه العالي:

- "مرحباً بولدنا العزيز بينوكيو.. تقدم يا بني.. تقدم أيها الغالي.. هلمَّ الى أحضان عمك!"

لا أتذكر الكثير مما جرى لبينوكيو في ذلك الصباح، لكنني أعرف مثلاً أنه بعد أن أفاق قليلاً -قليلاً فقط- من نشوته، راح يتفرس في محدِّثه محاولاً أن يتذكر أين رأى هذا الوجه المستدير الباسم وسمع هذا الصوت الهادئ الناعم المخدّر. لكن الرجل وقد أحس بما يدور في خلد بينوكيو أسرع الى القول:

- "نعم يا بينوكيو، أنا هو.. أنا سائق العربة الضاحك الذي أخذك الى "أرض الألعاب" ثم باعك وقد تحولت الى حمار بأذنين لطيفتين الى صاحب السيرك الظريف. لكنني لم أعد الشخص نفسه. قد عفا الله عما سلف (وردد القط والثعلب معا: سلف).. تجارتي القديمة درَّت علي من الربح ما جعلني غنيا جداً، والغنى لله وحده. ولأنني -كما أفترض بك معرفته- محروم من الخلف الصالح فقد قررت توظيف ما أنعم الله عليّ به في كسب ثواب الدنيا والآخرة"

وأتذكر أيضاً أنه –أي من يدعونه بالأمير- تحدث كثيراً عن الجد وسأله عنه مراراً وتكراراً: ماذا يفعل غير نحت الأصنام (هكذا كان يسمي الدمى الصغيرة التي يصنعها)، هل يصلي، هل يستقبل نساءً، هل يربي طيوراً في مشغله، هل يعاقر الخمر، هل يسمع الموسيقى، هل يصنع الكراسي.. وإذا صنعها فهل يبيعها للنساء. وكان هذا السؤال الأخير ودهشة بينوكيو البريئة عندما شرح له الأمير أن جلوس النساء على الكراسي معصيةٌ وذنبٌ لا يغتفر السببَ في أن ينهي المقابلة بلهجة حاسمة:

- "يبدو لنا، يا عزيزي الثعلب، أن ولدنا العزيز بينوكيو لا يفقه شيئاً من أمور دينه ودنياه، وكل هذا بسبب ذلك العجوز "بيجيتو" وإصراره الأحمق على إرساله الى تلك المدارس التي أفسدت العقول.. حسناً يا بينوكيو.. من الآن فصاعداً ستعيش معنا.. هنا في هذا القصر.. لن تكون بالطبع مضطراً للعمل أو الذهاب الى المدرسة، فكل هذا صار جزءً من الماضي"

كان هذا، وأعني برم الصبي من المدارس والواجبات، نقطة ضعفه الكبرى كما يعلم جميع من في المدينة، وكما يعلم سادتي القراء الذين يتذكرون بالطبع كيف أن هذا البرم بالتحديد هو الذي دفع فتانا للالتحاق بالعربة المكتظة بالصغار الهاربين من المدارس والتي كان يقودها هذا الرجل لا غيره نحو "أرض اللعب". وصفق الأمير والتفت ناحية باب الغرفة إياها فتبعته عين بينوكيو المتوثبة:

- "يا بنات .. جهزنَ لبينوكيو العزيز كل ما يلزمه للإقامة معكن.. معنا"

وردد القط النائم دون أن يرفع رأسه:

- "معكن.. معنا" وعاد الى الشخير!

(بينوكيو يزور جده)

من المعلوم أن بينوكيو (كما تقول الحكاية) اعتاد أن يغيب عن المنزل لفترات قد تطول أو تقصر كلما ألح عليه نداء المغامرة والشقاوة.. ومعلوم أيضاً أن الجد كان يشعر بالقلق الشديد ولا يقر له قرار حتى يرى حفيده من جديد. لكن قلقه، في هذه المرة، كان من نوعٍ آخر: لقد تناهت إليه الأخبار بأن الصبي ما زال في المدينة لم يبارحها، وقد أقسم له البعض بأنه شاهد بينوكيو، وقد تغير مظهره كثيراً، في صحبة مجموعة من الأوغاد المسلحين بالهراوى والسكاكين، وذهب البعض الآخر الى أنه شاهده وهو يعتدي بالضرب المبرح على مجموعة من الفتيات ويهددهن بالقتل إن ذهبن الى المدرسة مرة أخرى! لكن العجوز بيجيتو لم يكن يصدق ما يُنقلُ إليه فكان يردد في ثقة:

