وا ابن رشداه ... قد أحرقوا كتبي!
ماجد الحيدر
الآن وقد جاء الخبر اليقين.. سأكف عن الحيرة وترديد السؤال الذي أثقل كاهلي وعقلي : ماذا فعلتم بكتبي أيها الـ...؟!
الآن وقد حصحص الحق وتبيّن أن "أبطال المقاومة الشريفة" لم يفعلوا إلا ما يُفترض بمثلهم أن يفعلوا بمثلي..
الآن وقد عرفت أنهم جمعوا كتبي الشهيدة أمام بيتي المغتصب وأوقدوا فيها النار..
الآن فقط خلَّت الحَيرة مكانها للعَبرة...
...
أحرقتموها إذن أيها الـ....؟!
...
هل تمتعتم بالمنظر الجليل؟
هل كبّرتم وأنتم ترون ألسنة النار وهي تحرق الأوراق والسطور والكلمات والحروف واحدةً تلو الأخرى؟
هل شفيتم غليلكم؟
هل سمعتم أنين المتنبي والفراهيدي وابن قتيبة والجاحظ والبحتري؟
هل أبصرتم وجوه الجواهري وناظم حكمت وفكتور هيجو ونيرودا والبياتي وهمنغواي ونجيب محفوظ وهي تتقد ثم تنطفئ ثم تستحيل رماداً تذروه الريح؟
هل سخرتم من سندريلا وبيضاء الثلج والأقزام السبعة وهم يفرون مذعورين من كتب أطفالي؟!
...
هنيئاً لكم ما فعلتم؛ فو الله ما فعلتم إلا ما خُلقتم لتفعلوا..
وهنيئاً لكتبي بشهادتها الى يوم يبعثون!
...
وتعالوا .. تعالوا يا من ثُكِلوا قبلي بقرة أعينهم.. تعالوا يا من أحرقوا كتبهم في مواسم الظلام والجهالة والغباء...
تعالوا نؤسس جمعيةً للأسفار الشهيدة..
تعالوا نتحدث عن مكتباتنا التي صودرت أو نهبت أو أغرقت أو أحرقت على مدى الزمان..
نتعالوا نروي الحكايات عن مكتبات بغداد التي داستها خيول المغول وألقت بها في النهر الجليل الحزين المكابر الذي يتهادى بين الرصافة والكرخ قبل سبعة قرون ونصف... و... يا إلهي.. أحقاً أنها سبعة قرون ونصف!
تعالوا نتحدث عن مكتبات كربلاء التي مزقتها غارات الجراد الوهابي الزاحف من جوع الصحراء قبل أن تتفجر الأرض تحت أقدامه بالنفط والدولار والجواري..
تعال يا صديقي البكري وحدثني بين السخرية والحزن عن معاون الشرطة الذي تحفظ على "مذكرات جيمس دين" ظناً منه بأنه أحد القادة الماركسيين الخطرين!
تعال يا ألفريد سمعان وحدثنا عن مكتبتك التي أعدت بناءها ثلاث مراتٍ من الصفر بعد كل مرةٍ دخلت فيها سجون نوري السعيد أو الحرس القومي الأسود..
تعال يا ابن رشد.. لتعلمنا كيف نهرِّبَ كتبنا.. عقولنا.. إبداعنا.. وحكمتنا الى أقاليم أكثر أمناً ومحبةً وعقلاً ورغبةً في الحياة..
وتعال يا ابن خلدون .. تعال لتذّكرنا إن نسينا بأن الحياة سائرة في طريقها لا تحيد .. وأن تلكم القطعان المدججة بالظلام والمفخخات لا بد أن تبتلعها هذه الأرض الكريمة النبيلة المعطاء لتمسحها يد الزمان كفعل النار بالحطب الهشيم.. وأن العراق.. عراقنا الجميل الكريم الخصيب.. عراق الثقافة والفن والعلم والأدب لم ولن يموت بموت مكتبةٍ.. وأن ألف ألف مكتبةٍ ستعلو مكان كل كتاب أحرقه خنانيص الظلام...
...
وإن غداً لناظره قريب ....
15/10/2007
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق