تحول-قصة

تحول


قصة:ماجد الحيدر



- "حسنا " كنت أقول لنفسي .." من الخطأ ، من أفدح الخطأ أن أظل شاة تنتظر دورها لتغرس فيها الذئاب أنيابها " .. وكنت أردد مع نفسي " ينبغي أن أتوقف عن الخوف .. ينبغي أن أفعل شيئا .."

كنت حزينا من أجل هذا المصير الذي ظل ينتظر أبناء صوفتي منذ الأزل ، غير أن حزني الأكبر ، قلقي الذي أضناني كان – والحق يقال – من أجل نفسي .. نفسي الأثيرة العزيزة .

كنت أسلخ نهارات بأكملها أفكر في حل للمعضلة التي أنستني النوم والأكل حتى غدوت هزيلا .. تكاد بالكاد ترى اليتي..

أخيرا .. بينما أنا جالس في ظل شجرة كمثرى ، سقطت على رأسي برتقالة !

وبدلا من أن أسرع الى التهامها كما كان سيفعل أي خروف متوسط الذكاء ، أخذت أقلبها وأقلبها وأبحث في كل الوجوه ، كل الاحتمالات والتبريرات .. وواتتني الفكرة ، الفكرة العبقرية ( لم أعرف بالطبع كيف واتت ومدى علاقتها بالكمثرى والبرتقال )

- " حسنا " قلت لنفسي .. " لم لا أتحول انا نفسي الى ذئب !؟ ، ليس الأمر مستحيلا ، يكفي بعض المراقبة والمران "

لم يطل الأمر ، فبعد يومين فقط من قراري الشجاع هجم علينا قطيع الذئاب ( بالمناسبة ، نسيت أن أخبركم بأننا قطيع لا راعي له ) . اخترت مكانا خفيا آمنا رحت أراقب منه كل ما يجري .. ولقد أعجبني بشكل خاص العواء .. ذلك العواء الرائع المتصل ..

غادرت مسرح الوليمة بعد أن ابتعدت الذئاب .. لم أنظر ورائي ، أنكرت اخوتي وأمي وأبي .. أو ما تبقى منهم . ما شأني بهم ؟ إنهم على أية حال ليسوا إلا خرافا .. خرافا ضعيفة تائهة !

بدأت التمرين على الفور : أصعب ما فيه كان اتقان العواء . ساعات طوال أمضيتها وأنا أحاول أن أخرج من حنجرتي ذلك الصوت المبارك .. صوت الجبروت الجميل . كنت كبعير يحاول تعلم الطيران .. أو بعبارة أدق كنت كـ.. كخروف يحاول أن يتعلم العواء!




غير أني انتصرت على كل الصعاب . إذ لم تمر سوى أسابيع قليلة حتى أجدت العواء أيتما إجادة . ولكي أتأكد من قدراتي تسسلت مقتربا من قطيع من الأغنام وأطلقت صوتي فتفرقت الأغنام هاربة مذعورة .. ضحكت كثيرا لمرآها وكدت أن أصيح بها لتعود غير أني لم أفعل ، وبدلا من ذلك استدرت على حوافري لأبحث عن قطيع من الذئاب التحق به.

حسنا .. لن أحكي كل التفاصيل . لقد قبلتني الذئاب أخيرا بعد أن أقسمت أيمانا مغلظة بأنني سأكون ذئبا مخلصا ، أخا في الشدائد ، صيادا ماهرا ، قاسيا لا يعرف الرحمة ..الخ.

كانت الذئاب في مجلسها المهيب تنصت الى أيماني ، ثم الى عوائي المنغم الرائع وهي ساكتة لا تريم .. الأمر الذي حيرني قليلا .. لكنها ضمتني اليها على أية حال ..

آه .. آه .. آه .. آه .. ! كم كانت فرحتي ! .. لقد صرت ذئبا أخيرا ! .. لقد فارقت الى الأبد عالم الخراف المستسلم الغبي !

حسنا .. في فجر اليوم التالي خرجـ"نا" في رحلة صيد . وسرعان ما ظفرنـ "نا " بأول صيد : شاة سمينة بيضاء . واجتمعـ"نا" حولها في حلقة كبيرة . وكما تقضي التقاليد الذئبية العريقة التي قتلتها درسا وحفظتها عن ظهر قلب تقدم رئيس القطيع ورفع عقيرته بالعواء وبارك الصيد وتناول منه شيئا ثم تراجع . وكان على كل ذئب أن يتقدم حين يأتيه الدور ويعوي ثم يتناول حصته ..

بينما كان دوري يقترب كان الوهن يدب الى مفاصلي ، كانت قواي تخور ، وشرعت فرائصي بالارتعاش وامتلأت عيناي بالدموع .. وحين تقدمت أخيرا وأشرفت على الشاة القتيلة ونظرت الى عينيها المشرعتين .. حينها باعدت ما بين فكي بصعوبة وملأت صدري بالهواء .. و.. وإذا بمـــاع طويلة متكسرة تخرج من حنجرتي !

حسنا .. تبادل الذئاب نظرات ذات مغزى ، وابتسموا هازئين .. وتقدموا مني ..

حسنا…. !

ليست هناك تعليقات:

بحث هذه المدونة الإلكترونية