- "كلا.. لا يمكن لحفيدي العزيز أن يكون في المدينة ولا يزورني، ثم إنه لا يمكن أن يقدم على هذه الأفعال الدنيئة.. إنه غلام طيب رغم غبائه.. أنا أعرفه تمام المعرفة.. لقد صنعته بيدي هاتين!"

ثم ظهر فجأةً..

لكنه لم يجرِ نحو الجد كما في كل مرة لكي يرتمي في أحضانه باكياً مردداً:

- سامحني يا جدي، لقد كنتُ ولداً سيئاً!"

لا، لم يفعل ذلك. لقد اكتفى بالوقوف عند المدخل شابكاً ذراعيه، ومن خلفه الثعلب والقط، ثم راح يجيل طرفه باستخفاف في أرجاء الحانوت وكأنه يراه لأول مرة. أما بيجيتو فقد راح يتأمله في دهشةٍ وحزن: لقد تغير ولدي كثيراً .. هكذا قال مع نفسه.. كان الفتى قد استبدل سرواله المدرسي القصير وقبعته الصغيرة ذات الريشة الحمراء وحذائه الخشبي الذي اعتاد أهل الزقاق على وقعه المحبب برداء فضفاض أبيض يتدلى الى ما تحت ركبتيه ليغطي سروالاً من القماش نفسه يكشف عن قدمين صغيرتين مترَبتين دُسَّتا في نعلين جلديين كبيرين، أما وجهه، ذلك الوجه الطفولي الظريف الذي ربما شاهده السادة القراء على أغلفة الكتب ، فقد اكتسى بسحنة من قسوةٍ وبلادة زادتهما تلك النظرة الزائغة القلقة وتلك اللحية الخفيفة غير المكتملة التي كاد الجد يجزم بأنها رسمت على وجهه رسماً بشيءٍ من الفحم أو السخام. ساد الصمت طويلاً، وكان قلب بينوكيو يخفق بقوة وهو يقاوم رغبة عنيفة بالاندفاع نحو جده، لكنه، وحين التقت عيناه بعيني الأخير أسرع بالانشغال بمقبض سيف طويل يبدو مضحكاً وهو يتدلى من جسده الضئيل وقال مدمدماً دون أن ينظر اليه:

- "كيف حال العجوز بيجيتو؟!"

ولم يصدق الجد أذنيه. وأحسَّ بكتلة من جليدٍ تجثم على صدره وتمنى أن يفعل شيئاً، أن يصيح بأعلى صوته: أين كنت أيها الولد المشاغب العاق، أو أن يقوم ليحضنه أو ليقبله أو ربما ليهوي على وجهه بصفعة مؤلمة، لكنه غاص في مقعده يائساً محطَّماً...

...

في زيارته الثانية كان بينوكيو أكثر فظاظة وقبحا؛ فقد بدأها بأن ألقى على الجد خطبة طويلة عن الحلال والحرام وما يجب أن يفعله أو لا يفعله، ثم بدأ بانتقاده على "كل المعاصي التي يصر على اقترافها" ثم شرع بتوبيخه، ثم تهديده. وسأله ، في غضون ذلك، أسئلة كثيرة بدا واضحاً أن أحدهم (وهو الأمير بلا ريب) قد لقنها إياه. وكان الجد، أثناء ذلك، يلتزم الصمت المطبق ويكتفي بالتحديق في الصبي وتأمل ما حلَّ به من تغيير.. وخيل له أن أنف الفتى بدا أطول كثيراً من المعتاد وبأن حركاته أشبه بحركات دمية تشدها الخيوط. فما كان من بينوكيو، ليداري ما أحس به من شعورٍ بالهزيمة والعار، إلا أن يهوي بسيفه على عدد من الدمى والمزهريات المعلقة على الجدران زاعقاً:

- "تماثيل، أصنام،ضلالات!"

