قصائد مختارة من الشعر الإيراني الحديث-الجزء الأول

قصائد من الشعر الإيراني الحديث-الجزء الأول


برغم تنوع، وغنى ، وجمال الأدب الإيراني، وبرغم التقارب الجغرافي والحضاري والتاريخي بين الشعوب العربية والشعوب الإيرانية فإن القارئ العربي لم يزل يجهل الشيء الكثير عن الأدب الإيراني الحديث والمعاصر ، إذ لا تكاد معرفته بالأدب الإيراني والفارسي تتعدى نماذج قليلة مترجمة من شعر القرون الوسطى (الخيام ، الرومي ، الشيرازي ..الخ)

هذه الإضمامة الصغيرة من القصائد تمثل، رغم تواضعها، محاولة أولية لتقديم صورة وافية عن الأدب الإيراني الحديث أطمح الى أن تتوسع قريباً وتصدر في كتاب مستقل.





أفقٌ مضيء

أحمد شاملو





ليومٍ نعثرُ فيه من جديد

على حمائمنا

ويأخذُ فيه العطفُ

بيدِ الجَمال

**

ليومٍ تستحيلُ فيه أصغرُ الأغاني

الى قبلات

ويستحيلُ كلُّ إنسانٍ

أخا لكلِّ إنسانْ.

ليومٍ لا تُغلَقُ فيه الأبوابُ

ليومٍ تصيرُ فيه الأقفالُ

حكايةً .. عن زمنٍ بعيدْ

ويومَ يكفيكَ قلبُكَ ...

كي تعيش.



ليومٍ تصيرُ فيهِ "أحِبّك"

معنى لكلِّ حديثٍ

ولا نلهثُ وراءَ الكلماتِ

لنكشفَ عَمّا في الصدور.



ليومٍ تصيرُ فيه "الحياة"

لحناً لكلِّ حرفٍ

ولا أجهَدُ فيهِ

مِن أجلِ قافية.



ليومٍ تصيرُ فيه كلُّ شَفةٍ .. أغنية

وأقصرُ نشيدٍ .. قبلةً.



ليومٍ تعودينَ فيه..

تعودينَ للأبد

ويستوي فيهِ العطفُ بالجَمال.



ليومٍ كهذا

سأبقى في الانتظار

حتى لو انقضتْ أيامي

قبلَ أن أراه.








الزغابة الطائرة

مهدي إخوان ثالث



أيتها الزغابة الطائرة[1]

والآن! ماذا تحملين من أخبار؟

ومن أين ، ممن .. جئتِ بالأخبار؟

سعيدةٌ أخباركِ ؟ لا فائدة !

وتحويمك حول سقفي

آهٍ .. وحول بابي

لا نفع فيه !

...

لا انتظرُ أخباراً

لا انتظر زيارة .. أو رسولاً .. أو هديةً

فارحلي.. ارحلي أيتها الزغابة

الى حيث تنتظرك العيون والآذان..

فكل ما بقلبي

كل من بقلبي

أعمى .. وأصم !

غريبٌ أنا في موطني

ومرُّ التجاربِ يخبرني

بأنك تكذبين ..

وبأنك تخدعينني .. تخدعين!



....

أيْ زغابتي الطائرة !

إني أناديك!

هل رحلت حقاً مع الريح؟

إليك أتحدثُ .. إليك..

أينَ ذهبتِ ؟

آهٍ !

أحقاً ما زالت هناك أخبار؟

أحقاً ما زال هناك

في مكانٍ ما..

بقيةٌ من رمادٍ ساخنٍ

وهل ما زال في الموقد

-لا أطمع باللهيب-

شرارةٌ .. محض شرارةٍ صغيرة؟



أيتها الزغابة الطائرة !

كل غيوم الدنيا

كل غمام الليل والنهار

يبكي بقلبي !










بكاءٌ في الماء

عمران صلاحي



للماء معنى عميق

للماء معنى صريح

الماء يعني الامتداد

يعني النقاء والعشق

والضياء

الامتلاء

اليقظة

والخلاص من كل وعاء



الماء يعني الهمهمة

والاضطراب

والعصف

والثورة

الماء .. يعني الوجود!



