ماذا يفعل "قيصر نوميّه" لو صار رئيساً للجمهورية !؟


حدثنا أحد الأصدقاء ممن يحب التـنصت على الناس ونقل الحكايات والأخبار فقال:
-بينا أنا في مدينة السلام، بين ضجيجٍ وزحام، خارجاً من سوق البالات، مروراً بما كان وزارةً للإعلام، وداخلاً فرع سينما الخيام..
-اسمع يا هذا! (قاطعته أنا) لا تصدّع رؤوسنا بسجعك العقيم! تكلم مثل الآدميين وإلا غادرتك الآن وتركتك تدفع حساب الشايات والنركيلة، ولينفعك ساعتها عيسى بن هشام أو الحارث بن همام!
-ولماذا هذه العصبية من جنابك؟ الحقُّ عليَّ لأنني أريد أن أقص عليك ما شاهدته بالأمس بطريقةٍ فنية. ولكن لا تزعل، سأحكي لك ما حدث بالحرف الواحد ودون رتوش وبهارات تاركا لك حرية نقلها لقرائك بالطريقة التي تعجبك.
-حسنا تفعل.
-أوكي، أز يو وِش (تحول عيسى بن هشام الى لغة العلوج) أين وصلنا؟
-وهل بدأنا حتى نصل؟!
-حسناً، لقد تذكرت. بالأمس وحوالي الساعة العاشرة صباحاً، لا لا، كانت العاشرة والنصف بالضبط، أي قبل نصف ساعة من حدوث الانفجار أمام مقهى حجي جاسم، أو بعبارة أدق المرحوم حجي جاسم لأنني علمتُ بأنه فارق الحياة بعد دقائق من وصوله الى طوارئ مستشفى الكندي (ورفع يديه ليقرأ الفاتحة فأطال حتى حسبته يقرأ معها سورة البقرة).. آمين رب العالمين. أين وصلنا؟ ها، تذكرت. كنت أسير في الباب الشرقي، خرجتُ من سوق البالات ثم عرّجت على سوق الالكترونيات ووجدت نفسي في بداية شارع الجمهورية قرب بناية وزارة الإعلام القديمة فعبرت الشارع من رأس النفق ودلفت الى شارع سينما الخيام من جهة بناية الهلال الأحمر (كان بالطبع يتعمد إزعاجي بهذه التفاصيل انتقاماً على مقاطعتي إياه في بداية حديثه، ولكنني آثرت الصمت منتظراً أن أصل الى الزبدة كما يقولون) وهناك، عند نهاية الشارع قريباً من عمارة نقابات العمال السابقة رأيت جمعاً من الناس متحلقين، يعني متجمعين حول..
-قرّاد يرَقِّصُ قرده! (قاطعته نافد الصبر)
-لا يا خفيف! كان هذا في مقامات بديع الزمان الهمذاني، أما ما رأيته فقد كان شيئاً آخر: لقد كان بائع "سيديات" يعرض بضاعته على الرصيف.
- سبحان الله. كل هذه المقدمات لتخبرني أنك رأيت بائع سيديات ؟!
-لا يا ساذج (قالها بالفصحى، وبفتح الذال أيضا) أنت لا تعرف من يكون بائع السيديات هذا.
-ومن يكون، عمر الشريف شخصياً؟
-لا .. لا تسخر.. لقد كان .. قيصر نوميّه .. نعم قيصر نوميّه بشحمه ولحمه!
-من؟ صاحبنا قيصر نوميّه؟ (سألتُ بشيءٍ من الفضول الذي نجح في إثارته) أما زال حيّاً؟ ألم تخبرني بنفسكَ قبل أعوام بأنه خُطِفَ وقُتِل على طريق الحِلّة؟
-أمّا إنه خُطِفَ فهذا صحيح مئة بالمئة، لقد أخبرني ابن عمّه شخصياً. لكنه لم يُقتَل، لقد نجح في الإفلات بطريقةٍ ما، أنت تعلم، إنه كالقطط بسبع أرواح.
-أو إن معلوماتك لم تكن دقيقة "مئة بالمئة".
-مو مهم، مو مهم (زاغَ من تعليقي بسرعة) لقد عرفته من صوته قبل أن أراه، لكنه، ابن الـ.. أنكرني في البداية. وحتى بعد أن عرفني.. لقد اكتفى بكلمة "هلو" صغيرة وأشار لي بيده كي أنتظر قليلاً ريثما يفرغ من مجادلة بعض المتحلقين حوله.
-ولكن، ما كان سبب هذا التحلق؟ هل صار قيصر بائع سيديات من "ذاك النوع"؟
-لا، لم يكن هذا هو السبب، وأظن بأن مثل هذا العمل أمر مستبعد بالنسبة إليه، رغم تقلبه في مئات الأشغال. أنت تعرفه، إنه لا يستقر على عمل لأكثر من شهر، لكنه "ما يقبل بالناقصة".
-نعم، أعرف ذلك ...
**