ثم انتصب أمام الجد وهو يضم قبضته وصاح بين الغضب والتضرع:

- "أجبني أيها العجوز.. لماذا لا تتكلم!"

- "يبدو أن القطة ابتلعت لسانه!" علق الثعلب ساخراً ثم ضحك على النكتة التي أطلقها.. والتمعت عين القط وسال لعابه.. وأطلق مواءً شرِهاً طويلاً!

(اليوم الأخير في حياة بينوكيو.. الصبي الخشبي)

- "سيدي بينوكيو. مولانا الأمير يطلبك لأمرٍ في غاية الأهمية"

كذا قال الثعلب وهو يدخل على بينوكيو .

- "ماهذا؟ ما الذي أصابك يا عزيزي الثعلب؟ ما كل هذا الضمادات على وجهك وذيلك؟ ولماذا تعرج في مشيك؟ هل ..."

- "لا شيء يا سيدي. لا تشغل بالك. سيشرح لك مولانا كل شيء.. لا. ليس من هنا.. مولانا يريدك في غرفته الخاصة"

ولقد كان الأمر مهما حقاً كما قال الثعلب.

- "يا ولدي يا بينوكيو، إنك مقبلٌ على أهم اختبارٍ في حياتك. أنت تعلم بأن من يعمل معنا يجب أن ينسى كل شيء.. العلاقات القديمة، الطباع والعادات القديمة.. بل حتى الأهل والأصدقاء"

- "الأمر يتعلق بجدي. أليس كذلك؟"

- "ما شاء الله على ذكائك يا ولد! نعم، الأمر يتعلق بالعجوز بيجيتو (صحح الأمير) لقد كنا –كما تعلم- نتصرف معه حتى الآن بتساهل شديد، إكراماً لخاطرك ولكننا.. لكننا استنفذنا معه كل الحيل.. هل تدري ماذا كان رده على الرسالة التي بعثناها اليه مع خادمنا الثعلب نخيّره فيها بين ثلاثة أمور: التوبة النصوح أو الرحيل أو الموت؟ لقد ضرب أخانا بعصاه ضربا مبرحا وقال له: اذهب الى من أرسلك وقل لهم إنكم لا تساوون عندي مسماراً صدئاً وإني سأضرب من يجرؤ على الاقتراب من حانوتي حتى أسلخ جلده!"

وخيل للأمير إنه يرى على وجه بينوكيو ظلال ابتسامة إعجاب بشجاعة جده فسارع الى القول:

- "إعلَم يا فتى بأنني، وجميع من هم فوقي، معجبون بشجاعتك وإخلاصك للقضية وعلى يقين من أنك ستفعل كل شيء تؤمر به لإعلاء راية الجهاد ولهذا (وتنحنح قليلاً ثم أردف) ولهذا فقد صدر الأمر بأن تكون أنت لا غير من سينفذ العملية القادمة: عملية تفجير حانوت الزنديق "جيبيتو"! هلم أيها البطل! سيشرح لك الأخ الثعلب كل التفاصيل ثم تخلد الى النوم مبكراً. ستوقظك الجميلة شرشوحة عند الفجر لتذهب على بركة الله. وعندما تعود، ستكون، بإذن الله، في انتظارك.. ستكون جائزتك.. أعرف إنك مغرمٌ بها.. هئ.. هئ.. هئ!"

لكن بينوكيو لم يغمض له جفن حتى الفجر: كان يتقلب يميناً فتقفز الى ذهنه صورة شرشوحه يوم رآها أول مرة، ويستدير يساراً فيرى صورة جده وهو جالس يقرأ له في كتابٍ مصورٍ قديم، ويعود لينقلب يميناً فيرى صورة الأمير بوجهه المستدير الناعم الذي يشبه كرةً من الزبدة الطرية، فيستدير ثانية ليرى صورة الجنية الراعية التي حولته إنساناً وهي تدير ظهرها غاضبة وترفرف بجناحيها الذهبيين، فينقلب على ظهره ليرى في السقف جُدجُد الليل، صديقه اللدود.. الصرصور الرمادي الذي لم يكن له من عملٍ في الدنيا سوى إزعاجه بنصحه وتوبيخه (كان هذا الجدجد المسحور يعود الى الحياة كما تعرفون بعد كل مرةٍ يضيق به بينوكيو ذرعاً ويضربه بأي شيء يقع في يديه ليسحقه تماماً)

