المسافر-فصة قصيرة


المسافر

قصة قصيرة

د. ماجد الحيدر

أحب السفر كثيراً . ولهذا تراني أسرع الى دعوة كل من أسمع بعودته من سفر من أهلٍ أو أصدقاء، وأمطره بوابل من الأسئلة التي أكسبتني الأيام خبرة ترتيبها بشكل منهجي محكم أحصل منه على ما أحتاج من علم. لم أكن أغلق فمي المندهش وأنا أستمع الى الأجوبة حتى وأنا أسمع أكثر المعلومات تكرارا وابتذالا .. أما عندما يكون المسافر العائد محبا للثرثرة مثلي فإن فمي ينفتح بانشداه أكبر وبانتباهٍ شديد لا تقطعه غير تأوهات اللذة الصغيرة .

كان عندي أكثر من عشرين ألبوما للمناظر السياحية من كل القارات، وعشرة أطالس تتدرج من تلك المدرسية البسيطة الى الجامعية المتخصصة. وعندما صار عندي من المال ما يكفي لاقتناء كمبيوتر شخصي مستعمل فإن أول ما اشتريت من أقراص كان برنامج "أطلس العالم". أنا أعرف مواقع إذاعات العالم كلها في الراديو، وأحتفظ بطوابع بريدية من بلدان لم يسمع بها أحد .. كنت مستعدا لأن أجادل بنجاح رجلا عاش شطرا طويلا من حياته في لندن عن أسماء الشوارع التي تؤدي الى متحف الشمع أو مقر الوزارة في لندن وأحفظ عن ظهر قلب أرقام الحافلات التي تمر بالقرب من قوس النصر أو برج إيفل أو اللوفر بباريس، وأعرف أسعار سندويشات الهمبرغر في ديترويت وعدد طوابق مبنى بلدية سان سيباستيان..

نعم .. السفر عشقي .. حبي الوحيد .. وسلوتي في الحياة ..

ولهذا حزنت كثيراً حين اندلق كأس العصير على جواز سفري الحبيب الذي أضعه على الدوام فوق المنضدة القريبة من رأس سريري.

صحيح أن العصير لم يتلف غير الغلاف الجلدي الفاخر الذي حرصت على صنعه عند أمهر مجلدي الكتب في المدينة، لكن الحادث أزعجني كثيرا.. خصوصاً أني كنت مضطراً الى تأجيل تصليحه حتى ظهيرة الغد؛ حين يأتي شقيقي لتفقدي وتبديل ثيابي وقضاء حاجاتي ..

آه، نسيت أن أخبركم بأنني مقيم في هذه الغرفة ولم أبرحها منذ ثلاثين عاماً.. ذلك لأني.. مصاب بالشلل الولادي!

2002

ليست هناك تعليقات:

بحث هذه المدونة الإلكترونية