وهنا "أستبيحكم عذراً" )هكذا كان يلفظها قيصر نفسه عندما كان يريد أن يتفيقه) لأنقل لكم "قبساً" مما أعرفه عن هذا الرجل، وعسى أن لا تعد مفوضية الانتخابات كلامي هذا نوعاً من الدعاية الانتخابية التي تُعاقَبُ بالتغريم "وبعقوبات أشد في حالة تكرارها من قبل كياني الفقير". ولأبدأ أولاً بسبب تلك التسمية الغريبة (قيصر لوميّة أو نوميّة) إذ يُقال أن والده (أي والد قيصر) كان، برغم فقر الحال وتواضع المستوى الثقافي من الحريصين على الذهاب الى دور السينما، والمسرح إن سنحت الفرصة (وهو ما أورثه لإبنه قيصر) وإنه أعجب أشد الإعجاب بشخصية يوليوس قيصر التي كان حقي الشبلي يصول ويجول فيها، وإنه في أكثر من مرة كان يصرخ بالممثل الأمريكي (الذي لم يحفظ اسمه) كي لا يخرج من داره حتى لا يقتله المتآمرون المتربصون. وكم من مرة ارتفع صوته بالدعاء لمارلون براندو وهو يرثي قيصر المغدور ويحض على الثأر له. ويقال أيضاً بأنهم سمعوه (في نبوءة عجيبة) وهو يعلق على إحدى خطب الزعيم في أوائل الستينات: أويلي عليك كرّومي! إنته هم مثل قيصر، تاليها يغدرون بيك وإنته نايم ورجلك بالشمس! ولهذا أصر الأب المفتون على تسمية ابنه البكر في شهادة الميلاد بهذا الاسم غير الشائع في بلادنا.
هذا إذن ما "أجمعت عليه الأمة" من سبب تسميته بقيصر، أما لقب "نومية" فقد اختلف الفقهاء وأصحاب الرأي حول أصله: فمنهم من يشير الى أنه كان في صغره فتى ضئيلاً أصفر الوجه صفاراً شديداً يضرب الى الزرقة، ولهذا لقّبه زملاؤه في الابتدائية بهذا اللقب. لكن هذه على الأغلب "رواية ضعيفة" إذا ما قورنت بوجهه المنتفخ الأحمر الحليق وقامته المربوعة التي عرفناه بهما منذ مطلع شبابه (وشبابنا)، رغم أنه من الجائز ، أقول من الجائز، أن يكون قد تعرض في فترةٍ ما من طفولته الى التهاب ما من التهابات الكبد الشائعة في بلادنا العامرة مما يصبغ الوجه بذلك اللون لفترة قد تطول أو تقصر/ لكن هذا الاعتقاد ضعيف هو الآخر لأن من المفترض، لو كان هذا هو السبب، أن يُلقَّب نصف أبناء وبنات شعبنا العظيم بهذا اللقب!
وما دمنا قد تورطنا في الثرثرة حول هذا الموضوع فلا بأس من إيراد اثنتين من الروايات الأخرى: إحداهما تحيل اللقب الى أمور خادشة للحياء لا مجال للتفصيل فيها، أما الثانية (وهي الأرجح في ظني) فتعود الى طبيعة "المزة" التي اعتاد السيد قيصر على أن تكون حاضرة مع قنينة "الزحلاوي" التي لم يخن عهده معها مذ بلغ الحلم، وأخلصت له هي الأخرى في الحلو والمر، ورافقته رفقة صديق مؤتمن أمين فلم تخذله يوماً، لكنها لم ترخِ له الحبل مرة حتى يبلغ مبلغ السكر العلني الفاضح الذي يُذهِب الوقار ويُضحك الكبار والصِغار!.. أقول إن النومي (أو الليمون باللسان العربي الفصيح) كان مزته المفضلة، وكانت له طريقته الخاصة في تناوله، إذ يهصر الليمونة هصراً بأصابعه القوية الغليظة حتى تلين وهي في قشرتها ثم يثقب فيها ثقباً صغيراً ويروح "يمصمص" منها بين الرشفة والرشفة. وهذا هو، والله أعلم، سبب لقبه الغريب الذي لا يُعرف إلا به.
