العالم في عين امرأة-الحلقة الثالثة-كريستينا روسيتي


العالم في عين امرأة : شاعرات عالميات

الحلقة الثالثة

ترجمة وتقديم : د. ماجد الحيدر

هذه إضمامة من أزاهير أبدعتها عبقريات عدد من أميرات الشعر الإنكليزي الحديث. ولقد أقدمنا على ترجمة هذه المختارات لما لمسناه من أن القارئ العربي عموما لا يعرف إلا النزر اليسير عما قدمته الشاعرات الإنكليزيات من إسهامات في أنطولوجيا الشعر الإنكليزي بينا هو على إطلاع حسن بمبدعات أخريات في مجال القصة والرواية مثل فرجينيا وولف وبيرل بك ومارغريت ميتشيل وهارييت ستو والأخوات برونتي وغيرهن. ولسنا في هذا التقديم الموجز في معرض تعريف الأدب النسوي أو مزايا وصفات الشعر النسوي بالتحديد لكنا نشير الى أننا سنقف في هذه المختارات على نماذج مختلفة من الأساليب الفنية والتوجهات النفسية أو المواقف الفكرية بدءا من الصوفية وانتهاء بالثائرة المتمردة يجمعها كلها انشغال إنساني عميق وإحساس مرهف بالحياة: بأحزانها وأفراحها، بآمالها وقسوتها، بجمالها ومظالمها، كل ذلك بعين المرأة الذكية المرهفة التي لا تخطئ التفاصيل. بقي أن نحيل الى أن الدارسين يطلقون أحيانا تسمية الأدب الإنكليزي على كل ما يكتب باللغة الإنكليزية بغض النظر عن جنسية الكاتب أو الكاتبة وهو ما يفسر إدراج شاعرتين أمريكيتين ضمن هذه المجموعة.



كريستينا جورجينا روسيتي (1830-1894)



شاعرة إنكليزية، ولدت وعاشت في لندن واحتلت موقعا بارزا في سجل الشعر الإنكليزي لقصائدها الرقيقة ذات النزعة الصوفية وقصائدها المحببة للأطفال.

في عام 1847 نشر لها جدها في مطبعته الخاصة أول مجلد من أعمالها "أشعار" مما بشر بنبوغها المبكر وفي عام 1850نشرت سبعا من بواكير أشعارها تحت اسم مستعار في مجلة "الأصل" التي أصدرتها جماعة "ما قبل الرافائيلية" [1] وتطوعت لتكون "موديلا" لعدد من رسوم أخيها غابرييل وغيره من الرسامين الـ "ما قبل الرافائيليين" رغم أنها لم تكن عضوا في الجماعة.

إتسم الكثير من أعمال الشاعرة بالطبيعة الدينية ومواضيع الزهد في الحب الدنيوي والاهتمام بالموت كما يظهر في قصيدتها "صعود التل"، لكن قصائد أخرى مثل "عيد الميلاد" كانت تحفل بالرومانسية والحسية.

اشتملت أعمالها على العديد من الأساليب والأشكال وكانت سونيتاتها وقصائدها الغنائية والعاطفية وأراجيزها الفكاهية وقصائدها الموجهة للأطفال تدل جميعا على عقل خصب وشاعرية عالية. قضت الشاعرة السنوات الخمس عشرة الأخيرة من حياتها في شبه عزلة انصرفت فيها الى تأملاتها الدينية لكنها كتبت خلالها بعضا من قصائد الأطفال الرائعة جمعت في كتاب صدر عام 1872.

"1"

صعود التل

-هل يتلوى الدرب صُعدا طوال الطريق؟

-نعم وحتى آخر المطاف.

-وهل ينقضي النهار كله في السفر؟

-من أول الصباح حتى الليل يا صديق.

-وهل هناك مكان للراحة في الليل؟

-ثمة سقف للساعات الطويلة المظلمة.

-ألن يخفيه عني الظلام؟

-لا لن تخطئ ذلك النزل.

-وهل أرى غيري من عابري السبيل؟

-أولئك الذين مضوا قبلك.

-وهل أدق الباب أم أنادي حين أكون على مرمى البصر.

-لن يتركوك تنتظر عند الباب.

-وهل سأجد الراحة من ضعفي وضناي من السفر؟

-نعم ، لكدحك ستلاقي الجزاء.

-وهل هناك أسرّة تكفيني وكل السائلين

-نعم نعم أسرة لكل من يجيء.

