ضحك كالبكاء-عن العراقي الشريف




ضحك كالبكاء

عن العراقي الشريف والشيعي الشريف والسني الشريف والعربي الشريف والكردي الشريف وتعريف كلٍ منهم

د. ماجد الحيدر




هل الحديث مع المتخلفين والجهلة والمتعصبين ضربٌ من إضاعة الوقت؟ ربما كان الأمر كذلك، وربما ليس كذلك. فمجالسة الحمقى بلاء كبير، وقديما قال أحد عقلاء العرب: إني لأجالس الأحمق ساعةً فأقوم فإذا بي شيءٌ من حمقه!

والمتعصبون بالتحديد يتبوأون المقعد الأعلى في سلم الحمقى. والمشكلة مع هؤلاء إنهم ينفون عن أنفسهم صفات الجهل والتخلف والتعصب ويعتقدون جازمين بأنهم أذكياء بل وحكماء ومتسامحين! وإنهم بتنازلهم للحديث معك يمنّون عليك بعلمهم الذي لا تحده حدود أو نجود، ولا "يفكّون منك ياخه" حتى يهدوك الى الحقيقة العظيمة التي لا يملكها بالطبع سواهم، وهذا وحده محنة لا يعلمها إلا الله:

وإن عناءً أن تفهِّمَ جاهلاً ويحسبُ –جهلاً- أنهُ منكَ أفهمُ!

وأكثر المتعصبين هم من "المستَجدّين" في مجال "اختصاصهم" كأن يكون خليعاً متهتكاً تائباً أو متحولاً من مذهب الى مذهب أو ممن قرأ بالصدفة كتيباً أو اثنين من كتب "العربانات" الصفراء فصار يعتقد أنه امتلك مفاتيح علم القدماء والمحدثين!

لكل جديدٍ لذَةٌ غيرَ أنني رأيتُ جديدَ الموتِ غيرَ لذيذِ

الكثير من هؤلاء يتغلبون على جمودهم وتعصبهم عندما يزدادون معرفة وتتلاقح أفكارهم بأفكار غيرهم فيقللون من تعصبهم ويكتسبون صفات التواضع والتسامح والاعتراف بقيمة الغير المختلف عنهم. غير أن البعض الآخر منهم لا تكسبهم الأيام إلا غلواً وتعصباً حتى لتحسب أن أدمغتهم قد أصابها نوعٌ من التكلس الذي لا تنفع معه "قاشطة" أو "سيم مواعين" أو "محلول لتنظيف الحمامات!" وعندها يصح عليهم قول صالح بن عبد القدوس الذي كان سبب قتله على يد الخليفة المهدي-وقانا الله شر أشباهه:

والشيخُ لا يتركُ أخلاقهُ حتى يُوارى في ثَرى رمسهِ

إن الدخول في نقاش مع واحد من هؤلاء قد يكون أمراً محفوفاً بالمخاطر –وخصوصاً في "عراقنا الجديد السعيد" الذي صار فيه السيف والدريل وكاتم الصوت من وسائل الإقناع التي لها الكلمة العليا! خصوصاً إذا علمت أن من صفاتهم التوتر وسرعة الغضب لدى سماع رأي مخالف.

ومن صفاتهم أيضاً أن أحاديثهم "التاريخية" تزخر بألفاظٍ وصفات مطلقة جازمة لا محل فيها للخطأ من أمثال: أبداً، نهائياً، قط، مستحيل، دون شك، الحقيقة، بالتأكيد، إطلاقاً، دائماً، بالحرف الواحد، أعظم، أحقر، دون استثناء، من البديهي، جميع، كل، قاطبة ...الخ. ولكنك قلما تعثر على كلمات مثل: أعتقد، أظن، في الغالب، قد، ربما، من المحتمل، من الممكن، أتفق معك، نسبياً، جزئياً، الى حدٍ ما... الخ.

ثم إن والواحد من هؤلاء "المستجّدين" يعد نفسه الممثل الوحيد والناطق الرسمي للمذهب أو الدين أو الاتجاه السياسي الذي يدافع عنه. و"من البديهي" أنه يعد أتباع الأديان والمذاهب و القوميات والأفكار الأخرى أناساً مخطئين خاطئين يستحقون العقاب، ذلك العقاب الذي يتراوح بين المقاطعة وقطع الأرزاق وقطع الرؤوس والأعناق والهجر والتهجير والعزل والاعتزال والشتم العلني أو السري أو –عند من يعد نفسه أكثر رفقاً ورحمة- شكر الباري وحمده لأنه ليس منهم ودعوته –أي الباري الذي يوقن بأنه في صفه دائماً- الى هدايتهم وضمهم الى "فرقته الناجية" العتيدة. أما إذا كان المخالف لرأيه من أتباع ملته أو قوميته أو اتجاهه السياسي فلا بد أن يرمى بالخيانة أو الردة أو الكفر أو الجبن، ومن هذا ما نسمعه كثيراً من أفواه بعضهم من أنه "ما كو عراقي شريف يفعل هذا" و "ماكو شيعي شريف يقول هذا" و "ماكو سني شريف يرضى بهذا" و"ماكو عربي شريف يسكت عن هذا" و "هيج كورده كي شه ريف بفيَ جه نديَ رازي نا بيَت" الخ .. وفي هذا -كما لا يخفى- نوع من آلية الحماية الذاتية التي تلجأ اليها النفوس المريضة بداء التعصب والتحجر الفكري.

وعندما يصل الحديث مع هؤلاء الى مرحلة كهذه سيكون على المحاور المسكين أن يرضى بحل من اثنين: أن يعلن استسلامه غير المشروط لآراء العلاّمة النحرير، أو أن يعترف بأنه "مو شريف"!

قلت إن الحديث مع هؤلاء ربما يكون ضرباً من إضاعة الوقت. لكنه في الغالب ليس كذلك؛ فالامتناع عن محادثة من تعتقد بتخلفه عنك في العلم أو المعرفة شبيه بامتناع الطبيب عن التعامل مع المريض بحجة أنه مريض! ثم أن الأمر لا يخلو في كل الأحوال من فائدة بغض النظر عن المحصلة النهائية للنقاش، إذ ستتعلم على الأقل أن تخفف من "حماوتك" وستعرف أن هناك من يخالفك أو يتقاطع معك في وجهات النظر وأنك مهما بلغت من علمك لستَ سوى فرد ... مجرد فرد في عالم يزداد (141) نفساً في كل دقيقة ويزدحم بستة مليارات ونصف من وجهات النظر!

والآن وأنا أنهي مقالي "الخطير" يخطر لي خاطر فأكاد "أخرب من الضحك" وأنا أتخيل واحداً من هؤلاء السادة وهو يقرأ هذه السطور ويهز رأسه موافقاً –بالحرف الواحد- على كل ما ورد فيه من انتقادات شريطة أن تكون موجهة الى "الطرف الآخر" ثم يطوي الجريدة ويلتفت الى صاحبه ظافراً متبسماً وهو يصرح بهذا التصريح الخطير:

- هذا الكاتب خوش فاضح ذولاك الجماعة.. يا أخي هذوله الـ .. ميصير إلهُم جاره، مو أوادم ، ما بيهم شريف !!




ليست هناك تعليقات:

بحث هذه المدونة الإلكترونية