وحل الفجر، وتوجه بينوكيو، برفقة الثعلب والقط، الى الزقاق القديم. وتوقف الأخيران قبل أن يصلا الى حانوت الجد وسلماه الكيس الأسود الثقيل وصافحه الثعلب بحرارة:

- "على بركة الله أيها البطل! سنبقى هنا على مسافة مناسبة لنراقب المكان!" (كان يكذب بالطبع فقد كان يخشى انفجارا عرضياً يطير أشلاءه العزيزة!)

وقرفص بينوكيو تحت الواجهة الزجاجية وبدأ الحفر.. وكان صوت الجُدجُد لا يبارح أذنيه:

- "أنت ولد سيء .. سيء ومغفل يا بينوكيو.. لقد أخطأت الجنية بتحويلك الى إنسان .. مغفل.. هل تذكر يوم أقنعاك بزرع دنانيرك الخمسة.. لقد كنت تحفر هكذا.. هكذا بالضبط .. مغفل!"

وانتهى بينوكيو من زرع القنبلة، وأهال عليها التراب، وعاد الى صاحبيه ساهماً ممتقع الوجه فاستقبله الثعلب بالأحضان:

- "مرحاً.. عاش بطلنا بينوكيو!"

- "عاااااااش!" (ردد القط وتأبط ذراعه ليمضوا عائدين. لكن الفتى جذب ذراعه سريعا وانعطف نحو شاطئ النهر القريب:

- "أريد أن أجلس لوحدي قليلاً"

وانقاد الحيوانان صامتين. جلس بينوكيو على مصطبة حجرية قديمة. وراح الثعلب يروح ويجيء فاركاً كفيه في سرور. أما القط فقد افترش العشب وغط على الفور في نوم عميق. وطال جلوس الغلام فتململ الثعلب وأحس بشيءٍ من الريبة فأخذ يثرثر:

- "أتدري يا بينوكيو؟ بطولتك هذه سوف تخلدها بطون الكتب.. كتبنا نحن بالطبع لا تلك الكتب الزنديقة التي يوزعونها على أطفال المدارس! أتدري؟ ربما نصبوك أميراً. ولم لا؟ الأمير بينوكيو. بينوكيو الذي لا يعرف في الحق أباه.. ولا جدّه!"

ولم يجب بينوكيو. بل بدا كأنه لم يسمع شيئاً.

- "ماذا نفعل هنا؟ فلنعد الى القصر. لا تقلق، ستنفجر القنبلة في موعدها.. عندما يتجمع التلاميذ وهم في طريق المدرسة ليتفرجوا على الأصنام الجديدة التي صنعها الزنديق. وستكون أنت ساعتها في أحضان شرشوحة الجميلة.. أنظر.. ها هي الشمس تشرق.. هيا .. ماذا تنتظر؟.. هيه.. أنت أيها الفتى.. ما بك.. ألا تسمعني؟"

وانتفض بينوكيو فجأة وكأنه استفاق من نومٍ عميق وصرخ مرعوباً:

- "جدي!"

وشرع بالركض نحو الحانوت فاعترض الثعلب طريقه رافعاً خنجراً استلّه من مكان ما تحت ثيابه:

- "هذا ما كنا نخشاه ونحسب حسابه: أن تجبن في اللحظة الأخيرة"

ورفع خنجره، لكن بينوكيو كان أسرع منه فانقض عليه بضربة واحدة فصلت رأسه عن جسده. وأطلق القط الذي كان يراقب المشهد بعد أن أيقظه الصراخ مواءً فزعاً ولاذ بالفرار..

كان بيجيتو يهم بالخروج من الحانوت ليشتري قدح الحليب اليومي عندما أبصر بينوكيو وهو يركض نحوه كالمجنون وينادي باسمه، فأسقط جعبة الحليب الفارغة وفتح ذراعيه ليستقبل حفيده، لكن الأخير لم يرتمِ في حضنه كما توقع، بل جثم على الأرض وشرع يحفر ببيده وأظفاره رافعاً نحوه مرتين وثلاث عينين تصبان دمعاً غزيراً وهو يردد كالمحموم:

- "سامحني يا جدي.. لقد كنت ولداً سيئاً. لكنني لن أكرر ذلك.. أعدك بأن أكون ولداً طيباً .. أعدك..."