وقيصر نوميّه، يا أصدقائي، عراقي بامتياز، فيه طيبة العراقيين، وشهامة العراقيين، ونزوات العراقيين، وحزنهم، وغرابة أطوارهم.. وجنونهم وولعهم بالسياسة، فهو (مثل كل عراقي) سياسي بالفطرة.. سياسي من بطن أمه. وهو(رغم فقره المزمن الذي اضطره الى التنقل بين مهن ومدن وقرى لا تخطر على بال) كريم النفس.. "خوارده" .. "أخو خيته". وليتك رأيته في الملمات، أو حين يحتاج أحدٌ الى مساعدته: رجلٌ ضعيف يتعرض للاعتداء أو امرأة تستنجد به وتنتخيه!
أما الحكاية التي تروى عما حدث في أيام الفرهود التي أعقبت "التحريلال" وتنسب الى هذا أو ذاك (وقد يحلف لك مئة شخص بأنهم شاهدوها بأمّ أعينهم) فلم يكن بطلها الحقيقي غير "قيصر نومية" لا غيره:
كانت مجموعة من حثالة القوم قد حطمت أبواب عدد من دكاكين بيع الخمور وراحت تدخل اليها ثم تخرج فرحة مستبشرة مثقلة بما حصلت عليه من غنائم القناني والصناديق، فيما اكتفى البعض منهم بأن شربوا وشربوا كالمفجوعين حتى بلغ منهم السكر مبلغاً فافترشوا الواجهات وغطوا في نومٍ عميق، في الوقت الذي ارتأى البعض الآخر من السكارى أن "يحتفل على طريقته الخاصة" حسب العبارة المشهورة لبطل التحرير القومي، فصار يتسابق في تحطيم أكبر عدد من القناني بضربها بالجدران أو بتصويبها على الجدارية القريبة التي تحمل صورة البطل "أعلاه" ، تلك الجدارية التي جُمعت تكاليف إقامتها من كيس أصحاب تلك الدكاكين المساكين، ولم يمض على إزاحة الستار عنها "بحضور الرفيق أمين سر الفرع وجماهير المنطقة" إلا بضعة أشهر. المهم إن قيصر قد توقف على الرصيف المقابل وصار يراقب المشهد بحزنٍ واستنكار شديدين، ثم التفت الى صاحبه:
-داينّي ألف دينار.
-ليش؟
-مو شغلك!
وأخذ النقود من صاحبه وتوجه الى صبي كان قد نصب على عرض الرصيف حوض استحمام "بانيو" لا أعرف من أين جاء به وملأه بالثلج وقناني وعلب المشروبات من كل صنفٍ ولون:
-هاك بابا، ناوشني ربع عرق، هذوله الملاعين الوالدين حرقوا دمي.
-مجنون أنت؟ (صاح رفيقه الذي معه) الناس تدخل وتخرج الى المحلات وتحمل صناديق الويسكي والشمبانيا بالمجان وأنت تستدين ألف دينار لتشتري ربع عرق مغشوش.
-إخرس أنت! أتريدني أن أشربَ بالحرام؟ أتريدني أن أسرق مع هؤلاء "الطايحين الحظ"؟ يعني ما يكفي عرق.. والنوبة مسروق!؟
-طيّب رفّه عن نفسك. بحبحها شويّه. إشتريلك ويسكي ، بيرة، فودكا .. إنهم يبيعونها برخص التراب.
-خَلّي الويسكي والبيرة للمخانيث من أمثالك! (أجاب قيصر مداعباً) أنا لا أشرب إلا حليب سباع، وبشرط أن يكون صناعة عراقية ميّه بالميّه!
**
ونعود الى حديث صاحبي:
