سلامٌ عليكَ
أيها الصغير المهلهل الثياب
أيها الحالم الكثير السرحان
سلامٌ على شعرك المعاند وأزرار قمصانك المتخالفة
سلامٌ على دفتر رسمك ذي الورق الأسمر
سلام على أصباغ الباستيل
إصبعاً فإصبعا
سلامٌ على وجه الخصوص الى لون الأوكر(1)
الذي تضيع تحته ملامح الوجوه
والأفواه
والشوارب
ولا يبقى سوى الحزن
والطين
سلامٌ على رفعة العلم.. ونشيد الصباح..
سلام على مجلة المجلة القادمة من برلين
وأنت تجمع ثمنها
خمسة فلوس في اليوم
وسلام على مجلة الهلال "وصلت بالطائرة، السعر تسعون فلساً"
سلام على الجريدة الحمراء التي تجوع لتشتريها
وتقرؤها فتميد بك الأرض
وتصيبك الأحلامُ بالدوار
سلام على خبز أمي ودجاجاتها المؤدبات
والتلفزيون الباهت القديم
سلام على كامل الدباغ
والندوات الثقافية المملة
واستعراض برامج الغد
سلام على نجمة حسين نعمة وطربوش فيروز المنمنم
وأوراق التفاح اللبناني
وهي تخشخش تحت أقدامك الوجلة
في ظلام السوق القديم
سلام على صادق العكيلي(2) ويده البيضاء الصغيرة
وهو يتحايل علينا كما الساحر
ليطهر حناجرنا الملتهبة
ويرسلنا الى بيوتنا.. دون حُمى
سلام على المقعد الأمامي
في الطابق العلوي من الحافلة الحمراء
سلامٌ على سلالمها الدائرية
وعمودها الفقري المنحني تحت وطأة الراكبين
سلام على حديقة المركز الثقافي
وجدارية لينين
وأديب القليَجي
وجبار أبو الشربت
سلامٌ على جثث اليهود النحيلة
المعلقة في ساحة التحرير
سلام على الألوان العجيبة
في ثياب التلكيفيات العجائز
سلام على ساحة الخلاني ونافورتها الملونة
ونوروز في "صدر القناة"
سلام على فلم "الظامئون"
ورائحة مقاعد السينمات
والضوء الملون العجيب القادم من وراء رؤوسنا
سلام على الآلة المعدنية الصغيرة
وهي تشق أكياس الرز وتخرج منها دون جروح
سلام على ظهور الحمالين المنحنية
وشايهم الساخن
سلام على باعة الطوابع في "رأس القرية"
سلام على شريف وحداد
وسؤالنا لبعض: متى نكبر وندخل اليه!؟
سلام على أحلامنا
على ما مات منها
وما لا يموت
سلام.
14-2-2011
(1) اللون الترابي أو الطيني. Ochre
(2) صادق العكيلي: طبيب أطفال بغدادي شهير كان الفقراء يحبونه ويترددون عليه
(3) أديب القليه جي: مخرج عراقي معروف وأحد أعضاء فرقة مسرح الصداقة التي كانت تقدم عروضها في قاعة المركز الثقافي السوفيتي في أبي نؤاس. ترك العراق في السبعينات.