وقبل أن يفهم الجد المذهول ما يجري أو يعثر على كلمات يجيب بها، كان بينوكيو قد نهض محتضناً كيساً أسود يغطيه التراب ثم هوى على يد الجد وقبلها قبلة سريعة وانطلق مبتعداً كالسهم وهو ينادي:

- "سامحني يا جدي.. سامحني"

وصاح الجد وراءه:

- "بينوكيو .. ولدي بينوكيوووووو!"

واستدار الفتى راكضاً نحو قطعة الأرض الخلاء القريبة من النهر وقبل أن يصل الى الجرف.. دوى انفجارٌ عظيم.. وارتفعت سحابة من دخان أسود.. وطافت على صفحة الماء.. قطع صغيرة من خشب.. من خشب متفحم ملطخ بالدماء..

توابيت صغيرة للسلوى

يقولون إن الجد قد جن في أخريات أيامه. ويقولون بل هو الحزن الذي أذهله لا الجنون..

كان يغيب أياما وأياما في ورشته الصغيرة ثم يكتشف الناس في إحدى الصباحات مجموعة رائعة جديدة منها في المعرض الزجاجي الصغير الملاصق للباب.. كانت تنفذ بسرعة البرق، خصوصاً وإن النجار العجوز كثيراً ما ينسى أن يتقاضى ثمنها.. توابيت صغيرة فائقة الجمال مصنوعة من أنفس أنواع الأبنوس .. صغيرة لا تتسع حتى لرضيع ... حفرت على جوانبها كلمة واحدة تكرر وتكرر: آه.. آه.. آه..

وعلى الغطاء الأسود الصقيل نقشت رسوم غريبة: ملائكةٌ مجنحة.. حيتان.. ثعالب.. قطط.. وجوه سمينة ضاحكة.. صراصير باكية.. ودُمىً.. أراجوزات أحيطت رؤوسها بهالاتٍ من نور وكتابات لم يعرف أحد معناها بالضبط:

لا تأمل الكثير..

لا تحلم بنظاراتٍ من فضةٍ أو ذهب..

لا تبك كثيرا وراء الراحلين...

من كان من خشب الى خشبٍ يعود..

25-4-2010

هامش عن الحكاية الأصلية

ظهرت حكاية بينوكيو لأول مرة عام 1883 وكانت من تأليف الكاتب الإيطالي كارلو كولودي، ثم ظهر العديد من الأفلام والحكايات والأعمال الفنية المستوحاة منها. هنا إحدى الترجمات العربية الموجزة وبتصرف:

كان الفنان "بيجيتو" يعيش وحيدا في بيت خشبي صغير حيث كان يصنع دمى رائعة من الخشب للأطفال. صنع ذات يوم دمية من خشب الصنوبر وزودها بخيطيين ليتمكن من تحريكها، كانت الدمية رائعة الجمال فسماها "بينوكيو" ورفض أن يبيعها، وتمنى أن يتحول "بينوكيو" إلى صبي حقيقي، لأنه ليس عنده أولاد.

امتلأت غرفة "بينوكيو" بضوء ساطع، وظهرت الحورية "شعلة" التي جعلت "بينوكيو" يتحرك بدون خيوط، أخذ "بينوكيو" يقفز بفرح شديد، فقالت له الحورية : لكي تصبح ولدا حقيقيا عليك أن تكون ولدا صادقا شجاعا وغير أناني، وأوصته أن يستمع لنصائح "جدجد الليل" الصرصور الصغير الذي يعيش في منزل "بيجيتو".

ذات صباح، بينما كان "بينوكيو" ذاهبا إلى المدرسة، رآه الثعلب المحتال "دويهي" ورفيقه القط "جدعون"، وقررا أن يبيعاه إلى "طمبولي" صاحب استعراض الدمى الراقصة، وأقنعاه انه سيصبح نجما مسرحيا غنيا وشهيرا ونصحه صديقه "جدجد الليل" أن يذهب للمدرسة وأن لا يستمع لهذا الكلام.

