دودة! -قصة قصيرة




حكاية قصيرة جداً تتضمن شيئاً من واقع الحال الذي ينتاب بطل القصة (الذي يتحدث بصيغة الراوي) في كل ليلة منذ ما يزيد على الشهر وتتضمن كذلك بعض المعلومات المفيدة في الجغرافية وعلم النفس و .....

قصة: د. ماجد الحيدر



دودة!

هذا ما سيكون تعليق العراقيين البغاددة .-هؤلاء البغاددة الأقحاح، سادة التلميح والتمليح والنوادر والطرائف والتشبيهات والتعليقات- على واقع الحال، أي على ما ينتاب العبد الفقير في كل ليلة، حين يشارف الهزيع الأول من الليل على الانتهاء.

(هامش اعتراضي رقم 1: أود بهذه المناسبة أن أعترف بأني لا أعرف المعنى الدقيق للهزيع، غير أني أسمع كثيراً عن الهزيع الأخير من الليل وعليه أفترض أن هناك هزيعاً أولاً وثانياً وثالثاً ..الخ . انتهى الهامش.)

دودة!

وملخَّص واقع الحال أن الليلَ –في هزيعه هذا- يسوقني ركلاً الى هذا السلوك الذي لا أعرف له سبباً والذي يتكرر بإلحاح غريب حتى تسلل الى نفسي شك –ولو ضئيل- بأنني أقترب من المانيا.

(هامش اعتراضي رقم 2: لا أقصد بالطبع ألمانيا Germany وهي البلد الصناعي الأوربي المعروف الذي يبلغ عدد سكانه 82,398,326 نسمة (حسب إحصاء عام 2003) وتبلغ مساحته 356,970 كيلومترا مربعا والذي يحده –أو يحدها- من الشمال بحر البلطيق والدنمارك وبحر الشمال، ومن الشرق بولندا وجمهورية التشيك ومن الجنوب النمسا وسويسرا ومن الغرب فرنسا وبلجيكا ولوكسمبرغ وهولندا والذي انطلقت منه أو منها الحربان العالميتان الأولى (1914-1918) والثانية (1939-1945) .. كلا، كلا، معاذ الله لا أقصد ألمانيا أو ما يعرف بجمهورية ألمانيا الاتحادية أو Federal Republic of Germany بالانكليزية أو Bundesrepublik Deutschland باللغة الألمانية، وهي اللغة التي يتحدث بها حوالي 71 مليون نسمة في ألمانيا نفسها بالإضافة الى 7 ملايين نسمة في جمهورية النمسا و300 ألف نسمة في لوكسمبورغ و3،400،000 نسمة في الجزء الشمالي من سويسرا ومليون ونصف المليون نسمة في مقاطعة الألزاس واللورين شرقي فرنسا وعدد غير محدد بدقة في بلدان القارة الأوربية الأخرى. هذا في ما يخص أوربا، أما في الدول الأخرى فهناك جالية كبيرة تتحدث الألمانية في كل من: 1- البرازيل، ويبلغ تعدادها ..... ولكن أين كنت؟ آه كنت أقول إنني لم أقصد دولة ألمانيا بل المانيا mania وهي بحسب تعريف الموسوعة البريطانية- أو ربما الأمريكية "حالة عقلية غير سوية تتميز بمزاج يتسم بالتوتر، والمبالغة في تقدير النفس والثقة بها، وفرط النشاط، وقلة النوم، والثرثرة، والمقامرة، والتبذير، وتشتت الحديث واسترساله في تفاصيل مختلفة، والتلاحق السريع للأفكار...الخ الخ. ويعتقد المصابون بهذا المرض –وقانا الله وإياكم من شرّه- بأنهم أكثر شجاعة أو موهبة أو رهافة حس .. وقد تنتاب المصاب المسكين في الحالات الشديدة أعراض جنون العظمة أو الكآبة الانفعالية ..."

أقول هذا فقط لغرض التعريف والتوضيح والتبسيط وإضاءة جوانب الموضوع من النواحي اللغوية والعلمية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والفنية والتاريخية والـ... نعم. كان يمكنني بالطبع أن أعيد صياغة العبارة الأخيرة التي تسبق هذا الهامش وأقول إن شكاً ضئيلا جدا بدأ يتسلل الى نفسي بأنني أقترب من حالة المَسّ (حسب ترجمة برنامج الترجمة الألكترونية الملحق ببرنامج Microsoft Word إصدار عام 2002، أو الهَوَس والولوع الشديد حسب تعريف قاموس المورد للمرحوم منير البعلبكي في طبعته السادسة عشرة الصادرة عن دار العلم للملايين في بيروت سنة ..... ولكن لا.. لا أحب أن أطيل عليكم ... انتهى الهامش الثاني)

دودة . آه نعم دودة !