أريد أن أكون زهرة لوتس مائية

لأجالس الأسماك في ساعات الغسق

وأثرثر معها



أريد مدينةً من الماء

وبيتاً بتلك المدينة

وعلى كل شباك بذاك البيت

أريد ستارةً من رقائق الماء



أريد أن تكون كل الصبايا

من الماء مجبولات

ليرسلن أطراف ثيابٍ من الموج

ويرقصن في خفةٍ وحبور



أريد أن يكون لروحي

تمايل الطحالب في الماء



على الأرض حيث تجهض الدموع

من خوف أو حياء

آهٍ ما ألذ البكاء .. تحت الماء



أنا الذي أغص بالدموع

إذا بكيت في الماء

فلن تعرفي.. لن تريني!



أريد بيتاً في الماء

الماء يعني.... كل نعمةٍ وجمال !





أي غبار ؟

فريدون مشيري





البراعم .. بشائر الحياة.

الحياة .. تفتّحُ البراعم.

وفي كل ربيع

من رَشاش الغيوم الكريمة

تمتلئ الغصون بالبراعم

وتتفتح البراعم

ليغدو كل غصنٍ ثريا

وكل شجرة مثقلة بالبراعم .. حديقة يانعة.



الطفل برعم

إذ يفتح عينيه على الحياة

وخدوده .. أحلى من الزهرة المتفتحة

وحين يظهر الدلال قي مهده

تصير بسمته .. ربيعا يضج بالأغنيات

ويغدو .. ثريا تضيء البيت



أيها النسيم المسافر

ألا فلتخبرنا :

أي ريحِ سمومٍ

وحشيةٍ فاجعة

تحيل شيئاً فشيئاً

هذه البراعم

في حديقة الحياة

وورود العشق هذي

الى أشواك بالغة ؟

وأي غبار سحري

قادم من مجرةٍ بعيدة

يحيل هذي الحمامات

المعششة في أبراج المحبة

الى ذئاب كاسرة ؟





هل تريدين ؟

سيد علي صالحي



هل تريدين الذهاب معي

حتى منعطف الدرب

لتعبري ظلال الصمت الباردة

وتجرّبي .. دقيقةً فحسب

أثرَ الشمس ؟

يقولون أنهم هناك

يبصرون أثرَ الشمس

في أغنيات المرايا



هل تريدين أن تحدثيني

دقيقةً فحسب

وسط هذه الهمهمات

عن رائحة المطر

أو شميم القبلات ؟

يقولون أن الناس إذ يتعلقون بالناس

يفهمون أغنيات المرايا

في هذه الدقائق الحكيمة.





دعونا لا نعكر الماء!

سهراب سبهري





دعونا لا نعكر الماء!

فربما، هناك في أسفل النهر،

حمامةٌ تنهل منه

أو طيرٌ يغسل جناحيه المتعَبين

أو جرةٌ تمتلئ بالماء



دعونا لا نعكر الماء!

قد يبلغ هذا الزلال

أقدام شجرة حورٍ

لتغسل أحزان الفؤاد

أو تغمس يد درويش فقير

كسرةً من يابس الخبز

أو تقف على الضفة الرائقة

حسناءٌ يلفها الجمال



دعونا لا نعكر الماء!

فالوجه المليح

يحق له .. أن يرى قرينه!



أي ماء زلال !

أي ماء مريء !

وأي صفاءٍ يحملهُ

أولئك الذين في أعاليه !

فلتبقَ ينابيعهم ... أبداً دافقات

ولتبق أبقارهم ... مترعات بالحليب !

لم أرَ قراهم

لكنني لا أشك

بأن أعتاب أسيجتهم

كانت موطئاً لأقدام الله !

وأن نور البدر

يضيء أعطاف الكلمات.

لا أشك أبداً

بأن الأسوار هناك

في قرى الأعالي .. واطئات

ولو تفتحت زهرةٌ في أكمامها

لكان عندهم .. عنها خبر !



أي قريةٍ لا بد أن تكون !

فلتطفح شعابُ بساتينها .. بالموسيقى !



الناس في أعالي النهر

يفهمون الماء .. لا يخدشون صفاءه...

فلنكن مثلهم

ودعونا.. لا نعكر الماء.








[1] الزغابة الطائرة (وتدعى بالفارسية قاصِدَك) جزء خفيف من بعض النباتات والحشائش يطير في الهواء ويتمايل هنا وهناك مع النسيم. هناك معتقد إيراني بأن من تحط الزغابة عنده سيتلقى قريباً خبراً (ساراً على الأرجح).

ليست هناك تعليقات:

بحث هذه المدونة الإلكترونية