هناك 4 تعليقات:
ألم
الدموع وحدها لا تكفي حينما تتفجر الاهات حبيبي دكتور ماجد سارد عليك بعد عشرين عاما حين تكون الكتابة على وسادة من ذهب لعمري انت مشاغب وتكثر من حفر اخاديد الالم بابرة اكلها الصدأ
رائع
استاذنا ومبدعنا الكبير والقدير
مرحى لصديقي
هذا أكثر استعراضات التاريخ حلاوة
لو ان التاريخ جرى استعراضه هكذا ما وجدنا من لا يحب قراءته
لقد تخلّل عظامي هذا الأسترجاع الشفيف لمرحلة أعلنت بساطتها وأعلنت انها لاتمتلك الكثير ولكنها مثيرة للبهجة بالقليل الذي تمتلكه .. تلك المرحلة .. اليست تمتلك رَفعة العلم وذلك الحب الذي يسري في العروق وذلك الخشوع الذي يعمّر الوجدان إذ إنه الوطن والجميع يدرك أن لا شيء أعلى منزلة منه , وليس الصغير ذو الشعر المعاند استثناءا ... أليست تمتلك , تلك المرحلة , ذلك الأنتظار الحار والواله لمجلة الهلال ومجلة المجلة ؟ وهل يمكن أن يكون هذا الوله بدون غرسات الثقافة في تربة النفوس النديّة لليافعين ؟
وهذا الحلم الكبير , الجريدة الحمراء , لم يكن سوى قشعريرة الوجد لخدمة الأنسان منذ صرخته الأولى وقبل أن يتحدث بأيّة لغة أو يتبع أيّ فقه أو بأية طريقة يؤدي صلاته .. لم يكن سوى الأستعداد للأنضمام الى الأسماء التي عُرفت بتضحياتها ..أولم يكن اسم الجريدة الحمراء مقترنا بالتضحية والأستشهاد؟
سلاما من الروح لذلك الخبز خبز امهاتنا وجداتنا اللائي كنّ يملأنه حبا وودا ويدفعنه لأفواهنا بكل دفئه فيما أعظم نكهة , نكهة الخبز الحار, تفوح منه والبهجة التي تملأ نفوسنا تجعله أطيب طعام على الأرض
وكامل الدباغ , أين يمكن أن نجد مثله الآن ؟ صديقا كان لكل من يراه ويستمع اليه .. يقدم المعلومة بتواضع الرجل الكريم .. منتميا ذاك الرجل , الرجل الكامل , الى الطيبة وليس لغيرها
كان هناك , في زمن يستطيع المرء أن يفرح فيه ويعلن فرحه , سينما وتلفزيون باهت الصورة ولكننا نتذكر منه الندوات الثقافية المملة ورغم هذا غرست في الكثيرين حب الثقافة وتداول المعلومة
قبل أكثر من أربعين عاما غنّى حسين نعمة , هذا الصوت الدافيء بطيبة الجنوب والهاديء هدوء مياه الفرات وهو يتلوّى بين بساتين النخيل ,غنّى أغنيته النائمة في عاطفة الناس حتى اللحظة .. وما هي الا سنوات قليلة حتى صار من الصعب أن تنتعش أرواحنا بشيء مماثل
كان رذاذ الروح الأشتراكية في المركز الثقافي السوفييتي يعمّر النفوس اليافعة بذلك الوعي العظيم لما يجب ان تكون عليه الحياة قبل أن يتجرّأ الأوغاد على توجيه الشتيمة إليه بعد أن انغمست أرواحهم في صرى الجهل كما يقول حكيمنا المعرّي
كان الكثير وكان التنوّع وكان التحضّر وكان التوق الى السمو ,الى الجمال .. وكنّا طيّبين ولكننا فوجئنا برؤية الجثث معلقة في ساحة التحرير .. كان حجرا كبيرا ألقته يد الفاشيّة على بحيرة نفوسنا الهادئة الوديعة
لقد حانت لحظة المغادرة , مغادرة مرفأ الحضارة لخوض غمار الموت والدم والظلام حتى ألقتنا مياه بحر الفاشيّة الهائج على ساحل غريب موحش ونحن حطام .. وقليل منّا أدرك أن علينا أن نقطع مسافة طويلة جدا قبل أن نصل الى نقطة الصفر , نقطة البدء
مرحى لصديقي الساحر مرّة أخرى , لقد أمتلك هذا السحر , أن يقدّم أربعين سنة من التاريخ بهذا الأيقاع البسيط , وهذه الكلمات التي نتداولها في حياتنا اليوميّة ولكنها تصبح شعرا آسِرا عندما تبللها الشاعريّة المحبّبة لأبي أوميد
تحياتي
إرسال تعليق