- ليتك رأيته وهو يعتلي "الصَبّه" ويناقش هذا ويجادل ذاك وكأنه يوليوس قيصر الحقيقي.
- وفيم كان النقاش والجدال؟
- تخيّل.. لقد كان قيصر يتحدث عمّا سيفعله لو صار رئيساً للجمهورية!
- يا الله. رئيس جمهورية مرة واحدة؟! ما أبعد خيال هذا الرجل. ولكن، لماذا نلومه؟ ألسنا جميعاً مثله؟ ألم تتخيل نفسك يوماً رئيساً للجمهورية؟
- مئات المرات! ولكن قيصر كان مندمجاً في الدور. كان يتحدث وكأن بينه وبين أبواب القصر الجمهوري بضعة أشبار! وكان، ببساطة، يعرض على الجمهور برنامجه الانتخابي. أتدري؟ لقد كان يتحدث الى الجميع في وقت واحد بطريقة تشعرك بأنه يعرفهم واحدا واحدا وبأنهم هم أيضاً يعرفونه حق المعرفة. أن هذا القيصر يمتلك حقاً تلك الـ (ماذا تسمونها) .. "الكاريزمه" ... إي والله الكاريزمه .. فقد أحسست بانجذابٍ نحوه وشعرت بالغيرة من اقتراب الآخرين منه، وكأنه حقاً صار رئيساً يمكن للمرء أن يتباهى بعلاقاته معه. وفي لحظة ما تخيلتُ نفسي وأنا أتحدث مع عدد من طلاب الوساطات: الرئيس نوميّة؟ إي طبعاً أعرفه، إنه صديق صباي.. نعم طبعاً طبعاً أستطيع مقابلته في أي وقت! اعتبروا طلباتكم متحققة، الرئيس نوميّه لن يتأخر في رد طلبي! هئ هئ هئ!
- ولماذا تضحك؟ ألا تذكر أيام كنا ندعو الله أن يخلصنا من ذاك الديناصور ويرسل لنا أي حاكم سواه، حتى لو كان قيصر نوميّه.
- لا لم أنس ذلك، ولكن كان هذا أيام زمان، أيام كان التمنّي، مجرد التمنّي يكلفك حياتك وحياة أقربائك الى الدرجة الرابعة. هل تتذكر "سلمان المضمد" الذي حكم بالإعدام لأنه رأى نفسه في الحلم رئيساً وقصّ رؤياه (لقلّة عقله) على زوجته الثرثارة. أمّا اليوم -ما شاء الله- فنستطيع أن نصدّر الى دول العالم آلاف السياسيين المحترفين الذين يطالبون بالزعامة والمجد مثلما تصدّر البرازيل لاعبي كرة القدم!
- دعك من البرازيل وأخبرني عن البرنامج الانتخابي لقيصر.
- لا أتذكر كل التفاصيل، لقد تحدث طويلاً وكان يخلط كعادته الجد بالهزل. ولكنه، في الوقت الذي وصلتُ، كان يصب جامَ غضبه على العرفاء ونواب الضباط! كان يقول وهو يستذكر آلامه خلال خدمته العسكرية الطويلة: لو صرت رئيس إلا أحبس كل رئيس عرفاء ونايب ضابط، خصوصاً كل من اسمه ... !! ومو بس هاي، راح أعزّل كراج النهضة وكراج العلاوي وكراج ساحة سعد وكل الكراجات الكشرة اللي كنا نركض بيها وره السيارات حتى نروح للجبهة نموت!
-وكيف سيصل الناس الى الأماكن التي يقصدونها؟
- هذا بالضبط ما سأله أحدهم. لكن قيصر أسرع بالجواب: بالقطارات، بالطيارات، إلا أترس البلد مطارات. ليش إحنه فلوسنه قليلة، ها بويه زاير وين رايح، للعمارة؟ اتفضل إركب بوينغ 747 من مطار الشيخ عمر الدولي. ها حجية وين رايحه. لـ"هيت".. اتفضلي اركبي بوينغ 747 من مطار العلاوي عنترناشنال. ها كاكه وين رايح .... ويمكن أوزع على الناس سيارات .. ليش لا ؟ شعارنا لكل مواطن سيارة آخر موديل (وعندها ارتفعت الصيحات: عاش قيصر نوميه.. عاش.. عاش)