قلت إن ملخَّص واقع الحال هو إن الليلَ –في هزيعه هذا- يسوقني ركلاً الى هذا السلوك الذي يكاد يقترب- ولو جزئياً- من المانيا. التي تدفعني بدورها الى الإمساك بالقلم وكتابة بضع صفحات تخرج أحيانا على شكل أشعار متينة السبك واضحة المأخذ شريفة المقصد وأحيانا أخرى على شكل قصص أخلاقية واجتماعية تفيد النشأ وتهذب الخلق وتنير العقل وأحياناً أخرى على شكل مقالات سياسية واجتماعية واقتصادية ترشد العامة وتعين الخاصة من أصحاب الرأي والتدبير على سياسة رعيتهم بما يحقق منفعة الأوطان والمواطنين.

(هامش اعتراضي رقم 3: يلح علي اعتراف لا بد أن أفضي به في الحال: الحقيقة إني لم أكن دقيقا عندما أشرت الى أنني أمسك بالقلم .. الخ، فهذه في الواقع عبارة مجازية إذ إنني لا أمسك القلم بل أنقر على أزرار الكي بورد keyboard باستثناء الحالات التي يتصادف فيها انقطاع التيار الكهربائي الحكومي مع عطل المولد الكهربائي الذي اشتريته في السادس من شهر آب المنصرم: أصفر اللون، يعمل على البنزين، قدرته التوليدية تبلغ .... انتهى الهامش الثالث)

أف .. دودة !

يحدث هذا يومياً -أعني ليلياً- ومنذ أكثر من شهر –اثنان وثلاثون يوما بالتحديد- إذ ما أن أنتبه الى دقات ساعة المطبخ -التي تعمل على بطاريتين من الحجم المتوسط- وهي تقول: "تك تك تك. إنها الحادية عشرة ليلا يا عزيزي" حتى أقفز من فراشي –ومن حضن زوجتي في بعض الأحيان .. اعذرني فلا حياء في هذه المواضع-

"تك تك تك . إنها الحادية عشرة ليلا يا عزيزي"

تقول الساعة –وليس زوجتي بالطبع كما قد يتبادر الى ذهن البعض- عندها أنهض على الفور .. لا ليس الى الحاسبة بل الى المطبخ حيث أعد شطيرة من الجبن أو اللحم المعلب أو الخيار والطماطم وعلبة من المياه الغازية أو العصير وماعونا صغيراً من الموالح –أو النُقل. أنظر مادة نقل في لسان العرب- وأربعة سجائر أسبين أرتبها جميعا في صينية من الـ stainless steel .. -إيرانية الصنع، قطرها 25 سنتيمترا-






"تك تك تك .. إنها الحادية عشرة والنصف يا عزيزي"

أفتح الحاسبة وأنا أشعر بتوتر شديد.. ودون أن أدري : تك تك تك إنها الثانية عشرة ليلا..

عندها يأتيني الصوت –أقصد الأصوات المختلطة- لا أعرف من أين.. وفي كل مرة أشعر بخوفٍ شديد وكأني أسمع أصوات أقدامٍ لشرذمة تنوي تصفيتي.

(هامش اعتراضي رقم 4: أعني بالتصفية assassination وليس purification .. انتهى الهامش)

غير أن الصوت يزداد قرباً من رأسي –من أذني اليمنى بالتحديد- ويهمس في نبرة آمرةٍ متوعدة "أكتب" وسأطيع على الفور ومن المرة الأولى (وليس من المرة الثالثة كما يجري في الحوادث التاريخية).

"تك تك تك": ... أنقرُ على أزرار الكي بورد.

"تك تك تك .... إنها الواحدة صباحاً يا عزيزي" تقولُ ساعة المطبخ

"تك تك تك" أضربٌ بقوة أشد ... تتحولُ التَكّات الى إيقاع محموم.. أتناول النقل أولاً و..

"تك تك تك.. إنها الثانية صباحاً يا عزيزي" سأتظاهر بأنني لم أسمع ...أشربُ العصير

"تك تك تك" ... تتسارع الضربات على الأزرار

"تك تك تك ... إنها الثالثة يا عزيزي" تقول ساعة المطبخ متثائبةً فأترك الأزرار وأنا أحس بجوعٍ شديد ... التهم الشطيرة..وأنظر بإعجاب –أقصد بفخر- الى ما أبدعه عقلي الجميل –أعني المتميز- أراجع الكلمات واحدة فواحدة وأحصيها وأحاول أن أجعلها ذات عدد زوجي- قابل للقسمة على 6 إن أمكن- وأتساءل متباهيا بصوت مسموع: ألم تكن هذه أعجوبة أخرى؟

أطبع منها نسختين على الأقل .. أحفظها في مكانين مختلفين حتى يحين الوقت الذي يرتقي فيه الناس الى مرتبة فهمها والأخذ بها.

دودة!

(هامش رقم 5: تك تك تك ... إخرس ونم!)

18/5/2006

ليست هناك تعليقات:

بحث هذه المدونة الإلكترونية