"بينوكيو" ذهب ورقص في عرض الدمى، وفرح جدا لسماع التصفيق، وبعض العرض أعطوه قطعة نقود ذهبية، وعندما كان "بينوكيو" يستعد للعودة للمنزل، منعه "طمبولي" وحبسه داخل قفص، ولكن الحورية "شعله" أنقذته، وعندما سألته لماذا لم يذهب للمدرسة؟ كذب عليها.

ما إن نطق "بينوكيو" بالكذبة، حتى أخذ أنفه يطول أكثر فأكثر ولما اندهش "بينوكيو"، أخبرته الحورية "شعله" أن هذا ما سيحدث لأنفه كلما كذب، فوعدها أنه لن يفعل هذا أبدا، وقال أنه سيذهب للمنزل فورا.

في المساء اتفق سائق العربة الشرير مع "دويهي" و"جدعون" أن يعطيهما مالا كثيرا إذا نجحا في خطف عدد من الأولاد، وأقنعا "بينوكيو" أنه سيقضي وقتا سعيدا إذا انضم لباقي الأولاد الذاهبين إلى جزيرة الألعاب، وهي مدينة للملاهي كل الألعاب فيها مجانية، وهناك تعرف "بينوكيو" على صديق جديد اسمه "شقاوة"، ونصح "جدجد الليل" صديقه "بينوكيو" أن يعود إلى البيت، لكن "بينوكيو" رفض فقرر "جدجد الليل" أن يعود وحيدا.

وعندما كان "جدجد الليل" يغادر الجزيرة، شاهد قاربا عليه أقفاص بها حمير، وكان واحد من الحمير يبكي ويتوسل لصاحب العربة أن يتركه يذهب للبيت، رفض صاحب العربة وأخبرهم أن هذا ثمن الألعاب التي لعبوها في جزيرة المرح، فأسرع "جدجد الليل" ليحذر "بينوكيو".

و لما بدا "شقاوة" يتحول إلى حمار إعتقد "بينوكيو" أنها مجرد مزحة، فأخذ يضحك وبسرعة بدا يظهر له ذيل حمار، وأصبحت إذناه طويلتين يكسوهما الشعر، فهرب "بينوكيو" و"جدجد الليل" من الجزيرة، ولكنهما لم يجدا جد "بينوكيو" في البيت، وعرفا أنه ذهب للإبحار بقاربه للجزيرة فابتلعه حوت ضخم اسمه "قنطار".

بسرعة قفز "بينوكيو" و"جدجد الليل" في المحيط، وأخذا يمشيان في قاعه العميق حتى وصلا إلى "قنطار". كان "قنطار" نائما طوال الوقت، ولما شعر بجوع شديد ابتلع سربا من الأسماك، فاصطاد "بيجيتو" واحد منها ليطهوها، وفوجئ بـ"بيونكيو" ممسكا بذيل السمكة.

فكر "بينوكيو" في طريقة للهروب، فأشعل نارا تصاعد منه دخان كثيف. جعل "قنطار" يعطس، فأسرع "بينوكيو" و"جبارة" وخرجا من فم الحوت، ولم يكن "جبارة" يعرف السباحة.

أخذ "بينوكيو" يسبح وهو يمسك "بيجيتو"، حتى وصلا إلى الشاطئ. كان الجهد الذي بذله "بينوكيو" الشجاع لإنقاذ جده كبيرا جدا، فسقط على الأرض من شده التعب.

عندما أفاق "بيجيتو" وجد "بينوكيو" ملقى على الشاطئ، أخذ "بيجيتو" "بينوكيو" إلى البيت، وأنامه على السرير فظهرت الحورية "شعلة"، وأيقظت "بينوكيو" وهنأته لأنه استطاع أن يثبت أنه شجاع وصادق وغير أناني، ووفت بوعده ووجد "بينوكيو" نفسه ولدا حقيقيا.

أقام الجميع احتفالا كبيرا، وشكروا الحورية "شعلة" وعاش "بينوكيو" مع جده "بيجيتو" في سعادة.

ليست هناك تعليقات:

بحث هذه المدونة الإلكترونية