- لو هيجي الرئيس يدلل شعبه لو ما لازم! وماذا قال أيضاً؟
- الكثير. لكنه، على سبيل المثال، تحدث عن خطة أمنية ستقضي على الإرهاب في أسبوعين!
- خطة أمنية أخرى؟! ألم نشبع خطط أمنية؟
- نعم، لكن قيصر يقول أن خطته مضمونة ميّه بالميّه ولن تحدث فيها "لا خروقات ولا فتوقات".
- وهل كشف المهيب الركن تفاصيل خطته؟
- البعض منها. قال مثلاً إنه عندما يلقي القبض على أي إرهابي أو مجرم أو متستر عليهم سيحاكمه خلال 24 ساعة ثم يعلقه في إحدى الساحات العامة حتى يتعفن!
- أف! يا له من رئيس متوحش!
- كذلك قال إنه "يتفق مع المحللين السياسيين" في أن سبب كل البلاوي هم ثلاثة: الطائفيون والصداميون والإرهابيون ولكل منهم الحل الذي فكر فيه. لكن أطرف ما قاله هو مشروعه بإجراء استفتاء لكل من يحب صدام ويحنّ الى أيامه: استفتاء ديمقراطي وحر "بعَرضي"، كل واحد يحب صكر البيده يسجل اسمه وعنوانه عند المختار، وأجمعهم كلهم في قطعة من الصحراء يختاروها هم ، يعني أسويلهم إقليم "صدامستان" وأحفر حوله خندق مليان ألغام وأنصِّب عليهم واحد نسخة من "الرئيس الراحل" على قولة قناة شرق الجزيرة البعثية، وامنع عنهم الستالايت والموبايل وافتح لهم قناة وحدة يومية تبث 14 ساعة ونصف باليوم: عشر ساعات خطابات القائد و4 ساعات أغنيات عن القائد ونص ساعة الباقية أفلام كارتون عدنان ولينه! وطبعاً أطلّع عيونهم حتى يحصلون جوازات السفر واخلي راتب خيّرهم دولارين بالشهر (مثل قبل) وأخليهم يحلمون بقواطي الببسي واللحم والموز وجبن المثلثات، وألبِّسهم زيتوني واخلي كل واحد يخدم عشرين سنة بالجيش و30 سنة جيش شعبي وأوفر لهم أوراق وأقلام حتى يشبعون من كتابة التقارير، وإذا يريدون حروب هم بسيطة: أسويهم فريقين وأخلي واحد يقتل الأخر، وأملي الإقليم انضباطية وأمن ومخابرات وكل جم يوم أسوي حفلة قطع آذان وقطع رؤوس وألسنة.. وأخليهم يبوسون إيد القائد وكتفه ويوقعون على بسطاله.. وهكذا هُمّه يرتاحون وإحنه نرتاح!
- وبالنسبة للإرهابيين؟
- قال إن أمرهم سيكون سهلاً بعد حل المشكلة الأولى. فتحدث مجدداً عن تعليقهم في الشوارع هم وكل من يتستر عليهم وخصوصاً من السياسيين أو البرلمانيين، وقال إنه سيبني سياجا مكهرَبا حول الحدود حتى لا يتسلل منها الإرهابيون الأجانب. وحين سأله أحد الحاضرين: "وكيف سيدخل الناس ويخرجون من والى البلد؟ هل تريد أن تخنقنا يا قيصر؟" أجابه "ولك دماغ سز مو قلنا بالطيارات!"
- وماذا عن الطائفيين؟
- لم يزد على القول "هذوله القشامر شغلتهم سهلة!" ثم تحدث عن الفساد والسرقة فقال إنه سيستحدث وزارة لشؤون الكذابين والمرتشين! نعم هذا ما قاله بالنص.
- وما وظيفتها، أعني هذه الوزارة الغريبة؟