"2"

عيد ميلاد

قلبي طير يغني

عشه في أملود طري

قلبي شجيرة تفاح

أغصانها مثقلات بالثمر

قلبي محارة من قوس قزح

تخوض في البحر الساجي

وقلبي أسعد منهم جميعا

فقد جاءني حبيبي

أقم لي منبراً من زغب وحرير

زيّنه لي بالفراء والأرجوان

زخرفه بتصاوير الحمائم وأغصان الرمان

وطواويس بمائة عين

جمّلهُ بالتِبرِ وعناقيد العسجد

وبالأغصان وزنابق الفضة

فها قد جاء مولد حياتي

ها قد جاءني حبيبي

"3"

أرض الأحلام

حيثما تذرف الأنهار الظليلة

أمواجَها نحو الأعماق

ستراها مستسلمة لرقاد ساحر

فلا توقظها.

قد قدمت من مكان قصي

تقودها نجمة وحيدة

لتبحث حيثما تكون الأفياء

عن قسمتها السعيدة

قد غادرت الصبح المورَّد

قد غادرت حقول القمح

الى الشفق البارد المهجور

وينابيع الماء.

ومن خلال النوم

كما من خلال خمار مسدل

ترى السماء الشاحبة

وتنصت للعنادل التي

تنشد أغنياتها الحزينة

تسّاقط الراحة

الراحة ، كمال الراحة

على جبينها والصدر.

وجهها صوب الغرب

صوب الأرض الأرجوانية.

ليس في وسعها أن ترى القمح

ينضج فوق التل والسهل

ليس في وسعها أن تحس بالمطر

الساقط على يدها.

الراحة ، الراحة الأبدية

فوق الساحل الذي كسته الطحالب

الراحة ، الراحة في أعماق القلب

حتى يتوقف الزمان.

نوم لا يوقظه ألم

ليل لا يقطعه صباح

حتى يباغت الابتهاج

سلامها الكامل.

"4"

الحلم-الحب

بين الزنابق يرقد الحب الفتي

نائما في ربيع أيار

في حضن الضياء الرقيق.

تقترب الحملان البيض ناظرة

وتدنو الحمائم البيضاء لتبني أعشاشها

ومن حوله شجيرات أيار

تتلفع بالبياض

ناعم الطحالب وسادةٌ

لخدود أشد نعومة

وتلقي عريضات الأوراق

ظلالها على الأعين الثقال

هناك الريح والماء

تنعسها الهدهدات

فتسكت إلا لماماً

هناك يتسكع الغسق

طويلا في السماء

يرقد الحب الفتي ويحلم

لكن من يعبُرُ الأحلام ؟

إشراقة شمس خالصة

على حفيف ذرى الغابات

أم ضياء قمر خالص

فوق رقراق الجداول

أم سكون خالص

أم أغنية لشفاهٍ عزيزةٍ

***

أحرِق العطرَ حوله

وأملأ به الهواء النعسان

وانسج حوله صامت الرقصات

غدوا ورواحا

آه ذاك أن الرؤى في الصحو

ليست جميلة كما في المنام

والصمت والغناء

ليسا كما على الأرض

***

يرقد الحب الفتي

حتى رحيل نهارات الصيف

ويحلم ويسلمه النعاس

الى نوم كامل النقاء

ليرى الى الجمال الذي

ما وقعت عليه عين الشمس

ويجرب الينابيع التي

ما لعمقها قرار

***

تهدهده الموسيقى الخالصة

وتقوده الى حيث راحته

وفي لحظات صمتها

يسود السكون الخالص

آه ، أسكب أصوات الأرض

من الشرق الى الغرب

واسكب سكون الارض

بين راحتيها الجليلتين

***

يرقد الحب الفتي ويميله الكرى

نحو الموت المخدر

وتزداد الظلال الباردات عمقا

فوق الوجه النائم

هكذا يسقط الصيف

بأنفاس دافئة عذبة

وبماذا سيعوضنا عنه الخريف ؟

**

لتنغلق ستائر الأشجار

الدائمة الاخضرار

فما من تبدل يقدر على لمسها

بأصابعه الآفلات الذابلات

وهنا قد تطلع أزهار البنفسج

أول براعمها اللامرئية

ولربما عادت حمامة ما

لتبني هنا عشها.


[1] Pre-Raphaelites وهي جماعة تأسست عام 1848 من مجموعة من الفنانين والشعراء والنقاد تقدمها الرسام والشاعر غابرييل روسيتي (شقيق الشاعرة) وكان من أهدافها مواجهة النزعة الكلاسيكية الجديدة ومادية العصر الفكتوري والعودة الى التقاليد الفنية للقرون الوسطى وبداية عصر النهضة التي سبقت ظهور الفنان الإيطالي رافائيل، وكانت في العموم ذات نزعة شبه دينية. أصدرت الجماعة عام 1850 مجلتها (الأصل) (The Germ) التي استمرت فترة وجيزة.

ليست هناك تعليقات:

بحث هذه المدونة الإلكترونية