- يقول أنها ستتولى تسجيل كل أحاديث ووعود المسؤولين والوزراء والمدراء وأعضاء البرلمان والمرشحين، وإذا ثبت أن أحداً من هؤلاء يكذب على الناس أو يبيع عليهم الكلام والوعود الكاذبة أو يمارس الفساد أو الرشوة "أزينه صفر وأركبه على زمال أجرب وأفر بيه الشوارع وأطلِّع منه القضى والمضى وأشهره بالتلفزيون وبعدين أشده على جذع نخلة وبالصوندات وين ما يوجعك لمّا يصير عجين!" وهنا تعالى أحد الأصوات المحتجة:
- هذا شلون كلام قيصر، شنو ماكو محاكم؟ ماكو قانون؟ ماكو حقوق إنسان؟
فأجابه بحدّة:
- ولك أغبر همه هذوله مال قانون مال حقوق إنسان، ولك هذوله يا قانون يقدر عليهم؟ أشو نص اللي يخلّون القوانين ويطبقوها نهيبيه .. حاميها حراميه.. (ملاحظة الى السادة المسؤولين: هذا كلام قيصر وليس كلامي والله العظيم، وناقل الكفر ليس بكافر)
- وحقوق الإنسان؟
- يا إنسان: الشريف لو الـ...
- لا، طبعاً الشريف.
- وهذا منين عنده حقوق؟ هذا بس يكرّبون عليه ويثرمون براسه بصل، من صارت الدنيه ليهَسّه الرمح بـ.. النكضان. ومن ينلزم إرهابي لو حرامي جبير يتذكرون حقوق الإنسان!
- لم يقل غير الصدق.
- ثم سأله أحدهم "صار لك ساعة تحجي وما افتهمنا منّك غير أحبس هذا وأضرب ذاك! ما عندك شي للترفيه عن الشعب؟.. مو هذوله خطيّه عمرهم خلص بالقهر والحسرة والونّه!" فأجابه على الفور: "طبعاً، أكيد. أول شي أسوّيه (لاحظ أنه مثل كل جماعتنا يعشق عبارة أول شي أسوّيه) أوزِّع العرق (مجانا) مع الحصة التموينية (وحين ارتفعت بعض أصوات الاستنكار صاح بأحدهم) أسكت ولك أبو المستكي هسه صرت تستحرم؟! والله لو صار العرق بلاش إنته أول واحد تاخذه، لو ما تشربه تبيعه، مثل ما قال المثل: عرق بلاش قاضي يشرب! (وارتفعت الضحكات من جديد) وبعدين افتح 10 نوادي بكل قضاء. وأفتح سينمات، البلد المابيه سينمات ما يسوه فلس.. وملاعب.. ومسابح.. ومكتبات.. وحدايق .. وكله بلاش .. كله بلاش.. خلّي الناس ترتاح".
-والشباب المثلنا؟ (سأله أحد الفتيان، صاحب بسطية قريبة، كان يتابع الحديث من مكانه)
-والله لأزوّجكم كلكم!
-هذه قالها عبد السلام عارف قبل 45 سنة! (قال أحد الكهول)
- صحيح، ولكنني غير شكل.. إنتم تعرفوني.. آني قول وفعل!
- والنعم من قيصر! وماذا بعد؟
- لقد تحدث في كل شيء تقريباً: تحدث عن التربية والتعليم والثقافة والخدمات والصحة.. والحريات الدينية (قال إن شعاره هو: صير خوش آدمي ومعليك بغيرك) وتحدث حتى في العلاقات الدولية! وكان حديثه، والله، ولولا الشتائم والعبارات النابية والسخريات التي تتخلله، مقنعاً، بل وأفضل من الأحاديث التي نسمعها من الفضائيات.
- ما قولك إذن؟ هل ننتخب قيصر نوميّه؟
- وكيف هذا وهو –ويا للأسف- لا يملك مالاً، أو شهادةً جامعيةً، أو حزباً، أو جريدةً، أو فضائية.. وكل ما يملكه هو قلبه الطيب .. وأحلامه البسيطة.. أحلام الفقراء!

هناك 9 تعليقات:

أبو الوفا يقول...

رائع ياأخ ماجد على كتاباتك الجميلة.... يا عراقي يا أصيل....

عبدالكريم يحيى الزيباري يقول...

تحية إلى الشاعر المترجم ماجد الحدير
ولقد أعجبتني كثيرا هذه القصة لقد نقلتني من هنا إلى قلب الحكاية كأنني أستمع مع الراوي للساجع الفصيح وبتشويق لا يقل عن كثيرا عن الراوي نفسه ربما كنت أنا هو

معد يوسف يقول...

كالعادة.. رائع ومشوق

بسبب كثرة انشغالي بامور الوظيفة وساعات الدوام الرسمي قلت في نفسي لأقرأ المقدمة فقط وأؤجل البقية لحين عودتي للبيت مساءا ولكن ، كأن السطر يجر السطر ، والعبارة تشد الاخرى وجدتني اتوقف رغما عني عند -أحلام الفقراء- . شكرا لك أخي العزيز وشكرا لإبداعك الذي ما إنفك يتوالى. بانتظار المزيد.

جمال الهاشمي يقول...

بياض القلب

لايملك قيصر غير بياض القلب وبساطة العراقي الطيب واحلام الفقراء احلام صغيرة لكنها كبيرة ومعبرة محبتي للصديق ماجد حيدر على هذه الحكاية التراجيو كوميدي محبتي

ابو ارام يقول...

إذا قال قيصر قال العراق (الشريف) !!

قرأت المقالة-القصة الرائعة مرتين واحسست بحق ان قيصر نومية ماهو الا فسيفساء من كل العراقيين الشرفاء فقط واصر على كلمة فقط لانه كان تعبيرا صادقا عن واقعنا الحالي والى كتابات اخرى يا ماجد ياأصيل

رضا حسن يقول...

رائع فعلاً!! أحسنت

اخي الفاضل ماجد الحيدر , اهنأئك من القلب على هذا الابداع الادبي الناقد. بقدر ما ضحكت للعبارات العراقية الرائعة بقدر ما حزنت وشعرت بالمرارة لكل ما حدث ويحدث الان للوطن بسبب مشروع الدمار البعثي الذي هو السبب الاول والاخير لكل هذا الدمار وبوئس ....الخ منذ حمامات الدم البشعة ايام الحرس القومي السيء السيط عام 63 !!! نعم لقد حولو الفاشين العفالقة الوطن الى خرائب وحولو شعبه الى افقر شعب على الارض رغم الثراء الهائل للوطن الذي يكفي لتغطية قارات وشعوب ولكن .... انجازات الثورة البيضاء والحزب والثورة ومكرمات القائد المغوار( جرذ العوجة) وصلنا فعلا الى اسفل الدرك

دجلة يقول...

أحسنت دكتور

مقال تراجيدي-كوميدي ناقد... معبر للغاية. نعم مضحك/مبكي. لقد أبتلى العراقيين بحصاد الثورة السوداء المشئومة. أنا من يؤمن بأن الدكتاتوريات غالبا ماتشارك الشعوب ايضا في صنعها وديمومتها. ربما أيضا طيبة الشعب العراقي العزيز, المنكوب والصبور هي التي وصلته الى ماهو عليه الآن.
يجب أن نقول ... ألف نعم لأجتثاث البعث. ينبغي أن لانفكر بقلبنا وطيبتنا, بل بعقلنا وأن لانسامح جلاوزة بطل الحفرة المقبور. علينا أن نرفض مقولة -عفا الله عن ما سلف-. علينا أن نطلع على برنامج جميع المرشحين للأنتخابات وأن ندقق بتاريخهم ومسيرتهم. يجب أن لايكون العراقي قربانا لحاكمه أو لعربان الأمة ال... .علينا أن لانأله حاكمنا ولاندعه يتمادى بخداعنا. أتمنى لكاتب هذا المقال الصحة والموفقية. تقبل تحيات عيون تنظر بشوق للعراق وتتمنى كل الخير لشرفاءه

حيدر الحيدر يقول...

رائع!!

رائع..رائع..رائع ...رائع ..رائع ..رائـــــــــــع
هذا ما استطيع التعبير عنه على وجه السرعة
والى المزيد من الابداع والتألق
اخوكم : حيدر الحيدر

شهرباني يقول...

عظيم يا دكتور

عظيم يا دكتور على الاقتباس و التشبيه و عرض المراد من النص و جمع الواقع في سلة واحدة جميلة و لكن لوحولت المقال الى مقامة بالكامل فتكون قد نسجت الحزن مهزلة، الا انني اسأل لو تمنى السيد نومية رئاسة الوزراء ففيها الصلاحيات الاوسع لان رئاسة الجمهورية لاتسعفه في تنفيذ برنامجه المرتجى.

بحث هذه المدونة الإلكترونية